شرح صحيح ابن حبان - الراجحي
شرح صحيح ابن حبان - الراجحي
জনগুলি
ذكر الموضع الذي رأى فيه المصطفى موسى يصلي في قبره
قال: [ذكر الموضع الذي فيه رأى المصطفى ﷺ موسى ﷺ يصلي في قبره: أخبرنا أبو يعلى حدثنا هدبة وشيبان قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: (مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر)].
هذا فيه تحديد المكان.
قال: أبو حاتم ﵀: [الله جل وعلا قادر على ما يشاء، ربما يعد الشيء لوقت معلوم، ثم يقضي كون بعض ذلك الشيء قبل مجيء ذلك الوقت، كوعده إحياء الموتى يوم القيامة وجعله محدودًا، ثم قضى كون مثله في بعض الأحوال، مثل من ذكره الله وجعله الله جل وعلا في كتابه حيث يقول: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾ [البقرة:٢٥٩]، إلى آخر الآية، وكإحياء الله جل وعلا لعيسى ابن مريم صلوات الله عليه بعض الأموات].
إذًا: هذا خاص ومستثنى، فهو على أنه قام يصلي بجسمه وروحه، لكن الأقرب والله أعلم: أنها روح أخذت شكل الجسد، كما أنه رآه في المعراج، وأن هذا ليس فيه بعثًا للجسد، يعني: فهم ابن حبان أن هذا بعث للجسد والروح؛ وأن الله وعد البعث يوم القيامة، وهذا وعد خاص، مثلما بعث الرجل الذي مر على قرية، ومثلما بعث الأموات لعيسى، لكن ظاهر الحديث: أن هذا شيء خاص، وأنه رآه قائمًا يصلي في قبره، وأن هذا للروح، وليس بعثًا للجسد.
قال: [فلما صح وجود كون هذه الحالة في البشر إذا أراد الله جل وعلا قبل يوم القيامة لم ينكر أن الله جل وعلا أحيا موسى في قبره حتى مر عليه المصطفى ﷺ ليلة أسري به، وذاك أن قبر موسى بمدين بين المدينة وبين بيت المقدس].
لأن النبي ﷺ أسري به من مكة، لكن كأنه مر على المدينة.
قال: [فرآه ﷺ يدعو في قبره - إذ الصلاة دعاء - فلما دخل ﷺ بيت المقدس وأسري به، أسري بموسى حتى رآه في السماء السادسة].
رآه يدعو هذا تأويل، وحمل للصلاة على المعنى اللغوي، والصلاة إذا أطلقها الشارع فالمراد بها الصلاة الشرعية، وأما الصلاة فمعناها في اللغة الدعاء، فهو تأويل بغير دليل، وظاهر الحديث أنه رآه يصلي الصلاة المعروفة، لكن الروح أخذت شكل الجسد، أما تأويل ابن حبان بأنه يدعو فهذا خلاف الظاهر.
قال: [وجرى بينه وبينه من الكلام ما تقدم ذكرنا له، وكذلك رؤيته سائر الأنبياء الذين في خبر مالك بن صعصعة].
كأنه يرى أنهم بعثوا بأجسامهم، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: إنهم بأرواحهم وأن الروح أخذت شكل الجسد إلا عيسى فإنه بروحه وجسده؛ لأنه لم يمت.
قال: [فأما قوله ﷺ في خبر مالك بن صعصعة (بينما أنا في الحطيم إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه)، فكان ذلك له فضيلة فضل بها على غيره، وأنه من معجزات النبوة، إذ البشر إذا شق عن موضع القلب منهم ثم استخرج القلب فإنهم يموتون].
وهذا صحيح، وهو من علامات ومن دلائل نبوته، وهو دليل على أن الله على كل شيء قدير، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس:٨٢]، وهو الذي خلق الإنسان وأوجده، فهو قادر على أن يحييه، وأن يكون شق صدره وإخراج قلبه لا يؤثر عليه.
قال: [وقوله: (ثم حشي) يريد: أن الله جل وعلا حشا قلبه اليقين والمعرفة الذي كان استقراره في طست الذهب فنقل إلى قلبه، ثم أتي بدابة يقال لها: البراق فحمل عليه من الحطيم أو الحجر وهما جميعًا في المسجد الحرام، فانطلق به جبريل حتى أتى به على قبر موسى على حسب ما وصفناه].
الحجر والحطيم يسمى حجر؛ لأنه متحجر، ويسمى: حطيم؛ لأنه حطم من الكعبة وأخرج منها.
قال: [فانطلق ثم دخل مسجد بيت المقدس فخرق جبريل الصخرة بأصبعه، وشد بها البراق، ثم صعد به إلى السماء].
أما ما يقال من أن إسماعيل هو من حطم الحطيم فلا نعرف لهذا أصلًا؛ لأن إبراهيم وإسماعيل لما بنيا الكعبة لم يكن فيها حجر، وكان بناء الكعبة كاملًا، لكن قريشًا لما أرادت بناء الكعبة كاملًا، من جديد، وجمعوا أموالًا لبنائها، وقالوا: لا نريد أن نجمع إلا مالًا حلالًا، لم يجدوا مالًا حلالًا يكفي، فالمال الحرام كان موجودًا، لكنهم عجزوا أن يجدوا مالًا حلالًا يكفيهم لبناء الكعبة كاملة، فأخذوا الحطيم، وحطموا من الكعبة الحجر؛ لأن ما عندهم من مال لا يفي بالبناء؛ لذا أخرجوا الحجر وحطموه من الكعبة، فكيف ينسب إلى إسماعيل؟ وهم إنما بنوها في عهد النبي ﷺ، وكان عمر النبي ﷺ حينها خمسة وثلاثون عامًا، وأما حين بنى البيت إبراهيم وإسماعيل فلم يكن هناك حجر في ذلك الوقت.
ومن صلى في الحجر فكأنما صلى في الكعبة، والمعروف عند العلماء أن الفريضة لا تصح داخل الكعبة؛ لأنه لم يستقبل جميع جهاتها، وكذلك فوق الكعبة لا تصح الفريضة، وإنما تصح النافلة عندهم، ولو قيل بالجواز لكان له وجه، لكن الجمهور يقولون: لا تصح لأنه لم يستقبل الكعبة، وإنما يستقبل هواء الكعبة؛ لأن هناك ستة أذرع ونصف تقريبًا كلها من الحجر، والحجر تابع للكعبة.
وإذا صلى النافلة يكون مستقبلًا هواء الكعبة، وإن لم يكن جدار؛ لأن الجدار زائد عن حد الكعبة على قواعد إبراهيم؛ ولهذا لما هدمت قريش الكعبة وأرادوا بناءها، ووصلوا إلى حجارة خضر فيها القواعد، ويقال: أنهم لما حركوا بعض القواعد زلزلت مكة فتركوا الأساس، وكان الحجر داخل الكعبة على ما هي عليه، والكعبة لها أركان أربعة؛ ولهذا لما هدمها ابن الزبير وأدخل الحجر صار ابن الزبير يستلم الأركان الأربعة كلها؛ لأنها صارت على قواعد إبراهيم، وكان النبي ﷺ لا يستلم إلا الركنان اليمانيان لأنهما على قواعد إبراهيم، أما ركن الشام والعراق فليسا على قواعد إبراهيم؛ فلهذا لم يستلمهما.
3 / 7