* بسم الله الرحمن الرحيم
* قال مولانا الإمام العالم الحكيم الفاضل علاء الدين أبو الحسن بن النفيس بن أبي الحرم القرشي أدام الله تعالى تأييده: إن (1) * ما قد سلف من شروحنا لهذا الكتاب فإن نسخه تختلف بحسب اختلاف أغراض الطالبين، وهذه النسخة إنما نتبع فيها ما نراه لائقا بالشروح ورائقا في التصنيف. وأما نصرة الحق وإعلاء مناره، وخذلان الباطل وطمس آثاره، فأمر قد (2) التزمناه في كل فن، والله يوفقنا لذلك بكرمه ومنه (3).
[المقالة الأولى]
[aphorism]
قال أبقراط: العمر (4) قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر (5)، والقضاء عسر؛ وقد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي (6) PageVW0P001A فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك، والأشياء التي من خارج.
[commentary]
الشرح: العمر هو مدة الحياة، وقد برهنا في كثير من كتبنا على تناهيه، وأما تحديده وقصره فلم نقف لهما على برهان لمي، لكن PageVW2P002A الاستقراء دل على أن غالبه ما بين ستين وسبعين سنة، وأنه لا يتجاوز مائة وعشرين (7) سنة إلا نادرا. والصناعة ملكة نفسية يقتدر بها على استعمال موضوعات نحو غرض من الأغراض على سبيل الإرادة صادرة عن بصير بحسب الممكن فيها. ومراده بالصناعة (8) الطب، لأن الألف واللام ههنا إنما يمكن أن تكون للعهد. وإنما كان الطب (9) طويلا لأن مسائله تتغير بتغيرات أبداننا وهي متجددة (10) على اللحظات ضرورة استمرار التحلل والتغذي، ويلزم ذلك (11) تغير الكم والكيف. والطول والقصر قد يقالان بالإضافة (12) وقد يقالان مطلقا، كقولنا: إن الزمان طويل، وهو المراد ههنا، * فإن العمر قصير في نفسه والطب طويل في نفسه، PageVW0P001B ويلزم (13) ذلك أن يكون كل واحد منهما كذلك (14) PageVW1P001A بالنسبة إلى الآخر. وقيل: المراد أن العمر قصير بالنسبة إلى الصناعة، والصناعة طويلة في نفسها، وهو ظاهر كلام جالينوس، وما ذكرنا أكثر PageVW2P002B فائدة. ومراده بالوقت الزمان الذي يتمكن الإنسان من صرفه إلى الاشتغال بالصناعة، وعبر عنه بالوقت لإفراط قصره. وقيل: مراده الزمان الذي يمكن بقاء البدن فيه على حاله، ويتجه ذلك إذا كان المراد الدلالة على طول الصناعة. وأما خطر التجربة فلشدة (15) قبول أبداننا (16) للفساد، مع شرفها. والتجربة امتحان فعل ما يورد على البدن، إما لتحقيق دلالة القياس، كما (17) إذا دل قياس على برودة دواء، فأردنا تحقيق (18) ذلك بامتحانه، أو بغير (19) ذلك، فيكون الخطر أشد. وأما عسر القضاء، والقضاء هو الحكم، فقيل: أراد الحكم على المريض بما يؤول إليه أمره (20) من صحة أو عطب. وقيل: أراد الحكم بموجب التجربة. وقيل: أراد بالقضاء القياس، وعبر عنه بالقضاء لأنه يلزمه القضاء بموجبه، ويكون الغرض بذلك الدلالة على صعوبة درك هذه [C5DK4 2a] الصناعة؛ لأن اكتسابها إنما يتم بالتجربة وهي خطرة، وبالقياس وهو عسر. PageVW2P003A وأما باقي الكلام فقد قيل: هو فصل مستقل. وقيل: الجميع فصل واحد. قال جالينوس: سواء كان الكل فصلا واحدا أو فصلين، فليس الباقي على نهج الأول، إذ الأول أخبار، والثاني مشورة. أقول: إن ظاهره وإن كان مشورة فليس المقصود به المشورة، بل أن يبين به صعوبة استعمال هذه الصناعة، كأنه قال: ومع كون هذه الصناعة طويلة، والعمر يقصر عنها، والوقت الذي تستحصل فيه ضيق واكتسابها بالتجربة خطر وبالقياس عسر؛ فاستعمالها عسر أيضا، إذ لا يكفي فيه الاقتصار على فعل ما يفرغ العمر في تعلمه، بل يحتاج مع ذلك [L4 1b] إلى مراعاة أمور غير مضبوطة، كشهوة المريض وأخلاقه، وحال من يحضره من الخدم والعواد، وغير ذلك حتى قد (21) يحتاج الطبيب في مراعاة هذه إلى خروج عن موجب الصناعة، كما إذا علم أن المريض، لقوة شهوته أو لسخافة عقله، لا يقتصر على قدر الواجب من الغذاء، وإذا لم (22) PageVW2P003B يصف له [C5DK4 2b] أزيد من ذلك أقدم على أغذية رديئة مضرة (23)، فيجب عليه حينئذ الزيادة على مقتضى الصناعة. فإن قيل: جرت العادة في أوائل الكتب أن تمدح الصناعة ويرغب فيها، وكلام أبقراط ينافي ذلك. أجاب بعضهم بأن مراد أبقراط الصد عن تعلم الطب وهو قبيح، وقيل بل إقامة عذره في تصنيف الكتب لأن عمر الإنسان لا يفي بابتداع الصناعة الطويلة. وقيل: بل إقامة عذره في تصنيف هذا الكتاب فصولا، ليكون أسهل ضبطا. وقيل: بل إقامة عذر الطبيب إذا أخطأ. وقيل : بل ليحث المتعلم. وقيل: بل ليمتحن همة (24) الطالب، والكل حسن.
