وقدم (الرحمن) على (الرحيم)؛ لأنه خاص به تعالى؛ إذ لا يطلق على غيره تعالى بخلاف (الرحيم)، ولأنه أبلغ منه كَمًّا وكيفًا، ولأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى عند الاتحاد في الاشتقاق والنوع كما هنا، وهذا في الرحمن باعتبار أصله.
أما الآن .. فقد صار علمًا بالغلبة، ويجوز فيه الصرف نظرًا لأصله، وعدمه نظرًا للغلبة.
وعلى أنه علم: هو بدل من (الجلالة)، و(الرحيم) نعت له لا للجلالة.
(الحمد) هو لغة: الثناء بالكلام على جميل اختياري على جهة التعظيم سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، وسواء كان جميلًا شرعًا كالعلم، أو في زعم الحامد كنهب الأموال.
واصطلاحًا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونُه منعمًا على الحامد أو غيره.
وهو الشكر لغة فعلًا كان أو قولًا أو اعتقادًا.
فمورده عام ومتعلَّقُه خاص، عكس اللغوي، فبينهما عموم وخصوص من وجه يجتمعان في قولك: (زيد كريم)، وينفرد اللغوي بنحو قولك: (زيد عالم)، والعرفي بنحو: القيام لمن أحسن إليك، أو إلى غيرك.
ثابت أو مختص أو مملوك (لله) فلا فرد منه لغيره، سواء جعلتَ (أل) في الحمد للاستغراق، أو للجنس، أو للعهد، وهو ظاهر على غير العهد.
أما عليه؛ أي: الحمد المعهود الذي حمد به نفسه، وحمده به كُمَّلُ خلقه مملوك أو مختص به .. فادعاء؛ بناء على أن لا عبرة بحمد غير من ذكر، وفيه كلام بينته في "الأصل".
وأردف التسمية بـ (الحمد) اقتداء بالقرآن المجيد، وعملًا بظاهر خبره المتقدم على ما مرَّ فيه.
وترك العاطف بينهما؛ إشارة إلى كمال الاتصال بينهما؛ إذ معنى كل منهما الثناء. وإلى استقلال كل منهما بإفادة الابتداء. ولاحتمال كون أحدهما خبرًا والآخر إنشاء، ولا يجوز عطف أحدهما على الآخر إلا في نحو: (قلت: زيد قائم، وأكْرِمْ عمرًا).
وقرن الحمد بالجلالة؛ إشارة إلى أنه تعالى مستحقه لذاته.
1 / 46