٥ - أقوال العلماء فيه:
لم يذكره الذين ترجموا له إلَّا بالمدح والثناء على علمه وفضله. قال عنه الوزير جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطيّ (ت ١٤٦ هـ / ١٢٤٨ م)، وكان معاصره وساكنًا في جواره: "لو أنصفتُه ما أجريتُه في حلبة النحاة، ولو أنّ النحو قنطرة الآداب، لنزَّهته عن مشاركة من قصَدَه ونحّاه، فإنّني إنْ وصفتُه بالنحو فهو أديب، أو بالبلاغة فهو خطيب، أو بالعدالة فهو أبو ذرّها، أو بالمعاني فهو مكنون دُرّها، أو بجميع الفضائل فهو حالب دَرِّها. إمام إذا قاسَ قطع، وإذا تربَّعَ رَبْع الأدب بَرعَ، وإن سُئِل بَيَّن المُشكِل، وإن اسْتُفسِر فَصَّل المُجْمل. تصدَّر في زاوية أبي علي [الفارسيّ]، وجَلَّى للطلبة غامضَ كلامه، وما تعبيرُ كلِّ متصدِّر جليّ" (١). وقال معاصره ابن خلِّكان (أبو العباس شمس الدين أحمد محمَّد (ت ٦٨١ هـ / ١٢٨٢ م): " ... ولما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف، وكان دخولي إليها يوم الثلاثاء مستهلّ ذي القعدة سنة ست وعشرين وستمائة (=٢٠ أيلول سنة ١٢٢٩ م)، وهي إذ ذاك أم البلاد، مشحونة بالعلماء والمشتغلين. وكان الشيخ موفّق الدين المذكور شيخ الجماعة في الأدب، لم يكن فيهم مثله، فشرعت في القراءة عليه. وكان يُقرىء بجامعها في المقصورة الشماليّة بعد العصر، وبين الصلاتين بالمدرسة الرواحية، وكان عنده جماعة قد تنبّهوا وتميَّزوا به، وهم ملازمون مجلسه لا يفارقونه في وقت الإقراء. وابتدأت بكتاب "اللمع" لابن جني، فقرأت عليه معظمه مع سماعي لدروس الجماعة الحاضرين، وذلك في أواخر سنة سبع وعشرين، وما أتممته إلَّا على غيره لعذر اقتضى ذلك.
وكان حسن التفهيم، لطيف الكلام، طويل الروح على المبتدىء والمنتهي. وكان خفيف الروح، ظريف الشمائل، كثير المجون، مع سكينة ووقار" (٢).
وقال عنه السيوطي (جمال الدين عبد الرحمن بن الكمال (ت ٩١١ هـ / ١٥٠٥ م): "وكان من بار أئمّة العربية، ماهرًا في النحو والتصنيف. قدِمَ دمشق، وجالس الكنديّ، وتصدّر بحلَب للإقراء زمانًا، وطال عمرُه، وشاع ذكرُه، وغالبَ فضلاء حلب تلامذتُه" (٣).
٦ - كتابه "شرح المفصَّل":
تقدّم القول في الفصل السابق أنّ نحويين عديدين تناولوا "المفصّل" شرحًا، ونظمًا،
_________
(١) إنباه الرواة ٤/ ٤٥ - ٤٦.
(٢) وفيات الأعيان ٧/ ٤٧ - ٤٨.
(٣) بغية الوعاة ٢/ ٣٥١.
1 / 25