بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم يسر برحمتك
قال الشيخ أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانينيّ ﵀:
الكلامُ كلُّه ثلاثة أقسام: اسمٌ، وفعلٌ، وحرفٌ. فالحرف لا يوزن، لأنّ الغرض بالوزن أن يعرف الأصليُّ من الزّائد، والحروفُ لا يُعْرَفُ لها اشتقاقٌ ولا أصلٌ أُخِذَتْ منه فتُرَدُّ إليه؛ فلأجل هذا لم توزن. ألفاتُها كلُّها أصولٌ كألف "ما" و"لا" و"إلّا" و"حتّى" و"أمّا" وما أشبه ذلك، ولا يُحْكَمُ على ألفاتِها بالانقلاب عن ياءٍ ولا واوٍ ولا همزةٍ، ولا بأنّها زائدةٌ للإلحاق أو للتأنيث، لأنّها لا يُعْرَفُ لها اشتقاق.
والذي يدخل في الوزن: هي الأسماءُ والأفعالُ، وإنّما دخلتا في الوزن، لأنّه يعرف اشتقاقهما وأصولهما والزيادة عليهما.
1 / 191
والذي يوزن به الأسماء والأفعال هو: "الفاء والعين واللام".
والأفعال على ضربين: أصليٌّ وذو زيادةٍ، وهو أربعة أبنية: ثلاثةٌ للفاعل وواحدٌ للمفعول، فما كان للفاعل فهو على: "فَعِلَ" و"فَعَلَ" و"فَعُلَ"، فمثال فَعِلَ: "عَلِمَ" و"رَكِبَ"، ومثالُ فَعَلَ "ضَرَبَ" و"أَكَلَ"، ومثالُ فَعُلَ "ظَرُفَ" و"كَرُمَ".
فأمّا "فَعُلَ" فهو غير مُتَعَدٍّ إلى مفعول به، وأمّا "فَعَلَ" و"فَعِلَ" ففيهما متعدٍّ وفيهما لازمٌ وقد ذكرنا ذلك في النَّحْو وأمّا ما يختصُّ بالمفعول فهو: "فُعِلَ" نحو: "أُكِلَ" و"ضُرِبَ"، وهذا الذي يختصُّ بالمفعول أوَّلُهُ مضمومٌ في الماضي والمستقبل نحو: "أُكِلَ يُؤْكَلُ" و"ضُرِبَ يُضْرَبُ".
ولا يجوز أن يُكْسَرَ أوّلُه إلّا أن يكون ثانيه ياء أو يكون مضاعفًا
1 / 192
نحو: "قيل" وبيع ورِدَّ، وقد قُرِئَ بهما، والإشمام جائز فيما كُسِرَ من هذا النَّوْع وقد قُرِئَ بكلِّ ذلك وإن زاد الماضي على ثلاثة ضُمَّ أوَّلُه في الماضي والمستقبل نحو: "أُكْرِمَ يُكْرَمُ" و"اسْتُخْرِجَ يُسْتَخْرَجُ".
1 / 193
وإذا كان الفعل على أربعة أحرفٍ جاز أن يكون أصولًا كلُّه، وجاز أن يكون ذا زيادة، فإذا كان أصولًا كلُّه قيل له رباعيٌّ وقيل له على أربعة أحرف نحو: "دحرجَ" و"قَرْطَسَ"، و"سَرْهَفَ"، وكلُّ رباعيٍّ فهو على أربعة أحرف، وليس كلّ ما يكون على أربعة أحرف يقال له رباعيّ، لأنّ الرباعيَّ يختصّ به الأصليّ دون الزّائد فهو خاصٌّ لهذا المعنى، وعلى أربعة أحرف يشترك فيه الأصليُّ والزّائد فهو عامّ فيهما.
فأمّا ذو الزّيادة من الأربعة فـ"فَعُلَ وفاعَلَ وأفْعَلَ" نحو: "كَسَّرَ"، و"قاتَلَ"، و"أكْرَمَ".
وما زاد على الأربعة فلا يكون إلّا بزيادةٍ.
وأمّا الخماسيّ فما كان على "افْتَعَلَ" و"انْفَعَلَ" و"افْعَلَّ" نحو "انطلقَ
1 / 194
واحْتَمَلَ واحْمَرَّ" والسُّداسيُّ نحو: "احمارَّ" و"استخرج" و"اغْدَوْدَنَ" و"اطْمأنَّ" و"اقْشَعَرَّ" وأمثلتُه كثيرة.
