تحريم أخذ عامل الزكاة الهدية عند جمع الزكاة
ومن الأحاديث التي وردت حديث أبي حميد الساعدي ﵁ في استعمال النبي ﷺ رجلًا من الأزد اسمه ابن اللتبية على الصدقة، وهو رجل مسلم استعمله النبي ﷺ ليجمع الصدقات من الناس، فلما قدم الرجل وكان رجلًا صادقًا قال للنبي ﷺ: (هذا لكم وهذا أهدي إلي).
وهذا الرجل أول مرة يجمع الصدقات كلها، حيث إنه لا يعرف الحكم، ومن الناس من يأخذ منه الصدقة فيقول له: خذ هذا الخروف زكاةً وخذ هذا هدية لك.
فجاء إلى النبي ﷺ وذكر ذلك، فوجد النبي ﷺ أن الأمر سيتفشى إلى غيره، ومن الممكن أن هذا وغيره يطمع، إذًا: لابد من حكم عام للناس.
فجمع النبي ﷺ الناس وقام يخطب فقال بعدما حمد الله وأثنى عليه: (أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي).
إذًا: النبي ﷺ هو الذي استعمله، فكيف يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي؟ فنحن نلاحظ أن العامل على الزكاة فرض الله ﷿ له حقًا في كتابه، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة:٦٠] فالعامل عليها له الأجرة من ضمن الزكاة، فطالما ستأخذ أجرة فلا تأخذ فوقها هدية.
ثم قال النبي ﷺ: (أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا).
وهذه كلمة شديدة، والمعنى: أنك لو قعدت في بيت أبيك وأمك واشترطوا عليك ذلك فلا أحد من الناس سيعطيك، فنقول: نحن استعملناك في أموال المسلمين، فلولا هذا الاستعمال لما أعطاك هذا الشيء، ولكنه أعطاك؛ لأنه يريد أن لا تظلمه، فيعطيك لتكف عنه شرك.
فعلى ذلك لا ينبغي للعامل على الشيء أن يأخذ مالًا ولا رشوة تحت أي صورة من الصور، فقد قال النبي ﷺ: (هدايا العمال غلول)، وقال ﷺ: (والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة).
وفي حديثه الذي ذكرنا: أن الذي يظلم قيد شبر من الأرض يأتي حاملًا له يوم القيامة في عنقه، وهنا قال ﷺ: (فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء)، يعني: يحذرهم.
وهذه فضيحة كبيرة جدًا أن النبي ﷺ يرى أحدًا منهم كان في الدنيا عاملًا أمينًا ويجده يوم القيامة خائنًا، فهو يقول: (لا أعرفن)، أي: لا تفضحوا أنفسكم وتفضحوا دينكم وتفضحوا نبيكم صلوات الله وسلامه عليه يوم القيامة.
لذلك كانوا ﵃ يحاولون أن يستمروا على نفس الأخلاق ونفس الأعمال، فإذا كبر أحد منهم في السن، ويحاول أن يواظب على ما كان عليه يقولون له: أن لا يشق على نفسه، فيقول: لقد كنت من النبي ﷺ على شيء أخاف أن ألقاه بغيره.
وقوله ﷺ: (فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء)، الرغاء: صوت البعير: (أو بقرة لها خوار)، صوت البقرة: (أو شاة تيعر)، أي: كأن الفضيحة كبيرة يوم القيامة؛ لأن الإنسان لا يحمل جملًا ساكتًا، وإنما هذا الجمل يرفع صوته وله رغاء، فيفضح صاحبه أمام الناس ويعرفون أنه كان خائنًا في الدنيا.
(أو بقرة لها خوار)، فالبقرة تخور وتصرخ من أجل أن تفضحه يوم القيامة، وأي فضيحة أشد من هذه الفضيحة والعياذ بالله، لذلك فالإنسان قبل أن يقول: فلان يعطيني هدية ويمد يده ليأخذها يذكر هذا الحديث، وأنها إذا كانت هدية أو رشوة سيأتي يوم القيامة وهو يحملها ويفضح بها.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
3 / 9