শারহ মাকাসিদ
شرح المقاصد في علم الكلام
প্রকাশক
دار المعارف النعمانية
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
1401هـ - 1981م
প্রকাশনার স্থান
باكستان
জনগুলি
نحمدك يا من بيده ملكوت كل شيء وبه اعتضاده ومن عنده ابتداء كل حي وإليه معاده تتلى من أوراق الأطباق آيات توحيده وتحميده وتجلى في الآفاق والأنفس شواهد تقديسه وتمجيده ما تسقط في الأكوان من ورقة إلا تعلمها حكمته الباهرة ولا توجد في الأمكان من طبقة إلا تشملها قدرته القاهرة تقدس عن الأمثال والأكفاء ذاته الأحدية وتنزه عن الزوال والفناء صفاته الأزلية والأبدية سجدت لعزة جلاله جباه الأجرام العلوية ونطقت بشكر نواله شفاه الأنوار القدسية ونشكرك على ما علمتنا من قواعد العقائد الدينية وخولتنا من عوارف المعارف اليقينية وهديتنا إليه من طريق النجاة وسبيل الرشاد ودللتنا عليه من سنن الاستقامة ونهج السداد ونصلي على نبيك محمد المنعوت بأكرم الخلائق المبعوث رحمة للخلائق أرسلته حين درست أعلام الهدى وظهرت أعلام الردى وانطمس منهج الحق وعفا وأشرقت مصابيح الصدق على الانطفاء فأعلى من الدين معالمه ومن اليقين مراسمه وبين من البرهان سبيله ومن الإيمان دليله وأقام للحق حجته وأنار للشرع محجته حتى انشرح الصدور بنور البينات وانزاح عن القلوب صدأ الشبهات وأشرق وجه الأيام واتسق أمر الإسلام واعتصم الأنام بأوثق عصام ماله من انفصام وعلى آله وأصحابه خلفاء الدين وخلفاء اليقين مصابيح الأمم ومفاتيح الكرم وكنوز العلم ورموز الحكم رؤساء حظائر القدس وعظماه بقاع الأنس قد صعدوا ذرى الحقائق بإقدام الأفكار ونوروا سبع طرائق بأنوار الآثار وقارعوا على الدين فكشفوا عنه القوارع والكروب وسارعوا إلى اليقين فصرفوا عنه العوادي والخطوب فابتسم ثغر الإسلام وانتظم أمر المسلمين واتضح وعدا من الله وحقا عليه نصر المؤمنين وبعد فقد كنت في إبان الأمر وعنفوان العمر إذ العيش غض والشباب بمائه وغصن الحداثة على نمائه وبدور الآمال طالعة مسفرة ووجوه الأحوال ضاحكة مستبشرة ورباع الفضل معمورة الأكناف والعرصات ورياض العلم ممطورة الأكمام والزهرات أسرح النظر في العلوم طلبا لأزهارها وأنوارها وأشرح الكتب من الفنون كشفا لأستارها عن أسرارها يرد على حذاق الآفاق غوصا على فرائد فوائدها ويتردد إلى أكياس الناس روما لشوارد عوائدها علما منهم بأنا بذلنا قوانا لاكتساب الدقائق وقتلنا نهانا في طلاب الحقائق وحين رأوا علم الكلام الذي هو أساس الشرائع والأحكام ومقياس قواعد عقائد الإسلام أعز ما يرغب فيه ويعرج عليه وأهم ما تناخ مطايا الطلب لديه لكونه أوثق العلوم بنيانا وأصدقها تبيانا وأكرمها نتاجا وأنورها سراجا وأصحها حجة ودليلا وأوضحها محجة وسبيلا حاموا جميعا حول طلابه وراموا طريقا إلى جنابه والتمسوا مصباحا على قبابه ومفتاحا إلى فتح بابه فافترصت لمعة من ظلم الدهر ونبوة من أنياب النوائب وانتهزت فرصة من عين الزمان وخفة من زحام الشوائب وأخذت في تصنيف مختصر موسوم بالمقاصد منظوم فيه غرر الفرائد ودرر الفوائد وشرح له يتضمن بسط موجزه وحل ملغزه وتفصيل مجمله وتبيين معضله مع تحقيق للمقاصد وفق ما يرتاد وتدقيق للمعاقد فوق ما يعتاد وتحرير للمسائل بحسب ما يراد ولا يزاد وتقرير للدلائل بحيث لا يضاد ولا يصاد بألفاظ تنفتح بها الآذان وتنشرح الصدور وتتفطر بالأنهار والأزهار جبال وصخور ومعان تتهلل بها وجوه الأوراق وتتبسم ثغور السطور وتتلألأ خلال الكلام كأنها نور على نور باذلا الجهد في إيراد مباحث قلت عناية المتأخرين بها من المتكلمين وقد بالغ في الاعتناء بها المحققون من المتقدمين لا سيما السمعيات التي هي المطلب الأعلى والمقصد الأقصى في أصول الدين والعروة الوثقى والعمدة القصوى لأهل الحق واليقين وحين حررت بعضا من الكتاب ونبذا من الفصول والأبواب تسارع إليه الطلاب وتداولته أيدي أولي الألباب وأحاط به طلبته كل طالب وناط به رغبته كل راغب وعشا ضوء ناره كل وارد ووجه إليه الهمة كل رائد وطفقوا يمتدحون ويقترحون وزناد الإزدياد يقتدحون وأنا أصرف جهدي والمراد ينصرف والمقصود يتقاعس عن الحصول وينحرف والأيام تحول وتحجز وتعد ولا تنجز والدهر يشكى ويبتكى والعقل يضحك ويبكى العجب من تقاصر همم الرجال وفسادها وتراجع سوق الفضائل وكسادها وتضعضع بنيان الحق وتداعي أركانه وتزعزع شأن الباطل وتمادى طغيانه وتطاول أيام كلها غضب وعتب وعلى الألباب عول والب تجمع بين الجفون والسهاد وتفرق بين العيون والرقاد لا في القول إمكان وللتحصيل تأييد ولا في قوس الرماء منزع ولسهم النضال تسديد وهلم جرا إلى أن رماني زماني وبلاني من الحوادث