فأمّا الثلاثيُّ من الأفعال إذا كان الفعل مبنيًا لفاعله فحرفُ مضارعته مفتوحٌ من "فَعُلَ" بغير خلافٍ عن العرب، وإذا كان الماضي على "فَعِلَ" أو في أوَّلِه ألفُ وصلٍ فالعرب تختلف في حرف المضارعة منه، فأفصحُ اللغاتِ فيه الفتحُ نحو "عَلِمَ يَعلمُ" و"اسْتَخْرَجَ يَسْتخرجُ" فهؤلاء يفتحون جميع حروف المضارعة من الهمزة والنون والتّاء والياء فيقولون: أنا "أعلم" وأنت "تعلمُ" ونحن "نَعْلمُ" وهو "يَعْلَمُ" وأنا "أسْتَخْرِجُ" ونحن "نَسْتخرِجُ" وأنت
1 / 195
"تَسْتخرِجُ" وهو "يَستخرجُ"، وهذه أفصح اللغات، وهو الأصل لجميع اللغات.
والمذهب الثاني: نقيض هذا المذهب وهو أن يكسروا جميع حروف المضارعة، وإن كانت الكسرة في الياء ثقيلة فإنّهم يتحمّلونها فيقولون: أنا
1 / 196
"إِعْلَمُ" ونحن "نِعْلَمُ" وأنتَ "تِعْلَمُ" وهو "يِعْلَمُ" وأنا "إسْتَخْرِجُ" ونحن "نِسْتَخْرِجُ" وهو "يِسْتَخْرِجُ"، وقد قُرِئَ بذلك كُلّه. والمذهب الثالث: قومٌ من العرب يكسرون الهمزة والنون والتاء ويفتحون الياء فيقولون: أنا "إعْلَمُ" ونحن "نِعْلَمُ" وأنت "تِعْلَمُ" وهو "يَعْلَمُ" بفتح الياء، لأنهم يستثقلون الكسرة في الياء.
فإذا كان في أوّله واوٌ نحو "وَجِلَ يَوْجَلُ" اختلف أهل الكسر فيه فكان قومٌ يكسرون حروف المضارعة فتنقلب الواو ياء لسكونها
1 / 197
وانكسار ما قبلها فقالوا "يِيجَلُ" و"نِيجَلُ".
وقومٌ من العرب يكسرون الهمزة والنون والتاء ويفتحون الياء فيقولون هو "يَوْجَلُ"، وقومٌ ممن يكسرون الهمزة والنون والتاء يقلبون من الواو ألفًا فيقولون هو "ياجَلُ"، وهذا قلب على غير قياس، لأنّ الواو الساكنة لا تقلب ألفًا، وهم يقلبونها مع جميع حروف المضارعة ويفتحون لها ما قبلها فيقولون أنا "آجَلُ" ونحن "ناجَلُ" وأنت "تاجَلُ" وهو "ياجَلُ"، لأنّهم يَفِرُّون من ثقل الواو إلى خفَّة الألف.
1 / 198
وإذا كان الماضي على ثلاثة أحرف فتحوا منه حرف المضارعة نحو: "يَضْرِبُ" و"يَعْلَمُ" لأن الثلاثيَّ خفَّ على ألسنتهم وكثر استعمالهم له فاختاروا له الفتحة، لأنّها أخفُّ الحركات وأكثرها في الاستعمال.
فأمّا الذين كسروا حرف المضارعة فإنّهم أرادوا أن يدلّوا على أنّ الفعل الماضيَ مكسورُ العين أو في أوّله همزةٌ فلمّا أرادوا أن يدُلّوا على هذا لم يخلوا أن يكسروا حرف المضارعة أو فاء الفعل أو عينه أو لامه [ولم يجز أن يكسروا لامه] لأنّه حرف الإعراب ولو ألزموها الكسر لبطل أن يدخلها إعرابٌ، ولم يجز أن يكسروا عينه، لأنّ بحركة العين يُفْصَلُ بين الأبنية من "يفْعُلُ" و"يَفْعِلُ" و"يَفْعَلُ"، لو ألزموها الكسر لبطل هذا الفرق، ولم يجز أن يكسروا فاء الفعل لئلا يتوالى في اللفظ أربع حركات ليس بينها حاجز في اللفظ ولا في التقدير، فلم يبق إلّا حرف المضارعة فكسروه.
وإذا كان الماضي على أربعة أحرف ضمُّوا حرف المضارعة من مستقبله نحو: "أكرم يُكْرِمُ" و"كَسَّرَ يُكَسِّرُ" و"دَحْرَجَ يُدَحْرِجُ" و"قاتل يُقاتل"، وإنّما اختاروا له الضَّمَّة، لأنّ الفتحة قد غلب عليها الثلاثيُّ فلم يبق له إلّا أن يُضَمَّ
1 / 199
أو يُكْسَرَ، ولم يجز أن يُكْسَرَ لئلّا يُلْبَسَ بلغة الذين يكسرون حرف المضارعة فخُلِّصت له الضمَّة دون غيرها.
