شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
জনগুলি
حديث أبي رافع (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه يبلغ به النبي ﷺ قال: (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)].
في هذا الحديث يحذر النبي ﵊ أصحابه من قوم سيظهرون من بعدهم، فهو يحذرهم أن يكون هذا فيهم، أو في القرون الخيرية؛ فقال: احذروا أن أجد أحدكم متكئًا على أريكته، والأريكة هي الكرسي الوثير العظيم؛ ولذلك أتى في إحدى طرق الحديث: (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته شبعانًا)، أي: إنسان عنده تخمة، يعيش في النعيم، ويغص في نعم الله ﷿، وجالس على الكرسي، ويضع رجلًا على رجل، فتقول له: أنت على معصية، فيقول لك: أين الدليل؟ فتقول له: قال النبي ﵊ كذا وكذا، فيقول لك: لا تقل قال النبي كذا وكذا، فهذه سنة قد دخلها التحريف، فإما أن تأتيني بنص من كتاب الله، وإلا فلا حاجة لي في نصيحتك، ويزعم أنه مسلم، ويزعم أنه متبع، وهو يكذب بالوحي؛ ولذلك يقول لك: دعني من النبي وأقواله، فإن الأصل عندي أن الحل والحرمة في كتاب الله وإلا فلا، ولذلك دعا النبي ﵊ على أمثال هؤلاء، والذي يقول هذا إما أن يكون منافقًا جاحدًا زنديقًا، يتستر بقوله: ما كان في كتاب الله اتبعناه، وإما أن يكون جاهلًا يردد ألفاظ هؤلاء وكلمات هؤلاء وهو لا يدري أنها عين الكفر، فهو جاهل يقلد غيره، سمع الناس يقولون: لا شفاعة؛ فقال: لا شفاعة، سمع الناس يقولون: لا كيت ولا كيت ولا كيت من دين الله ﷿؛ فسلك نفس المسلك، يقول مثلًا: لا عقاب، يقول: لا عذاب قبر، أي: أن القبر لا عذاب فيه ولا نعيم، وحتى يقول: إن الناس إذا ماتوا لا يبعثون! لماذا؟ لأنه سمع هذه المقالات تردد، وأدلتها في كتاب الله ﷿، يقول الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:٣٨]، فكل ذكر في كتاب الله ﷿، لكن من الذي يستنبط الفهم من كتاب الله ﷿؟ لا بد أن يكون هناك علماء أجلاء مخلصون، ودعاة إلى الله ﷿ على علم وهدى وبصيرة ونور؛ حتى يعلموا ويربوا عامة الأمة، لكن عامة الأمة -للأسف الشديد- تركوا بيوت الله ﷿، وتركوا مجالس العلم، وانشغلوا بالصحف والمجلات؛ وبالتالي فإنهم يتلقون دينهم عن هؤلاء الملاحدة، فما ذنب الدعاة إذًا؟ وما ذنب العلماء إذًا؟ إننا نقول: إن هؤلاء المثقفين أو أرباع المثقفين إنما أئمتهم الصحفيون، وهؤلاء الصحفيون أئمة ضلالة، وهؤلاء تبع وأتباع لهم، وسيأتي بعضهم لبعض بالتبرئة يوم القيامة، فيتبرأ كل واحد من صاحبه يوم القيامة، فإذا كانوا أخلاء وأصدقاء في الدنيا فإنهم أعداء في الآخرة: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف:٦٧]، فأهل التقوى لهم مسلك ومشرب واعتقاد يخالف هؤلاء.
قال ﵊: (لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته)، انظر إلى هذا التصوير النبوي، وكأنه يقول لهم: احذروا أن أرى واحدًا منكم متكئًا على كرسيه، فيأتيه الأمر والنهي مما أمرت أنا به، أو نهيت أنا عنه، فيقول: دعنا من كلام النبي ﵊؛ فإنه قد دخله التحريف، ودخله الضعف، والرواة فيهم ضعف وخلل وغير ذلك، وإنما نتمسك بكتاب الله ﷿! من الذي نقل إلينا كتاب الله؟ ومن الذي نقل إلينا سنة النبي ﵊؟ إنهم الرواة بدءًا بالصحابة ﵃، وانتهاءً بهؤلاء الأجلاء العظماء الذين حافظوا على نقل كتاب الله، وحافظوا على تدوين سنة النبي ﵊، فهم هم نفس الرواة، فإذا كنت تنكر السنة من باب أنه قد دخلها الضعف والزيغ والتحريف؛ فلزامًا عليك أن تنكر القرآن؛ لأن الذي حمل القرآن هو الذي حمل السنة، فلم تنكر هذا وتعتمد ذاك؟ ثم بناء على كلامك فإن القرآن قد دخله تحريف، ودخله الزيغ، ودخله التصحيف، مع أن الله ﷿ هو الذي تكفل بحفظ وحيه وحفظ دينه، فقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، فالذي يحفظ كلام الله هو الله ﷿، والذي حفظ كلام الرسول ﵊ هو الله ﷿ كذلك؛ ولذلك تجد في تفسير هذه الآية: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر:٩] أن كثيرًا من المفسرين قالوا: بأن الذكر هو القرآن والسنة، وعلم الجرح والتعديل وعلم العلل وغيرها من العلوم التي تخدم السنة النبوية ما هي إلا نوع من أنواع حفظ الله ﷿ لهذا الوحي وهذا الدين، فالذي يزعم أن السنة قد دخلها التحريف نقول له: أنت مفتر وكافر، إلا أن تكون جاهلًا، فلم لم تقل هذا في القرآن؟ لأنه يعلم أنه إن قاله في القرآن كفر بإجماع أهل العلم؛ ولذلك فهو يحترز من هذا، فيذهب للطعن في سنة النبي ﵊.
ولذلك فالنبي ﷺ
5 / 3