بما بلاني وحالت الأحوال دون الأمان بل الأماني وأصبح شاني أن يفيض غروب شاني تناء بي الأوطان والأوطار وترامت بي الأقطار والأسفار قاسى أحوالا تشيب النواصي وأهوالا تذيب الرواسي أشاهد من أسباب انقراض العلوم وانتقاض مددها وانتقاض مددها ما تكادالأنفاس له تتقطع والجبال تتصدع وقد ملكتها وحشة المضياع وخبرة المزياع ووقفت على ثنية الوداع لا طلول ولا يفاع ولا رسوم ولا رباع كلما نويت نشر ما طويت وتصديت لإتمامه أو تمنيت عرض من الموانع والقواطع وحدث من النوائب والشوائب ما يحول أيسرها بين المرء وقلبه وتصدأ به مرآة فكره وعقله ويزول باد ولها ريق خاطره وناظره ويذهب رونق باطنه وظاهره إلى أن تداركني نعمة من ربي وتماسك بي عودة من فهمي ولبي فأقبلت على إتمام الكتاب وانتظام تلك الفصول والأبواب فجاء بحمد الله كنزا مدفونا من جواهر الفوائد وبحرا مشحونا بنفايس الفرائد في لطائف طالما كانت مخزونة وعن الإضاعة مصونة مع تنقيح للكلام وتوضيح للمرام بتقريرات ترتاح لها نفوس المحصلين وينزاح منها شبه المبطلين وتضحى أنوارها في قلوب الطالبين وتطلع نيرانها على أفئدة الحاسدين لا يعقل بيناتها إلا العالمون ولا يجحد بآياتها إلا القوم الظالمون يهتز لها علماء البلاد في كل ناد ولا يغض منها إلا كل هايم في واد من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلله فما له من هاد وإذا قرع سمعك ما لم تسمع به من ألأولين فلا تسرع وقف وقفة المتأملين لعلك تطلع بوميض برق إلهي وتألق نور رباني من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة على برهان له جلي أو بيان من آخرين واضح خفي والله سبحانه ولي الإعانة والتوفيق وبتحقيق آمال المؤمنين حقيق قال ورتبته على ستة مقاصد أقول اعلم أن للإنسان قوة نظرية كمالها معرفة الحقائق كما هي وعملية كمالها القيام بالأمور على ما ينبغي تحصيلا لسعادة الدارين وقد تطابقت الملة والفلسفة على الاعتناء بتكميل النفوس البشرية في القوتين وتسهيل طريق الوصول إلى الغايتين إلا أن نظر العقل يتبع في الملة هداه وفي الفلسفة هواه وكما دونت حكماء الفلسفة الحكمة النظرية والعملية إعانة للعامة على تحصيل الكمالات المتعلقة بالقوتين دونت عظماء الملة وعلماء الأمة علم الكلام وعلم الشرايع والأحكام فوقع الكلام للملة بإزاء الحكمة النظرية للفلسفة وهي عندهم تنقسم إلى العلم المتعلق بأمور تستغني عن المادة في الوجود والتصور جميعا وهو الإلهي أو في التصور فقط وهو الرياضي أولا تستغني أصلا وهو الطبيعي ولكل منها أقسام وفروع كثيرة إلا أن المقدم في الاعتبار بشهادة العقل والنقل هو معرفة المبدأ والمعاد المشار إليهما بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وطريق الوصول إليها هوالنظر في الممكنات من الجواهر والأعراض على ما يرشد إليه مواضع من كتاب الله تعالى وما أحسن ما أشار أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه إلى أن المعتبر من كمال القوة العملية ما به نظام المعاش ونجاة المعاد ومن النظرية العلم بالمبدأ والمعاد وبما بينهما من جهة النظر والاعتبار حيث قال رحم الله أمرأ أخذ لنفسه واستعد لرمسه وعلم من اين وفى اين وإلى أين فاقتصر المليون على ما يتعلق بمعرفة الصانع وصفانه وأفعاله وما يتفرع على ذلك من النبوة والمعاد وسائر مالا سبيل للعقل باستقلاله وما يترتب عليه إثبات ذلك من الأحوال المختصة بالجواهر والأعراض أو الشاملة لأكثر الموجودات فجاءت أبواب الكلام خمسة هي الأمور العامة والأعراض والجواهر والإلهيات والسمعيات وقد جرت العادة بتصديرها بمباحث تجري مجرى السوابق لها تسمى بالمباديء فرتبنا الكتاب على ستة مقاصد ووجه الضبط أن المذكور فيه أن كان من مقاصد الكلام فإما سمعيات هو المقصد السادس أو عقليات مختص بالواجب وهو الخامس أو بالممكن الجوهر وهو الرابع أو العرض وهو الثالث أولا مختص بواحد وهو الثاني وإن لم يكن من مقاصد الفن فهو المقصد الأول من الكتاب ووجه الترتيب توقف اللاحق على السابق في بعض البينات وقد يقتضى الضبط والمناسبة إيراد شيء من مباحث تأتي في الآخر كمسئلة الرؤية في الإلهيات وإعادة المعدوم في السمعيات قال المقصد الأول أقول رتبه على ثلاثة فصول لأن المبادي منها ما رأوا تصدير كل علم بها كمعرفة حده وموضوعه وغايته ونحو ذلك فسماها بالمقدمات وجعلها في فصل ومنها ما صدروا بها علم الكلام خاصة كمباحث العلم والنظر لأن تحصيل العقائد بطريق النظر والاستدلال والرد على منكري حصول العلم أصلا واستفادته من النظر مطلقا أو في الإلهيات خاصة يتوقف على ذلك وليس في العلوم الإسلامية ما هو