قال سيبويه " فالنصب والرفع والجزم والجر لحروف الإعراب " إن سأل سائل فقال: ما حروف الإعراب؟ فإن مذهب سيبويه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن حروف الإعراب ما كان الإعراب فيه ظاهرا أو مقدرا، فالظاهر كقولك: الرجل، والفرس، والغلام، والمقدر نحو قولنا: هذه الرحى والعصا، ورأيت الرحى والعصا.
والوجه الآخر: أن حروف الإعراب هي أواخر الكلم، معربة كانت أم غير معربة، وإنما سميت حروف الإعراب لأن الإعراب متى كان لم يوجد إلا فيها، ومثال هذا قولنا:
الحروف الزوائد عشرة يجمعها (اليوم تنساه)، والزوائد ما زيد على أصل الكلمة في موضعها مثل قولنا: " كوثر " للرجل الكثير العطية، الواو زائدة لأنه من الكثرة، وليس في الكثرة واو بعد الكاف، و" ضارب " الألف زائدة لأنه
مشتق من الضرب، وقد تكون هذه الحروف أصولا غير زائدة، وإنما يراد أن الزوائد منها تكون دون غيرها، فسميت الحروف الزوائد وإن لم تكن زوائد على كل حال، وكذلك سميت أواخر الكلم حروف الإعراب وإن لم تكن معربة على كل حال، لأن الإعراب يكون فيها دون غيرها، ومثل ذلك حروف المد واللين، وهي الواو والياء والألف، وقد يكون بعض هذه الحروف في مواضع لغير المد واللين. وإنما سميت حروف المد واللين؛ لأن المد فيها دون غيرها، وإنما المد لازم في الألف منها وشرط المد في الواو والياء اللتين للمد أن يكونا ساكنين، وقبل الواو ضمة وقبل الياء كسرة، مثل " كافور " و" قنديل ". والواو والباء إذا حركتا فليستا للمد، كقولك غزو وظبي ووحوحته (١) ويهيّرى (٢). وكذلك الكلام في حروف البدل وما جانس ذلك.
فإن قال قائل: فإذا كانت حروف الإعراب هي ما ذكرتم، فلم قال سيبويه: فالرفع والنصب والجر والجزم لحروف الإعراب، وحروف الإعراب للأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة، كيف خص ذلك من جملة الكلم، وقد زعمتم أن حروف الإعراب للكلم كلها معربها ومبنيها؟ قيل: قد يحتمل ذلك الوجهين اللذين ذكرناهما، فإن حمل الكلام على
_________
(١) انظر اللسان، مادة (وحح) ٣: ٤٧٠.
(٢) انظر اللسان، مادة (هير) ٧: ١٣١.
1 / 23