التحذير من تحصيل مذهب السلف بالفهم
إذًا: الطريق الثاني: تحصيل مذهب السلف بطريق الفهم ..
وهذا هو الذي يحذر منه، قال شيخ الإسلام: "وهذا الطريق أصله من كلام طائفةٍ من أهل البدع المنتسبين للسنة والجماعة، ثم دخل على طائفةٍ من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم".
ولذلك لا يجوز إضافة مسائل إلى مذهب السلف إلا وقد انضبط دليلها وإجماعها إما استفاضةً وإما نقلًا.
ولو أن السلفيين في هذا العصر التزموا المنهج الذي قرره شيخ الإسلام، والذي قد درج عليه الأئمة، فإنهم لا يمكن أن يختلفوا في مسائل تصنف على أنها سلفية، بمعنى أن كل طائفة تقول: نحن السلفيون، ومن خالفنا خارج عن مذهب السلف.
ولذلك ظاهرة تعدد التجمعات السلفية، وكلٌ منها يزعُم أنه السلفي وحده أو بجماعته أو بطائفته ليست ظاهرةً شرعية؛ لأن هذه الجماعة المؤمنة المنصورة الناجية هي جماعةٌ واحدة، ولو انضبطت على الإجماع لاتفقت.
ولهذا: من أسباب انقسام السلفيين فيما بعد عصر الأئمة أو في العصور الفقهية المتأخرة أو في عصرنا هذا: هو أنهم استعملوا طريق الفهم لتحصيل مذهب السلف.
وهذا التحقيق لا نعتبره لكونه كلامًا لـ شيخ الإسلام، حتى يأتي شخص ويقول: إن في كلامه نظرًا، بل هو معتبر لكونه موافقًا للأصول؛ لكلام الله ورسوله؛ فقد وصف النبي ﷺ هذه الطائفة -وإن كان الحرفُ فيه ضعف، إلا أن معناه صحيح بالإجماع- بأنها: (هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وفي حديث جابر بن عبد الله ﵁ -وهو في صحيح مسلم - كان ﵊ يردد في الخطب: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد) فما كان منضبطًا عند الأئمة أنه هدي لرسول الله فهذا مذهبٌ للسلف، وما تردد فيه الأئمة من السلفِ على تعيين هديه ﷺ أو الجزم به، فهذا مما يرجح فيه ولا يوصف أحد الأقوال بأنه سنةٌ سلفية.
وبهذا الطريق يصح أن يقال: إن مذهب السلف مذهب واسع.
1 / 10