قوله: "أما تعريفها باعتبار الإضافة فيحتاج إلى تعريف المضاف" ، وهو الأصول. "والمضاف إليه"، وهو الفقه؛ لأن تعريف المركب يحتاج إلى تعريف مفرداته الغير البينة ضرورة توقف معرفة الكل على معرفة أجزائه ويحتاج إلى تعريف الإضافة أيضا؛ لأنها بمنزلة الجزء الصوري إلا أنهم لم يتعرضوا له للعلم بأن معنى إضافة المشتق وما في معناه اختصاص المضاف إليه باعتبار مفهوم المضاف مثلا دليل المسألة ما يختص بها باعتبار كونه دليلا عليها فأصل الفقه ما يختص به من حيث إنه مبني له ومستند إليه فالأصول جمع أصل، وهو في اللغة ما يبنى عليه الشيء من حيث إنه يبتنى عليه وبهذا القيد خرج أدلة الفقه مثلا من حيث تبتنى على علم التوحيد فإنها بهذا الاعتبار فروع لا أصول وقيد الحيثية لا بد منه في تعريف الإضافيات إلا أنه كثيرا ما يحذف لشهرة أمره. ثم وإن أريد بالنفع عدم العقاب وبالضرر العقاب ففعل الحرام والمكروه تحريما وترك الواجب يكون من القسم الثاني أي مما يعاقب عليه والتسعة الباقية تكون من الأول أي مما لا يعاقب عليه وإن أريد بالنفع الثواب وبالضرر عدم الثواب ففعل الواجب والمندوب مما يثاب عليه، ثم العشرة الباقية مما لا يثاب عليه عليها ويمكن أن يراد بما لها وما عليها ما يجوز لها وما يجب عليها ففعل ما سوى الحرام والمكروه تحريما وترك ما سوى الواجب مما يجوز لها وفعل الواجب وترك الحرام والمكروه تحريما مما يجب عليها بقي فعل الحرام والمكروه تحريما وترك الواجب خارجين عن القسمين ويمكن أن يراد بما لها وما عليها ما يجوز لها وما يحرم عليها فيشملان جميع الأصناف.
إذا عرفت هذا فالحمل على وجه لا يكون بين القسمين واسطة أولى، ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقاديات كوجوب الإيمان ونحوه والوجدانيات أي الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية والعمليات كالصلاة والصوم والبيع ونحوها فمعرفة ما لها وما عليها من الاعتقاديات هي علم الكلام ومعرفة ما لها وما عليها من الوجدانيات هي علم الأخلاق والتصوف كالزهد والصبر والرضا وحضور القلب في الصلاة ونحو ذلك، ومعرفة ما لها وما عليها من العمليات هي الفقه المصطلح، فإن أردت بالفقه هذا المصطلح زدت عملا على قوله ما لها وما عليها وإن أردت ما يشمل الأقسام الثلاثة لم تزد وأبو حنيفة رحمه الله إنما لم يزد عملا؛ لأنه أراد الشمول أي أطلق الفقه على العلم بما لها وعليها سواء كان من الاعتقاديات أو الوجدانيات أو العمليات، ثم سمى الكلام فقها أكبر.
...................................................................... ..........................
نقل الأصل في العرف إلى معان أخر، مثل الراجح والقاعدة الكلية والدليل فذهب بعضهم إلى أن المراد هاهنا الدليل وأشار المصنف إلى أن النقل خلاف الأصل ولا ضرورة في العدول إليه؛ لأن الابتناء كما يشمل الحسي كابتناء السقف على الجدران وابتناء أعالي الجدران على أساسه وأغصان الشجر على دوحته كذلك يشمل الابتناء العقلي كابتناء الحكم على دليله فهاهنا يحمل على المعنى اللغوي وبالإضافة إلى الفقه الذي هو معنى عقلي يعلم أن الابتناء هاهنا عقلي فيكون أصول الفقه ما يبنى هو عليه ويستند إليه لا معنى بمستند العلم ومبتناه إلا دليله وبهذا يندفع ما يقال إن المعنى العرفي أعني الدليل مراد قطعا فأي حاجة إلى جعله بالمعنى اللغوي الشامل للمقصود وغيره. فإن قلت: ابتناء الشيء على الشيء إضافة بينهما، وهو أمر عقلي قطعا قلت: أراد بالابتناء الحسي كون الشيئين محسوسين وحينئذ يدخل فيه مثل ابتناء السقف على الجدار وابتناء المشتق على المشتق منه كالفعل على المصدر أو أراد ما هو المعتبر في العرف من أن ابتناء السقف على الجدار بمعنى كونه مبتنيا عليه وموضوعا فوقه مما يدرك بالحس وحينئذ يخرج مثل ابتناء الفعل على المصدر من الحسي ولا يدخل في العقلي بتفسيره والحق أن ترتب الحكم على دليله لا يصلح تفسيرا للابتناء العقلي، وإنما هو مثال له للقطع بأن ابتناء المجاز على الحقيقة والأحكام الجزئية على القواعد الكلية والمعلولات على عللها والأفعال على المصادر وما أشبه ذلك ابتناء عقلي.
পৃষ্ঠা ১৭