[aphorism]
قال أبقراط (25): إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء اللذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق فإنها إن خلت من النوع الذي ينبغي أن يخلو (26) منه البدن (27) نفع PageVW2P004A ذلك وسهل PageVW0P004A احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وينبغي أيضا أن تنظر (28) في الوقت الحاضر من أوقات السنة، وفي البلد، وفي السن وفي العادة (29)، وفي جميع (30) الأمراض، هل يوجب استفراغ ما هممت باستفراغه أم لا؟
[commentary]
الشرح (31): مهما خرج من البدن شيء وكان من النوع الذي ينبغي أن يخرج منه PageVW1P002A نفع (32) البدن؛ لأنه إنما يكون كذلك إذا صار (33) ضارا بالبدن، إما بجوهره كالحصاة والثفل والرطوبة العفنة، أو بكيفيته كالرطوبة الحارة والباردة، أو بكميته كالدم الكثير، وغير ذلك، وكان خروجه سهلا محتملا فلا يعرض منه ضعف شديد ولا انخزال من الطبيعة؛ لأنها تكون مساعدة على خروجه غير متشبثة به تشبثها بالنافع. ويستثنى (34) من هذا صورتان، إحداهما (35): أن يكون الخارج كثيرا جدا، وقد خرج دفعة واحدة، فيشتد الضعف ويعرض الغشي، ولو كان في غاية الرداءة كما في مادة الاستسقاء؛ وسبب ذلك أن كل رطوبة في البدن فلا PageVW2P004B بد PageVW0P004B وأن تكون الطبيعة متصرفة فيها تصرفا ما لئلا يشتد فسادها فلابد وأن تخالطها أرواح تحمل القوى المتصرفة فيها؛ فإذا خرج منها شيء كثير دفعة # لزم ذلك خروج أرواح كثيرة دفعة (36) فيشتد الضعف، لا لخروج (37) الضار، بل لخروج (38) النافع، وهو الروح. وثانيها: أن يعرض عن المادة الخارجة ضرر بتحركها (39)، كثوران حرارة وحمى يومية، وإعياء في الأوعية، وسحج في الأمعاء؛ وذلك أيضا بالعرض. ومهما كان الخارج من غير ذلك النوع ضر خروجه؛ لأنه إنما يكون كذلك إذا كان مما ينتفع به البدن (40)، وخروج النافع ضرر لا محالة، والطبيعة تكون متشبثة به، وإنما يخرج إذا عجزت الطبيعة (41) عن إمساكه، وإنما يكون ذلك لإنقائها (42)؛ فلذلك يكون خروجه غير محتمل. ولا يختلف ذلك سواء كان خروج الخارج طوعا أي من تلقاء نفسه من غير إيراد على البدن ما يحوج إلى إخراجه، وسواء كان ذلك من مخرج طبيعي ومحسوس كما عند استطلاق البطن، أو غير PageVW2P005A محسوس كما عند العرق، أو غير طبيعي وهو (43) منفذ طبيعي PageVW1P002B كما عند PageVW0P005A القيء، أو ليس كذلك كما عند الفصد. وإذا كان كذلك، فأي استفراغ نفع وسهل احتماله فهو من النوع الذي ينبغي أن يخرج، إذ لو كان من غير ذلك النوع لضر وعسر احتماله. وأي استفراغ ضر وعسر احتماله فليس من النوع الذي ينبغي أن يخرج (44)، وإلا نفع وسهل احتماله فيكون الانتفاع بالاستفراغ والتضرر به دليلا على نوعه، وإنما يتحقق الاستدلال بذلك بعد الاستفراغ. وأما ما يستدل به قبل ذلك، فهو كالوقت الحاضر من أوقات السنة، والبلد، والسن، والمرض، وما أشبه ذلك؛ والمرض أقوى في الدلالة. ولذلك (45) لو مرض الشيخ في الشتاء وفي بلد بارد مرضا صفراويا، استفرغناه (46) الصفراء دون البلغم. وإنما ابتدأ (47) أبقراط بهذا الفصل لأمرين: أحدهما: إنه تضمن الدلالة على أن الطب حق، وبيان ذلك أن البدن إذا خرج منه الضار (48) طوعا انتفع به، وذلك لا لكونه طوعا، بل لكون الخارج PageVW2P005B ضارا، فيكون إخراج الضار بطريق الصناعة نافعا أيضا. وكذلك خروج النافع طوعا ضار، لا لكونه طوعا، بل لأنه PageVW0P005B نافع. فمهما خرج النافع ضر فإذا أخرج بالصناعة ضر، فيكون الفعل الصناعي نافعا للبدن تارة وضارا أخرى. ولا معنى لكون (49) الطب حقا إلا ذلك. وهذه (50) فائدة ذكر أبقراط للاستفراغ (51) الطوعي أولا، ثم ذكر الصناعي وعبر عنه بخلاء العروق، لأن غالب الاستفراغ الصناعي (52) يكون بالفصد وبالدواء المستفرغ،وكل ذلك يلزمه خلاء العروق. وأما تخصيصه (53) الطوعي باستطلاق البطن PageVW1P003A والقيء؛ فلأن هذين النوعين يلزمهما كون الخارج من النوع (54) الذي ينبغي، وكونه من غير ذلك النوع بخلاف العرق والإدرار والرعاف فإنها في الأكثر إنما تكون مما ينبغي . والأمر الثاني: إن هذا الفصل اشتمل على قاعدة ينبغي أن تقدم، لأنه يفهم منه أن الطبيب ينبغي له أن يفعل فعلا يوافق فعل (55) الطبيعة، بل الأنفع (56). وإنما بين ذلك بالاستفراغ ؛ لأنه PageVW2P006A يتكلم (57) أولا في الأغذية، والاستفراغ متقدم عليها؛ لأن الغذاء خلف لما يتحلل، والتحلل استفراغ.
[aphorism]
قال أبقراط (58): PageVW0P007A خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر، إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى، وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا (59) على حالهم تلك ولا يستقروا. ولما كانوا لا يستقرون ولم يمكن أن يزدادوا صلاحا، فبقى أن يميلوا إلى حال هي (60) أردأ؛ فلذلك ينبغي أن ينقص (61) خصب البدن بلا تأخير كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء، ولا يبلغ في (62) استفراغه الغاية القصوى فإن ذلك خطر، لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن الذي يقصد إلى استفراغه. وكذلك أيضا كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر، وكل تغذية أيضا (63) هي عند الغاية القصوى فهي خطر.
[commentary]
الشرح (64): إن أبقراط يريد أن يتكلم في قوانين التغذية، وفي هذا الكتاب إنما ينتقل (65) من فن إلى آخر بفصل يشترك فيه الأمران، وكان هذا الفصل أولى لاشتماله على بيان قاعدة يجب تقديمها وهي أن PageVW2P006B الإفراط مذموم ولو كان تابعا لفعل الطبيعة كما في الخصب المفرط، ومعنى الفصل أن PageVW0P007B الخصب المفرط خطر لأصحاب الرياضة، أي الذين حرفهم الرياضة كالمصارعين؛ وذلك لأمرين، أحدهما: إن الرياضة وخصوصا رياضة هؤلاء شديدة التسخين، وذلك موجب لانبساط (66) PageVW1P003B الرطوبات، وإذا ازداد حجمها فلابد وأن تحتاج إلى زيادة في تجاويف المجاري وذلك غير ممكن إذ (67) كانوا قد بلغوا في الخصب الغاية القصوى، فيضطر (68) ذلك إما إلى انشقاق عرق، أو إلى انصباب الدم إلى بعض الأفضية، ولا شك أن الأمر يكون حينئذ خطرا. وثانيهما: ما يستعملونه من الغذاء في الأكثر لا ينفذ (69) في (70) عروقهم لفرط امتلائها ويفسد ويفسد الأخلاط، وإذا كان كذلك فينبغي أن يبادر إلى استفراغ هؤلاء لأمرين: أحدهما: ليؤمن ما ذكرناه. وثانيهما: ليتمكن البدن من استعمال الوارد فلا يعرض له فساد. وينبغي أن يكون استفراغ هؤلاء وغيرهم بغير إفراط، فإن المفرط PageVW2P007A مضعف لما يلزم ذلك (71) من إخراج كثير من الأرواح كما بيناه في الفصل المتقدم، بل ينبغي أن يقدر (72) PageVW0P008A الاستفراغ في كل بدن بالقدر الذي يحتمله ذلك البدن؛ وذلك أن الأبدان منها متخلخلة لا تحتمل من (73) الاستفراغ إلا القليل، ومنها ملززة فتحتمل ما هو أزيد من ذلك (74). وليس الخطر في الإفراط مختصا بالاستفراغ، بل والتغذية كذلك أيضا، فإن الغذاء المفرط في الكثرة يعسر انهضامه ويفسد، والمفرط في القلة يجف معه البدن ويهزل. قوله: "وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا (75) على حالهم تلك ولايستقروا" معناه أنهم عند الحركة أو عند تناول الغذاء كما قلنا لا يمكن أن يثبتوا على حالهم (76) تلك، أي حال أبدانهم في صلاحها، ولا تستقر رطوباتهم على حالها. ومراده أن ذلك في أكثر الأمر يكون كذلك، أي أن ما (77) قلناه من السبب هو (78) في أكثر الأمر مانع من الثبات والاستقرار (79)، ولا يمنع (80) ذلك إمكانها (81) بحسب الذات. * قوله: "وليس يمكن أن يزدادوا صلاحا" أي ومع كون ذلك الثبات والاستقرار لا ينفع، فليس أيضا يمكن أن تزداد أبدانهم صلاحا، أي خصبا، لأن زيادة الخصب عند هؤلاء صلاح، وإنما PageVW0P008B لا يمكن ذلك؛ لأن الفرض أن الخصب قد بلغ الغاية القصوى (82). قوله: PageVW2P007B "فبقى أن يميلوا إلى حال هي أردأ" لقائل أن يقول: PageVW1P004A إن هذا غير لازم لأن هؤلاء قد يعرض لهم حينئذ رعاف متوسط فينتفعون به، وحينئذ يكون حالهم أصلح. قلنا: مسلم، ولكن هذا الرعاف إنما يكون بعد حركة الرطوبات وانبساطها، ولا شك أن الحال حينئذ تكون رديئة وإن أعقبها الصلاح بالرعاف ونحوه. قوله: "كيما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء" يريد بقبول الغذاء كون البدن يتلقاه بالقبول والمحبة، لا أنه (83) حينئذ يبتدئ في كونه قابلا (84)، أي آهلا له (85)، فإن ذلك ثابت له دائما.
