الجزء الأول
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله
قال أبو عبد الله محمدُ بنُ العباسِ اليزيديُّ، قال الحسنُ بنُ الحسينِ السُّكريُّ، قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ
حبيبٍ: حُكي عن أبي عبيدةَ معمرِ ابنِ المثنى التيميُّ - من تيمِ قريش، مولىً لهم، فغَلبَ عليه نسبُهم
- قال: كان التهاجي بين جريرٍ والفرزدقِ، فيما ذكرَ له مِسحلُ بنُ كسيبِ بنِ عمرانِ بنِ عطيةَ بنِ
الخطفى، واسمُ الخَطفى حُذيفةُ بنُ بدرِ بن سَلمة، وإنما سُميَ الخَطفى بقوله:
يَرفَعْنَ بِاللَّيلِ إذا مَا أَسدَفَا ... أَعناقَ جِنَّانٍ وَهَامًا رُجَّفا
وَعَنقًا بَاقي الُرَّسِيمِ خَيْطفَا
ويروى بعد الرسيم خَيطفا، عَنقًا: ضربٌ من سيرِ الإبل. خَيطَفا سريعًا، يقال: خَطف خَطفًا. وأُمُّ
مِسحل زَيداء بنتُ جريرِ بنِ عطية، وكانت بَكرة بنتُ مُليص، أحد بني مُقلد بنِ كليب، تحت تَميم بنِ
عُلاثة، أحد بني سَليط. وسَليطٌ هو كعب بنُ الحارثِ بن يربوع، فضربها
1 / 157
فَشجها، فلقي أخوها زوجَ
أختِه تميمًا فلامَهُ على ضربهِ، وشجه إياها، فوقع بينهما لَحاء - أي بين أخي بَكرة وتميم - فشجَّ تميمُ
أخا بكرة أيضًا، فشجَّه فأمه. فحمل هلالُ بن صعصعة أحدُ بني كُليب ثُلث الدِّية، وهو ثلاثة وثلاثون
بعيرًا وثُلث بعيرٍ، وكذلك دِية الآمَّة، وتمام الدِّية مائة بعير - فالتأم ما بينهم على دَخن، فقال عطية بنُ
الخطفَى في ذلك يتوعدُ تميمَ بنَ عُلاثة:
تَلبَّثْ فَقَد دَايَنْتَ مَن أنتَ وَاثِقٌ ... بِلَيَّانهِ أَوْ قَابلٌ مَا تَيَسَّرا
مِنَ المُفَلِسِ الغَاوِي الَّذي إنْ نَأَيْتَهُ ... زَمَاتًا وَأَجْرَرتَ الَّذي لَكَ أَعْسَرا
إذَا ما جَدَعْنا مِنْكم أَنْفَ مِسْمعٍ ... أَقرَّ وَمَنَّاهُ الْصَّعَاصِعُ أَبْكُرَا
جدعنا: قطعنا، مسمع: أُذُن، وأنف كلِّ شيء أوَّله. والصعاصع: يريد هلال بن صعصعة ومن يليله،
وأبكُر: جمعُ بَكرٍ. فكانت الهدنة بينهم على دَخن - والهدنة الصلح والسكون - ثم اجْتوَر بنو جُحيش
بن سيف بن جارية بن سَليط، وبنو الخَطفى، فتنازعوا في غديرٍ بالقاع، فجعلت بنو الخطفى تُهجِّيهم
- أي تهجوهم - وكانت بنو جُحيش مُفحمين لا يقولون الشِّعر، فاستعانوا بغَّسانٍ بن ذُهيل بن البراءِ
بن ثُمامة بن سيف بن جارية بن سَليط، فهجا غسانُ بن ذُهيل بني الخَطفي، عن بني عمِّه بني سيف
بن جارية، وجرير بن عطية ترعيَةٌ، يرعى على أبيه الغَنم، لم يقل الشِّعر بعدُ - يقال ترعِيَةٌ وتِرعِيَّةٌ
1 / 158
وتِرعايَة، إذا كان لازمًا للرعي - فتَفلَّت جريرٌ إليه، فزُبر، فقيل: أنت ضرعٌ وهو مُذكٍّ، فورَد جريرُ
على أهله ذات يوم بإعجالتهم، وذلك على عِدَّ أن مُلك بني الزبير - والإعجالةُ اللبنُ يتعجَّل به
الراعي إلى الحيِّ المقيم في الدار من المُرتَبع، والعِدَّانُ الوقت - فإذا هو بجماعة، فسأل ما هذا؟
فقالوا: غسَّانُ يُنشد بنا، فقال جرير: احملوني على بعيرٍ، فجاؤوه بقعودٍ فركبه، وأقبل حتى أشرف
على غسَّانَ والجماعة، فرَجزَ بهم وهو أول شعرٍ قاله:
لاَ تَحْسِبنِّي عَنْ سليط غَافَلا ... إنْ تَعْشُ لَيْلًا بِسَليطٍ نَازلاَ
لاَ تَلقَ قِرَانًا وَلاَ صَوَاهلاَ ... وَلاَ قِرىً لِلنَّازلِينَ عَاجلاَ
أَبلِغْ سَلِيطَ اللُّؤْمِ خَبْلًا خَابِلاَ ... أَبْلغْ أَبَا قَيْسٍ وَاَبْلِغْ بَاسِلاَ
والصُّلْعَ مِنْ ثُمَامَةَ الحَواقِلاَ
الحَواقل: جمع حوقلٍ، وهو المُسنُّ.
