قلنا معلوم بالضرورة أن هذه الإفادة ليست لخصوصية هذه المادة بل لصحة النظر المخصوص مادة وصورة وكونه على شرائطه فكل نظر يكون كذلك يفيد العلم وهو المطلوب وهذا ما قال إمام الحرمين أنه لا يعد في إثبات جميع أنواع النظر بنوع منها يثبت نفسه وغيره إلا أنه لما اعترف بإثبات الشيء بنفسه اعترض الإمام الرازي بأن فيه تناقضا وتقدما للشيء على نفسه وجوابه أن نفس الشيء بحسب الذات قد تغايره بحسب الاعتبار فنخالفه في الأحكام كهذا الذي أثبتنا به كون كل نظر مفيدا للحكم فإنه من حيث ذاته وسيلة ومتقدم ومعلوم ومن حيث كونه من إفراد النظر مطلوب ومتأخر ومجهول وتفصيله أن الموقوف المجهول المطلوب بالنظر هو القضية الموجبة المهملة أو الموجبة الكلية التي عنوان موضوعها مفهوم النظر أعني قولنا النظر يفيد العلم أو كل نظر مقرون بشرائطه يفيد العلم والموقوف عليه المعلوم بديهة هو القضية الشخصية التي موضوعها ذات النظر المخصوص أعني قولنا العالم متغير وكل متغير حادث يفيد العلم بأن العالم حادث من غير اعتبار كون هذا الموضوع من إفراد النظر فلا يكون الشيء الواحد بالذات والاعتبار متقدما على نفسه ومعلوما حين ما ليس بمعلوم ليلزم الدور والتناقض وأصل الباب أن الحكم بالشيء على الشيء قد يختلف لوازمه من الاستغناء عن الدليل أو الافتقار إليه أو إلى التنبيه أو إلى الإحساس أو غير ذلك باختلاف التعبير عن المحكوم عليه مثلا إذا حاولنا الحكم على العالم بالحدوث فربما يقع التعبير عنه بما يجعل الحكم غير مفيد أصلا كقولنا كل موجود بعد العدم حادث أو مفيدا بديهيا كقولنا كل ما يقارن تعلق القدرة والإرادة الحادثة فهو حادث أو مفيدا كسبيا كقولنا كل متغير فهو حادث وبهذا ينحل ما يورد على الشكل الأول من أن العلم بالنتيجة لما توقف على العلم بالكبرى الكلية التي من جملة إفراد موضوعها موضوع النتيجة لزم توقف النتيجة على نفسها وكونها معلومة قبل أن تعلم وهو تناقض وذلك لأن معلومية الحكم كحدوث العالم من جهة كون المحكوم عليه من إفراد الأوسط كالمتغير لا يناقض مجهوليته من جهة كونه من إفراد الأصغر أعني العالم فإن قيل لا خفاء في أن كون النظر مفيدا للعلم ضروري في الشكل الأول نظري في باقي الأشكال فكيف يصح اختيار أنه ضروري مطلقا على ما ذهب إليه الإمام الرازي أو نظري مطلقا على ما ذهب إليه إمام الحرمين قلنا الكلام فيما إذا أخذ عنوان الموضوع هو النظر فيقال النظر أو كل نظر على شرائطه يفيد العلم وما ذكر من التفصيل قطعا إنما هو في الخصوصيات مثل قولنا العالم متغير مع قولنا وكل متغير حادث أو ولا شيء من القديم بمتغير فإن العلم بإفادة الأول ضروري والثاني نظري على أن هذا التفصيل إنما هو بالنظر إلى مجرد ترتيب المقدمتين ووضع الحد الأوسط عند الحدين الآخرين وأما بعد حصول جميع الشرائط فالحكم بإفادة كل من خصوصيات النظر العلم ضروري في جميع الأشكال على ما يراه بعض
পৃষ্ঠা ৩৭