[aphorism]
قال أبقراط (86): التدبير البالغ في اللطافة عسر مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة. والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة، إذا لم تحتمله قوة المريض (87)، عسر مذموم.
[commentary]
الشرح (88): [C5DK4 9a] إن أبقراط في هذا الكتاب يتكلم (89) في الأسباب والعلامات، وفي شيء يسير من المعالجات، والكلام في التغذية أهم؛ لأن بها بقاء القوة (90)، وأهم ذلك الكلام في أغذية المرضى PageVW2P008A لأن تقديرها فيهم غير منوط (91) بالشهوة كما في الأصحاء. وهذا الفصل أولى بالتقدم، لتضمنه معنى منع الإفراط. والتدبير في اللغة التصرف، والأطباء يطلقونه على معنيين، أحدهما: التصرف في الأسباب الضرورية؛ لأنها أولى بأن يتصرف فيها. وثانيهما: التصرف في الغذاء من جهة ما يقل (92) ويكثر ويلطف ويغلظ؛ لأنه أولى بأن يتصرف فيه من باقي الضروريات، وهذا مراد أبقراط ههنا. والتدبير البالغ في اللطافة هو كتغذية الصحيح بالفراريج ومرقة اللحم، والمريض بماء الشعير أو السويق؛ وهذا في جميع الأمراض المزمنة، وهي التي تمتد إلى الأربعين (93) يوما، فما زاد عسر مذموم؛ لأن هذه الأمراض تكون موادها غليظة عسرة الانفعال [L4 4b] محوجة إلى تعب الطبيعة، فلا تتمكن من دفعها إلا إذا كانت قوية جدا، PageVW0P009B وذلك (94) مما لا يمكن في المدة الطويلة بهذا التدبير.والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة هو كالتغذية في PageVW2P008B الصحة بأمراق الدجاج وأطراف الفراريج وفي المرض بالجلاب وماء الشعير الرقيق جدا. وهذا وإن جاز في بعض الأمراض الحادة، وهي الخطرة القصيرة المدة، إلا أنه إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم، أي إذا لم يحتمل (95) أن يبقى به عند المنتهي وافية بدفع المرض، وإنما لم تحتج إلى هذا الشرط في الأمراض المزمنة، لأنه لا يوجد فيها ما تحتمل فيه القوة التدبير البالغ في اللطافة في جميع الأمراض (96). ورداءة هذين التدبيرين في حال الصحة أكثر؛ لأن قوى الصحيح متوفرة على تدبير الغذاء.
[aphorism]
قال أبقراط (97): في التدبير اللطيف قد يخطيء المرضى (98) على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم، وذلك أن جميع ما يكون منه من الخطأ أعظم ضررا مما يكون منه في الغذاء الذي له غلظ يسير. ومن قبل ذلك صار التدبير PageVW0P010A البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا، لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل؛ ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة PageVW2P009A في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
الشرح (99): كما أن تلطيف التدبير إذا لم تحتمله القوة عسر مذموم، كذلك إذا لم تحتمله الشهوة وإن احتملته القوة، فكثيرا ما يعرض للمرضى عند تلطيف الأطباء تدبيرهم أن تدعوهم الشهوة إلى الإقدام على (100) أغذية رديئة، فيشتد تضررهم (101) بها، وذلك لأجل تضررهم بأضرارها مع قوة شهوتهم، ولو كان (102) الأطباء غلظوا تدبيرهم بأكثر مما ينبغي (103) لأغناهم ذلك عن الإقدام على تلك الأغذية (104). قوله: "ومن قبل هذا PageVW1P005A صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا" الإشارة (105) بقوله هذا إلى ما قاله في الفصل المتقدم، كأنه قال: ومن قبل أن تلطيف التدبير في الأمراض المزمنة رديء وفي الأمراض الحادة PageVW0P010B أيضا إذا لم تحتمله القوى، مع أن (106) المرض ينبغي فيه التلطيف، فالتدبير (107) البالغ في اللطافة في الأصحاء لا شك أنه خطر؛ لأن احتمال الأصحاء لما يعرض من الخطأ بتلطيف التدبير PageVW2P009B أقل، ولهذا لا يتمكن (108) الصحيح من الصبر على ترك الغذاء كما يتمكن المريض. قوله: "ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا" إنما كان ذلك هو الأكثر لأن أكثر الأبدان صحيحة، وبعض الأمراض مزمنة، وبعضها حادة لا تحتمل القوة فيه المبالغة في التلطيف، وبعضها لا تحتمل الشهوة فيه ذلك. وقد فهم هذا الفصل على وجه آخر وهو أن الخطأ في (109) التدبير المائل إلى اللطافة أعظم خطرا من الخطأ المائل إلى الغلظ، وهو غلط؛ فإن الغذاء القليل يمكن تدارك الخطأ فيه بإيراد غذاء آخر، ولا كذلك الغذاء الزائد، ومع ذلك (110) فإنه يفسد ويفسد الأخلاط. ولهذا
قال أبقراط في كتاب تدبير الأمراض الحادة: PageVW0P011A وقد (111) ينبغي أن يكون انتقالك إلى الزيادة أقل كثيرا؛ وذلك لأن النقصان بالجملة أنفع في أكثر الأمر (112).
[aphorism]
قال أبقراط (113): أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية PageVW2P010A القصوى، التدبير الذي في الغاية القصوى.