أليق ببيانه فجعلها في فصلين قال الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية أقول حصول الكيفيات النفسانية في النفس قد يكون بأعيانها وهو اتصاف بها وقد يكون بصورها وهو تصور لها كالكريم يتصف بالكرم وإن لم يتصوره وغير الكريم يتصوره وإن لم يتصف به ولا خفاء في أن حقيقة كل علم من الكلام وغيره تصورات وتصديقات كثيرة يطلب حصولها بأعيانها بطريق النظر والاستدلال فاحتيج إلى ما يفيد تصورها بصورة إجمالية تساويها صونا للطلب والنظر عن إخلال بما هو منها واشتغال بما ليس منها وذلك هو المعنى بتعريف العلم فكان من مقدماته وإنما كثر تركه سيما في العلوم الشرعية والأدبية لما شاع من تدوين العلوم بمسائلها ودلائلها وتفسير ما يتعلق بها من التصورات ثم تحصيلها كذلك بطريق التعلم من المعلم أو التفهم من الكتاب إذا تقرر هذا فنقول الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية ومنها ما يتعلق بالاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية وكانت الأوائل من العلماء ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وقرب العهد بزمانه وسماع الأخبار منه ومشاهدة الآثار مع قلة الوقائع والاختلافات وسهولة المراجعة إلى الثقات مستغنين عن تدوين الأحكام وترتيبها أبوابا وفصولا وتكثير المسائل فروعا وأصولا إلى أن ظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء وكثرت الفتاوى والواقعات ومست الحاجة فيها إلى زيادة نظر والتفات فأخذ أرباب النظر والاستدلال في استنباط الأحكام وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد الإسلام وأقبلوا على تمهيد أصولها وقوانينها وتلخيص حججها وبراهينها وتدوين المسائل بأدلتها والشبه بأجوبتها وسموا العلم بها فقها وخصوا الاعتقاديات باسم الفقة الأكبر والأكثرون خصوا العمليات باسم الفقه والاعتقاديات بعلم التوحيد والصفات تسمية بأشهر أجزائه وأشرفها وبعلم الكلام لأن مباحثه كانت مصدرة بقولهم الكلام في كذا وكذا ولأن أشهر الاختلافات فيه كانت مسئلة كلام الله تعالى أنه قديم أو حادث ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات كالمنطق في الفلسفيات ولأنه كثر فيه من الكلام مع المخالفين والرد عليهم مالم يكثر في غيره ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام واعتبروا في أدلتها اليقين لأنه لا عبرة بالظن في الاعتقاديات بل في العمليات فظهر أنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية وهذا هو معنى العقائد الدينية أي المنسوبة إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم سواء توقف على الشرع أم لا وسواء كان من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أم لا ككلام المخالفين وصار قولنا هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية مناسبا لقولهم في الفقه إنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية وموافقا لما نقل عن بعض عظماء الملة أن الفقه معرفة النفس مالها وما عليها وأن ما يتعلق منها بالاعتقاديات هو الفقه الأكبر وخرج العلم بغير الشرعيات وبالشرعيات الفرعية وعلم الله تعالى وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالاعتقاديات وكذا اعتقاد المقلد فيمن يسميه علما ودخل علم علماء الصحابة بذلك فإنه كلام وإن لم يكن وسمي في ذلك الزمان بهذا الاسم كما أن علمهم بالعمليات فقه وإن لم يكن ثمة هذا التدوين والترتيب وذلك إذا كان متعلقا بجميع العقائد بقدر الطاقة البشرية مكتسبا من النظر في الأدلة اليقينية أو كان ملكة يتعلق بها بأن يكون عندهم من المآخذ والشرائط ما يكفيهم في استحضار العقائد على ما هو المراد بقولنا العلم بالعقائد عن الأدلة وإلى المعنى الأخير يشير قول المواقف أنه علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه ومعنى إثبات العقائد تحصيلها واكتسابها بحيث يحصل الترقي من التقليد إلى التحقيق أو إثباتها على الغير بحيث يتمكن من إلزام المعاندين أو اتقانها وإحكامها بحيث لا تزلزلها شبه المبطلين وعدل عن يقتدر به إلى يقتدر معه مبالغة في نفي الأسباب واستناد الكل إلى خلق الله تعالى ابتداء على ما هو المذهب وأورد على طرد تعريفه جميع العلوم الحاصلة عند الاقتدار من النحو والمنطق وغيرهما وعلى عكسه علم الكلام بعد إثبات العقائد لانتفاء الاقتدار حينئذ والجواب أن المراد هو علم يحصل معه الاقتدار البتة بطريق جري العادة أي يلزمه حصول الاقتدار لزوما عاديا وإن لم يبق الاقتدار دائما ولا خفاء في أن الكلام كذلك بخلاف سائر العلوم وأما مجموع العلوم التي من