إني لَمُهْدٍ لَهُمُ مَسَاحلا ... زُغْبَةَ وَالشَّحَّاجَ وَالقَنَابِلاَ
المَساحِل: الحمير في أصواتها خشونةٌ وبُحةٌ، وهذه أسماءُ حمير. ويروى والثَّهَّاث.
يَضْرِبنِ بالأَكْبَادِ وَيْلًا وَائلاَ ... رَعَيْنَ بِالُصَّلْبِ نَدىً شُلاَشِلاَ
1 / 159
يريد أنهن يضربنَ بطونهنَّ بجَرادِين ضِخام. والنَّدي هاهنا: البَقلُ. والشُّلاشل: النَّديُّ الغَضُّ، الذي
يتشَلشلُ ماؤه.
في مُسْتَحِيرٍ يَغمُزُ الجَحَافِلا ... زُغْبَةُ لاَ يَسْألُ إلاَّ عَاجلا
أي سِفادًا عاجلًا.
مُستحِيرٌ: ماءٌ مُتحيرِّ في الأرض قائمٌ، يريد أنه يغصِبُهنَّ على أنفسِهنَّ ولا يبالي ما لقِين من سفادِه.
مَا يَتَّقي حُولًا وَلا حَوَاملا ... يَحْسِبُ شَكْوَى المُوجعَاتِ بَاطِلا
يَرْهزُ رَهْزًا يُرْعِدُ الخْصَائِلا ... يَتْرُك أَصفانَ الخُصَى جَلاَجلا
الخَصائل: العَضلُ في اليدين والرجلين واحدتها خَصِيلة، والأصفان: جماعة صفنٍ وهو جلد الخُصيتين.
تَسْمَعُ في حَيْزومِهِ أَفَاكِلاَ ... قَدْ قَطَع الأمْرَاسَ وَالسَّلاَسِلاَ
حيزومه: صدرُه، والأفاكل: الرِّعدةُ من النشاط، والأمراس: الحبال.
1 / 160
وقال جريرٌ أيضًا:
إنَّ سَليطًا في الخَسَارِ إنَّهْ ... أَولاَدُ قَوْمٍ خُلِقُوا أَقنَّهْ
واحد الأقنة قِنٌ: وهو الذي مُلِكَ هو وأبواه.
لاَ تُوعدُوني يَا بني المْصُنَّه ... إنَّ لَهُمْ نُسَيَّة لُعِنَّهْ
سُودًا مَغَالِيمَ إذَا بَطِنَّهْ ... كفِعلِ الأُتْنِ يَسْتَنِنَّهْ
ويروى يفعَلْنَ فِعلَ الأُتُنِ المِسُنّهْ.
يُولَعْنَ بِالبَيعِ وإنْ غُبِنَّهْ
وقال أيضًا:
إنَّ سَليطًا هُمْ شِرارُ الخَلْقِ ... قَلَّدْتُهُمْ قَلاَئِدًا لاَ تُبْقي
وقال أيضًا:
إنَّ الُسَّليطي خَبيثٌ مَّطْعَمُهْ ... أَخْبَثُ شَيْءٍ حَسَبًا وأَلأمُهُ
مُحْرَنْفشًا بِحَسبٍ لاَ يَعْلَمُهُ ... اسْتُ السَّلِيطِيِّ سَوَاءٌ وَفَمُهْ
1 / 161
الاحرنْفاشُ: نفشُ الدِّيك عُرفه، وانتفاخ الحُفَّاث إذا غضِب، يريد أنهُ ينتفخ بما ليس عنده. والحُفَّاث
حيّةٌ تكون باليمامة، عظيمة مُنكرةٌ الخَلقِ، فإذا غضِبت انتفختْ فصارت مِثل الجراب، ثم تَنفَّشُ ولا
تؤذي، ويقال لها العَربدُّ أيضًا، وهي تأكل الفأر في بيوتهم ولا تؤذيهم.
