ومن أمثلته ما جاء في شرحه لبيت الهذلول بن كعب العنبري الوارد في الحماسية (٢٣٩) والذي يصور فيه إنكار زوجته حين رأته يجلس إلى الرحا يطحن لإطعام ضيفانه:
تقول ودقت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحا المتقاعس
فقد قال المرزوقي في شرح الشطر الثاني: "أبعلي موضعه رفع بالابتداء، والألف لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الإنكار والتقريع، وقوله هذا يكون في موضع الخبر، والمتقاعس يتبعه على أنه عطف البيان له، وإن شئت جعلت هذا صفة لبعلي والمتقاعس خبرًا وقوله "بالرحا لا يجوز أن يتعلق بالمتقاعس لأنه في تعلقه به يصير من صلة الألف واللام، وما في الصلة لا يتقدم على الموصول، ولكن تجعله تبيينًا وتتصور "المقاعس" اسما تاما، ويصير موقع "بالرحا" بعده موقع بك بعد مرحبا، ولك بعد سقيا وحمدا، وإذا كان كذلك جاز تقديمه عليه كما جاز أن تقول بك مرحبا ولك سقيا، وللمازني في هذا طريقة أخرى، وهو أن يجعل الألف واللام من المتقاعس للتعريف فقط، ولا يؤدي معنى الذي، كما تقول نعم القائم زيد وبئس الرجل عمرو، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى الصلة فجاز وقوع الرحا متقدمًا عليه ومؤخرا بعده، وموقع الجملة التي حكاها من كلام المرأة نصب على أنه مفعول لتقول، فأما ما يعمل في لفظة "قال" ومتصرفاته فهو ما يكون قولا ووصفا للجمل كقولك: قلت حقًا أو باطلًا أو قلت صدقًا أو كذبًا وما أشبهه".
فهذا درس في النحو يدل على عبقرية الإمام المرزوقي في استيعاب أسرار العربية ودقائقها، ولكنه بغير شك ينأى بالشرح الأدبي عن مساره الذي ينبغي أن يسير فيه، ويجعل قاريء الأدب معزولًا عن النص بهذا الاستطراد النحوي.
وإذا كان المرزوقي في شرحه يستطرد استطرادًا مسهبًا في بعض القضايا اللغوية والنحوية التي تتصل بجزئية فإن الخطيب التبريزي بمنهجه الانتخابي من الشروح التي سبقته لم يسلم من ذلك أيضًا، غير أن إسهابه كان في جانبين فضلًا عن جنوحه المطرد نحو النحو وقضاياه، وأحد هذين الجانبين الأخبار
2 / 40