جملتها الكلام فهو وإن كان كذلك فليس بعلم واحد بل علوم جمة وقد يجاب بأن المراد ماله مدخل في الاقتدار أو ما يلزم معه الاقتدار ولو على بعض التقادير والكلام بعد الإثبات بهذه الحيثية بخلاف سائر العلوم ويعترض بأن للمنطق مدخلا في الاقتدار وإن لم يستقل به والاقتدار لازم مع كل علم على تقدير مقارنته للكلام نعم لو أريد ما يلزم معه الاقتدار في الجملة بحيث يكون له مدخل في ذلك خرج غير المنطق وفيما ذكرنا غنية عن هذا مع أن في إثبات المدخل إشعارا بالسببية ولو قال يقتدر به وأراد الاستعقاب العادي كما في إثبات العقائد بإيراد الحجج على ما هو المذهب في حصول النتيجة عقيب النظر لم يحتج إلى شيء من ذلك قال وموضوعه المعلوم أقول اتفقت كلمة القوم على أن تمايز العلوم في أنفسها إنما هو بحسب تمايز الموضوعات فيناسب تصدير العلم ببيان الموضوع إفادة لما به يتميز بحسب الذات بعدما أفاد التعريف التمييز بحسب المفهوم وأيضا في معرفة جهة الوحدة للكثرة المطلوبة إحاطة بها إجمالا بحيث إذا قصد تحصيل تفاصيلها لم ينصرف الطلب عما هو منها إلى ما ليس منها ولا شك أن جهة وحدة مسائل العلم أولا وبالذات هو الموضوع إذ فيه اشتراكها وبه اتحادها على ما سنفصله وتحقيق المقام أنهم لما حاولوا معرفة أحوال الأشياء بقدر الطاقة البشرية على ما هو المراد بالحكمة وضعوا الحقائق أنواعا وأجناسا وغيرها كالإنسان والحيوان والموجود وبحثوا عن أحوالها المختصة وأثبتوها لها بالأدلة فحصلت لهم قضايا كسبية محمولاتها أغراض ذاتية لتلك الحقائق سموها بالمسائل وجعلوا كل طائفة منها يرجع إلى واحد من تلك الأشياء بأن تكون موضوعاتها نفسه أو جزأ له أو نوعا منه أو عرضا ذاتيا له علما خاصا يفرد بالتدوين والتسمية والتعليم نظرا إلى ما لتلك الطائفة على كثرتها واختلاف محمولاتها من الاتحاد من جهة الموضوع أي الاشتراك فيه على الوجه المذكور ثم قد يتحد من جهات أخر كالمنفعة والغاية ونحوهما ويؤخذ لها من بعض تلك الجهات ما يفيد تصورها إجمالا ومن حيث أن لها وحدة فيكون حدا للعلم إن دل على حقيقة مسماه أعني ذلك المركب الاعتباري كما يقال هو علم يبحث فيه عن كذا أو علم بقواعد كذا وإلا فرسما كما يقال هو علم يقتدر به على كذا أو يحترز عن كذا أو يكون آلة لكذا فظهر أن الموضوع هو جهة وحدة مسائل العلم الواحد نظرا إلى ذاتها وإن عرضت لها جهات أخر كالتعريف والغاية فإنه لا معنى لكون هذا علما وذاك علما آخر سوى أنه يبحث هذا عن أحوال شيء وذلك عن أحوال شيء آخر مغاير له بالذات أو بالاعتبار فلا يكون تمايز العلوم في أنفسها وبالنظر إلى ذواتها إلا بحسب الموضوع وإن كانت تتمايز عند الطالب بما لها من التعريفات والغايات ونحوهما ولهذا جعلوا تباين العلوم وتناسبها وتداخلها أيضا بحسب الموضوع بمعنى أن موضوع أحد العلمين إن كان مباينا لموضوع الآخر من كل وجه فالعلمان متباينان على الإطلاق وإن كان أعم منه فالعلمان متداخلان وإن كان موضوعهما شيئا واحدا بالذات متغايرا بالاعتبار أو شيئين متشاركين في جنس أو غيره فالعلمان متناسبان على تفاصيل ذكرت في موضعها وبالجملة فقد أطبقوا على امتناع أن يكون شيء واحد موضوعا لعلمين من غير اعتبار تغاير بأن يؤخذ في أحدهما مطلقا وفي الآخر مقيدا أو يؤخذ في كل منهما مقيدا بقيد آخر وامتناع أن يكون موضوع علم واحد شيئين من غير اعتبار اتحادهما في جنس أو غاية أو غيرهما إذ لا معنى لاتحاد العلم واختلافه بدون ذلك لا يقال العلم مختلف باختلاف المعلوم أعني المسائل وهي كما تختلف باختلاف الموضوع فكذا تختلف باختلاف المحمول فلم لم يجعل هذا وجه التمايز بأن يكون البحث عن بعض من الأعراض الذاتية علما ومن بعض آخر علما آخر مع اتحاد الموضوع على أن هذا أقرب بناء على كون الموضوع بمنزلة المادة وهي مأخذ للجنس والأعراض الذاتية بمنزلة الصورة وهي مأخذ للفصل الذي به كمال التميز لأنا نقول حينئذ لا ينضبط أمر الاتحاد والاختلاف ويكون كل علم علوما جمة ضرورة اشتماله على أنواع جمة من الأعراض الذاتية مثلا يكون الحساب علوما متعددة بتعدد محمولات المسائل من الزوج والفرد وزوج الزوج وزوج الفرد إلى غير ذلك وكذا سائر العلوم والغلط إنما نشأ من عدم التفرقة بين العلم بمعنى الصناعة أعني جميع المباحث المتعلقة لموضوع ما وبين العلم بمعنى حصول الصورة ولو أريد هذا لكان كل مسئلة علما على حدة وأيضا مبنى الاتحاد والاختلاف وما يتبعه من التباين والتناسب والتداخل يجب أن يكون أمرا معينا بينا أو مبينا وذلك هو الموضوع إذ لا ضبط للأعراض الذاتية ولا حصر بل لكل أحد أن يثبت ما استطاع وإنما يتبين بتحققها في العلم نفسه