شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام الجزء الأول
পৃষ্ঠা ১
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أعني على التعبير عن الحق بما يسطره قلمي من آيات الكمال في هذه المقدمة
পৃষ্ঠা ৩
(لو كنت لأنتظر الكمال، لما فرغت من كتابي إلى الأبد) تاي تنج
পৃষ্ঠা ৪
صفحة من نور عن حياة الإمام عليه السلام
পৃষ্ঠা ৫
(في الربع الأخير من القرن الأول الهجري، كان يعيش في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، رجل امتلأ قلبه إيمانا، وأشرق نوره على وجهه روعة وجلالا. أحبته المدينة كلها، وتسايرت الركبان بذكره وفضله، قد تواضع فارتفع، وتطامن للناس فأعزوه، وأحب ضعاف الناس فأحبه كل الناس.
كان للفقراء مواسيا، وعلى اليتامى حانيا... ذلكم الرجل هو - علي زين العابدين ابن الحسين -، بقية السيف من أبناء الحسين، وبه حفظ نسل أبي الشهداء، صريع الظلم والفساد في كربلاء.
كان علي هذا شديد البكاء، كثير الحسرات، لأنه عاش بعد أن قتل الأحبة من آل بيته. وقد قال في ذلك (رضي الله عنه): إن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف، ولم يعلم أنه مات. وإني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة يوم واحد، أفترون حزنهم يذهب من قلبي).
وإنه في وسط الأحزان والآلام النفسية نبعت الرحمة منه، ففاض قلبه بها، فكان جوادا يسد دين المدينين وحاجة المحتاجين، ويفيض سماحة وعفوا. وتروى الأعاجيب عن سماحته وعفوه. ومما يروى منها أن جارية كانت تحمل الإبريق، وتسكب الماء ليتوضأ، فوقع ما في يدها على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها لائما فقالت له الجارية: إن الله تعالى يقول:
(والكاظمين الغيظ)، فقال: (قد كظمت غيظي) فقالت: (والعافين عن الناس)، فقال: (عفا الله عنك)، فقالت: (والله يحب المحسنين)، قال: أنت حرة لوجه الله!).
بهذا النبل والسمو والرحمة والعطف، اشتهر علي في ربوع الحجاز،
পৃষ্ঠা ৭
- وخصوصا في مكة المكرمة، والمدينة المنورة -، وعلا إلى درجة لم يصل إليها أبناء الخلفاء، فكان المهيب من غير سلطان. ويروى في هذا من عدة طرق أن هشاما ابن عبد الملك، قبل أن يتولى الخلافة، كان يحج فطاف بالبيت الحرام، ولما أراد أن يستلم الحجر الأسود لم يتمكن، حتى نصب له منبر فجلس عليه وسلم، وأهل الشام حوله، وبينما هو كذلك إذ أقبل علي زين العابدين، فلما دنا من الحجر ليستلم، تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما، وهو في بزة حسنة وشكل مليح، فقال هشام: من هذا؟
استنقاصا له، وكان الفرزدق الشاعر حاضرا، فاندفع الشاعر الفحل في تعريفه بقصيدة، جاء فيها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم إلى أن قال:
فليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم). (1)
পৃষ্ঠা ৮
ما ترى وتقرأ
পৃষ্ঠা ৯
قد سبق أن قدمت لقرائي - فيما قدمت - كتاب (الجواهر الروحية) بأجزائه الثلاث، وكتاب (علي والأسس التربوية). وما كنت أفكر أني سأوفق يوما ما لأمر ذي شأن، بيد أن العناية أعادت الكرة فوحدت بين السمع والبصر والعقل، فحفزتني إلى وضع شرح (رسالة الحقوق) المستوحاة من الإمام زين العابدين (ع) وإلى اقتفاء الخطوط العريضة التي رسمها في حق الفرد والمجتمع، وأحسب أن هذا الشرح بداية جديدة من نوعها.