خِنْزيرُ بَقٍّ سَيِّئٌ تَنَسُّمهْ ... هَلْ لَكَ في بَيِضْ خُصيً تَلَقَّمُه
إنَّ السَّليطِيَّ مُباحٌ مُحْرَمُهْ
وقال لهم أيضًا:
أَنْعَتُ حَصَّاءَ القَفَا جَمُوحَا ... ذَاتَ حَطَاط تَنْكَأُ الجُرُوحَا
تَتْرُكُ فُحْجَانَ سَلِيطٍ رُوحًا
الأفحجُ: الذي تَداني صدورُ قَدميه، وتُقبلُ إحدى رجليه على الأخرى، والأروحُ الذي تَداني عَقباه
وتباعَد صدورُ قدميه. والحصَّاءُ: التي لا شعر عليها. والحَطاط: البَثر الصِّغار من شدَّة النَّعط كأن فيه
بَثرًا.
فاستغاثت بنو سَليط بحكيم بن مُعية، أحد بني المِجرِّ، من بني ربيعة بن مالكِ بن زيدِ مناة، وهو
ربيعةُ الجوع. وبنو المِجر من كِندةَ
1 / 162
دخلوا في هؤلاء على حلف، وكانت عند حُكيم امرأةٌ من بني
سليط، فولَدت له بشِيرًا، وكانوا حُلفاء لهم. وأقبل حُكيم مع بني سليط، ودون الموقف الذي به جرير
أُكَيمةٌ، قال حكيم: فلما أوفَيتُها سمعته يقول:
لا يتَّقي حُولاَ ولا حَواملا ... يترك أَصفان الخُصى جَلاجِلا
فقلت لهم: لقد جَلجل الخُصى جَلجَلة، عرفت أنه بحرٌ لا يُنكش. يقال هو بحرٌ لا يُنكش ولا يُفثج،
ولا يُؤبى، ولا يُغضغض، ولا يُغرَّض، ولا يُنكف، ولا يُنزح بمعنى واحد، ولا يَمكُل، ولا يُنالُ عَربُه.
وأنشد لطُفيل بن عوفِ الغَنويِّ:
ولا أقولُ وقعرُ الماءِ ذو عَرَبِ ... من الحرارةِ إن الماءَ مشغولُ
فانصرفتُ وقلت: أيمِ الله لا جَلجَلتني اليوم. ولَحِم التهاجي بين غَسان بن ذُهيل وبين جرير فقال
غسان:
لَعَمْري لَئن كَانَتْ بَجيلَةُ زَانَهَا ... جَريرٌ لَقَدْ أَخْزى كُلَيْبًا جَريرُهَا
وَما يَذْبُحون الشَّاةَ إلاَّ بِمَيْسرٍ ... طَويلًا تناجيَها صغيرًا قُدُورُهَا
يقول: يشتركون في الشاة كما يشترك الأيسارُ في الجزور. وتناجيها تشاورُها.
1 / 163
رَمَيْتَ نِضَالًا عِنْ كُلَيب فَقَصَّرتْ ... مَرَاميكَ حَتَّى عَادَ صفْرًا جفَيرُها
المرامي السهام، واحدتها مرماة، والجفير والوفضة والقرن والجعبة واحد، والكنانة مثله، والصفر:
الفارغ، وزعم أن المرامي سهام وأنشد للكميت:
وبناتٍ لها وما ولدته ... ن إناثًا طورًا وطورًا ذكورًا
يعني الوفضة يقال له سهم ومرماة فمرة يذكَّر ومرة يؤنث.
سَتَعْلمُ مَا يُغْني مُعَيْدٌ وَمُعْرضٌ ... إذَا ما سَليطٌ غرَّقَتْكَ بُحُورُها
مُعيدٌ: جدُّ جرير أبو أمه، وأُمُّه: أُم قيس بنت ين عُثيم بن حارثة ابن عوف بن كُليب، ومُعرِض من
أخواله وكان يحمَّق.
فأجابه جرير، وفيها تَصداقُ قول حُكيم، إنهم إنما تهاجَوا من أجل الغديرِ الذي بالقاع الذي تنازعوا
فيه:
أَلا بَكَرتْ سَلْمَى فَجدَّ بُكُورُهَا ... وَشَقَّ العَصَا بَعْد اجْتماعٍ أَميرُهَا
شقُّ العصا: التَّفرق، ومن هذا يقال للرجل المخالف للجماعة قد شقَّ
1 / 164
العصا وأميرُها الذي تؤامِرُه، زوجهُا أو أبوها.