ولهذا كانت حدودها في صدر العلم حدودا اسمية ربما تصير بعد إثباتها حدودا حقيقية بخلاف حدود الموضوع وأجزائه فإنها حقيقية وأما حديث المادة والصورة فكاذب لأن كلا من الموضوع والمحمول جزء مادي من القضية وإنما الصوري هو الحكم على أن الكلام ليس في المسئلة بل في المركب الاعتباري الذي هو العلم ولإخفاء في أن المسائل مادة له ومرجع الصورة إلى جهة الاتحاد إذ بها تصير المسائل تلك الصناعة المخصوصة فإن قلت اشتراط تشارك موضوعات العلم الواحد في جنس أو غيره لا يدفع اختلال أمر اتحاد العلم واختلافه إذ قلما يخلو موضوعا العلمين عن تشارك في ذاتي أو عرضي أقله الوجود بل مثل الحساب والهندسة الباحثين عن العدد والمقدار الداخلين تحت جنس هو الكم لا يجعل علما واحدا بل علمين متساويين في الرتبة بخلاف علم النحو الباحث عن أنواع الكلمة قلت إذا كان البحث عن الأشياء من جهة اشتراكها في ذلك الأمر ومصداقه أن يقع البحث عن كل ما يشاركها في ذلك فالعلم واحد وإلا فمتعدد ألا ترى أن الحساب والهندسة لا ينظران في الزمان الذي هو من أنواع الكم وإلى هذا يشير كلام الشفاء أن كلا من الحساب والهندسة إنما يجعل علما على حدة لكونه ناظرا فيما يعرض لموضوعه من حيث هو وهو العدد للحساب والمقدار للهندسة ولو كانا ينظران فيهما من جهة ما هو كم لكان موضوع كل منهما الكم أو كان العلمان علما واحدا ولو نظر كل منهما في موضوعه من حيث هو موجود لما تميزا عن الفلسفة الأولى فإن قلت كما صرحوا بكون الموضوع من المقدمات فقد صرحوا بكونه جزأ من العلم على حدة وبكونه من مباديه التصورية فما وجه ذلك قلت أرادوا أن التصديق بهلية ذات الموضوع كالعدد في الحساب جزء منه بدليل تعليلهم ذلك بأن ما لا يعلم ثبوته كيف يطلب ثبوت شيء له وتصوره من المبادي التصورية والتصديق بموضوعيته من المقدمات وأما تصور مفهوم الموضوع أعني ما يبحث فيه عن أعراضه الذاتية ففي صناعة البرهان من المنطق فهذه أمور أربعة ربما يقع فيه الاشتباه وإنما لم يجعلوا التصديق بهلية الموضوع من المبادي التصديقية كما جعلوا تصوره من المبادي التصورية لأنهم أرادوا بها المقدمات التي منها تتألف قياسات العلم وإنما لم يجعل التصديق بالموضوعية من الأجزاء المادية لأنه إنما يتحقق بعد كمال العلم فهو بثمراته أشبه منه بأجزائه مثلا إذا قلنا العدد موضوع الحساب لأنه إنما ينظر في أعراضه الذاتية لم يتحقق ذلك إلا بعد الإحاطة بعلم الحساب فكان التصديق بالموضوعية إجمالا من سوابق العلم وتحقيقا من لواحقه وينبغي أن يعلم أن لزوم هذه الأمور إنما هو في الصناعات النظرية البرهانية وأما في غيرها فقد يظهر كما في الفقه والأصول وقد لا يظهر إلا بتكلف كما في بعض الأدبيات إذ ربما تكون الصناعة عبارة عن عدة أوضاع واصطلاحات وتنبيهات متعلقة بأمر واحد من غير أن يكون هناك إثبات أعراض ذاتية لموضوع بأدلة مبينة على مقدمات وإنما أطنبنا بإيراد هذه المباحث مع أنها في نظر صناعة البرهان من قبيل الواضحات لما تطرقت إليها بعد انعدام قواعد الصناعات الخمس من الشبهات إذا تقرر هذا فنقول موضوع علم الكلام هو المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية لما أنه يبحث عن أحوال الصانع من القدم والوحدة والقدرة والإرادة وغيرها وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركب من الأجزاء وقبول الفناء ونحو ذلك مما هو عقيدة إسلامية أو وسيلة إليها وكل هذا بحث عن أحوال المعلوم وهو كالموجود بين الهلية والشمول لموضوعات سائر العلوم الإسلامية فيكون الكلام فوق الكل إلا أنه أوثر على الموجود ليصح على رأي من لا يقول بالموجود الذهني ولا يفسر العلم بحصول الصورة في العقل ويرى مباحث المعدوم والحال من مسائل الكلام فإن قيل إن أريد بالمعلوم أو الموجود مفهومه فكثير من محمولات المسائل بل أكثرها أخص منه وهو ظاهر وإن أريد معروضه فأعم كرؤية الصانع وقدم كلامه وحدوث الجسم ونحو ذلك ولا خلاف في أن الأخص لا يكون عرضا ذاتيا والأعم لا يستعمل على عمومه كالمساواة العارضة للعدد بواسطة الكم لا يستعمل في الحساب إلا بعد التخصيص بالمساواة العددية وإنما الخلاف في أنه قبل التخصيص هل يسمى عرضا ذاتيا أم لا قلنا لزوم الاختصاص ليس بالنظر إلى موضوع المسئلة بل موضوع العلم أعم من أن يكون على الإطلاق أو التقابل كالعدد لا يخلو عن الزوجية والفردية ألا يرى أن الزوج يحمل على مضروب الفرد في الزوج مع كونه أعم منه قال في الشفاء العرض الذاتي قد يكون مساويا للموضوع كمساواة الزوايا الثلاث لقائمتين للمثلث وقد يكون أخص منه مطلقا كالزوج للعدد أو من وجه كالمساواة للعدد