ومهما يكن، فلقد خرجت من كتابي هذا بشعور أقرب إلى الرضا والارتياح.. ولا أدري ما هو سبب هذا الشعور، وعن أي شئ يعبر.. لعله يعبر عن أملي بأن هذه الصفحات ستبعث غيري على المزيد والتوسع، أو يعبر عما خيل إلي بأنها تعرف القراء - ولو بعضهم - بأشياء وضعها الإمام كانوا يجهلونها. أو أن شعوري بالرضا يمثل شيئا من الحقيقة؟.. والله أعلم، وهو سبحانه المسؤول أن يخرج القارئ من هذا الكتاب بشعور الرضا والارتياح * * * رسالة الحقوق للإمام علي زين العابدين (ع) يفيض بها الوجدان روعة وجلالا، ويمتلأ، بها القلب طمأنينة وإيمانا، وتثير في الأسماع بهجة ورضا، وتحرك في النفوس عواطف وأحاسيس، وهي لعمري رائد الفكر الإنساني، وسجل المعرفة. وفوق ذلك كله أنها الوسيلة لفهم الإنسان نفسه وما فطرت عليه من مواهب ونزعات.
وهي كذلك مقومة الأخلاق ومقدرة القيم، والمشرف الأعلى على جميع منازع الناس وتطوراتهم في علومهم ومعارفهم وسلوكهم، وسائر اتجاهاتهم العقلية والسياسية والاجتماعية. إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم، في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته
পৃষ্ঠা ১১
وعمله. فإذا هي مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى الأعلى، وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل بها عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة.
إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم: في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفرادا وأزواجا، وحكومات وشعوبا، ودولا وأجناسا، تقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض.
إنها (رسالة تهدي للتي هي أقوم: في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من عقال الوهم والخرافة، وتوجه الطاقات البشرية الصالحة إلى العمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون والطبيعة ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق.
وإذن هي سياج حقوقنا كلها، بل هي من أهم أركان الرقي والعمران والقانون.
إنها لنور العدل في الملك، ونور الإيمان في الدين، ونور الصدق في العمل، ونور الحياة الحقة في الأمة.
وحسبها قيمة أن غارس بذرتها نبعة شجرة النبوة، وغذي وحي الرسالة وعنصر الرحمة، ومعدن العلم والحكمة.
أجل إن تعاليم الإمام (ع) ودروسه النيرة لا تنحصر في هذه الرسالة فحسب، فالمجال متسع للعارف الذي قدر له شئ من الفراغ أن يملأه بنشر ما تركه للانسانية من تراث خالد، بل لو أراد أن يفكر ويطيل التفكير في أدعيته - المعبر عنها بزبور آل محمد - وكلامه الذي كان يناجي به خالق الكائنات، لاستطاع أن يقتبس ما شاء ومتى شاء من أنواره التي لا
পৃষ্ঠা ১২
تبلغ إلى نهاية ولا تحد بلفظ.
وأرى من صالح الإنسانية أجمع أن أتحدث عن شئ قصير من حكمياته وعظاته، ليبرز الإنسان نفسه على سجيتها ويعرف واقع الحياة وحقيقتها.
وأي شئ أفضل من التحدث بدروس الإمام (ع) وتوجيهاته وأي، علم أجدر وأنفع من علومه وعظاته؟!
إنها تذكر بالله وتبعث على طاعته، والبعد عن معصيته، إنها كالغيث تحيى النفوس بعد موتها، وتجعلها مع الخالدين والأنبياء والصالحين.
وبمقدار ما يبلغ الإنسان من علومه يبلغ حده من العظمة والخلود.
وإليك قبسا من أنواره وأشعته - ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق - وقد شغلت فيها أمدا من عمري ولا أعرفها أكثر من غيري.
قال (ع) لابنه: (يا بني إياك ومعاداة الرجال، فإنه لن يعدمك مكر حليم، أو مفاجأة لئيم).
قيل له من أعظم الناس خطرا: قال: (من لم ير الدنيا خطرا لنفسه) قال له رجل: ما أشد بغض قريش لأبيك. قال: (لأنه أورد أولهم النار، وألزم آخرهم العار).
قيل له: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة. فقال:
(أكره أن آخذ برسول الله (ص) ما لا أعطي مثله).
وقال: (الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين).
(من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا).
وقال بحضرته رجل: اللهم أغنني عن خلقك. فقال: (ليس هكذا إنما الناس بالناس، ولكن قل اللهم أغنني عن شرار خلقك).
পৃষ্ঠা ১৩
(من قنع بما قسم الله له، فهو أغنى الناس).
(اتقوا الكذب في الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير).
(كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك).
(الخير كله، صيانة الإنسان نفسه).