[commentary]
الشرح (114): لولا اشتغال أبقراط بتقدير رداءة الإفراط لكان الأولى تقديم (115) هذا الفصل، لأن تعرف النافع والمحمود قبل تعرف الضار والمذموم، لأن الأول يعرف ليستعمل والثاني ليجتنب. والتدبير يكون في الغاية PageVW1P005B القصوى إما في اللطافة، أو في الغلظ، أو القلة، أو الكثرة، وغير ذلك. وكذلك المرض يكون في الغاية القصوى إما في الشدة، أو في اللين، أو في القوة، أو في الحدة، وغير ذلك. لكن العادة جرت أن لا يقال ذلك في أغذية المرضى إلا من جهة اللطافة، ولا في الأمراض عندما يراد تدبيرها PageVW0P011B بالغذاء إلا في الحدة؛ فلذلك ينبغي أن يكون المراد (116): أجود التدبير في الأمراض * التي في الغاية القصوى من الحدة، التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة (117). وذلك لأن المرض إنما يكون كذلك إذا كان ينقضي في الرابع فما دونه، والظاهر أن القوة في هذه المدة لا تخور بمثل هذا PageVW2P010B التدبير. أبقراط (118): وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بدئا، فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي (119) في الغاية القصوى من اللطافة. فأما إذا لم يكن كذلك، لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك، فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. وإذا بلغ المرض منتهاه، فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي (120) في الغاية القصوى من اللطافة. PageVW0P012A
[commentary]
الشرح (121): لنقدم قبل الشرح (122) مقدمات: الأولى: المرض الحاد بقول مطلق هو ما من شأنه الانقضاء في أربعة عشر يوما، والقليل الحدة ما يبقى فيما بعد ذلك إلى سبعة وعشرين يوما، وحاد المزمنات ما ينقضي فيما بعد ذلك إلى الأربعين، والحاد جدا ما ينقضي فيما بين التاسع (123) والحادي PageVW1P006A عشر، والحاد في الغاية ما ينقضي فيما بين الرابع والسابع، والحاد في الغاية القصوى ما ينقضي في الرابع فما دونه. الثانية (124): PageVW2P011A الغذاء اللطيف منه لطيف مطلقا كلحم الجداء وأطراف الضأن للأصحاء، وأطراف الفراريج للمرضى. ومنه لطيف جدا كالدجاج وأطراف الأجدية للأصحاء، وأمراق الفراريج وثخين ماء الشعير للمرضى. واللطيف في الغاية كالفراريج ومرقة اللحم للأصحاء، والسويق وماء الشعير المتوسط للمرضى. واللطيف في الغاية القصوى كأمراق الدجاج وأطراف الفراريج للأصحاء، والجلاب وماء الشعير الرقيق للمرضى. الثالثة (125): PageVW0P012B كل مرض يحدث شيئا فشيئا فله أربعة أوقات، لأنه إذا ظهر فإما أن (126) يكون في حال يظهر فيها اشتداده أو انتقاصه، أو لا يظهر فيها واحد منهما. والأول وقت التزيد، والثاني وقت الانحطاط، والثالث إن كان قبل التزيد فهو وقت الابتداء، وإن كان بعده فهو وقت (127) الانتهاء. الرابعة (128): الابتداء يقال على ما ذكرناه، # ويقال على أول زمان حدوث المرض (129)، ويقال على الأيام الثلاثة الأول (130). والأوجاع التي في الغاية القصوى هي أعراض المنتهي، وهي تأتي في الأمراض الحادة جدا PageVW2P011B بدئا أي في الأيام الثلاثة الأول، أي (131) أنها تبتدئ من حينئذ، ويجب أن يكون التدبير بالغذاء حينئذ التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة لئلا يزيد في شدة الأعراض، ولئلا تشتغل الطبيعة عن تدبير دفع المرض. فأما إذا لم يكن المرض كذلك وكان يحتمل من التدبير في الأيام الثلاثة الأول ما هو أغلظ من ذلك، وذلك إذا لم تأت (132) هذه الأوجاع فيه في هذه المدة، وإنما يكون كذلك إذا كان ألين (133) من الحاد جدا، PageVW0P013A كالحاد بقول مطلق وما بعده فيجب أن يكون تدبيره PageVW1P006B في تلك الأيام منحطا عن ذلك التدبير بقدر لين المرض وانحطاطه حينئذ عن الغاية القصوى من الشدة التي تكون عند حصول تلك الأوجاع. وإذا بلغ هذا المرض منتهاه وجب تدبيره حينئذ بما هو في الغاية القصوى من اللطافة، فيكون التدبير في منتهي هذا المرض كالتدبير في أول ظهور تلك الأوجاع، وهو أول زمان المنتهي، لأن زيادة الحدة PageVW2P012A توجب زيادة التلطيف.
[aphorism]
قال أبقراط (134): وينبغي أيضا أن تزن قوة المريض، فتعلم إن كانت (135) تثبت إلى وقت منتهي المرض، وتنظر # أي الأمرين كائن (136) أقوة المريض تخور قبل منتهي (137) المرض ولا تبقى على ذلك الغذاء أم المرض يخور (138) قبل وتسكن عاديته.
[commentary]
الشرح (139): وزن القوة هو اعتبار حالها في القوة والضعف، والغرض به أمران: أحدهما: إنها هل تثبت إلى وقت المنتهي؟ أي أنها تكون حينئذ وافية بدفع المرض، PageVW0P013B فيسلم المريض، وإلا فيعطب. وثانيهما: ليعلم أن الغذاء المستعمل هل (140) تخور القوة معه، بحيث لا تبقى عند المنتهي وافية بدفع المرض، وذلك لزيادة لطافته، فينبغي أن يغلظ؛ أو المرض يخور معه قبل خور (141) القوة وتسكن عاديته فيقتصر عليه ولا يزاد.
[aphorism]
قال أبقراط (142): والذين يأتي منتهي مرضهم بدئا فينبغي أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدئا، والذين يتأخر منتهي مرضهم فينبغي أن يجعل تدبيرهم في ابتداء أمراضهم أغلظ ثم ينقص من غلظه PageVW2P012B قليلا قليلا كلما قرب منتهي المرض، وفي وقت منتهاه بمقدار ما تبقى قوة المريض عليه، وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهي المرض فإن الزيادة فيه مضرة.
