شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
জনগুলি
باب ذكر ما نطق الكتاب نصًا بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر ما نطق به الكتاب نصًا في محكم التنزيل بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة].
هذا باب جديد ذكر فيه الآيات التي أمرت بالتزام الجماعة، والآيات التي نهت عن التفرق وترك الجماعة.
كما أنه أمر بذلك فيما جاء عن النبي ﵊ من الأمر بلزوم الجماعة وترك الفرقة، والأمر بالاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم جماعة المسلمين.
قال: [أما بعد: فاعلموا يا إخواني وفقنا الله وإياكم للسداد والصواب، وعصمنا وإياكم من الشتات والانقلاب! أن الله ﷿ قد أعلمنا باختلاف الأمم الماضين، وأنهم تفرقوا واختلفوا فتفرقت بهم الطرق حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله ﷿، والكذب عليه والتحريف لكتابه، والتعطيل لأحكامه والتعدي لحدوده.
وأعلمنا تعالى أن الشيء الذي يكون سببًا في الفرقة بعد الألفة، والاختلاف بعد الائتلاف، هو شدة الحسد من بعضهم لبعض، وبغي بعضهم على بعض، فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته، وردهم البيان الواضح بعد صحته، وكل ذلك وجميعه قد قصه الله ﷿ علينا، وأوعز فيه إلينا، وحذرنا منه أن نقع فيه، وخوفنا من ملابسته، ولقد رأينا ذلك في كثير من أهل عصرنا، وطوائف ممن يدعي أنه من أهل ملتنا.
وسأتلو عليكم من نبأ ما قد أعلمناه مولانا الكريم، وما قد علمه إخواننا من أهل القرآن وأهل العلم وكتبة الحديث والسنن.
وما يكون فيه إن شاء الله تعالى بصيرة لمن علمه ونسيه، ولمن غفله أو جهله، ويمتحن الله به من خالفه وجحده، بألا يجحده إلا الملحدون، ولا ينكره إلى الزائغون، قال الله ﷿].
يبدأ الآن في سرد الآيات التي تأمر بالائتلاف وتنهى عن الاختلاف والتفرق والتشرذم، وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه الجماعة المقصود بها: هي جماعة الإخوان، أو هي جماعة التكفير، أو الجماعات الإسلامية، أو جماعة الجهاد.
كل هذا خبط عشواء، فإن إنزال هذه الأدلة على هذه الجماعات الكائنة القائمة على الساحة الآن أمر غير رشيد، ولم يفهمه أحد من السلف، ولا من المعاصرين من أهل العلم، ولم يقل بذلك إلا بعض أصحاب هذه الجماعات.
يقول النبي ﵊: (عليكم بالجماعة)، فتظن أن هذه الجماعة هي جماعتك التي تتجه إليها، أو تسمعه ﷺ يقول: (من فارق الجماعة قيد شبر فمات فميتته جاهلية).
فتقول: لابد لي من جماعة أنضم إليها وأوافقها، وأسمع وأطيع لها، وإلا فميتتي ميتة جاهلية.
والصواب أن هذه الآيات وهذه الأحاديث التي أمرت بلزوم جماعة المسلمين، تعني بالجماعة جماعة الإمام الأعظم، جماعة الخليفة الذي عينه المسلمون وعينه أهل الحل والعقد، هذا الخليفة وهذا الإمام الأعظم هو الذي يعين الولاة والأمراء والسلاطين، فهذا الخليفة هو الرجل الذي أمرنا بأن من أتى بعده ينازعه قاتلناه حتى قتلناه.
وما يفعله كل جماعة من الجماعات القائمة تجاه هذه الآيات والأحاديث، أمر يدعو إلى الحيرة والشتات والفرقة، مع أن الأصل الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، والدعوة إلى الائتلاف وترك الاختلاف، ولكنك لو أنزلت هذه الآيات والأحاديث على كل جماعة أو على جماعة بعينها من هذه الجماعات؛ فإن كل الجماعات الإسلامية بعيدة عن هذه الآيات والأحاديث؛ فأين الحق وأين الباطل إذًا؟ ولذلك منتهى الكلام سيأتي معنا عند التعرض لذكر الأوامر والنواهي في سنة النبي ﵊ بلزوم الجماعة وترك الاختلاف.
6 / 2