هذا ما يتعلَّق بعقائد العقائد، وفرائد القلائد.
وأمَّا علومُ الحُكَماء، فلقد تدَرَّع بِجِلْبابها، وتلَفَّع بأثْوابهَا، وتسَرَّع في طَلَبها، حتى دخل من كلِّ أبْوابها، وأقْسَم الفيلسوف: إنه لذو قَدْرٍ عظيم، وقال المُنْصِف في كلامه: هذا (مِنْ لَدُنْ حَكِيم)، وآلَى ابنُ سِينا بالطُّور إليه من أن قَدْرَه دون هذا المِقْدار، وعَلِم أن كلامَه المنثورَ، وكتابَه المنظوم، يكَادُ سَنَا بَرْقِهما يذهبُ بالأبْصار، وفهم صاحبُ أقليدس أنه اجْتهد في الكواكب، وأطْلَعها سَوافِر، وجَدَّ حتى أبْرَزَها في ظلام الضَّلال غُرَر نهارٍ لا يتمَسَّك بِعصَم الكَوافِر.
وأمَّا الشَّرْعيات تفسيرًا، وفقهًا، وأصولًا، وغيرها، فكان بحرًا لا يُجارَى، وبدرًا إلا أن هداه يشرق نهارًا، هذا هو العلم كيف يليق أن يتغافل المؤمن عن هذا، وهذا هو دوا الذهن الذي كان أسْرَعَ إلى كل دقيقٍ نَفاذًا، وهذا هو الحجةُ الثابتة على قاضي العقل والشرع، وهذه هي الحجة التي يثبُت فيها الأصلُ ويتفرَّع الفَرْع، ما القاضي عنده إلا خَصْم، هذا الجلل إن ماثَلَه إلَّا ممن تلبَّس بما لم يُعْطَ، ولم يَقِفْ عند حَدٍّ له ولا رَسْم، وما البَصْرِيُّ إلا فاقد بصره وإن رام لَحاقَ نَظرِه فقد فَقَدَ نَظَرَ العَين، ولا أبو المعالي إلَّا ممَّن يُقال له: هذا الإمام المُطْلَق إن كنتَ إمامَ الحرمين.
ولقد أجاد ابن عُنَيْن، حيث يقول فيه:
ماتتْ به بِدَعٌ تمَادَى عمرُها ... دهرًا وكاد ظلامُها لا ينْجَلِي
وعَلا به الإسلامُ أرْفعَ هَضْبةٍ ... ورَسَا سِواه في الحَضِيضِ الأسْفَلِ
غَلِطَ امْرُؤٌ بأبي عليٍّ قاسَهُ ... هيهات قصَّر عن هُناه أبو علِي
لو أن رَسْطاليِسَ يسمَعُ لفظةً ... من لَفْظِه لَعَرَتْه هِزَّةُ أفْكَلِ
ولَحار بَطْليموسُ لو لاقَاه من ... بُرْهانِه في كل شَكْلٍ مُشْكلِ
ولَو أنَّهم جُمِعُوا لَدَيهِ تيقَّنُوا ... أن الفضيلةَ لم تكنُ للأوَّلِ
وقال الإمام الذهبي في سيره:
"العَلامة الكبير ذُو الفُنون فخرُ الدِّين محمد بن عُمر بن الحُسين القُرَشِيُّ، البَكْرِيُّ، الطَّبَرَستانيُّ، الأصُوليُّ، المُفَسِّر، كبيرُ الأَذكياء والحُكماء والمُصَنِّفين".
وقال العلامة ابن قاضي شهبة:
"العلامة سلطان المتكلمين في زمانه، فخر الدين أبو عبد الله، القرشي، البكري،
1 / 117