وقال لبعض بنيه: (يا بني إن الله رضيني لك، ولم يرضك لي فأوصاك بي ولم يوصيني بك، عليك بالبر فإنه تحفة كبيرة).
وقال له رجل: ما الزهد. فقال: (الزهد عشرة أجزاء: فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا، وإن الزهد في آية من كتاب الله تعالى (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم).
(طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء، واستخفاف بالوقار، وهو الفقر الحاضر. وقلة الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر).
(إن أحبكم إلى الله تعالى أحسنكم عملا، وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله سبحانه أشدكم خشية لله سبحانه، وإن أقربكم من الله عز شأنه أوسعكم خلقا، وإن أرضاكم عند الله جل جلاله أسعاكم على عياله، وإن أكرمكم على الله عز وجل أتقاكم لله سبحانه وتعالى).
(لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بالتفقه).
(ورأى - صلوات الله عليه - عليلا قد برئ، فقال له: ليهنؤك الطهور من الذنوب، إن الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره).
পৃষ্ঠা ১৪
يا سوأتاه لمن غلبت أحداته عشراته). (يريد أن السيئة بواحدة، والحسنة بعشرة).
(إن من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، والتوسع على قدر التوسع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداءه إياهم بالسلام).
(ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس وعن اغتيابهم وشغله لنفسه بما ينفعه في آخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته).
(ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله تعالى، وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه، وآمنه من فزع اليوم الأكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة لله قدمها أو في معصية رجع عنها وتاب منها، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلا بعيب نفسه عن عيوب الناس).
وقال لابنه (محمد الباقر ع): (افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره).
(ضل من ليس له حكيم يرشده، وذل من ليس له سفيه يعضده).
(أربع هن ذل: البنت ولو مريم، والدين ولو درهم، والغربة ولو ليلة، والسؤال ولو كيف الطريق).
(عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته).
(إياك والابتهاج بالذنب فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه).
(من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم).
(إن الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد يأشر).
وأوصى ولده الباقر فقال: يا بني لا تصحب خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق:
পৃষ্ঠা ১৫
لا تصحبن الفاسق فإنه يبيعك بأكلة فما دونها. قال: وما دونها.
قال يطمع فيها ولا ينالها. والبخيل فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه.
والكذاب فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب، ويقرب إليك البعيد. والأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. وقاطع الرحم فإني رأيته ملعونا في ثلاثة مواضع من كتاب الله). (1) وكان يقول لأولاده: (يا بني إذا أصابتكم مصيبة من الدنيا، أو نزلت بكم فاقة، أو أمر فادح، فليتوضأ الرجل منكم وضوءه للصلاة، وليصل أربع ركعات أو ركعتين، فإذا فرغ من صلاته فليقل:
يا موضع كل شكوى، يا سامع كل نجوى، يا شافي كل بلوى، ويا عالم كل خفية، ويا كاشف ما يشاء من كل بلية، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته، وقلت حيلته، دعاء الغريب الغريق الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
قال رضي الله عنه لا يدعو به أحد أصابه بلاء إلا فرجه الله عنه). (2).
* * * وليست هذه الكلمات التي استعرضتها هي كل ما اطلعت عليه من أقوال الإمام (ع)، وإنما هي نقطة من بحر حكمه البالغة وتعاليمه الرشيدة، ولكنها على قلتها تفي بالغاية التي أردت، حيث يبصر القارئ من خلالها أن الإسلام غني قلتها تفي بالغاية التي أردت، حيث يبصر القارئ من خلالها أن الإسلام غني بمبادئه وتعاليمه عن كل جديد، غريبا كان أو شرقيا، وأنه يصدر ولا يستورد، ويعطي ولا يأخذ.
أجل هذه قطرة من بحر حكم الإمام البليغة، ولمعاته، المضيئة التي لا تختص بجهة دون جهة، ولا بناحية دون أخرى، إنها ليست لزمان دون
পৃষ্ঠা ১৬
زمان. إنها القرآن، بل هو القرآن الناطق الذي فيه تبيان كل شئ...
لذلك ولهذا كله فقد قضيت في شرح هذه الرسالة فترة من حياتي استروحت فيها ما لا أستروحه في سواها من مؤلفاتي.
فترة أوصلتني بالسماء، وفتحت لي فيها نوافذ مضيئة وكوى مشعة.
