قوله: "من محامد" حال من الكلم بيانا له على ما قال النبي عليه السلام "هو سبحان الله الشرع ماء ولفروعها من قبول القبول نماء" القبول الأول ريح الصبا "على أن جعل أصول الشريعة ممهدة المباني وفروعها رقيقة الحواشي" أي لطيفة الأطراف والجوانب ودقيقة
...................................................................... ..........................
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن فإذا لم يكن له عمل صالح لم يقبل" ، وإنما صلح الجمع المنكر بيانا للمعرف المستغرق لما سيجيء من أن النكرة تعم بالوصف كامرأة كوفية، ولأن التنكير هاهنا للتكثير، وهو يناسب التعميم. والمحامد جمع محمدة بمعنى الحمد، وهو مقابلة الجميل من نعمة أو غيرها بالثناء والتعظيم باللسان. والشكر مقابلة النعمة بالإظهار وتعظيم المنعم قولا أو عملا أو اعتقادا فلاختصاص الحمد باللسان كان بيان الكلم بها أنسب والمشارع جمع مشرعة الماء وهي مورد الشاربة والشرع والشريعة ما شرع الله تعالى لعباده من الدين أي أظهر وبين وحاصله الطريقة المعهودة الثابتة من النبي عليه السلام جعلها على طريق الاستعارة المكنية بمنزلة روضات وجنات فأثبت لها مشارع يردها المتعطشون إلى زلال الرحمة والرضوان وبهذا الطريق أثبت لقبول العبادة الذي هو مهب ألطاف الرحمن ومطلع أنوار الغفران ريح الصبا التي بها روح الأبدان ونماء الأغصان فإن القبول الأول ريح الصبا ومهبها المستوي مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار ويقابلها الدبور والعرب تزعم أن الدبور تزعج السحاب وتشخصه في الهواء، ثم تسوقه فإذا علا كشف عنه واستقبلته الصبا فوزعت بعضه على بعض حتى يصير كسفا واحدا، ثم ينزل مطرا تنمي به الأشجار والقبول الثاني من المصادر الشاذة لم يسمع له ثان والنماء الزيادة والارتفاع نما ينمي نماء ونما ينمو نموا وحقيقة النمو الزيادة في أقطار الجسم على تناسب طبيعي، ثم في وصف المحامد بما ذكر تلميح إلى قوله تعالى: {ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء} [ابراهيم:24] فإن المحامد لما كانت هي الكلم الطيب والكلمة الطيبة كشجرة طيبة فالمحمدة شجرة لها أصل هو الإيمان والاعتقادات وفروع هو الأعمال والطاعات وتحقيق ذلك أن الحمد، وإن كان في اللغة فعل اللسان خاصة إلا أن حمد الله تعالى على ما صرح به الإمام الرازي في تفسيره ليس قول القائل الحمد لله، بل ما يشعر بتعظيمه وينبئ عن تمجيده من اعتقاد اتصافه بصفات الكمال والترجمة عن ذلك بالمقال والإتيان بما يدل عليه من الأعمال فالاعتقاد أصل لولاه لكان الحمد كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار والعمل فرع لولاه لما كان للحمد نماء إلى الله تعالى وقبول عنده بمنزلة دوحة لا غصن لها وشجرة لا ثمرة عليها، إذ العمل هو الوسيلة إلى نيل الجنات ورفع الدرجات قال الله تعالى: {والعمل الصالح يرفعه} [فاطر:10]، وفي الحديث: "فإذا لم يكن عمل صالح لم يقبل" فأشار المصنف إلى أن لشجرة المحامد أصلا ثابتا هو الاعتقاد الراسخ الإسلامي المبتنى على علم التوحيد والصفات وفرعا ناميا إلى الله تعالى مقبولا عنده هو العمل الصالح الموافق للشريعة المطهرة المبتنى على علم الشرائع والأحكام وأشار إلى الاختصاص والدوام بقوله إليه يصعد بتقديم الظرف المفيد للاختصاص ولفظ المضارع المنبئ عن الاستمرار.
পৃষ্ঠা ১০