وأشار بقوله : "مدلول ذا وذاك مقصودان": إلى رد ما صرح به بعضهم من أن المدلول عليه بالإشارة لا يكون مقصودا؛ وهو باطل؛ لأن الخواص والمزايا التي بها تتم البلاغة، ويظهر الإعجاز ثابتة بالإشارة كما صرح به بعضهم، وقد قرر في كتب المعاني أن الخواص يجب أن تكون مقصودة للمتكلم حتى أن ما لا يكون مقصودا أصلا لا يعتد به قطعا، على أن كثيرا من الأحكام يثبت بالإشارة، والقول بثبوت الحكم الشرعي بما لا يقصد به الشارع ذلك الحكم ظاهر الضعف، وقولهم: "كم من شيء يثبت ولا يقصد": ليس في مثل هذا المقام.
? وأما الدال باقتضائه: فهو ما مضمر مقصود بتوقف عليه صدق الكلام أو صحته العقلية أو الشرعية، ولا يكون إلا بطريق الالتزام.
- فمثال ما توقف عليه صدق الكلام لغة: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، فإن صدق الكلام متوقف على مضمر محذوف تقديره: رفع عن أمتي إثم الخطأ والنسيان، فلفظ الإثم هو المضمر المحذوف الذي احتاج إليه الكلام واقتضاه؛ لأن الخطأ والنسيان موجودان في الأمة، وقطعنا بصدق الشارع؛ فاحتاج كلامه إلى المضمر المحذوف.
- ومثال توقف عليه صحة الكلام عقلا: قوله تعالى: { واسأل القرية التي كنا فيها } (يوسف: 82)، فإن العقل لا يجوز سؤال القرية نفسها؛ فتوقف صحة هذا الكلام عقلا على إضمار لفظ: الأهل.
- ومثال ما توقفت عليه صحة الكلام شرعا: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"، ولولا تقدير الصحة في الحديث الثاني والكمال في الحديث الأول ما صح هذا الكلام شرعا. ومنه مثال المتن وهو: أعتق عبدك عني بمائة، إذ التقدير: بع مني عبدك وعتقه عني، ولولا هذا المضمر المحذوف لما صح هذا الكلام شرعا، أي: لولا ذلك لما لزمه ثمن، ولا كان العتق مجزيا عنه، لكنه يجزي عن العتق، ويلزمه الثمن بتقدير ذلك المحذوف، وأما الدال بدلالته، فهو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي يكون حكما لغير المذكور، وحالا من أحواله.
اعلم أن طائفة من الأصوليين قسموا باب دلالة اللفظ على معناه إلى قسمين: منطوق ومفهوم:
পৃষ্ঠা ২৫৭