وهي في الوقت ذاته تثبت قدمي في الأرض وتشعرني أنني أقف على أرض صلبة لا تدنسها الأوحال ولا تزل فيها الأقدام.
استروحت هذه الأشعة الطلقة من (رسالة الإمام) لتكون كسبا لروحي أولا ولذاتي، وربما شاركني فيه الناس إذا أنا جمعته لهم في كتاب.
ووفق الله وسرت في هذا الشوط خطوات... ولم أتقيد به على وجه الدقة إنما تقيدت فقط بأن يكون في حلقتين تصدر تباعا إن شاء الله. أرجو أن يوفق الله إلى إكمال هذا العمل.
حسن القبانچي النجفي سنة 1383 ه 1963 م
পৃষ্ঠা ১৭
حق الله
পৃষ্ঠা ১৯
قوله عليه السلام: (فأما حق الله الأكبر عليك، فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل الله لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما).
* * * مبحث طالما أشفقت أن أتحدث عنه، إن حسي ليفعم بمشاعر ومعاني لا أجد لها كفاء من العبارات، ولكن لا بد من تقريب المشاعر والمعاني بالعبارات.
هذه الظاهرة الخالدة التي رسمها الإمام عليه السلام ووضع خطوطها، ظاهرة نجد فيها لمسات وجدانية متتابعة، تنتهي كلها إلى هدف واحد: إشعار النفس البشرية بتوحيد الله وصدق الرسول، ويقين اليوم الآخر والقسط في الجزاء.
لمسات تأخذ النفس من أقطارها، وتأخذ بها إلى أقطار الكون في جولة واسعة شاملة، جولة من الأرض إلى السماء، ومن آفاق الكون إلى آفاق النفس، ومن ماضي القرون إلى حاضر البشر، ومن الدنيا إلى الآخرة..
إنها حملة من اللمسات العميقة الصادقة، لا تملك نفس سليمة التلقي، صحيحة الاستجابة، إلا تستجيب لها، وإلا تتذاوب الحواجز والموانع فيها تحمل هذه اللمسات من المؤثرات النفسية والعقلية ما لا يحمله أسطول من مدمرات الشرك والانحراف والفسوق!
পৃষ্ঠা ২১
وقد استهل الإمام (روحي فداه) رسالته بحق الله تعالى إذ هو أعظم الحقوق وأجلها، فلذلك يجب أن يؤدى كاملا، بأن يعبد وحده دون سواه.
يعبد وحده بلا شريك، لأنه وحده المستحق أن يعبد دون غيره.
ومثل هذه العبادة تهيمن على الشعور والسلوك، فهي منهج كامل للحياة يشمل تصور الإنسان لحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، ولحقيقة الصلة بين الخلق والخالق، ولحقيقة القوى والقيم في الكون وفي حياة الناس.. ومن ثم ينبثق نظام للحياة البشرية قائم على ذلك التصور، فيقوم منهج للحياة خاص.
منهج رباني مرجعه إلى حقيقة الصلة بين العبودية والألوهية، وإلى القيم التي يقررها الله للأحياء والأشياء.
وفي هذا الخط العريض نرى الإمام عليه السلام يدعو إلى العبادة التي تتخلص فيها الديانة السماوية على الإطلاق. يدعو إلى العبادة بإخلاص، فقد تكون العبادة ولا يكون معها الإخلاص، وهذا اللون من العبادة غير نافع، إنما الإخلاص والعزم والجسد والمثابرة - هذا كله - هو المدار في كل الأعمال والعبادات وغيرها من الأمور.
ودعوة الإمام هذه إلى العبادة هي نفسها محض الإخلاص، تبتغي وجه الله وترجو فضله. وهي في الواقع مستمدة من المنبع المعين الذي لا يغيض، مستمدة من القرآن الكريم. فالقرآن تكاد تغلب عليه صبغة الدعوة المخلصة إلى الله تعالى وعبادته، والإيمان به وحده دون من عداه.
القرآن يدعو الناس ويلح في دعوته إلى أن يعملوا من أجل التوصل إلى العبادة بإخلاص. وأن يضربوا في الأرض إن كان التوصل إلى العبادة متوقفا على هذا الضرب في الأرض.