فأمّا ما زاد على الأربعة كالخُماسيّ والسُّداسيِّ نحو: "انطلق" و"استخرج" وما كان على وزنهما فإنّهم فتحوا فيهما حرف المضارعة نحو: "يَنطلقُ" و"يَسْتخرج"، وإنّما اختاروا لهما الفتح لأمرين:
أحدهما: أنّه قد كثرت حروفهما فلم يجمعوا عليهما كثرة الحروف وثقل الضمّة.
والوجه الثاني: أنّ أكثر ما يكون الخماسيُّ والسداسيُّ من الثُّلاثيِّ وقلّما يكون من الرباعيّ فلم يحفلوا بما كان منهما من الرباعيِّ لقلّته، وحملوا الزائد على الأصليِّ فأعطوْه الفتح، لأنّ الثلاثيَّ هو الأصلُ.
وحكى قومٌ الضمَّ في الخماسيّ والسُّداسيِّ كأنّهم حملوه على ذوات الأربعة، وهذا شاذٌّ لا يؤخذ بمثله.
وأقلُّ ما يكون عليه الفعلُ الثَّلاثةُ وأكثرُ ما تبلغه الزيادةُ السِّتَّة.
1 / 200
فأمّا الأسماء فالأصول منها ثلاثة أقسام: ثلاثيّ، ورباعيّ، وخماسيّ، وأكثر ما تبلغه بالزيادة السبعة نحو: "احميرار" و"اطمئنان" وذلك أن غاية الأصل في الأسماء هو الخمسة، وغاية الأصل في الفعل الأربعة فلمّا زاد غاية الاسم في الأصل على غاية الفعل حرفًا جاز في الزيادة غاية الاسم على غاية الفعل، فصار انتهاء الاسم بالزّيادة سبعةٌ وانتهاء الفعل بالزيادة ستّةٌ.
وأمّا ما يتركَّبُ من "ف ع ل" من الأسماء والصِّفات بغير خلافٍ فهي عشرةُ أبنيةٍ "فَعْلٌ: كَعْبٌ"، "فَعَلٌ: قلمٌ"، "فَعِلٌ: كَتِفٌ"، "فَعُلٌ: عَضُدٌ"، هذا مع فتح الفاء.
"فُعْلٌ: قُفْلٌ"، "فُعُلٌ: طُنُبٌ"، و"فُعَلٌ: نُغَرٌ" هذا مع ضمِّ الفاء. فأمّا "فُعِل" نحو "ضُرِب" و"شُتِم" فهو بناء يختصُّ بالفعل، وقد حكى
1 / 201
الأخفشُ بناء حادي عشر وهو "فُعِلٌ" "دُئِلٌ" وهو اسم دويْبَة، قال الشاعر:
جاءوا بجيشٍ لو قيس مَعْرَسُهُ ... ما كان إلّا كمَعْرَسِ الدُئِلِ
1 / 202
وقال قومٌ إنّما سُمِّيت بالفعل يقال "دُئِلَ" في هذا الموضع كما يقال "عُدِيَ" فيه. فأمّا "دُئِلُ" اسم قبيلة أبي الأسود فقال قوم سُمِّيت باسم الدُّوَيْبَةِ، وقال قوم بل سُمِّيَتْ بالفعل.
و"فعلٌ: جِذْعُ" و"فِعَلٌ: ضِلَعٌ" و"فِعِلٌ: إبلٌ".
1 / 203
وبقي "فِعُل" وهو بناء ليس في الأسماء ولا في الأفعال فأمّا من قال "ضِئْبُل" و"إِصْبُع" فلا يقاس على لغته.
فقد صار بناء الثلاثيِّ عشرة بغير خلاف، والحادي عشر فيه الخلاف، وقد مضى تمثيله.
وإنّما كثرت أبنية الثّلاثيّ، لأنّه لما قلّتْ حروفُه كثر استعمالهم له فكثَّروا أبنيته والتصرُّفَ فيه.
1 / 204
فأمّا الرّباعيُّ فله خمسة أبنيةٍ، لم يختلفوا فيها، ثلاثةٌ بكسر الفاء، وواحدٌ بضمِّها، وواحدٌ بفتحها.
فأمّا المكسور الفاء فـ "فِعْلِلٌ" مثاله: "زِبْرِجٌ" و"فِعْلَلٌ" مثاله: "دِرْهَمٌ"، و"فِعَلٌّ" مثاله: "قِمَطْرٌ".
1 / 205
والمفتوح الفاء "فَعْلَلٌ" مثاله "جَعْفَرٌ" والمضمومُ: "فُعْلُل" مثاله "بُرْثُنٌ".
