الأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين
ويمدح الله المؤمنين بالخيرية في الآية السابقة، ولكن سبب الخيرية عائد على الله فهو أهل المنة والفضل، قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:١١٠] بسبب أنكم ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران:١١٠].
والله ﵎ قال للنبي ﷺ والمؤمنين بالتبع: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف:١٩٩] أي: ليكن من خلقك العفو عمن يسيء إليك.
﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف:١٩٩] أي بالمعروف من هذه الشريعة.
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:١٩٩]، فبدأها بالعفو وأنهاها بالعفو أيضًا، فدل ذلك على منزلة العفو العظيمة عند الله سبحانه، وكأنه يقول: إنه طالما أنت متوجه لدعوة الخلق لابد وأن تؤذى، وليس شرطًا أنه كلما أوذيت انتصر لك ربنا، ولكن اصبر وخذ بالعفو، فيعفى عنك يوم القيامة.
﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:١٩٩] لا تنشغل بالجاهل، وليس المقصود بالجاهل هنا الذي ليس متعلمًا، ولكن المقصود: جاهل الأخلاق وصاحب الأخلاق السيئة وقد ذكر الله هذا الصنف من الناس في آية أخرى قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ﴾ [الفرقان:٦٣]، الجاهلون سيئو الخلق، والناس الذين في أنفسهم شر وسوء أدب، فإذا خاطبوا عباد الرحمن قالوا سلامًا، أي: قالوا قولًا كريمًا، وأكرموا أنفسهم عن الوقوع في اللغو مع هؤلاء، وأكرموا أنفسهم أن يهينوها بالوقوع في المخاصمة مع هؤلاء.
والإنسان قد يتعرض للمعاملة مع شياطين الإنس وشياطين الجن، فأما شياطين الجن فأنت مأمور بالتعوذ بالله ﷿، وربنا يعلمنا ﷾ أن نتعوذ بالله من همزات الشياطين، قال ﷿: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون:٩٧ - ٩٨]، فتقول: أعوذ بالله السميع من الشيطان الرجيم إلى ما ذكر عن النبي ﷺ.
أما شيطان الإنس فعليك أن تعرض عنه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتحاول عدم الدخول معه في المصادمة، لعل الله في يوم من الأيام يهدي هذا الإنسان.
يقول لنا ربنا ﵎: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:٧١] والتولي هو المناصرة وكأنه يقول: كن مع أخيك المؤمن في عسره ويسره، والنبي ﷺ يوضح لنا: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، إن كان ظالمًا فانصره على نفسه وخذ منه الحق لصاحب المظلمة، وإذا كان مظلومًا فأعنه أن يأخذ حقه، وكن مع أخيك المؤمن توله بالخير يتولك الله ﷾ بالنصر والتأييد، ومن سياق الآية: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة:٧١] يتبين أنه لا ولاية بين المؤمن والكفار، وبهذا تنتفي كل معاني مناصرة ومحبة المؤمن للكافر.
ثم يبين الله سب موالاة المؤمنين لبعضهم وهو أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والمؤمن يحب من أخيه تقواه ويحب منه أنه يعلم الناس الخير، ويحب منه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
1 / 5