واختصارًا، وردًّا عليه وتصحيحًا لأخطائه، لكنّ شرح ابن يعيش انفرد بالشهرة بين العلماء، وذلك أن الشارح أقبل على المفصَّل، كما يقول في مقدمة شرحه، وهو في سن السبعين، بعد أن نضج علمًا، وترسّخت قدمه في النحو والصرف، وأصبح خبيرًا بمذاهب البصريين والكوفيين والبغداديين.
أمّا سبب تخصيصه كتاب "المفصّل" بالشرح دون غيره من كتب النحاة، فلأنّ هذا الكتاب، كما يذكر في مقدمة شرحه، جليل القدر نابه الذكر إلَّا أن فيه ألفاظًا أشكلت، وعبارات مجملة، ومعانٍ خالية من الدليل. قال: "لما كان الكتاب الموسوم بـ"المفصّل" من تأليف الإِمام العلّامة أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ، ﵀، جليلًا قدره، نابهًا ذكرُه، قد جمعت أصولَ هذا العلم فصولُه، وأوجز لفظه، فتيسَّر على الطالب تحصيله، إلَّا أنّه مشتمل على ضروب، منها أغربت عبارته فأشكل، ولفظ تتجاذبه معانٍ، فهو مجمل. ومنها ما هو بادٍ للأفهام، إلَّا أنّه خالٍ من الدليل مهمل، استخرت الله تعالى في إملاء كتاب أشرح فيه مشكله، وأوضح مجمله، وأُتبع كلّ حكم منه حججَه وعِلَله. ولا أَدّعي أنه، ﵀، أحل بذلك تقصيرًا عما أتيت به في هذا الكتاب، إذ من المعلوم أن من كان قادرًا على بلاغة الإيجاز كان قادرًا على بلاغة الإطناب".
ويتلخص منهج ابن يعيش في شرحه في أنه تابعَ الزمخشريّ في مفصَّله فصلًا فصلًا، وفقرةً فقرةً، وعبارةً عبارة من أوّل الكتاب إلى آخره. فكان يُثبت كلام الزمخشريّ بحسب تقسيمات الزمخشريّ نفسه لهذا الكلام، ثم يُتبعه بالشرح والتفصيل، والنقد، متوسِّعًا في شرحه، عارضًا لآراء النحويين المختلفة في المسألة الواحدة، حتى جاء شرحه أشبه بدائرة معارف لآراء النحاة على اختلاف مدارسهم، "حتى كأنّه لم يترك مصنفًا لعَلَم من أعلامهم إلَّا استوعبه، وتمثَّل كل ما فيه من آراءه تمثُّلًا منقطع النظير" (١).
والقارئ لهذا الشرح يظهر له منذ الصفحات الأولى شدّة حماسة ابن يعيش للبصريين، وانتصاره لهم، وهو يسمّيهم "أصحابه" (٢)، موهنًا آراء الكوفيين ومن وافقهم، مكثِرًا من الاستشهاد بسيبويه حتى كاد أن يستنفد آراء. وهو دائم التأييد له، فإن وجد أنْ رأيًا من آرائه سيبويه لا يوافقه، وهذا نادر، ذهب إلى أن هذا الرأي هو"الظاهر" من كلام سيبويه (٣). وقد انتصر لرأي البصريين في أن "الاسم" مشتق من "السمو" لا من "السمة" كما قال الكوفيّون (٤)، وفي أن فاعل "ضربني" في قولك: "ضربني وضربت
_________
(١) المدارس النحوية ص ٢٨٠.
(٢) راجع التعجب، فقرة عدم التصرف في الجملة التعجبية.
(٣) انظر فعل اللازم والمتعدي، وانظر ملاحظتنا في الهامش على هذا القول.
(٤) شرح المفصّل ١/ ٨٣.
1 / 26