فإنها عرض ذاتي له لكون جنسه وهو الكم مأخوذا في حدها ثم أنهما قد يوجدان معا وقد يوجد العدد بدونها وهو ظاهر وبالعكس كما في المقادير وقد يكون أعم منه مطلقا كالزوج لمضروب الفرد في الزوج قال ومسائله القضايا النظرية الشرعية الاعتقادية أقول قد يجعل من مقدمات العلم تصور مسائله إجمالا لإفادته زيادة التميز وقيد القضايا بالنظرية لأنه لم يقع خلاف في أن البديهي لا يكون من المسائل والمطالب العملية بل لا معنى للمسئلة إلا ما يسأل عنه ويطلب بالدليل نعم قد يورد في المسائل الحكم البديهي ليبين لميته وهو من هذه الحيثية كسبي لا بديهي وقد تجعل الصناعة عبارة عن عدة أوضاع واصطلاحات وأحكام بينة تفتقر إلى تنبيه هي مسائلها وعلى هذا ينبغي أن يحمل ما وقع في تجريد المنطق من أن المسائل ما يبرهن عليها في العلم إن لم تكن بينة قال وغايته ما يتأدى إليه الشيء ويترتب عليه يسمى من هذه الحيثية غاية ومن حيث يطلب بالفعل غرضا ثم إن كان مما يتشوقه الكل طبعا يسمى منفعة فيصدر العلم بذكر غايته ليعلم أنه هل يوافق غرضه أم لا ولئلا يكون نظره عبثا أو ضلالا ومنفعته ليزداد طالبه جدا ونشاطا وغاية الكلام أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعية متيقنا محكما لا تزلزله شبه المبطلين ومنفعته في الدنيا انتظام أمر المعاش بالمحافظة على العدل والمعاملة التي يحتاج إليها في بقاء النوع على وجه لا يؤدي إلى الفساد وفي الآخرة النجاة من العذاب المرتب على الكفر وسوء الإعتقاد قال فهو أشرف العلوم أقول لما تبين أن موضوعه أعلى الموضوعات ومعلومه أجل المعلومات وغايته أشرف الغايات مع الإشارة إلى شدة الاحتياج إليه وابتناء سائر العلوم الدينية عليه والإشعار بوثاقة براهينه لكونها يقينيات يتطابق عليها العقل والشرع تبين أنه أشرف العلوم لأن هذه جهات شرف العلم وما نقل عن السلف من الطعن فيه فمحمول على ما إذا قصد التعصب في الدين وإفساد عقايد المبتدين والتوريط في أودية الضلال بتزيين ما للفلسفة من المقال قال والمتقدمون أقول آخر هذه المباحث مع تعلقها بالموضوع محافظة على انتظام الكلام في بيان الموضوع والمسائل والغاية فالمتقدمون من علماء الكلام جعلوا موضوعه الموجود بما هو موجود لرجوع مباحثه إليه على ما قال الإمام حجة الإسلام أن المتكلم ينظر في أعم الأشياء وهو الموجود فيقسمه إلى قديم ومحدث والمحدث إلى جوهر وعرض والعرض إلى ما يشترط فيه الحيوة كالعلم والقدرة وإلى ما لا يشترط كاللون والطعم ويقسم الجوهر إلى الحيوان والنبات والجماد ويبين أن اختلافها بالأنواع أو بالأعراض وينظر في القديم فيتبين أنه لا يتكثر ولا يتركب وأنه يتميز عن المحدث بصفات تجب له وأمور تمتنع عليه وأحكام تجوز في حقه من غير وجوب أو امتناع ويبين أن أصل الفعل جائز عليه وأن العالم فعله الجائز فيفتقر بجوازه إلى محدث وأنه قادر على بعث الرسل وعلى تعريف صدقهم بالمعجزات وأن هذا واقع وحينئذ ينتهي تصرف العقل ويأخذ في التلقي من النبي عليه السلام الثابت عند صدقه ومقبول ما يقوله في الله تعالى وفي أمر المبدأ والمعاد ولما كان موضوع العلم الآلهي من الفلسفة هو الموجود بما هو موجود وكان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات قيد الموجود ههنا بحيثية كونه متعلقا للمباحث الجارية على قانون الإسلام فتميز الكلام عن الإلهي بأن البحث فيه إنما يكون على قانون الإسلام أي الطريقة المعهودة المسماة بالدين والملة والقواعد المعلومة قطعا من الكتاب والسنة والإجماع مثل كون الواحد موجدا للكثير وكون الملك نازلا من السماء وكون العالم مسبوقا بالعدم وفانيا بعد الوجود إلى غير ذلك من القواعد التي يقطع بها في الإسلام دون الفلسفة وإلى هذا أشار من قال الأصل في هذا العلم التمسك بالكتاب والسنة أي التعلق بهما وكون مباحثه منتسبة إليهما جارية على قواعدهما على ما هو معنى انتساب العقائد إلى الدين وقيل المراد بقانون الإسلام أصوله من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الذي لا يخالفها وبالجملة فحاصله أن يحافظ في جميع المباحث على القواعد الشرعية ولا يخالف القطعيات منها جريا على مقتضى نظر العقول القاصرة على ما هو قانون الفلسفة لا أن يكون جميع المباحث حقة في نفس الأمر منتسبة إلى الإسلام بالتحقيق وإلا لما صدق التعريف على كلام المجسمة والمعتزلة والخوارج ومن يجري مجراهم وعلى هذا لا يرد الاعتراض بأن قانون الإسلام ما هو الحق من مسائل الكلام فإن أريد الحقية والانتساب إلى الإسلام بحسب الواقع لم يصلح هذا القيد لتميز الكلام عن غيره لأنه ليس لازما بينا إذ كل من المتكلم وغيره