القرآن يكثر التأكيد على أن الذين يترددون في إيمانهم فهم غير رابحين
পৃষ্ঠা ২২
وإن الذين يشركون مع الله إلها آخرا فليسوا مفلحين. بينما يؤكد في نفس الوقت على أن الذين آمنوا لله ودخل الإيمان قلوبهم وأسلموا وأنابوا فأولئك يغفر الله لهم ويتجاوز عنهم ويبدل سيئآتهم حسنات، ويجعل لهم عنده مقاما محمودا ومنزلة عليا تجاه ما أتوه من عمل، وما قدموه بين أيديهم من معروف.
* * * إن حقيقة العبادة تتمثل في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس، أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا، وربا. عبدا يعبد. وربا يعبد. وأن ليس وراء ذلك شئ، وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود، وإلا رب واحد والكل له عبيد.
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر، ومن كل معنى غير معنى التعبد لله.
والعبادة ليست طاعة القهر والسخط، ولكنها طاعة الرضا والحب.
وليست طاعة الجهل والغفلة، ولكنها طاعة المعرفة والحصافة!
قد تصدر الحكومة أمرا بتسعير البضائع، فيقبل التجار كارهين. أو أمرا بخفض الرواتب، فيقبل الموظفون ساخطين.
وقد تشير إلى البهيمة العجماء فتنقاد إليك لا تدري إلى مرتعها أم إلى مصرعها. تلك أنواع من الطاعات بعيدة عن معنى العبادة التي شرع الله للناس فالعبادة التي أجراها الله على الألسنة في الآية الكريمة (إياك نعبد وإياك نستعين)، والتي جعلها حكمة الوجود وغاية الأحياء في قوله: (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) تعني الخضوع المقرون بالمعرفة والمحبة. أي الناشئ عن
পৃষ্ঠা ২৩
الاعجاب بالعظمة والعرفان للجميل...
إن العبادة شعور مكتمل العناصر، يبدأ بالمعرفة العقلية، ثم بالانفعال الوجداني، ثم بالنزوع السلوكي.
فالصورة الأخيرة ثمرة ما قبلها.
وهذا هو الوضع الصحيح لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وإحسان الخلق وقول الحق. وسائر العبادات الأخرى.
إن العبادة الأولى في الإسلام، هي معرفة الله معرفة صحيحة، والعقل المستنير بهذه المعرفة، هو القائد الواعي لكل سلوك صحيح، والأساس المكين لكل معاملة متقبلة.
ويوم تتلاشى هذه المعرفة من لب الإنسان، فلن يصح له دين، ولن تقوم له فضيلة.
المعرفة الصحيحة لله تهون من قيمة الأخطاء التي يتورط فيها المرء، أخطاء عارضة، أو خدوش سخطية.
أما الجهل بالله، فهو الخطيئة التي لا تغتفر، ولا يصلح معها عمل. ومن ثم يقول الله تعالى في كتابه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا). ذلك أن الشرك دلالة جهل غليظ بالله عز وجل.
وقد أطردت آيات القرآن تبني سلوك الناس على المعرفة بالله، وتريهم صحائف مشرقة من خلقه البديع وفضله الجزيل. تمزق ما نسجته الغفلة على الأعين من جهالة وجحود.
(الله الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر
পৃষ্ঠা ২৪
لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. إن الإنسان لظلوم كفار).
ذالكم أسلوب القرآن في تعريف الناس بالله. إنه أسلوب يقيمهم على عبودية الحب والتفاني لا على عبودية التحقير والهوان، عبودية الاعجاب بالعظمة والإقرار بالاحسان، لا العبودية المبهمة التي تصادر الإرادة وتزري بالانسان.
(قل: الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، الله خير أما يشركون؟ أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءا فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله؟ بل هم قوم يعدلون) (أمن خلق الأرض قرارا، وجعل خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزا، أإله مع الله؟ بل أكثرهم لا يعلمون)، (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض، أإله مع الله قليلا ما تذكرون). (أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، أإله مع الله؟ تعالى عما يشركون).
أمن يبدأ الخلق ثم يعيده، ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين).
إن هذا التساؤل المتواصل السريع يفتح على النفس آفاقا بعيدة من الإيمان الذكي، ويجعلها تهرع إلى الله متجردة تنفر من شوائب الشرك نفور الرجال من عبث الصبية...
إن الشرك موت، وإن الإيمان حياة.
إن الشرك ظلمة، وإن الإيمان نور.
পৃষ্ঠা ২৫