شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
জনগুলি
حكم من أكل ظانًا غروب الشمس فبانت طالعة أو ظانًا أن الفجر لم يطلع فبان طالعًا
من أكل ظانًا غروب الشمس فبانت طالعةً أو ظانًا أن الفجر لم يطلع فبان طالعًا، فأحيانًا الإنسان يضبط المنبه ليتسحر على الساعة كذا، ثمَّ يقوم للسحور ويأكل ويشرب وبعد ذلك يتبين أنَّ المنبه كان واقفًا، وأن الفجر قد طلع قبل فترة، فعلى ذلك أكل بعد طلوع الشمس، والعكس كذلك عند غروب الشمس يكون قبل الغروب يرى الدنيا قد أظلمت، ويظن أن الشمس غربت فيأكل وبعد ذلك يتبين له أنَّ المؤذن ما زال يؤذن، فالأول أكل بعد طلوع الفجر، والآخر أكل قبل غروب الشمس، فالاثنان لو أنهما اقتحما هذا العمل من غير تحرٍّ ومن غير سؤال، واندفعا إليه يلزمهما القضاء يومًا مكان هذا اليوم الذي ضيعاه، لكن إذا كان الأمر مشتبهًا، فالراجح في هذه الصورة: أنه عمل ما عليه، فالأمارات تدله على أن الشمس غربت الآن فهو أفطر بناءً على ذلك، فالراجح: أن هذا لا شيء عليه، لا يلزمه القضاء، وصومه صحيح، وبمجرد أنه عرف أنه أخطأ فعليه أن يمسك.
إذًا: حكمه حكم الناسي والنبي ﷺ قال في الحديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وإذا كان الناسي في وسط النهار أكل حتى شبع وشرب حتى ارتوى وبعد ذلك تذكر أنه صائم، فقول: أطعمك الله وسقاك، ولا شيء عليك فليكن الحكم كذلك في المخطئ، إذا كان هذا المخطئ قد أخذ بالأسباب.
لكن إنسان لم يأخذ بالأسباب أصلًا، قام من النوم فرأى الليل مظلمًا ولم يكلف نفسه أن ينظر في ساعة، وأحيانًا الإنسان يختان نفسه في ذلك، فيأكل ويشرب، ثم ينظر في الساعة، فرأى أن الوقت وقت الظهر، فإننا نقول له: أفطرت ويلزمك الإمساك وعليك القضاء، فنفرق بين إنسان تحرى فأخطأ ولا شيء عليه، وإنسان لم يتحرَ في ذلك فيلزمه القضاء.
وهذا الذي ذكرناه جاء في حديث مرفوع في صحيح البخاري عن أسماء ﵂ قالت: (أفطرنا على عهد النبي ﷺ في يوم غيم ثم طلعت الشمس) ولم يأمرهم النبي ﷺ بالقضاء ولو أمرهم لذكرت: قضينا هذا اليوم، ولكن لم تذكر شيئًا، فدل على أنه لم يأمرهم النبي ﷺ بشيء، لكن راوي هذا الحديث عن أسماء ﵂ هو عروة بن الزبير، وابنه هشام بن عروة يروي الحديث عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء، قيل لـ هشام بن عروة: فأمروا بالقضاء؟ فقال هشام من عند نفسه ﵁: لابد من قضاء، ولم يرفعه للنبي ﷺ، ولا ذكره عن أسماء ﵁، بل أبوه عروة بن الزبير كان يرى أنه لا يلزم القضاء في ذلك، فقول عروة أولى من قول ابنه، فهذا عروة من فقهاء التابعين ﵁ وهو أقرب للصحابة من هشام، وهشام أبعد ﵁.
وحدث نفس الشيء في عهد عمر رضي الله ﵎ عنه وأنهم أفطروا، يقول زيد بن وهب: كنت جالسًا في مسجد رسول الله ﷺ في رمضان في زمن عمر بن الخطاب فأوتينا بعساس فيها شراب من بيت حفصة، يعني: أخرجت السيدة حفصة ﵂ أقداحًا كبيرة فيها تمر وماء ونحو ذلك للصائمين يفطرون عليها، وهذا من كرمها ﵂، قال: فشربنا ونحن نرى أنه من الليل، ثم انكشف السحاب فإذا الشمس طلعت، إذًا: الذي حصل في عهد النبي ﷺ حصل في عهد عمر ﵁، قال: فجعل الناس يقولون: نقضي يومًا مكانه، فقال عمر: والله لا نقضي ما تجانفنا بإثم، فعلى ذلك الإنسان إذا أخطأ وظنَّ أن الشمس غربت وبان له بأمارات أنها غربت من سماع مؤذن أو من نظر في ساعة فتبين أنه أخطأ فالراجح: أنه يلزمه الإمساك ولا شيء عليه، بخلاف من لم يتبين له بأمارة، إنسان نظر فوجد السماء غائمة وقال: الليل قد جاء، ولم يكلف نفسه أن يتحرى أو ينظر في الساعة ولم يسأل ولم يسمع مؤذنًا فأكل فتبين أن الليل لم يأت؛ فهذا يلزمه القضاء، فنفرق بين الاثنين، والله أعلم.
نكتفي بهذا القدر.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
5 / 13