قوله: "يرد عليه" إشارة إلى اعتراضات على تعريف الحكم مع الجواب عن البعض الأول أن المقصود تعريف الحكم المصطلح بين الفقهاء، وهو ما ثبت بالخطاب كالوجوب والحرمة وغيرهما مما هو من صفات فعل المكلف لا نفس الخطاب الذي هو من صفات الله تعالى، وهذا مما أورد في كتب الشافعية وأجيب عنه بوجوه: الأول أنه كما أريد بالحكم ما حكم به أريد بالخطاب ما خوطب به للقرينة العقلية على أن الوجوب ليس نفس كلام الله الثاني أن الحكم هو الإيجاب والتحريم ونحوهما وإطلاقه على الوجوب والحرمة تسامح الثالث، وهو للعلامة المحقق عضد الملة والدين أن الحكم نفس خطاب الله تعالى فالإيجاب هو نفس قوله افعل وليس للفعل منه صفة حقيقية فإن القول ليس لمتعلقه منه صفة لتعلقه بالمعدوم، وهو إذا نسب إلى الحاكم يسمى إيجابا وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل يسمى وجوبا وهما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار فلذلك تراهم يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة مرة والإيجاب والتحريم العلم بكل الأحكام الشرعية العملية التي قد ظهر نزول الوحي بها والتي انعقد الإجماع عليها من أدلتها مع ملكة الاستنباط الصحيح منها.
مفرغ من قوله ويخرج منه ما ثبت بالقياس أي جميع الأوقات إلا وقت قوله في جواب الإشكال "يدرك بالقياس أن الخطاب ورد بهذا إلا أنه ثبت بالقياس" فإن القياس مظهر للحكم لا مثبت فاندفع الإشكال "وأيضا يخرج نحو آمنوا وفاعتبروا" أي من الحد مع أنها حكم فالمراد بالإيمان هنا التصديق فوجوب التصديق حكم مع أنه ليس من الأفعال إذ المراد
...................................................................... ..........................
أخرى وتارة الوجوب والتحريم كما في أصول ابن الحاجب الثاني أنه غير منعكس لخروج الأحكام المتعلقة بأفعال الصبيان فالأولى أن يقال المتعلق بأفعال العباد وقد أجيب عن ذلك في كتبهم بأن الأحكام التي يتوهم تعلقها بفعل الصبي إنما هي متعلقة بفعل الولي مثلا يجب عليه أداء الحقوق من مال الصبي ورده المصنف أولا بأنه لا يصح في جواز بيعه وصحة إسلامه وصلاته وكونها مندوبة وثانيا بأن تعلق الحق بمال الصبي أو ذمته حكم شرعي وأداء الولي حكم آخر مترتب عليه، وهذا السؤال لا يتأتى على مذهب من عرف الحكم بهذا التعريف فإنهم مصرحون بأن لا حكم بالنسبة إلى الصبي إلا وجوب أداء الحق من ماله، وذلك على الولي، ثم لا يخفى أن تعلق الحكم بماله أو ذمته لا يدخل في تعريف الحكم، وإن أقيم العباد مقام المكلفين لانتفاء التعلق بالأفعال بأن الصحة والفساد ليسا من الأحكام الشرعية؛ لأن كون المأتي به موافقا لما ورد به الشرع أو مخالفا أمر يعرف بالعقل ككون الشخص مصليا أو تاركا للصلاة، ومعنى جواز البيع صحته، ومعنى كون صلاته مندوبة أن الولي مأمور بأن يحرضه على الصلاة ويأمره بها لقوله عليه السلام: "مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع" 1 الثالث أن التعريف غير متناول للحكم الثابت بالقياس لعدم خطاب الله تعالى وأجاب بأن القياس مظهر للحكم لا مثبت ولا يخفى عليك أن السؤال وارد فيما ثبت بالسنة والإجماع أيضا والجواب أن كلا منهما كاشف عن خطاب الله ومعرف له ، وهذا معنى كونها أدلة الأحكام الرابع أنه غير شامل للأحكام المتعلقة بأفعال القلب، مثل وجوب الإيمان أي التصديق ووجوب الاعتبار أي القياس؛ لأن الظاهر من الأفعال أفعال الجوارح. الخامس أنه لما أخذ في تعريف الحكم المتعلق بفعل المكلف اختص بالعمليات وخرجت النظريات بناء على اختصاص الفعل بالجوارح فيكون ذكر العملية في تعريف الفقه مكررا وأجاب عنهما بأن المراد بالفعل ما يعم القلب والجوارح وبالعمل ما يخص الجوارح فلا يخرج مثل وجوب الإيمان والاعتبار عن تعريف الحكم ولا يكون ذكر العملية مكررا لإفادته خروج ما لا يتعلق بفعل الجوارح عن تعريف الفقه ولقائل أن يقول إذا حمل الحكم في تعريف الفقه على المصطلح فذكر العملية مكرر قطعا؛ لأن مثل وجوب الإيمان خارج بقيد الشرعية على ما مر ومثل كون الإجماع حجة غير داخل في الحكم المصطلح لخروجه بقيد الاقتضاء أو التخيير لا يقال معنى كون السنة والإجماع والقياس حججا وجوب العمل بمقتضاها فيدخل في الاقتضاء الضمني؛ لأنا نقول فحينئذ لا يخرج بقيد العملية،
1 رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب 026أحمد في مسنده "2/180،187"
পৃষ্ঠা ২৭