[commentary]
الشرح (143): ينبغي أن يكون المراد ههنا بقوله "بدئا" أي (144) متقدما، لا ما ذكرناه فيما مضى، ولذلك (145) PageVW1P007A قال في مقابلته "والذين يتأخر منتهي مرضهم" فإن الذين يأتي منتهي مرضهم في PageVW0P014A الأيام الثلاثة الأول ينبغي أن يكون تدبيرهم في أول المرض (146) الأول بما هو لطيف جدا * لا بما هو لطيف (147) بقول مطلق. ونقول: إن المرض كلما كان أطول، كانت الحاجة فيه إلى الغذاء أكثر، لأن الطبيعة تحتاج فيه إلى مقاساة المرض مدة أطول وإلى تعب أزيد بسبب غلظ مادته وكثرتها، فيحتاج أن تكون في نفسها أشد قوة. وإذا كان كذلك وجب أن يكون التدبير في (148) أول (149) المرض بما (150) هو أغلظ مما في المرض القصير. وينبغي أن يكون الغذاء في أوائل الأمراض كلها أغلظ، لأن الأمراض (151) تكون حينئذ أسكن فيتمكن من زيادة التقوية، [TH2 13a] ولأن في ذلك مراعاة العادة التي كانت في الصحة. ثم ينقص من غلظه قليلا قليلا كلما قرب منتهي المرض، وننقصه في وقت المنتهي أيضا بالنسبة إلى ما كان قبله. قوله: "وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهي المرض فإن الزيادة فيه مضرة" الإشكال عليه من وجهين: أحدهما: إن الغذاء في وقت المنتهي ينبغي أن لا يمنع (152) بالكلية، بل أن يقلل، ولذلك (153) فإنه قال قبل هذا: وإذا PageVW0P014B بلغ المرض منتهاه فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة. وثانيهما: إن قوله: "فإن الزيادة فيه مضرة" إنما يقتضي منع الزيادة، لا منع الغذاء جملة. الجواب: يجوز حمل هذا على معنيين يندفع (154) بكل واحد منهما الإشكال، أحدهما: أن يكون المراد: "قد ينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت منتهي المرض" وذلك لأن المنتهي وإن جاز فيه الغذاء، ولكن في بعض أوقاته لا يجوز فيه (155) التغذية البتة وذلك عندما تكون الطبيعة PageVW2P013B في مجاهدة البحران، وحينئذ يكون الضمير PageVW1P007B في قوله: "فيه مضرة" عائدا إلى المرض، كأنه يقول: فإن الزيادة في المرض حينئذ مضرة والغذاء حينئذ يزيد في بعض (156) المرض. وهذا وإن كان في سائر الأوقات كذلك، إلا أن المضرة بزيادة المرض حينئذ أشد، لأن تلك الزيادة تكون حينئذ (157) كالنجدة للمرض الذي هو كالعدو الباغي على الطبيعة. وثانيهما: أن يكون المراد: وينبغي أن يمنع من الغذاء الزائد PageVW0P015A في وقت منتهي المرض (158) فإن الزيادة في الغذاء حينئذ مضرة. وهذا وإن كان في سائر الأوقات مضرا إلا أن الضرر حينئذ يكون أشد. ويمكن - والله تعالى أعلم- أن يكون أراد بذلك أن (159) في (160) وقت المنتهي لا يجوز الزيادة في الغذاء على ما يوجبه اعتبار القوة، بخلاف باقي الأوقات فإنه يجوز فيها ذلك كما ذكرنا فيما سلف، إذا كانت الشهوة مفرطة لا تحتمل التلطيف.
[aphorism]
قال أبقراط (161): وإذا كان للحمى أدوار فامنع من الغذاء أيضا في أوقات نوائبها.
[commentary]
الشرح (162): الأمراض PageVW2P014A ذوات النوائب منها ما يتعذر استعمال الغذاء في وقت نوائبها كالصرع ومنها ما يجب استعماله فيها كما إذا كانت الحمى مركبة من حميات، بحيث كانت نوائبها تأتي (163) متعاقبة فلا تكون لها راحة البتة فهناك يجب استعمال الغذاء في النوبة الأخف، فإن تساوى الكل ففي أبرد أوقات النهار. ومنها ما PageVW0P015B ليس كذلك وهي التي لها أدوار، أعني زمان أخذ وترك، فتارة يكون زمان الترك راحة، وتارة يكون فترة، وفيها لا يجوز استعمال الغذاء في وقت النوبة؛ وذلك لأمور: أحدها: ازدياد الحمى بحرارة الطبخ الذي يحوج إليه الغذاء. وثانيها: إن الطبيعة حينئذ إن اشتغلت بتدبير الغذاء استولى المرض وطالت النوبة جدا، وإن [L4 8a] اشتغلت بتدبير المرض فسد الغذاء وزاد في مادة المرض، وإن اشتغلت بهما جميعا كان فعلها في كل واحد منهما ضعيفا. وثالثها: إن ما يعرض من [TH2 14b] الغذاء حينئذ من الأبخرة يشوش المريض . وأول النوبة أولى بمنع الغذاء، وعند انحطاطها أسهل. وهذا كله إذا لم يعرض أمر يوجب الغذاء، إذ قد يعرض ضعف فيحوج إلى الغذاء ولو عند البحران.
[aphorism]
قال أبقراط (164): إنه يدل على نوائب المرض ونظامه ومرتبته الأمراض أنفسها، وأوقات السنة، وتزيد الأدوار بعضها على بعض، نائبة كانت في كل يوم، أو يوما ويوما لا، أو في أكثر من PageVW0P016A ذلك من الزمان. والأشياء (165) التي تظهر من بعد، مثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب، فإنه إن ظهر النفث فيهم بدئا منذ أول المرض كان المرض قصيرا، وإن تأخر ظهوره كان المرض طويلا (166)؛ والبول (167) والبراز والعرق إذا (168) ظهرت بعد فقد تدلنا على جودة بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره.
[commentary]
الشرح (169): قد تبين أن تقدير الغذاء يختلف بحسب نوائب المرض ومرتبته، أي مرتبته في حدته. وأما اختلاف ذلك بحسب PageVW2P015A نظام المرض، أي كون كل واحد من أحواله في الوقت الذي تقتضيه طبيعة المرض، فلأن مثل هذا يعرف منه (170) زمان الراحة ومقداره، فيكثر الغذاء إذا كان وقت النوبة يتأخر، ويقلل أو يمنع إذا قرب مجيء النوبة، فيجب تعرف العلامات الدالة على كل واحد من هذه الثلاثة. وتلك العلامات أربعة أقسام، لأن تلك العلامات (171) PageVW0P016B إما أن تكون هي الأمراض أنفسها، أو لا تكون، وحينئذ إما (172) أن لا تكون مختصة بالأمراض كأوقات السنة، أو مختصة بها، فإما متعلقة بأحوالها (173) الجزئية كتزيد الأدوار، PageVW1P008B أو لا تكون كذلك وهي الأشياء التي تظهر من بعد. الصنف الأول: الأمراض أنفسها، وتدل على تلك (174) الثلاثة كدلالة الغب الخالصة على أنها تنوب يوما ويوما لا، وأنها تكون (175) منتظمة، وأنها تنقضي في أربعة عشر يوما. الثاني: الأشياء التي تعم الأمراض والصحة، كأوقات السنة وفي حكمها [TH2 15b] السن والبلد والتدبير السالف، وهذه تدل على تلك الثلاثة كدلالة الصيف على نوائب أمراضه غبا (176)، لأنها تكون في الأكثر صفراوية، وأنها تكون قصيرة المدة، وأن الأمراض تكون في الفصول المنتظمة منتظمة. الثالث: تزيد أدوار المرض بعضها على بعض، وتدل على تلك (177) الثلاثة؛ أما على النوبة والنظام فظاهر، وأما على المرتبة فلأن زيادة تفاوت الزائد يدل على سرعة انقضاء المرض وحدته، وقلة (178) ذلك على بلادة حركة المرض فيطول. وتدل على ذلك PageVW0P017A سواء كانت النوائب في كل يوم كما في الحمى النائبة، أو يوما ويوما لا كما في الغب، أو في أكثر من ذلك من الزمان كما في الربع والخمس والسدس. الرابع (179): الأشياء التي تظهر من بعد، كعلامات النضج. وسميت بذلك لأنها لا تظهر في (180) أول المرض، فمنها ما يدل على نضج مادة مختصة بعضو مخصوص كالنفث، ومنها ما يدل على نضج المواد مطلقا. وخروجه إما من منافذ غير PageVW2P016A محسوسة كالعرق، أو من منفذ محسوس وهو دائما (181) سيال كالبول، أو ليس كذلك كالبراز. وهذه تدل على تلك الثلاثة، إلا أن دلالتها على مرتبة المرض بذواتها، ولا كذلك على النوبة والنظام، فإنها إنما تدل عليهما (182) بتوسط نوع المادة؛ فلذلك لم يستدل أبقراط بها عليهما. قوله: "فإنه إن ظهر النفث فيهم (183) بدئا PageVW1P009A منذ أول المرض" يريد بأول المرض الوقت الأول من أوقاته الأربعة وهو وقت الابتداء، وذلك يدل على قصر المرض، لأنه إنما يكون لسرعة نضج المادة وقبولها PageVW0P017B للاندفاع، وإنما يكون ذلك لقوة القوة وسهولة انتقال المادة فيكون اندفاعها لا محالة سريعا. وإن تأخر ظهوره، كان المرض طويلا لضد (184) ذلك. وإذا ظهر النفث في (185) اليوم الأول من المرض توقع النضج في الرابع والبحران في السابع، # وإن ابتدأ في الثالث أو الرابع ولم ينضج في الرابع نضج في السابع (186) وبحرن في الحادي عشر أو في (187) الرابع عشر PageVW2P016B بحسب قرب النفث والنضج. وإن تأخر النفث عن ذلك فربما تأخر البحران إلى السابع عشر، بل إلى العشرين والرابع والعشرين، بل قد يتأخر إلى الرابع والثلاثين إذا (188) تأخر النفث عن السابع. قوله: "والبول والبراز والعرق إذا ظهرت بعد" الذي يظهر من بعد ليس ذوات هذه بل نضجها. قوله: "فقد تدلنا على جودة بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره" أما دلالة هذه على ذلك (189) فظاهر، وأما أن ذلك ليس دائما فلأن الخارج من هذه قد لا يكون من مادة المرض، فلا يدل نضجه على نضجها، وذلك (190)كما إذا كانت مادة المرض في الرأس مثلا.