إذَا نَحْنُ قُلْنَا قَدْ تَبَايَنَتِ الَّنَوى ... تُرَقْرِقُ سَلْمَى عَبْرَةً أَوْ تُميرُهَا
النَّوى: نِيةُ القوم ووجهتُهم التي عَمدوا لها. وتَرقرقُ الدَّمع: امتلاءُ العين به قبل أن يفيض، وتميرُها:
تُجيلها، وتَميرَها بفتح التاء تجلبها.
لَهَا قَصَبٌ رَيَّانُ قَدْ شَجيَتْ به ... خَلاَخيلُ سَلْمىَ المصْمَتاتُ وَسُورُهَا
كُلُّ عظم مُمِخٍّ فهو قصبةٌ. المُصمت الذي لا يجول ولا يتحرك. وشَجيت غصت خلاخيلُها وسورُها
بيديها ورجليها، وسُورٌ جماعةُ سِوار.
إذَا نَحْنُ لَمْ نَمْلِكْ لِسَلْمى زيَارَةً ... نَفسْنَا جَدَى سَلْمَى عَلَى مَنْ يَزُورُهَا
فَهَلُ تُبْلغَنِّي الحَاجَ مَضْبُورَةُ القَرَى ... بَطيء بِمَوْرِ النَّاعجَات فُتُورُها
المضبورة: المُوثقُة، والقرى: الظَّهر. والمورُ: الطريق. والناعجاتُ: الإبل البيض.
نَجَاةٌ يَصِلُّ المَرْوُ تَحْتَ أَظَلِّها ... بِلاَحِقَةِ الأْظْلاَلِ حَامٍ هَجيرُهَا
النجاةُ: السريعة. والمروُ: الحجارة البيض. وصليلها: صوتُها إذا قرع
1 / 165
بعضها بعضًا. والأظلُّ: باطن
الخُفِّ. واللاحقةُ الأظلال: أراد فلاة حين عُقل ظِلُّها، فصار ظِلُّ كُل شيءٍ تحته، لم يفضل عنه.
والهجير: الهاجر. وأنشد اللبيد:
تسلُبُ الكانِسَ لم يُوْأَر بها ... شُعبةَ السَّاقِ إذا الظِّلُّ عَقَلْ
يُؤأر يُشعر، وأنشد لذي الرمة:
عواطفَ يستثبتنَ في مَكْنَسِ الضُّحى ... إلى الهَجْرِ أظلالا بطيئًا ضُهولُها
عواطفَ وعواقد واحد، وهو الظَّبيُ الذي يعطفُ نفسَه، يضع رأسَه على جنبه. يَستثَبِتنَ يستفعلن من
الثَّبات، كأنهن يستبردن الظِّلَّ ويستطِبنَهُ.
أَلا لَيْتَ شِعْري عَنْ سَليط أَلمْ تَجِدْ ... سَليطٌ سِوى غَسَّانَ جَارًا يُجيرُهَا
لَقَدْ ضَمَّنُوا اَلأحسَابَ صَاحِبَ سَوْءَةٍ ... يُنَاجي بِها نَفْسًا لَئِيمًا ضَميرُهَا
وَنُبِّئْتَ غَسَّانَ بن واهصَة الخصُى ... يُلَجْلُج مِنِّي مُضْغَةً لا يُحيرُهَا
يريد لا يَسيغها، والوَهصُ الشَّدخُ، يريد أنها تشدخُ خُصى الغنم، ويقال لمِا خُصِيَ على الشدخ
مَوهُوصٌ وموجودٌ، فإذا سُلت
1 / 166
بيضتاه فهو ممتونٌ ومملوسٌ، وقد مُتِن ومُلِس، والاسم منه المَتنُ
والمَلسُ.
سَتَعْلمُ مَا يُغْني حُكَيْمٌ وَمَنْقَعٌ ... إذَا الحَرْبُ لَم يَرْجْعِ بصُلْحٍ سَفيرُهَا
حُكيمُ بن مُعيَّة الرَّاجز، أحدُ بني ربيعةَ الجوع، ومُنقعٌ أحدُ بني نَصله بن بهدَلة، أحدُ بني ربيعة
أيضًا، كان يُعينُ على جرير. والسَّفيرُ المُصلحُ بين القوم، يقال سَفر بين القوم سِفارة، والسفيرُ أيضًا،
ما سَفرته الريحُ من ورقِ الشجر وغيره، تسفِرُه سَفرًا، ومن هذا سُميت المِكنسة مِسفرةً، لأنها يُسفَر
بها أي يُكنَس.
ألاَ ساءَ مَا تُبلى سَليطٌ إذا رَبتْ ... جَوَاشِنُهَا وَازْدادَ عَرْضًا ظُهُورُهَا
يريد أنها انتفخت رئاتُها من الجُبنِ فملأت صدورَها وظهورها.
