شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي
شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي
জনগুলি
الدين وحي من الله لم يوضع على آراء الرجال
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله! أن الدين إنما جاء من قبل الله ﵎، لم يوضع على أقوال الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله، فلا تتبع شيئًا بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام، فإنه لا حجة لك، فقد بين رسول الله ﷺ لأمته السنة وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة، وهم السواد الأعظم.
والسواد الأعظم: الحق وأهله، فمن خالف أصحاب رسول الله ﷺ في شيء من أمر الدين فقد كفر].
يقول المؤلف ﵀: (واعلم رحمك الله)، وهذا من باب التنبيه، يعني: اجزم وتيقن بهذا الأمر الذي سأبينه لك؛ لأن العلم هو حكم الذهن الجازم.
وقوله: (رحمك الله)، هذا خبر بمعنى الدعاء، أي: أسأل الله أن يرحمك، وهذا من نصح المؤلف فهو يعلمك ويدعو لك.
قوله: (اعلم رحمك الله أن الدين، إنما جاء من قبل الله ﵎ لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله) يعني: تيقن واجزم أن الدين إنما جاء من الله؛ لأن الدين وحي الله إلى رسوله ﷺ، فقد أوحى إليه القرآن وأوحى إليه السنة، والدين هو ما جاء في القرآن والسنة، وهو من قبل الله لم يوضع على عقول الرجال وآراؤهم، فعقول الرجال وآرائهم لم يجعلها الله هي الميزان الذي يرجع إليه، وإنما الميزان كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فالدين إنما جاء من قبل الله تعالى بالوحي المنزل على نبيه قرآنًا وسنة وعلمه عند الله وعند رسوله.
ثم قال: (فلا تتبع شيئًا بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام، فإنه لا حجة لك)، أي: لا تتبع الهوى؛ لأن اتباع الهوى ضلال، ولهذا قال الله تعالى لنبيه داود: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص:٢٦]، فمن اتبع شيئًا بهواه مرق من الدين ومن مرق من الدين خرج من الإسلام، ولا حجة له في هذه الحالة.
وقد بين المؤلف السبب بقوله: (فقد بين رسول الله ﷺ لأمته السنة وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة)، إذًا: ليس هناك حجة لمن خرج عن الدين؛ لأن الرسول ﷺ بين لأمته السنة وأوضحها لأصحابه، والرسول ﵊ قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فقامت الحجة على الناس.
قوله: (وهم السواد الأعظم، والسواد الأعظم: الحق وأهله)، أي: المراد بالسواد الأعظم الحق وأهله، فأهل الحق هم السواد الأعظم، (عليك بالسواد الأعظم)، كما جاء في بعض الأحاديث الأمر بلزوم السواد الأعظم، والمراد بالسواد الأعظم من ثبت على الحق ولو كان واحدًا، كما قال بعض السلف: إذا كنت على الحق فأنت الجماعة ولو كنت وحدك، وليس المراد أن الحق يعرف بكثرة الناس، بل إن الكثرة في الغالب تكون هالكة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام:١١٦]، وقال سبحانه: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [هود:١٧]، وقال: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة:٢٤٣]، وقال: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ:١٣].
والسواد الأعظم يكثرون ويقلون، ففي عهد النبي ﷺ كان الصحابة هم السواد الأعظم، وفي عهد التابعين كان التابعون هم السواد الأعظم، وفي عهد تابعيهم والأئمة وهكذا، وفي بعض الأزمنة يكون على الحق واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة، وقد يكون على الحق جماعة متفرقون قلة، فيكون في هذا البلد أفراد وفي هذا البلد أفراد وفي هذا البلد أفراد، فهم الحق وهم السواد الأعظم، وفي آخر الزمان وفي وقت الفتن وقبيل خروج الدجال يجتمعون في الشام.
وأهل السواد الأعظم هم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحق وهم أهل السنة وهم الجماعة، وقد يكون الإنسان من أهل السنة والجماعة وهو مزارع أو تاجر أو جزار أو سباك وقد يكون محدثًا وفقيهًا، ومقدم أهل السنة والجماعة أهل الحديث وأهل العلم وأهل الفقه وأهل البصيرة ومن كان على طريقتهم، ولهذا قال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث -يعني الجماعة- فلا أدري من هم! فيكون في مقدمتهم أهل الحديث وكل من تبعهم فهو منهم، ومقدمتهم الأولى الصحابة والتابعون ومن تبعهم من الأئمة.
قال المؤلف ﵀: (فمن خالف أصحاب رسول الله ﷺ في شيء من أمر الدين فقد كفر) وهذا كلام مجمل من المؤلف ﵀، أن من خالف رسول الله ﷺ في أمر من أمور الدين فقد كفر؛ لأنه إذا خالف في أمر من الأمور الاعتقادية بأن فعل ناقضًا من نواقض الإسلام، أو أشرك في العبادة، أو أنكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة فقد كفر، وقد يكون كفره كفرًا أصغر، كما إذا حلف بغير الله أو طعن في النسب أو ناح على الميت؛ كما قال ﵊: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت)، وكذا من قال لأخيه: يا كافر، والقتال بين المسلمين، فكل هذه أعمال كفريه، لكنها لا تخرج من الملة، وقد يكون دون ذلك فيكون مخالفة، فكلام المؤلف مجمل ليس على إطلاقه وفيه تفصيل، فإن المخالفة قد تكون كفرًا أكبر وقد تكون كفرًا أصغر، وقد تكون بدعة، وقد تكون معصية.
1 / 9