[aphorism]
قال أبقراط (191): المشايخ أحمل الناس للصوم،ومن بعدهم الكهول، والفتيان أقل احتمالا له. وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان، ومن كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا له.
[commentary]
الشرح (192): ومن الأشياء التي يختلف بها (193) تقدير الغذاء في المرض والصحة (194) PageVW2P017A السن (195) والشهوة. والأسنان أربعة؛ لأن البدن إن كان آخذا في التزيد في أقطاره الثلاثة فهو في سن النمو، PageVW1P009B وإلا فإن كان ما فيه من الرطوبات (196) وافيا بحفظ حرارته فهو في سن الشباب، وإلا فإن كان مع نقصان ظاهر من القوة فهو في سن الشيوخ، وإلا فسن الكهول. والفتيان هم الذين في آخر سن النمو، وذلك من حين يبقل الوجه، وما دون ذلك الصبيان. وقد ينقسم (197) سن النمو إلى أقسام أخر، نذكرها بعد إن شاء الله تعالى. والصوم يراد به لغة الإمساك عن الأكل مدة مديدة، وبهذا المعنى لا يصدق على PageVW0P018B الشيخ أنه أحمل الناس للصوم فإن المشايخ لا يحتملون تأخر الغذاء لضعف قواهم، والكهول أحمل لذلك منهم. ويراد به الاكتفاء بالغذاء (198) اليسير، والشيخ أحمل لذلك؛ لقلة ما يتحلل من بدنه، لضعف حرارته، ولضعف قوته عن هضم الغذاء الكثير. PageVW2P017B وقوة (199) الشهوة إنما يقل معها احتمال الصوم إذا كانت صحيحة، لأنها إنما تكون كذلك إذا كان البدن كثير الاستعمال للغذاء. وأما الشهوة المرضية فقد يكون ترك الغذاء مدة نافعا فيها، محتملا.
[aphorism]
قال أبقراط (200): ما كان من الأبدان في النشوء، فالحار الغريزي فيه على غاية مايكون من الكثرة، ويحتاج من الوقود إلى أكثر مما (201) يحتاج إليه سائر الأبدان، فإن لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص. وأما المشايخ فالحار الغريزي فيهم قليل (202)، ومن قبل ذلك ليسوا يحتاجون من الوقود إلا إلى اليسير، لأن حرارتهم تطفأ من الكثير، ومن قبل ذلك (203) أيضا ليست (204) تكون الحمى في المشايخ PageVW0P019A حادة كما تكون في الذين في النشوء؛ وذلك لأن أبدانهم باردة.
[commentary]
الشرح (205): هذا الفصل كالمتمم للمتقدم، ولو زيد في أوله "لأن" فقيل: "لأن ما كان من الأبدان في النشوء فكذا وكذا" لحسن (206) ذلك وصار الكل فصلا واحدا. والحار هو ذو الحرارة PageVW2P018A PageVW1P010A وهو الجسم الحامل لها. وأما الحرارة فهي الكيفية المعروفة، وربما تجوز فقيل كل واحد منهما على الآخر. واختلف الأولون في حرارتي الصبي والشاب أيهما أشد، والحق ما قاله جالينوس وهو أن الحرارة فيهما واحدة، لكنها في الصبي فاشية في جسم رطب فتكون كحرارة ماء الحمام، وفي الشباب فاشية في جسم يابس فتكون كحرارة أرض الحمام؛ وقد استقصينا الكلام في (207) مذاهبهم وحججهم في المباحث القانونية فليرجع إليه. واختلفوا أيضا في الحرارة الغريزية، فقيل: هي مزاج الروح. وقيل: هي مزاج البدن كله. وقيل: هي الحرارة PageVW0P019B النارية العنصرية. وقيل: إنها من نوع الغريبة، لكنها إن كانت معتدلة كانت غريزية، وإذا أفرطت صارت غريبة. وقيل: الحرارة واحدة، لكنها (208) بالنسبة إلى فعلها في مادة الغذاء بالإنضاج والهضم وغير ذلك، أو إلى فعلها في الفضول بالإنضاج والدفع تسمى غريزية، وبالنسبة PageVW2P018B إلى فعلها في المادة عفنا وفسادا تسمى غريبة. وهذه الأقوال كلها فاسدة؛ أما الأول والثاني فلأن الحرارة الغريزية كلما ازدادت قوة وشدة ازدادت الأفعال الطبيعية قوة وجودة، يعرف ذلك بحال الأسنان وأوقات السنة. ومزاجا (209) البدن والروح ليسا كذلك، فإن كل واحد منهما إذا زادت (210) سخونته أثر ضررا. وأما الثالث: فلأن آثار الحرارة النارية مباينة لآثار الحرارة الغريزية، ويلزم ذلك تنافيهما بالحقيقة. وأما الرابع: فإن الحرارة الغريزية عند الإفراط إن تغيرت حقيقتها لم تكن الغريبة (211) من نوعها، وإلا لم يكن فعلها مخالفا لما PageVW0P006A كان أولا في نوعه، بل قد (212) يشتد. وأما الخامس: PageVW1P010B فإن الحرارة الواحدة (213) يستحيل أن يصدر عنها في المادة الواحدة أفعالا (214) متنافية، فمحال أن يصدر عنها عفن الفضول وإنضاجها وإصلاحها. والحق أن هذه الحرارة PageVW2P019A مخالفة لغيرها من الحرارات الخمسة (215) وأن اسم الحرارة يقال عليها وعلى غيرها باشتراك الاسم. قوله: "ما كان من الأبدان في النشوء فالحار الغريزي فيهم على غاية ما يكون من