ــ
النبي ﷺ لتعلم الشرائع، ثم يرجعون إلى المواطن ويعلمون قومهم، والرابعة: هجرة من أسلم من أهل مكة ليأتي إلى النبي ﷺ ثم يرجع إلى مكة، والخامسة: الهجرة عما نهى الله عنه. ومعنى الحديث وحكمة صابت متناول للجميع، غر أن حكاية أم قيس تقتضي أن المراد بالحديث الهجرة من مكة إلى المدينة، ولهذا حسن في الحديث ذكر المرأة، دون سائر ما ينوي بالهجرة من أعراض الدنيا.
أقول: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السب. ودنيا مقصورة غير منونة، لأنه فعلي، وسميت الدنيا لدنوها، والجمع دُنى، مثل الكبرى والكُبَر. قال المالكي في كتاب شواهد التوضيح في مشكلات الجامع الصحيح: في استعمال دنيا مع كونه منكرًا إشكال؛ لأنها تأنيث أدنى، وهو أفعل تفضيل، فكان حقه الدنيا، كالكبرى والحسنى، إلا أن دنيا خلعت عنها الوصفية رأسًا، وأجريت مجرى ما لم يكن وصفا، كرجعى وبهمى، ونحوه قول الشاعر:
وإن دعوت إلى جُلّى ومكرمة ... يومًا سراة كرام الناس فادعينا
فإن الجُلّى كؤنث الأجل، فخلعت عنه الوصفية، وجعلت اسما للحادثة العظيمة.
وإنما أورد إمام أئمة الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، ومحيي السنة في كتابيه: شرح السنة، والمصابيح هذا الحديث قبل الشروع في أبواب الكتاب – إيذانًا بأن هذا المصنف منويٌّ فيه الإخلاص لله تعالى ومجتنب عن الرياء والسمعة، فلذلك تقبل الله منهما، وجعل الكتب إعلاما من أعلام الدين، ونحن اقتفينا أثرها، فاهتدينا بهديهما، نرجو من فضل الله وكرمه أن يتقبل منا، ويجعل تعبنا سببًا لنجاتنا ونفعًا للطالبين.
فائدة على لسان أهل الإشارة: قال بعضهم: العمل سعي الأركان إلى الله، والنية سعي القلوب إلى الله، والقلب ملك، والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بجنوده، ولا الجنود إلا بالملك. وقال بعضهم: النية جمع الهم في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسبح في السر ذكر غيره. وقال بعضهم: نية العوام في طلب الأغراض مع نسيان الفضل، ونية الجهال التحصن عن سوء القضاء ونزول البلاء، ونية أهل النفاق التزين عند الله وعند الناس، ونية العلماء إقامة الطاعة لحرمة ناصبها لا لحرمتها، ونية أهل التصوف ترك الاعتماد على ما يظهر منهم من الطاعات، ونية أهل الحقيقة ربوبية تولد عبودية.
2 / 420