بِأسْتَاههَا تَرمْي سَليطٌ وَتَتَقَّي ... وَيَرمِي نضَالًا عَنْ كُلَيْبِ جَريرُهَا
وَلمَّا عَلاَكمْ صَكُّ بَازٍ جَنَحتُمُ ... بأَسْتَاه خِرْبَانٍ تَصرُّ صُقُورُهَا
الجُنوح: الميلُ إلى الأرض وغيرها. والخِربانُ: ذكورُ الحُبارى، واحدها خَربٌ. تَصِرُّ تصيح
صقورها تصوِّت. يقول ليس عندكم دفعٌ إلا بأستاهكم، كما أن الحُبارى ليس عندها دفع إلا أن تَسلَح
على البازي.
1 / 167
عَضَارِيطُ يَشْوُونَ الفَرَاسِنَ بِالضُّحَى ... إذَا مَا السَّرَايَا حَثَّ رَكْضًا مُغيرُهَا
العضاريطُ جمع عُضرُوطٍ وهم الأتباعُ واحدهم عُضرُوط. والفراسنُ أخفاف الإبل واحدها فِرسِن.
يقول: فذاك حظُّهم من الجزور - وهو شرُّ ما في الجَزُور - يريد أنهم لا يَيسِرون مع الناس، ولا
يأكلون إلا شرَّ ما في الجزور، وقولُه إذا ما السرايا حثَّ ركضًا مُغيرُها، يقول: إذا ركب الناسُ لغارةٍ
أو فزعٍ لم يركبوا معهم، يقول: ليسوا بأصحابِ حربٍ ولا خيلٍ يُعَيِّرُهم بذلك.
فَمَا في سَليط فارِسٌ ذُو حَفيظَة ... وَمَعْقلُهَا يَومض الهِيَاجِ جُعُورُهَا
يقول: إذا تَهايَج الناس أحدثُوا هُم فَزعًا وجُبنًا، فلم يَستعِن بهم أحدٌ، فذلك نجواهم يوم الهياج ونجواهم
به. ومن أمثالهم قولهم "اتَّقى بِسلحِه سَمُرةُ" وأصلُ ذلك أن رجلًا أراد ضرب غلام له يقال له سَمُرة،
فَسلح الغلامُ فَخلاَّه، فذهبت مَثلًا. وذو حفيظةٍ: ذو غضب. ومَعقِلها: ملجأ قومها.
أَضِجُّوا الَّروَايا بالمَزَادَ فَإنَّكُمْ ... ستَكْفَونَ كَرَّ الخَيْلِ تَدْمَى نُحُورُها
يقول: اخدموا أنتم واستقوا فإن الحربَ يكفيكُمُوها غيرُكم. وقوله أَضِجُّوا، يقول: إنما أنتم رِعاءٌ.
الرَّوايا: الإبل التي يُحمل عليها الماء، وهي التي يُستقَى عليها، وكلُّ ما استقُي عليه من بعيرٍ أو غيره فهو
1 / 168
راوِيةٌ، وبذلك سُمِّيَ راوية الشِّعر والعِلم لأنه يحمله. والمزادُ كلُّ ما استُقي فيه من الأدم، الواحدة
مَزادةٌ. وقوله أَضِجُّوا الرَّوايا يعني ألحُّوا عليها بالاستقاء حتى تَضِجَّ حتى ترغُوَ للضَّجر.
عَجِبتُ من الدَّاعيِ جُحَيْشًا وَصاَئدًا ... وَعَيْسَاءُ يَسعَى بِالعلابِ نَفيرُها
جُحَيش بنُ زيادٍ أحدُ بني زُبيد بن سَليط، وصائدٌ سَليطيٌ، وعيساءُ جدَّةُ غسان بن ذُهيلٍ. والعِلابُ
جمعُ عُلبةٍ وهي التي يحلبُ فيها، وهي أعظمُ من الملعقةِ وأصغر من الجفنةِ وهي تُعمل من جلود
الإبل.
أَسَاعَيةٌ عَيْسَاءُ والضَّأنُ حُفَّلٌ ... فَمَا حَاوَلَتْ عَيْسَاء أَم مَا عذيِرُهَا
التَّحفيلُ اجتماعَ اللبن في ضروعها، وكذلك التَّصريَة. والعذير الحال.
إذَا ما تَعاظَمْتُم جُعُورًا فَشَرِّفُوا ... جُحَيْشًا إذَا آبَتْ من الصَّيْفِ عيرُهَا
يقول: إذا جاءت الإبلُ بالمِيرة، كَثُرت عندهم الحِنطةُ والتَّمرُ، فيشبعون وتعظم جعورُهُم.