الكثرة" الحار الغريزي هو الرطوبة الغريزية التي تقوم بها الحرارة الغريزية، وهذه الرطوبة في سن النشوء إلى النمو في غاية ما يكون من الكثرة، لأن هذه الرطوبة لابد وأن تتحلل على الاستمرار ضرورة مقارنة الأسباب المحللة لها، الداخلة والخارجة. ودوام ملاقاة الفاعل للمنفعل زيادة في التأثر (216)، فلابد وأن يكون التحلل (217) يزداد على الدوام. وما يرد من الغذاء لا يمكن أن يزداد دائما؛ لأن الوارد في كل وقت غير المتقدم، فلا يكون PageVW0P006B فعل القوة في منفعل واحد ، وذلك يوجب كلال القوة لازدياد قوتها، ويلزم ذلك أن يكون الغذاء الوارد في آخر الأمر أقل من المتحلل، وإن كان في أول الأمر أكثر منه، ويلزم ذلك نقصان الرطوبة. وما دام (218) الوارد أزيد PageVW2P019B من المتحلل كان البدن في النمو، فتكون الرطوبات الغريزية حينئذ في غاية الكثرة. فإن قيل: لو صح ما قلتم لوجب أن تكون هذه الرطوبة في آخر سن النمو أزيد مما كانت عند ابتداء الكون (219)، لأجل ازديادها في كل وقت، وذلك باطل، وإلا كانت تكون أبدانهم ألين. قلنا: لا يلزم ذلك أن تكون أبدانهم ألين، لأنها تكون قد تصلبت بفعل الحرارة الغريزية. ثم كون الرطوبات PageVW1P011A فيهم أكثر لا يلزم ذلك (220) أن تكون في المقدار المساوي من أبدانهم لأبدان الأطفال أكثر، بل قد تكون في ذلك المقدار أقل، مع أنها في جملة البدن أكثر، فلا يلزم ذلك أن يكون استيلاء الطبيعة على كل جزء من أبدان المستكملين كاستيلائها على مقدار ذلك الجزء من أبدان الأطفال. قوله: PageVW0P020A ويحتاج من (221) الوقود إلى أكثر مما يحتاج إليه سائر الأبدان؛ سبب ذلك من وجهين: أحدهما: أنهم يحتاجون إلى النمو، وإنما يكون ذلك بغذاء أزيد من المتحلل (222)، ولا كذلك غيرهم. [TH2 20a]. وثانيهما: إن المتحلل (223) من أبدانهم كثير؛ لأجل رطوبتها فتكون الحاجة إلى الخلف أكثر. قوله: " فإذا لم يتناول ما يحتاج إليه من الغذاء ذبل بدنه ونقص" سبب ذلك زيادة التحلل. وسمي الوارد أولا وقودا لأن مراده أولا بيان زيادة الحرارة في أبدانهم، وذلك لا يوجب لذاته زيادة الغذاء من جهة أنه غذاء، بل من جهة أنه وقود. وأما ههنا فمراده بيان (224) حاجتهم إلى خلف المتحلل، وذلك لا يوجب زيادة الوقود، بل زيادة الغذاء. قوله: "وأما (225) المشايخ فالحار الغريزي فيهم قليل" سبب ذلك أن الوارد من الغذاء إذا صار بقدر المتحلل فإن ذلك هو سن الشباب، وحينئذ تكون الرطوبات الغريزية بقدر تحفظ الحرارة الغريزية فقط ولا تفضل للنمو. فإذا صار الوارد أقل، انتقل البدن من سن الشباب إلى سن الكهولة، PageVW0P020B وحينئذ تنقص الرطوبات الغريزية لامحالة على الاستمرار، إلا أن هذا الانتقاص (226) [TH2 20b] لا يكون متشابها بل كل وقت يتزايد؛ وسبب ذلك أن الرطوبة إذا نقصت ضعفت الحرارة الغريزية، ويلزم ذلك ضعف الهضم، PageVW1P011B ويلزم ذلك نقصان الوارد، فيكون نقصانه حينئذ لكلال القوة ولضعف الحرارة. ثم يلزم ذلك استيلاء البلغم والرطوبات الغريبة لأجل ضعف الهضم فيلزم ذلك زيادة انطفاء الحرارة وزيادة ضعف الهضم، فيكون الوارد بعد ذلك أكثر نقصانا. وإذا كان كذلك فإنما ينتقل البدن إلى الشيخوخة إذا صار الحار الغريزي قليلا جدا. قوله: "ومن قبل ذلك أيضا ليس تكون الحمى في المشايخ حادة كما تكون في الذين (227) في النشوء وذلك لأن أبدانهم باردة". أما برد أبدان المشايخ فظاهر؛ وذلك لأجل انحلال (228) الجوهر الهوائي منهم وغلبة الأجزاء الأرضية وكثرة ما يتولد فيهم من البلغم والرطوبات المائية، ويلزم ذلك PageVW0P027A أن تكون حماهم ضعيفة الحرارة؛ لأن الجسم البارد لا يستعد للتسخن كاستعداد (229) الجسم PageVW2P021A الحار. ولكن ههنا إشكال وهو أن أبقراط جعل ذلك لأجل قلة (230) حارهم الغريزي، وذلك لا يلزمه قلة التسخن بالحرارة الغريبة، فإنا بينا اختلاف الحرارتين بالحقيقة، خصوصا واستيلاء الحرارة الغريبة إنما يكون عند قصور الغريزية عن الدفع.
[aphorism]
قال أبقراط (231): الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما تكون بالطبع، والنوم فيهما (232) أطول ما يكون، فينبغي أن يكون ما يتناول من الغذاء في هذين الوقتين (233) كثيرا (234)؛ لأن (235) الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير، ولذلك يحتاج إلى الغذاء (236) أكثر (237)، والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين (238).
