ما اختص به حديث الافتراق
أما قوله: (على ثلاثٍ وسبعين فرقة) فهذا التحديد للعدد هو الذي اختص به هذا الحديث، فإن كان الحديث غير ثابت، فلا يجوز أن يقال: إن الأمة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين، أو افترقت على ثلاثٍ وسبعين.
إذًا: في هذا الحديث امتياز ذكر عدد الطوائف المخالفة، وأنهم ثلاثٌ وسبعون فرقة، وهذا الامتياز ليس تحته حقيقة كثيرة؛ لأنه علم كلي.
ومعنى أنه علم كلي أي: أنه لا يستطيع أحدٌ لا من السلف ولا من الخلف أن يحدد هذه الفرق الثلاث والسبعين على القول بصحة الحديث، ولهذا قال شيخ الإسلام ﵀: "إنه لم يكن من طريقة السلف الجزم بتعيين هذه الفرق، وإن عينوا أصولها كقولهم: أصول البدع أربع: المرجئة، والقدرية، والجهمية، والشيعة، أو ما إلى ذلك من جمل السلف"، فهم قد يعينون أصول البدع.
أما أنهم اشتغلوا بتسمية الفرق المخالفة للسلف -وهم ثنتان وسبعون فرقة- فإن هذا الاشتغال لم يقع من أحد من السلف، وإنما اشتغل به بعض المتأخرين، وأصل الاشتغال به من طريقة متكلمة أهل الإثبات كأصحاب أبي الحسن الأشعري المنتسبين إلى السنة والجماعة، فإنهم سموا الطوائف الثلاث والسبعين، واستعمل هذا أيضًا بعض الفقهاء من أصحاب الأئمة ﵏ الذين يجانبون طريقة المتكلمين.
لكن هذا الاشتغال ليس اشتغالًا سلفيًا، بل هو من القول على الله بغير علم؛ لأنه إن اعتبرت أسماء الطوائف التي ظهرت في تاريخ المسلمين فإن العدد لا يمكن أن ينضبط عليها، بل قد يزيد عنها إذا اعتبر تفرق الطوائف، كأن يقال الخوارج: خمس عشرة طائفة ..
المرجئة: ثنتا عشرة طائفة، إذا اعتبر هذا التقرير كما هي طريقة أهل المقالات فإن الفرق تزيد كثيرًا عن ثلاث وسبعين.
وإذا اعتبرت أصول الطوائف فإن الفرق تقل عن ثلاث وسبعين؛ ولذلك إن صح هذا الحرف عن النبي ﷺ فإنه حرفٌ يعلم علمًا مجملًا، كليًا، فيعلم أن الفرق ستكثر، وكأن المراد من كلمته ﷺ: أن البدع ستكثر، وأنه سيكون لها أوجهًا متعددة.
وأما أن المكلفين يعلمون أسماء هذه الفرق فهذا ليس بصحيح، وقد أوضحنا في شرح كتاب الإيمان لـ أبي عبيد أنه لم يصح عن الرسول ﷺ أنه سمى طائفةً بدعيةً باسمها، كاسم المرجئة أو القدرية أو الشيعة، أو ما إلى ذلك، بل كل ما روي مرفوعًا إليه لا يصح، وإنما صح كلامه ﷺ في الخوارج.
إذًا قوله: (على ثلاث وسبعين فرقة) هذا التحديد هو الذي أفاده هذا الحديث.
فإن صح قيل: هذا من العلم المجمل الكلي، وإن لم يصح فالاعتبار بثبوت الافتراق وليس بماهية العدد.
3 / 4