يدعي حقية مقاله ولم يصدق التعريف على كلام المخالف لبطلان كثير من قواعده مع أنه كلام وفاقا وإن أريد بحسب اعتقاد الباحث حقا كان أو باطلا لم يتميز الكلام بهذا القيد عن الإلهى لاشتراكهما في ذلك قال فإن قيل أقول أعترض في المواقف على كون موضوع الكلام هو الموجود من حيث هو بأنه قد يبحث عن أحوال مالا يعتبر وجوده وإن كان موجودا كالنظر والدليل وعن أحوال مالا وجود له أصلا كالمعدوم والحال ولا يجوز أن يؤخذ الموجود أعم من الذهني والخارجي ليعم الكل لأن المتكلمين لا يقولون بالوجود الذهني والجواب أنا لا نسلم كون هذه المباحث من مسائل الكلام بل مباحث النظر والدليل من مباديه على ما قررنا وبحث المعدوم والحال من لواحق مسئلة الوجود توضيحا للمقصود وتتميما له بالتعرض لما يقابله لا يقال بحث إعادة المعدوم واستحالة التسلسل ونفي الهيولي وأمثال ذلك من المسائل قطعا لأنا نقول هي راجعة إلى أحوال الموجود بأنه هل يعاد بعد العدم وهل يتسلسل إلى غير النهاية وهل يتركب الجسم من الهيولي والصورة ولو سلم أنها من المسائل فإنما يريد ما ذكرتم لو أريد بالموجود من حيث هو الموجود في الخارج بشرط اعتبار وجوده وليس كذلك بل الموجود على الإطلاق ذهنيا كان أو خارجيا واجبا أو ممكنا جوهرا أو عرضا إلى غير ذلك فباحث النظر والدليل من أحوال الوجود العيني وإن لم يعتبر والبواقي من أحوال الوجود الذهني وكثير من المتكلمين يقولون به على ما يصرح بذلك كلامهم ومن لم يقل فعليه العدول إلى المعلوم ( قال وقيل ) أقول ذهب القاضي الأرموي من المتأخرين إلى أن موضوع الكلام ذات الله تعالى لأنه يبحث عن صفاته الثبوتية والسلبية وأفعاله المتعلقة بأمر الدنيا ككيفة صدور العالم عنه بالاختبار وحدوث العالم وخلق الأعمال وكيفية نظام العالم كالبحث عن النبوات وما يتبعها أو بأمر الآخرة كبحث المعاد وسائر السمعيات فيكون الكلام هو العلم الباحث عن أحوال الصانع من صفاته الثبوتية والسلبية وأفعاله المتعلقة بأمر الدنيا والآخرة وتبعه صاحب الصحايف إلا أنه زاد فجعل الموضوع ذات الله تعالى من حيث هي وذات الممكنات من حيث استنادها إلى الله تعالى لما أنه يبحث عن أوصاف ذاتية لذات الله تعالى من حيث هي وأوصاف ذاتية لذات الممكنات من حيث أنها محتاجة إلى الله تعالى وجهة الوحدة هي الموجود وكان هو العلم الباحث عن أحوال الصانع وأحوال الممكنات من حيث احتياجها إليه على قانون الإسلام وينبغي أن يكون هذا معنى ما قال هو العلم الباحث عن ذات الله تعالى وصفاته وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد على قانون الإسلام وإلا فلا معنى للبحث عن نفس الموضوع لكنه أجاب بأن المراد بذات الله تعالى في التعريف الذات من حيث الصفات كالذات من حيث عدم التركيب والجوهرية والعرضية والبحث عنها من قبيل المسائل كالبحث عن نفس الصفات والموضوع هو الذات من حيث هي ولا بحث عنها في العلم وهذا يشعر بأن المحمول في قولنا الواجب ليس بجوهر ولا عرض هو ذات الله تعالى من حيث عدم الجوهرية والمعرضية فإن قيل لو كان الموضوع ذات الله تعالى وحده أو مع ذات الممكنات من حيث الاستناد إليه لما وقع البحث في المسائل إلا عن أحوالها واللازم باطل لأن كثيرا من مباحث الأمور العامة والجواهر والأعراض بحث عن أحوال الممكنات لا من حيث استنادها إلى الواجب قلنا يجوز أن يكون ذلك على سبيل الاستطراد قصدا إلى تكميل الصناعة بأن يذكر مع المطلوب ماله نوع تعلق به من اللواحق والفروع والمقابلات وما أشبه ذلك كمباحث المعدوم والحال وأقسام الماهية والحركات والأجسام أو على سبيل الحكاية لكلام المخالف قصدا إلى تزييفه كبحث علة اليقين والآثار العلوية والجواهر المجردة أو على سبيل المبدائية بأن يتوقف عليه بعض المسائل فيذكر لتحقيق المقصود بأن لا يتوقف بيانه على ما ليس ببين كاشتراك الوجود واستحالة التسلسل وجواز كون الشيء قابلا وفاعلا وإمكان الخلاء وتناهي الأبعاد وأما ما سوى ذلك فيكون من فضول الكلام يقصد به تكثير المباحث كما اشتهر فيما بين المتأخرين من خلط كثير من مسائل الطبيعي والرياضي بالكلام فإن قيل لا يجوز أن يكون للكلام مبادي يفتقر إلى البيان ويثبت بالبرهان لأن مبادي العلم إنما تتبين في علم أعلى منه وليس في العلوم الشرعية ما هو أعلى من الكلام بل الكل جزئي بالنسبة إليه ومتوقف بالآخرة عليه فمباديه لا تكون إلا بينة بنفسها قلنا ما يبين فيه مبادي العلم الشرعي لا يجب أن يكون علما أعلى ولا أن يكون علما شرعيا للإطباق على أن علم الأصول يستمد من العربية ويبين فيها بعض مباديه وتفصيل ذلك على ما هو المذكور في الشفاء وغيره أن