شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح
জনগুলি
كلام الله قديم لا أول له متجدد حسب فعله سبحانه
والكلام الذي يثبته أهل السنة والجماعة لله ﷿ كلام قديم، بمعنى أنه كلام لا أول له، فليس الكلام صفة حادثة بعد أن لم تكن، وهذا معنى كلام المؤلف ﵀: إنه متكلم بكلام قديم.
لكن هل هذا الكلام حادث الأنواع، أي: متجدد، أم أنه كلام تكلم به ثم فرغ منه؟
الجواب
أنه كلام متجدد، ولذلك فهو بهذا الاعتبار من صفات الأفعال، فلما نادى الله ﷿ آدم وحواء بعدما وقع منهما ما وقع من المخالفة، فهو نداء حادث في وقته وليس نداء متقدمًا في الأزل.
ولما أنزل الله القرآن على رسوله، فإنه تكلم به وقت نزوله، فالله جل وعلا يتكلم بكلامه متى شاء وكيف شاء، ولكن هذه الصفة لم يزل متصفًا بها، أي: أن الكلام ليس حادثًا بعد أن لم يكن، هذا معنى قول المؤلف ﵀: (أنه متكلم بكلام قديم) .
قال ﵀: (يسمعه منه)، أي: يسمع كلامه منه جل وعلا لا من غيره، (من شاء من خلقه)، وهذا السماع سماع مباشرة لا بواسطة؛ ولذلك قال: (سمعه موسى ﵇ منه)، أي: من الله جل وعلا (من غير واسطة)، فلم يكن بين الله وموسى ﵇ واسطة في سماع الكلام، بل سمعه مباشرة، وهذا لا يختص بموسى ﵇ من كل وجه، أعني أن أصل سماع الكلام مباشرة ليس خاصًا بموسى، بل كلم الله ﷿ رسوله ﷺ مباشرة في ليلة الإسراء، بل كلم بعض أفراد هذه الأمة بعد موته كما في حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال له: (إن الله جل وعلا قد كلم أباك كفاحًا) أي: من غير واسطة، وذلك بعد استشهاده ﵁ في غزوة أحد.
وأما في الآخرة فإنه يكلم كل أحد كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي في الصحيحين: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان)، والترجمان: هو المفسر الذي يكشف عن معنى الكلام، بل سيكلمه مباشرة بدون واسطة، لكن ما جرى لموسى ﵇ من الكلام في رسالته أمر زائد على ما جرى للأنبياء، ولذلك يوصف موسى ﵇ بأنه كليم الرحمن، ولما يأتي الناس -كما في حديث أبي سعيد وغيره- في المحشر إلى موسى يقولون له: أنت الذي كلمك الله، وخط لك التوراة بيده.
فذكروا ما اختص به دون غيره، وإذا نظرت إلى ذكر الله ﷿ للرسل، تجد أن ما اختص الله به موسى مخالف لهم جميعًا، انظر إلى قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء:١٦٣] وهذا خطاب للنبي ﷺ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء:١٦٣] ثم ذكر الرسل: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ [النساء:١٦٣-١٦٤] ثم ذكر موسى مفردًا فقال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]، فدل هذا على أن نصيب موسى من تكليم الله له مخالف لما تقدم حتى للنبي ﷺ، فإن ما اختص الله به موسى من صفة التكليم مخالف لغيره، فدل ذلك على أن نصيب موسى من هذه الصفة لست لغيره من الرسل.
ولذلك قال المؤلف ﵀: (سمعه موسى ﵇ منه من غير واسطة)، ولم يذكر النبي ﷺ؛ لأن نصيب موسى في هذه الفضيلة وفي هذه الصفة لم يشاركه فيها أحد، ودليل ذلك من القرآن واضح في آيات النساء: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء:١٦٣] وذكر جملة من الأنبياء، ثم بعد ذلك قال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤] ولم يقل فقط: (وكلم الله موسى)، بل أكد ذلك بقوله: (تكليمًا) فدل ذلك على أن حظه ونصيبه من التكليم الذي جرى له ﵇ مخالف للرسل، وهذا هو السبب في كونه ﵇ يوصف بأنه كليم الرحمن، وأن الناس يقولون له يوم المحشر: أنت الذي كتب الله لك التوراة بيده، وكلمك بنفسه.
4 / 11