قال أبو عثمان: حدثنا الأصمعيُّ، قال: تجاعَر حيَّان من العرب أي خَرِئوا، فاختار كلُّ حيٍّ منهم
رجلًا، وكان سَبقُهُم في ذلك جَزُورا. قال: فأُطعِما من الليلِ طعامًا كثيرًا، حتى اندحَّت بطونُهما، قال:
ثم أصبحوا، فاجتمع الناسُ، قال: فجاء أحدُهما فوضع أمرًا عظيمًا، فهال
1 / 169
ذلك أصحاب الآخر، وخَبنوُا، وخشوا أن يُغلبوا فقال صاحبهم: لا تعجَلوا، ابشروا. قال: فجاء صاحبُهم إلى ما وضع
صاحبُه ثم جَلَّله، ثم تَنحَّى ناحية فوضع مثله، قال: فغَلب فأخذه أصحابهُ فحملوه على أعناقهم، فقال
الغالبُ لأصحابه: بأبي أنتم، أمَا إذا كان الظَّفرُ لنا فأشبعوني من أطايبها يعني من أطايب الجزور.
أُنَاسٌ يَخَالُونَ الْعَبَاءَةَ فيهِمُ ... قَطِيفَةَ مِرْعَزَّى يَقلَّبُ نيرُهَا
كَأنَّ سَليطًا في جَواشِنها الْخُصَى ... إذّا حَلَّ بَيْنَ الأمْلَحَيْن وَقيرُهَا
يريد أن أبدانَهم مُعضَّلةٌ كَخلق العبيد قد اكتنزت من العمل فتَعضَّلت، ليست سَبطةً كَسُبوطةِ الأحرار.
والأملحانِ ماءان ويقال جبلان لبني سَليط، وأنشد لعُمارة بن عَقيل:
وكم بابٍ فتحتَ بغيرِ حقٍّ ... وكم مالٍ أكلتَ بغيرِ حِلِّ
كأنك من خُصى سبعين بغلًا ... جُمِعْتَ فأنت كالثورِ المُوَلِّي
المُولِّي: المسنّ. والوقِيرُ: الغَنمُ فيها حماران أو أحمِرةٌ ولا تسمى الغنم وقيرا إلا بحُمرِها.
إِذا قِيلَ رَكْبٌ مِنْ سَلِيطٍ فَقُبِّحَتْ ... رِكَابًا وَرُكَبانًا لَئيمًا بَشيرُهَا
1 / 170
البشيرُ: المُبشِّر، والبشيرُ أيضًا الجَميلُ الوجه، يقال من البِشارة بَشرتُه، وأبشرتُه وَبشَّرتْهُ، وأنشد أبو
تَوبَة:
بَشَرْتُ عيالي أنْ رأيتُ صحيفةً ... أتتكَ من الحَجَّاجِ يُتْلَى كتابُها
نهيتُكُمُ أن تركبوا ذاتَ ناطحٍ ... من الحربِ يُلوَى بالرِّداءِ نذيرُها
ويروى: يسيرُها. يقول: أُتيتم. ذاتُ ناطحٍ: داهية.
وَمَا بكُمُ صَبْرٌ عَلى مَشْرَفيَّةٍ ... تَعَضُّ فِرَاخَ الْهَام أَوْ تَسْتَطِيرُهَا
المَشرفيَّةُ: سيوفٌ تُطبع بالمشارف، والمشارفُ القُرى ما بين الريفِ والبدو، مثل الأنبار من بغداد،
والعُذيبِ من الكوفة، وهي المزالِفُ والمَذارِعُ، وفراخِ الهام أدمغتها.
تَمَنَّيْتُمُ أنْ تَسْلُبُوا الْقَاعَ أَهْلَهُ ... كَذاكَ المُنَى غَرَّتْ جُحَيْشًا غُرُورُها
وَقَدْ كَانَ في بَقْعَاءَ رِيٌّ لشائكُمْ ... وَتَلعَةَ والجَوْفاءُ يَجْري غدَيِرُهَا
تَنَاهَوْا وَلاَ تَسْتَورْدُوا مَشُرفيَّة ... تُطيرُ شُؤُونَ الْهَامِ مِنْهَا ذَكْورُها
لا تستوردوا: لا تجعلوا رءوسكم وِردا لها، وشؤون الهام: مواصل الرأس، واحدها شأنٌ والشَّأنُ ما
بين قبيلتين من قبائل الرأس.
