عرف ربه موصوفا بالكمال منفردا بالعز والجلال منزها عن لحوق التغير والزوال متعاليا عن الأين والكيف والمثال. قال بعضهم: وخلاف الأئمة عندي في هذه المسألة خلاف في حال، فمن نفى العلم بالحقيقة فإنه مقر بأن الله تعلى لا يحاط بهوبأن جلالته وعظمته وكبرياءه لا يلحقها وهم ولا يقدرها فهم، وأن العقول قاصرة عاجزة عن إدراك ذلك الجلال ومن أثبت العلم بالحقيقة فإنه مقر بأنه تعالى عرفه العارفون بدلالة الآيات وتحققوا اتصافه تعلى بواجب الصفات وتيقنوا تنزيهه عن التشبيه بالمحدثات تقديسه عن الحدود والكيفيات وعلموا بأنه المستبد بابداع الكائنات فهو تعالى الملك المطاع الذي عزه لا يرام وسلطانه لا يضام.
(ولا يحيط بأمره المتفكرون):
يقال حاط وأحاط بمعنيين فمعنى حاطه كلأه ورعاه وأحاط به علما وهو من الواوي لظهورها في المضارع الثلاثي نحو يحوط وتنقلب ياء في المضارع الرباعي والتفكر التأمل.
(يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في مائية ذاته):
آيات الله تعالى عقلية وشرعية، فالعقلية أدلة مخلوقاته وعجائب مصنوعاته.
وفي كل شيء له أية = تدل على أنه واحد
والشرعية آيات كتابه وأدل خطابه وجملة أسراره ومعانيه، والماهية والمائية بمعنى الحقيقة وقد أخذ على الشيخ في إطلاق لفظ المائية على الباري ﷾. قال ابن رشد رد على الشيخ في قوله مائية ذات والصحيح أنه لا مائية لذاته فيقع التفكر. قال عبدالوهاب والمائية لا تكون إلا لذي الجنس والنوع وما له مثالا إلا أن يريد بالمائية ضربا في المجاز والاتساع.
وقوله: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" [البقرة:٢٥٥]
: أي بشيء من معلوماته، دل على صحة ذلك الاستثناء والبعضية وإطلاق العلم على المعلوم كثير، وقد ورد عن الصحابة ﵃ اللهم اغفر لنا علمك فينا. وفي قضية الخضر على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ما نقص علمي وعلمك من علم الله تعالى إلخ يريد من معلوم الله تعالى وهذا لا خفاء به. قيل المعلومات كلها خمسة أقسام: قسم لا يعلمه أحد سواه كعلمه بذاته وصفاته وقسم علمه اللوح والقلم وهو معرفة ما جرى به القلم في اللوح وقسم علمه الملائكة وقسم علمه الأنبياء والخامس علمه الأولياء
1 / 22