أقول: إذا عرف أن الإيمان عبارة عن التصديق (1)، فمن جعله عبارة عن مجرد الإقرار كالكرامية، أو عن الإقرار بشرط المعرفة والتصديق كعبد الله ابن سعيد القطان (2) ، أو عن المعرفة وحدها كجهم بن صفوان والمعتزلة (1)، فقد صرف الاسم عن المفهوم اللغوي بلا ضرورة، ولو جاز ذلك لجاز في كل اسم لغوي، وفيه إبطال اللغات ورفع الوصول إلى الدلائل السمعية، وأيضا فإن الدلائل تدل على ذلك.
أما على أن الإقرار ليس وحده بإيمان، فيدل عليه قوله تعالى في حق المنافقين: ?والله يشهد إن المنافقين لكاذبون? [المنافقون: 1]، أثبت لهم الكذب، ولا شك في قيام الإقرار بهم، وقوله تعالى: ? إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان? [النحل: 106] فإنه يدل على أن موضع الإيمان القلب لا اللسان، وكذلك قوله تعالى: ?ولما يدخل الإيمان في قلوبكم? [الحجرات: 14]، وقوله: ?أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان? [المجادلة: 22].
وكأن الكرامية إنما قالوا ذلك لما رأوا من إجراء أحكام الإسلام على الذين شهدوا باللسان، ولا كلام فيه، وإنما الكلام في اعتباره في حق أحكام الآخرة، وهم في أحكام الآخرة كفار، لقوله تعالى: ?استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم? [التوبة: 80]، وقوله: ? إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار? [النساء: 145]، وقد قال تعالى في حقهم: ?من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم? [المائدة: 41]، ولو لم يكن بالقلب إيمان لم يكن لهذا القول فائدة، كمن يقول لآخر: لم تؤمن يدك أو رجلك.
পৃষ্ঠা ৪৩