وأصحابنا أهل السنة رحمهم الله لما وجدوا تفرقة بديهية بين ما نزاوله أي: نباشره من الأفعال الاختيارية، وبين ما نحسه من الجمادات من الحركات الصادرة بدون شعور واختيار، فإنهم علموا بالبديهة التي يصير دافعها مكابرا أن للاختيار مدخلا في الأول دون الثاني.
ومنعهم الدليل الدال على أن الله تعالى خالق كل شيء، عن إضافة الفعل إلى اختيار العبد مطلقا جمعوا بين أمرين وقالوا: الأفعال واقعة بقدرة الله وكسب العبد على معنى أن الله تعالى أجرى عادته بأن العبد إذا صمم العزم على فعل الطاعة يخلق الله تعالى فعل الطاعة فيه، وإذا عزم على فعل المعصية يخلق فعل المعصية فيه، وعلى هذا يكون العبد كالموجد لفعله، وإن لم يكن موجدا حقيقة، وهذا القدر كاف في الأمر والنهي، وإذا عرف استحالة قدرة الاختراع للعبد وثبوت الفعل والقدرة له ثبت جواز دخول مقدور واحد تحت قدرة قادرين: إحداهما: قدرة الاختراع، والأخرى: قدرة الاكتساب، وإنما المستحيل دخوله تحت قدرتين كل واحدة منهما قدرة الاختراع أو قدرة الاكتساب، والأولى أن يسلك في هذا المقام طريقة السلف رحمهم الله تعالى، وتترك المناظرة فيه، ويفوض علمه إلى الله تعالى (1).
وقوله: (مع أعماله وإقراره ومعرفته) يشير إلى أن الإيمان مخلوق، وقد تقدم فيما مضى (2).
পৃষ্ঠা ৯৬