وهذه الأمثلة تكون أسماء وتكون صفات. وقد زاد الأخفش بناء سادسًا وهو "فُعْلَلٌ" ومثاله: "جُؤْذَرٌ" و"بُرْقَعٌ". وهذا بناء لم يحكه
1 / 206
سيبويه ولا أصحابه وإنّما قلّت أبنية الرباعيّ، لأنّه لما زاد حرفًا على الثلاثيّ خرج عن الاعتدال، لأنّ أعدل الأسماء هو الثلاثيّ فقلّ تصرُّفهم فيما زاد عليه فقلَّلوا أبنيته.
فأمّا الخماسيُّ فهو أربعة أبنية بلا خلاف بينهم تكون أسماء وصفاتٍ اثنان بفتح الفاء وواحدٌ بكسرها، وواحد بضمِّها فأمّا المكسور
1 / 207
الفاء: فهو "فِعْلَلٌّ" مثاله "جِرْدَحْلٌ" والمضموم الفاء: "فُعَلِّلٌ" مثاله "قُذَعْمِلٌ" وأمّا المفتوح الفاء فهو "فَعَلَّلٌ" مثاله "سَفَرْجَلٌ" و"فَعْلَلِلٌ" مثاله "جَحْمَرِشٌ" وزاد ابن السّرّاج بناءً خامسًا وهو "فُعْلَلِلٌ" مثاله: "هُنْدَلِعٌ"
1 / 208
فجملة الأبنية المتَّفق عليها في الأسماء تسعة عشر بناءً: عشرة في الثلاثيّ، وخمسةٌ في الرباعيِّ، وأربعة في الخماسيِّ، لأنّهم لمّا قلّ تصرُّفهم في الرُّباعيّ وهو آخِذٌ من الخماسيّ كانوا جُدَراءَ بأن يقلَّ تصرُّفهم في الخماسيّ لطوله وبعده عن الثُّلاثيّ.
وأمّا الأبنية الزّائدة فهي ثلاثة: واحد في الثلاثيّ وهو "فُعِلٌ"، وواحد في الرّباعيّ وهو "فُعْلَلٌ" وواحد في الخماسيّ وهو "فُعْلَلِلٌ". فصار جملة الأبنية اثنين وعشرين بناءً، فهذه جملة الأصول.
فأمّا سداسيٌّ وسباعيٌّ فإنما يكون بالزّيادة، فإذا لحق شيءٌ من الثّلاثيّ بالرّباعيّ فإنّما يلحق بزيادة حرف واحد، وإذا لحق شيءٌ من الرّباعيّ [بالخماسيّ] فإنّما يلحق بزيادة حرف، فإذا لحق شيء من الثلاثيّ بالخماسيّ فإنّما يلحق بزيادة حرفين، وينبغي أن يعتبر بكلّ واحد من الحرفين في الرباعيّ، فإن وجد له فيه معنًى عُلِم أنّه أُلْحِقَ بالرّباعيّ بذلك الحرف، ثمّ ألحق بالحرف الثاني بالخماسيّ على هذا التدريج، فإن لم يوجد له معنًى بالرباعيّ مع كلّ واحد من الحرفين الزائدين قطع على أنه ألحق بالخماسيّ بزيادة الحرفين في ضربة واحدة.
1 / 209
وأنا أذكر بعد هذا الفصل -إن شاء الله تعالى - أوّل التصريف، وبالله التوفيق.
التصريف في اللغة: إنّما هو الذّهاب والمجيء والحركة والسكون، ومنه قوله تعالى: (وتصريف الرياح) إنّما هو تدبيرها والتصرُّف فيها بأن يُهِبَّها مرة من جهة ومرّة من جهة أخرى، والتصريف في النّحو إنّما هو مُشَبّه بالتصريف في الأفعال.
وإذا كان الفعل يتعدّى إلى مفعول واشتققت للمفعول منه فعلًا بالنّفي أو الإثبات لتدلَّ على قبوله التأثير وتأتِّيه فيه، سَمَّيْتَ فعل المفعول مُطاوِعًا لفعل الفاعل، وإذا كان فعل المفعول مطاوِعًا لفعل الفاعل فمصدره مطاوِعٌ لمصدر فعل الفاعل تقول: كسرت القلمَ فانكسر، فـ"انكسر" مُطاوِعٌ لـ "كَسَرْتُ"، و"الانكسارُ" مُطاوِعٌ "للكسرِ"، كذلك تقول قطعتُ الحبلَ فانقطع، فـ"انقطع" مطاوِعٌ لـ"قطعْتُ"، و"الانقطاع" مطاوِعٌ "للقطع"،
1 / 210