فإن قيل : فهل كان إبليس من الملائكة أم من نوع آخر ؟ قيل : قد اختلف في ذلك فمن قال : إنه من الملائكة احتج بالاستثناء في قوله : ' فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس ' ، وقال : إن الاستثناء من غير الجنس خلاف الأصل . ومن قال : إنه لم يكن منهم احتج بقوله تعالى : ' إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ' .
وأجاب الأولون عن هذا فقالوا : إن الملائكة يطلق عليهم لفظ الجن لاجتنانهم واستتارهم عن العين . وقالوا : قد ورد ذلك في القرآن أيضا في قوله تعالى : ' وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ' ، والجنة ههنا الملائكة ، لأنهم قالوا : إن الملائكة بنات الله ، بدليل قوله : ' أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا ' ، وكتب التفسير تشتمل من هذا على ما لا نرى الإطالة بذكره .
فأما القطب الراوندي : فقال في هذين الفصلين في تفسير ألفاظهما اللغوية : العذب من الأرض ما ينبت ، والسبخ : ما لا ينبت ، وهذا غير صحيح ، لأن السبخ ينبت النخل ، فيلزم أن يكون عذقا على تفسيره ! وقال : فجبل منها صورة ، أي خلق خلقا عظيما . ولفظة جبل ، في اللغة تدل على خلق سواء كان المخلوق عظيما أو غير عظيم .
وقال : الوصول : جمع وصل ، وهو العضو ، وكل شيء اتصل بشيء فما بينهما وصلة . والفصول : جمع فصل وهو الشيء المنفصل ، وما عرفنا في كتب اللغة أن الوصل هو العضو ، ولا قيل هذا . وقوله بعد ذلك : وكل شيء اتصل بشيء فما بينهما وصلة لا معنى لذكره بعد ذلك التفسير . والصحيح أن مراده عليه السلام أظهر من أن يتكلف له هذا التكلف ، ومراده عليه السلام أن تلك الصورة ذات أعضاء متصلة كعظم الساق أو عظم الساعد ، وذات أعضاء منفصلة في الحقيقة ، وإن كانت متصلة بروابط خارجها عن ذواتها كاتصال الساعد بالمرفق واتصال الساق بالفخذ .
ثم قال : يقال : استخدمته لنفسي ولغيري ، واختدمته لنفسي خاصة ، وهذا مما لم أعرفه ، ولعله نقله من كتاب .
ثم قال : والإذعان : الإنقياد ، والخنوع : الخضوع ، وإنما كرر الخنوع بعد الإذعان لأن الأول يفيد أنهم أمروا بالخضوع له في السجود ، والثاني يفيد ثباتهم على الخضوع لتكرمته أبدا .
পৃষ্ঠা ৭৩