فلو أخذنا على سبيل المثال زيادة الثقة، تعارض الوصل والإرسال، تعارض الوقف مع الرفع، لوجدنا أن المتأخرين في كتبهم يحكمون بأحكام مطردة ثابتة، فيقبلون زيادة الثقة مطلقا، وإن جنح بعضهم إلى ردها مطلقا.
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم
"وقيل: لا"، ويحتج من قبل زيادة الثقة مطلقا بأن معه زيادة علم خفيت على من نقص، كما أن من حكم للوصل مطلقا يقول: معه زيادة خفيت على من أرسل، وهكذا الشأن فيمن حكم للرفع دون الوقف والعكس، يقول: ترد زيادة الثقة لأنها مشكوك فيها، القول الثاني: يحكم بالإرسال لأنه متيقن، والوصل مشكوك فيه، يحكم للوقف لأنه متيقن والرفع مشكوك فيه، وعلى هذا يطردون الأحكام على الأحاديث، بينما نجد الأئمة الكبار كأحمد والبخاري وأبي حاتم والدارقطني لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، فتجدهم أحيانا يقبلون الزيادة وأحيانا يردونها، أحيانا يحكمون بالوصل وأحيانا يحكمون بالإرسال، أحيانا يحكمون بالوقف وأحيانا يحكمون بالرفع، فليس هناك لديهم قواعد مطردة، بل يحكمون على كل حديث بما ترجحه القرائن بالنسبة لهذا الحديث على وجه الخصوص، وهذه الدعوة إلى نبذ قواعد المتأخرين وتقليد المتقدمين أقول: في ظاهرها جيدة، لكن مخاطبة الطالب المبتدئ بها تضييع له، حينما يقال للطالب المبتدئ: انبذ قواعد المتأخرين، اترك النخبة، اترك ابن كثير والباعث، اترك ابن الصلاح وألفية العراقي، كيف يتعلم ويتمرن على علم المتقدمين؟ كيف يخاطب الطالب المبتدئ ويقال له: تبدأ بشرح علل الترمذي لابن رجب، أو تبدأ بالإلزامات والتتبع للدارقطني؟ هو ما يعرف الصحيح من الضعيف حتى يبدأ بمثل هذه الكتب.
وإذا قيل له: قلد المتقدمين، لا شك أن المتأخرين عالة على المتقدمين، والأصل في هذا الباب هم المتقدمون، لكن كيف نتعلم على كتب المتقدمين وعلى أحكام المتقدمين؟
পৃষ্ঠা ১০