وأشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلى شيء من ذلك في عدة الصابرين، والمفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر مسألة أطال ابن القيم في بحثها، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية بين الأمرين بالتقوى، أفضلهما أتقاهما لله، لكن الغالب أن الله -جل وعلا- إذا ابتلى الشخص بالغنى أنه يصبر ويحتسب، لكنه إذا ابتلي بالفقر صبر واحتسب، هذا الغالب، وإذا ابتلي بالغنى طغى، والشواهد تدل على ذلك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما خاف على أمته من الغنى لا من الفقر، وقد ابتلي أهل هذه البلاد بالفقر الذي لا نظير له مدة من الزمان، وصبروا واحتسبوا، ولا تنازلوا عن شيء، لا عن دين، ولا عن عرض، ولا عن مروءة، صبروا وثبتوا، وأكلوا الجيف، وأكلوا أعلاف الدواب، وصبروا واحتسبوا، ما تنازلوا عن شيء، ثم لما فتحت عليهم الدنيا انظر ترى، كيف صار حال الناس بعد ذلك؟! ولذا جاء في هذا الحديث: "ونحن نذكر الفقر ونتخوفه" يعني نخاف منه، يخافون أن يصيبهم هذا الفقر فيحصل لهم ما حصل لغيرهم.
"فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((آلفقر تخافون؟ )) " يسألهم يعني تخافون من الفقر؟ ((والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)).
((والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا)) يعني من نظر في واقع الناس اليوم جزم بأنه لم يمر على أحد في عصر من العصور مثل ما يمر الآن؛ لأنها فتحت خزائن الأرض، ومع ذلك يوجد فقراء، ولو قرأ من نظر إلى هذا النعيم الذي نعيشه في تاريخ المسلمين في العصور الذهبية سواء كان في بغداد، أو في الأندلس وجد أن الأمر صبت عليهم الدنيا صبا {وقليل من عبادي الشكور} [(13) سورة سبأ] بنيت القصور من الذهب الخالص في الأندلس، ثم النتيجة أن استولى عليها النصارى، وطردوا المسلمين وقتلوهم واستخدموهم، وسبوا نساءهم وذراريهم؛ لأن النعم إذا لم تشكر هذه هي النتيجة {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} [(7) سورة إبراهيم] وليس معناه الكفر الخروج من الدين، إنما هو فيما يقابل الشكر، كفر النعم.
পৃষ্ঠা ৭