শারহ তালওইহ
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
জনগুলি
والأقرب أن يقال المفهوم من الآية التهديد على مخالفة الأمر وإلحاق الوعيد بها فيجب أن يكون مخالفة الأمر حراما وتركا للواجب ليلحق بها الوعيد والتهديد، ومنها قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36]، الضمير في لهم لمؤمن ومؤمنة جمع لعمومها بالوقوع في سياق النفي وفي أمرهم لله ورسوله جمع للتعظيم، والمعنى ما صح لهم أن يختاروا من أمرهما شيئا، ويتمكنوا من تركه بل يجب عليهم المطاوعة وجعل اختيارهم تبعا لاختيارهما في جميع أوامرهما بدليل وقوع الأمر نكرة في سياق الشرط مثل إذا جاءك رجل فأكرمه، وهذا أولى من القول بوقوعه في سياق النفي. ثم لا بد هاهنا من بيان الأمرين: أحدهما أن القضاء هاهنا بمعنى الحكم، وتحقيقه أنه إتمام الشيء قولا كما في قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء:23]، أي حكم أو فعلا كما في قوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات} [فصلت:12]، أي خلقهن وأتقن أمرهن، ولا يخفى أن الإسناد إلى الرسول يأبى عن هذا المعنى فتعين الأول، وأما إطلاقه على تعلق الإرادة الإلهية بوجود الشيء من حيث إنه يوجبه فمجاز، وثانيهما: أن المراد من الأمر هو القول دون الفعل أو الشيء على ما ذكروا في قوله تعالى: {إذا قضى أمرا} [آل عمران:47]، أي إذا أراد شيئا، وذلك؛ لأنه لو أريد فعل فعلا فلا معنى لنفي خيرة المؤمنين، ولو أريد حكم بفعل أو شيء احتيج إلى تقدير الباء، وهو خلاف الأصل، وعلى تقدير ارتكابه لا يصح نفي الخيرة على الإطلاق لجواز أن يكون الحكم بندب فعل شيء أو إباحته، وحينئذ تثبت الخيرة، وعلى تقدير أن يكون الحكم بفعل موجبا لنفي الخيرة يثبت وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} [المرسلات:48]، وللعرف فإن كل من يريد طلب الفعل جزما يطلب بهذا اللفظ.
...................................................................... ..........................
المدعى، وهو أن الأمر بالشيء يقتضي نفي الخيرة للعباد ولزوم المتابعة والانقياد فظهر أن المراد من الأمر في قوله، من أمرهم هو القول المخصوص إما بمعنى المصدر أو نفس الصيغة سواء جعل أمرا نصبا على المصدر أو التمييز لما في الحكم من الإبهام أو الحال على أن المصدر بمعنى اسم الفاعل كما تقول جاءني زيد ركوبا فأعجبني ركوبه، ومنها قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [لأعراف:12] أي ما منعك من السجود على زيادة لا أو ما دعاك إلى ترك السجود مجازا؛ لأن المانع من الشيء داع إلى نقيضه، والاستفهام للتوبيخ والإنكار والاعتراض وهو إنما يتوجه على تقدير كون الأمر للإيجاب ليستحق تاركه الذم، وإلا فله أن يقول: إنك ما ألزمتني السجود فعلام اللوم والإنكار والتوبيخ فإن قلت هذا لا يدل إلا على كون الأمر بالسجود للوجوب، ولا نزاع لأحد في استعمال الأمر لذلك، وإنما النزاع في كونه حقيقة له، وخاصا به.
قلت: إطلاق قوله: {اسجدوا لآدم} [البقرة:34] من غير قرينة مع قوله: {إذ أمرتك} [لأعراف:12] دون أن يقول: إذ أمرتك أمرا يجاب وإلزام دليل على أن الأمر المطلق للوجوب، وهو المدعي "إذ" لا نزاع في أن المقيد بالقرينة يستعمل في غير الإيجاب مجازا، ومنها قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل:40] ذهب أكثر المفسرين: إلى أن هذا الكلام مجاز عن سرعة الإيجاد وسهولته على الله تعالى، وكمال قدرته، تمثيلا للغائب أعني تأثير قدرته في المراد بالشاهد أعني أمر المطاع للمطيع في حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف ولا افتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة، وليس هاهنا قول ولا كلام وإنما وجود الأشياء بالخلق والتكوين مقرونا بالعلم والقدرة والإرادة، وذهب بعضهم إلى أنه حقيقة وأن الله تعالى قد أجرى سننه في تكوين الأشياء أن يكونها بهذه الكلمة، وإن لم يمتنع تكوينها بغيرها، والمعنى نقول له: احدث فيحدث عقيب هذا القول لكن المراد الكلام الأزلي القائم بذات الله تعالى لا الكلام اللفظي المركب من الأصوات والحروف؛ لأنه حادث فيحتاج إلى خطاب آخر، ويتسلسل، ولأنه يستحيل قيام الصوت والحرف بذات الله تعالى، ولما لم يتوقف خطاب التكوين على الفهم، واشتمل على أعظم الفوائد، وهو الوجود جاز تعلقه بالمعدوم بل خطاب التكليف أيضا أزلي فلا بد أن يتعلق بالمعدوم على معنى أن الشخص الذي سيوجد مأمور بذلك، وبعضهم على أن الكلام في الأزل لا يسمى خطابا حتى يحتاج إلى مخاطب، وعلى المذهبين، أي سواء كان قوله تعالى: {كن فيكون} [البقرة:117] مجازا أو حقيقة يكون الوجود والحدوث مرادا من هذا الأمر أعني كن.
পৃষ্ঠা ২৯২