مبادي العلم قد تكون بينة بنفسها فلا تبين في علم أصلا وقد تكون غير بينة فتبين في علم أعلى بجلالة محله عن أن يبين في ذلك العلم كقولنا الجسم مؤلف من الهيولي والصورة فإنه من مبادي الطبيعي ومن مسائل الفلسفة الأولى أو في علم أدنى لدنو شأنه عن أن يبين في ذلك العلم كامتناع الجزء الذي لا يتجزأ فإنه من مسائل الطبيعي ومن مبادي الإلهى لإثبات الهيولي والصورة فيجب أن تبين بمقدمات لا تتوقف صحتها عليها لئلا يلزم الدور وقد يبين في ذلك العلم نفسه بشرط أن لا يكون مبدأ لجميع مسائله وأن لا يبين بمسئلة تتوقف عليه لئلا يدور فهذا يكون مبدأ باعتبار ومسئلة باعتبار كأكثر مسائل الهندسة وككون الأمر للوجوب فإنه مسئلة من الأصول ومبدأ المسئلة وجوب القياس تمسكا بقوله تعالى فاعتبروا ولا يخفى أنه يجب في هذا القسم أن يكون بحثا عن أحوال موضوع الصناعة ليصح كونه من مسائلها فما نحن فيه أعني البحث عن أحوال الممكنات لا على وجه الاستناد لا يكون من هذا القبيل فتعين البيان في علم أدنى أو أعلى فيثبت هذا المبدأ بدليل قطعي من غير مخالفة للقواعد الشرعية وإن لم يعد ذلك العلم من العلوم الإسلامية كالإلهي الباحث عن أحوال الموجود على الإطلاق وههنا شيء آخر وهو أن المفهوم من شرح الصحايف أن ليس معنى البحث عن أحوال الممكنات على وجه الاستناد أن يكون ذلك ملاحظا في جميع المسائل بل أن يكون البحث عن أحوال تعرض للممكنات من جهة استنادها إلى الله تعالى فإن أحوال الممكنات التي يبحث عنها في الكلام أحوال مخصوصة معلومة بحكم فيضانها عن تأثر قدرة الله تعالى وذلك إنما يكون لحاجتها إلى الله تعالى فيكون عروضها للممكنات ناشئا عن جهة حاجتها إليه ( قال واعترض ) أقول لما كان من المباحث الحكمية مالا يقدح في العقايد الدينية ولم يناسب غير الكلام من العلوم الإسلامية خلطها المتأخرون بمسائل الكلام إفاضة للحقايق وإفادة لما عسى أن يستعان به في التقصي عن المضايق وإلا فلا نزاع في أن أصل الكلام لا يتجاوز مباحث الذات والصفات والنبوة والإمامة والمعاد وما يتعلق بذلك من أحوال الممكنات فلذا اقتصر القوم في إبطال كون موضوع الكلام ذات الله وحده أو مع ذات الممكنات من جهة الاستناد على أنه لو كان كذلك لما كان إثباته من مطالب الكلام لأن موضوع العلم لا يبين فيه بل في علم أعلى إلى أن ينتهي إلى ما موضوعه بين الثبوت كالموجود وذلك لأن حقيقة العلم إثبات الأعراض الذاتية للشيء على ما هو معنى الهلية المركبة ولا خفاء في أنها بعد الهلية البسيطة لأن مالا يعلم ثبوته لا يطلب ثبوت شيء له لكن لا نزاع في أن إثبات الواجب بمعنى إقامة البرهان على وجوده من أعلى مطالب الكلام ثم كونه مبدأ الممكنات بالاختيار أو الإيجاب بلا وسط في الكل أو بوسط في البعض بحث آخر والقول بأن إثباته إنما هو من مسائل الإلهي دون الكلام ظاهر الفساد وإلا لكان هو أحد العلوم الإسلامية بل رئيسها ورأسها ومبنى القواعد الشرعية وأساسها وأجاب بعضهم بأنه جاز ههنا إثبات الموضوع في العلم لوجهين الأول أن الوجود من أعراضه الذاتية لكونه واجب الوجود بخلاف سائر العلوم فإن الوجود إنما يلحق موضوعاتها لأمر مباين وكان هذا مراد من قال موضوع العلم إنما لا يبين فيه إذا كان البحث فيه عن الأحوال التي هي غير الوجود وإلا فهذه التفرقة مما لا يشهد به عقل ولا نقل بل ليس لها كثير معنى فإن قيل هذا لا يصح على رأي من يجعل الوجود نفس الماهية وهو ظاهر ولا على رأي من يجعله زايدا مشتركا لأن العرض الذاتي يكون مختصا قلنا سواء كان ذاته نفس الوجود أو غيره فإما أن يكون هناك قضية كسبية محمولها الموجود في الخارج بطريق الوجوب فيتم الجواب أو لا فيسقط أصل الاعتراض الثاني لا علم شرعي فوقه يبين فيه موضوعه فلا بد من بيان فيه وفيه نظر
أما أولا فلأنه ليس من شرط العرض الذاتي أن لا يكون معلوما للغير بل أن لا يكون لحوقه للشيء بتوسط لحوقه لأمر خارج غير مساو للاتفاق على كون الصحة والمرض عرضا ذاتيا للإنسان والحركة والسكون للجسم والاستقامة والانحناء للخط إلى غير ذلك
وأما ثانيا فلأنه يلزم أن لا يكون بيان وجود شيء من الممكنات مسئلة في شيء من العلوم فلا يصح أن موضوع العلم إنما يبين وجوده في علم أعلى
وأما ثالثا فلأن قولهم موضوع العلم لا يبين فيه بعد تقدير أنه لا يثبت في العلم غير الأعراض الذاتية للموضوع يكون لغوا من الكلام لأن ما وجوده عرض ذاتي يبين فيه وما لا يبين ليس بعرض ذاتي
وأما رابعا فلأنه لا يبقى قولهم لكل علم موضوع ومباد ومسائل على عمومه لأن معناه التصديق بانية الموضوع وهلية البسيطة وقد صار في علم الكلام من جملة المسائل
পৃষ্ঠা ১৫