كأَنَّ السَّليطيِّينَ أَنْقَاضُ كَمْاة ... لأوَّلِ جَانٍ بالْعَصا يَسْتَثيرُهَا
واحدُ الأنقاض نَقضٌ وهو ما خرج من رأس الكَمأةِ إذا انشقت عنها
1 / 171
الأرضُ. يَصفُهم بالذُّلِّ وأنهم لايمتنعون، كما لا تمتنعُ هذه الكَمأةُ إذا استُثيرت بالعصا. ومن أمثال العَرب "هو أَذَلُّ من فَقْعٍ بِقاع"
وهي الكَمأةُ البيضاءُ.
غَضِبْتُمْ علينا أَو تَغَنَّيْتُمْ بِنَا ... أَن أخْضَرَّ من بَطنِ التِّلاَعِ غَمِيرُهَا
الغميرُ الكَلأ اليابسُ يُصيبه المطر فينتثر فيكون خَلِيسًا أبيض وأخضر. يقول: لما أخصبتم وَشعبتم
تَغنَّيتمُ بهجائي. والتِّلاع مَسايل الماء المرتفعة وهي المنخفضةُ وهي من الأضداد.
فَلَوْ كَانَ حِلْمٌ نَافِعٌ في مُقلَّد ... لَمَا وَغِرَتْ مِنْ جُرْمٍ صُدُورُهَا
يعني مُقلَّد بن كُليب. والوَغر: الحِقد والعداوة.
بَنُو الْخَطَفى والْخْيلُ أَيَّامَ سُوفَةٍ ... جَلَوْا عَنْكُمُ الظَّلْمَاء فَانْشَقَّ نُورُهَا
كانت قيسُ عَيلان أغارت إلى بني سَليط فاكتسحت أموالهم، وسَبوا منهم سبايا فَركِبت بنو الخَطفى،
فاستنقَذت ما في أيدي قيسٍ من إبل بني سليط وسباياها، فمنَّ ذلك عليهم جرير. وَسُوفة موضع
بالمرُّوت وهو صحارٍ واسعة بين قُفيَّن أو بين شَرفين غليظين، وحائلُ ماءٌ ببطن المرُّوت، وسُوفة
قريبةٌ منه فأُضيفت سوفة إليه، وأنشد:
إذا قَطَعْنَ حائلًا والمَرُّتْ ... فَأبْعَدَ الله السُّوَيق المَلْتُوتْ
وفي بئْرِ حصْنٍ أدركتنا حَفيظَةٌ ... وَقَدْ رُدَّ فيهَا مَرَّتَينَ حَفيرُهَا
حفيرُها ما خرج منها. والحفيظة: الغضبُ. قال: كان بنو مُرَّة بن
1 / 172
حِمَّان طَمُّوا بئر حِصن بنُّ عوف بن مُعاوية الأكبر من كليب، وكانت ببطن المَرُّوت، وكانت لأهل الزُّلف من بني سليط فمٌ يدَّعونه،
فطَمَّتها بنو حِمان، حتى جاء بنو عوف بن كُليب، رهطُ جريرٍ فنزلوا عليها فسَفرت السُّفراء بينهم
واصطلحوا.
فَجئْنا وَقدْ عَادَتْ مَرَاغَا وبَرَّكَتْ ... عَليْها مَخَاضٌ لَمْ تَجدْ مَنْ يُثيرُها
يقول: دُفِنت بئركُم هذه مرتين، فاستثرناها لكم بعدما صارت مَراغا لم تَدفعوا عنها. المخَاضُ من
الإبل ذَوات الحَمل، في بطونها أولادها.
لَئِنْ ضَلَّ يَوْمًا بالمُجَشَّرِ رَأْيُهُ ... وكَان لِعوْفٍ حَاسِدًا لاَ يَضيرُهَا
المُجشَّر من بني مُقلِد بن كُليب، وعوفٌ رَهطُ جرير.
فَأَوَلَى وَأَولَى أَنْ أُصِيبُ مُقَلَّدًا ... بفاشِيَةِ العَدْوى سَريعٍ نُشُورُهَا
ويروى طُرُورها أراد بقصيدة جَرِّيةٍ تُعدي من دَنا منها، ونشورُها: انتشارُها أي تنتشر وتفشُو.
فأولى وأولى: تَهدُّدٌ ووعيدٌ أي كُفُّوا عني لا أُصِبكُم بهذه المَعرَّة الفَاشية.
لَقَدْ جُرِّدَتْ يَوْمَ الحِدَاب نسَاؤُهُمْ ... فَسَاءَتْ مَجَاليهَا وَقَلَّتْ مُهُورُهَا
مجاليها حين جُليت كما تُجلى العَروس. وكان هذا اليومُ لبَكر بن وائل على سَليط فَسبوا منهم نساءً،
فأدركتهم بنو رياحٍ وبنو ثعلبة ابني يربوع، فاستنقذوهنَّ من أيدي بكر. وقوله: قلَّت مهورُها، يقول:
إنما مَلكُوهنَّ بالرِّماح ولم يَنقُدوا فيهن مَهرًا. والحِداب: موضع.
فردَّ على جريرٍ أبو الورقاءُ عُقبة بنُ مُليص المُقلَّدي فقال:
1 / 173
إنَّ الذَّي يَسْعى بِحُرِّ بلاَدَنا ... كَمُبْتَحثٍ نَارًا بِكفّ يُثيرُهَا
وَمَا حَارَبَتْنَا مِنْ مَعَدٍّ قَبيلَةٌ ... فَتُقْلَع إلاَّ وَهَي تَدْمَى نُحُورُها
وَإلاَّ رَمَيْنَاهَا بِصَدْرٍ وَكَلْكَلٍ ... مِن الشَّرِّ حَتَّى مَا يَهرُّ عَقُورُهَا
أَبَا الخَطفَى وابْنيَ مُعَيْدٍ وَمُعْرِضٌ ... تٌسَدِّي أُمُورًا جَمَّةً لاَ تُنيرُهَا
جَمَّة: كثيرة، ويقال: هذه بئرٌ جمَّةٌ أي كثيرةُ الماء. يقول: تُسدِّي أي تمدُّ خيوط الثوب طولًا. واللُّحمة
عرضًا، وباللُّحمة والنِّير يتمَّ نسجُ الثوب، وهذا مثلٌ ومعناه أنه يقول: تَعُدُّ ما لا تدركه ولا يتم ذلك.
وقال غسان:
مَنْ شَاءَ بَايَعْتُهُ مَالي وَخلْعَتَهُ ... إذَا جَنَى الْحَرْبَ بَعْدَ السِّلْمِ جَانيها
لاَ تَسأَلُونَ كليبِّيًا فَيخْبِرَكُمْ ... أيُّ الرَّمَاحِ إذا هُزَّتْ عَوَاليْها
أَمَّا كُلَيْبٌ فَإنَّ اللُّؤمَ حالفها ... مَا سَالَ في حَفلَةِ الزَّبَّاءِ واديهَا
الزَّباء: ماءٌ لبني سَليط، وحفلتُه كثرتُه، يعني كثرة السَّيل واجتماعه. ومنه قولهم: احتفل الفرسُ إذا
لم يُبق من جَهدهِ شيئًا. وكذلك احتفل الوادي إذا انتهى سيلهُ، وكلُّ ماءٍ تؤنِّثهُ فهو حفلةٌ، وإذا ذُكِّر فهو
ماء.
فأجابه جرير
أسأَلْ سَليطًا إذَا مَا الحرْب أَفْزَعَهَا ... مَا شَأْنُ خَيْلُكُم قُعْسًا هَواديهَا
1 / 174
القَعسُ دخولُ الظَّهر وخُروج الصَّدر، يريد أنهم يجذبون أعِنَّتها ولا يُجرونَها فيَلحقون بالفوارس فقد
قعست لذلك. هواديها: أعناقُها ومثله.
ولا يدرون ما الطَّعَنَانُ حتى ... يُمَدَّ الجَرْيُ من طَبَقِ العِنانِ
طَبقُ العِنان أن تُطبٌِّق عند كفِّ الفَرس عن العَدو، فإذا بُسِطَ للفرسِ عدوُه خَلَّى عِنانه، والطَعنان أن
يُبسطَ جَري الفَرس حتى يَحمى فيعَضُّ على مِسحَله، فيقال طَعن الفَرسُ في مِسحَله طعنًا وطَعنانًا -
ومثله قولُ طَرفة:
أَعْوَجيَّاتٌ على الشَّاأْوِ أُزم
أي عَواضُّ على لُجمُها، يقول: لم يعتادوا رُكوب الخيلِ وركضَها، كما قال:
لم يركبوا الخيلَ إلا بعدما كَبروا ... فهم ثِقالٌ على أكتافها عُنُفُ
لاَ يَرْفَعُون إلى دَاع أَعَّنَتَها ... وَفي جَوَاشِنها دَاءٌ يُجَافِيهَا
يقول: في صدور بني سليطٍ انتفاخٌ من الجُبنِ والفَزع، فهم لا يَثبتون على مُتون خيلهم، فذلك دارؤُها
الذي يجافيها عن لُزُوم مُتون الخيل، ويروى إلى الداعي.
وَمَا السَّليِطُّي إلاَّ سَوْءَةٌ خُلِقَتْ ... في الأَرْضِ لَيْسَ لَهَا سِتْرٌ يُوَارِيَها
1 / 175