[commentary]
الشرح (239): كما يختلف تقدير الغذاء في الأسنان لاختلافها في كثرة الحار الغريزي وقلته، كذلك (240) يختلف في PageVW0P027B الفصول لذلك (241). والجوف يقال في اللغة (242) على التقعير، ويقال في الطب على شيئين، أحدهما: يسمى الجوف الأعلى وهو الحاوي لآلات النفس (243)، [L4 12a] وهو الصدر. وثانيهما: يسمى الجوف الأسفل وهو الحاوي PageVW2P021B لآلات الغذاء. و"الأجواف في الشتاء والربيع أسخن" أما في الشتاء فلأمرين: أحدهما: إن قوة البرد الخارجي يمنع تحلل البخارات الحارة، فتحتبس (244) وتسخن. وثانيهما: إن كل جسم برد ظاهره أو سخن فلابد وأن يكون باطنه بضد تلك الكيفية، وسبب ذلك أن القوة المسخنة أو المبردة التي تكون في الجسم يتوفر فعلها على الأجزاء الباطنة بمنع الكيفية الخارجية إياها عن التأثير في الأجزاء الخارجة، ولا شك أن (245) المنفعل (246) إذا قل (247)، قوى تأثير المؤثر (248) فيه. وأما ما يقال من هرب الحرارة أو البرودة من ضدها فمن الخرافات، فإن الأعراض يستحيل انتقالها من محل إلى آخر. وسخونة الأجواف في الشتاء بهذا الوجه تكون طبيعية، لأنها من فعل الحرارة الغريزية؛ ولهذا قال أبقراط: "أسخن ما تكون بالطبع" وإنما لم (249) يتعرض للسخونة PageVW0P028A الأخرى لأن تلك لا توجب في الهضم قوة يعتد بها بخلاف هذه. وأما في الربيع؛ فلأن الهواء فيه لا يكون من السخونة PageVW2P022A بقدر يبطل فعل الشتاء، فتبقى سخون الأجواف كما كانت في الشتاء أو أقل سخونة بقليل. قوله: "والنوم فيهما أطول (250)" سبب ذلك كثرة الرطوبة الهوائية والبدنية، وزيادة الدم. قوله: "فينبغي في هذين الوقتين أن يكون ما يتناول من الغذاء أكثر" سبب ذلك زيادة الهضم بقوة الحرارة الغريزية وزيادة النوم، فيكون آمن (251) من فساد الغذاء الكثير، ولا كذلك الفصول الأخر. قوله: "وذلك أن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير، ولذلك يحتاج إلى غذاء كثير" هذا دليل آخر (252) على وجوب تكثير الغذاء، وسبب كثرة الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين هو PageVW1P012B قلة ما يتحلل منهما (253) من الرطوبات الغريزية، وذلك يحوج إلى الغذاء (254) أكثر لما بيناه في الأسنان. فإن قيل: لو كان الحار الغريزي في الشتاء أكثر PageVW0P028B لما كثر فيه البلغم وأمراضه. قلنا: ليس كذلك، وذلك (255) لأن البلغم وإن كان تولده في باقي الفصول PageVW2P022B كثيرا إلا أنه يعرض من سبب آخر (256) وهو غليان يحيله إلى طبيعة (257) المرار، وفي الشتاء يبقى على حاله فيكثر وإن كان تولده أقل. وربما ظن أن في هذا تكرار (258)، وليس كذلك، فإن الأول بين (259) فيه زيادة سخونة الأجواف وكثرة الغذاء للأمن من فساده، وههنا بين زيادة سخونة الأبدان جملة وكثرة الغذاء للحاجة إليه. فإن قيل: ينبغي أن يكون الغذاء في الشتاء والربيع أقل، لأن التحلل فيهما أقل. قلنا (260): التحلل وإن سلمنا أنه أقل، إلا أن قلة الدم بسبب تكاثفه بالبرد الخارجي يزيد على قلته بسبب تحليل الصيف. قوله: "والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين (261)". الغرض بذلك الاستدلال على أن كثرة الحار الغريزي في البدن توجب الحاجة إلى زيادة الغذاء.
[aphorism]
قال أبقراط (262): الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين، لا سيما PageVW0P021A الصبيان وغيرهم ممن قد (263) اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة.
[commentary]
الشرح (264): الأغذية الرطبة هي السريعة PageVW2P023A الاستحالة إلى الخلط الذي يرطب البدن بالتغذية، وهو الدم، ويفيد البدن والدم رطوبة أكثر. وهذه هي الأغذية التفهة المائية، كمرقة اللحم وأمراق الفراريج، ودون ذلك ماء الشعير. وهذه توافق جميع المحمومين، لترطيبها المتدارك لتجفيف الحمى ولخلوها عن الكيفيات الضارة كما قد يكون من الحميات كالسعال واعتقال البطن وما أشبه ذلك. والمرطوبون أولى بالانتفاع PageVW1P013A بهذه الأغذية، لأن التحلل بالحمى يكون فيهم أزيد؛ لزيادة قبول الرطوبة للتحليل، سواء كانوا (265) كذلك بالسن كالصبيان، أو بالصنف كالنساء، أو بالعادة كالذين اعتادوا لتناول (266) الأغذية الرطبة.
[aphorism]
قال أبقراط (267): وينبغي أن يعطى بعض المرضى غذاءهم في مرة واحدة، وبعضهم في مرتين، ويجعل ما يعطون منه وأكثر وأقل (268)، وبعضهم قليلا قليلا؛ وينبغي أن يعطى الوقت الحاضر من أوقات السنة (269) حظه من هذا والعادة والسن.
[commentary]
الشرح (270): PageVW2P023B ومما يجب مراعاته في الصحة والمرض مرات الغذاء، والمرضى أولى بوجوب (271) الكلام فيه؛ لأن شهوة الأصحاء في أكثر الأمر تفي بمعرفة الواجب من ذلك. ومواد البدن إما أن تكون زائدة، أو ناقصة، أو لا تكون؛ والأعضاء الهاضمة إما أن تكون قوية، أو ضعيفة، أو متوسطة؛ فيحدث من ذلك تسعة تراكيب، وتقليل (272) الغذاء أو تكثيره (273) إما أن يكون في مقداره، أو في مقدار تغذيته، أو فيهما معا: التركيب الأول: بدن ممتلئ، قوي الهضم: يدبر بالغذاء الكثير المقدار، القليل التغذية PageVW0P022A والعدد. أما كثرة مقداره فلشغل (274) المعدة (275) وتسكين الشهوة، وأما تقليل تغذيته فلئلا يفرط الامتلاء، وأما قلة عدده فلقوة القوة على استيفاء الواجب بالدفعة الواحدة. الثاني: بدن ممتلئ، ضعيف الهضم: يقلل المقدار لضعف الهضم، والتغذية للامتلاء، والمرات لامتلاء البدن وضعف القوة (276). الثالث: بدن ممتلئ، متوسط القوة PageVW2P024A في الهضم (277): يقلل التغذية، مع التوسط في المقدار والعدد. الرابع: بدن خال، قوي الهضم: يكثر المقدار والتغذية والعدد، لأجل الحاجة مع التمكن من الهضم. الخامس: بدن خال (278)، ضعيف الهضم: يقلل المقدار لضعف PageVW1P013B القوة، وتكثر التغذية لأجل الخلاء، والعدد لتتمكن القوة من استعمال الواجب في دفعات. السادس: بدن خال (279)، متوسط قوة الهضم: تكثر التغذية، ويعدل المقدار والمرات. السابع: بدن متوسط في الامتلاء والخلاء، قوي الهضم: يكثر المقدار، وتعدل التغذية PageVW0P022B والمرات. الثامن: بدن متوسط الامتلاء، ضعيف الهضم: يقلل المقدار، وتعدل التغذية والمرات. التاسع: بدن متوسط الامتلاء، متوسط الهضم: يعدل المقدار والتغذية والمرات. وقد يختلف ذلك باختلاف الفصل، والعادة، والسن ،وما أشبه ذلك كالبلد الحار. ففي الصيف يضعف الهضم ويكثر التحلل، فينبغي أن يقلل مقدار أغذية المرضى [TH2 24b] ويزاد في تغذيتها وعددها. والشتاء بالعكس من ذلك، فينبغي أن يكثر مقدار الغذاء، وتقلل التغذية والمرات. والأصحاء يخالفون في ذلك، فيحتاجون إلى تكثير التغذية (280) أيضا، والفرق أن الغذاء في الصحيح ليخلف بدل ما نقص من المادة وهي في الشتاء تقل بسبب التكاثف، والغذاء في المريض، لأجل القوة، والتكاثف لا يضعفها. وأما الربيع فيكثر فيه الامتلاء (281)، لانبساط المواد، والهضم فيه قوي لاعتدال المزاج والهواء، فيكثر المقدار PageVW0P023A ويقلل العدد والتغذية. والخريف يضعف فيه الهضم لاختلاف هوائه (282)، ولتقدم تحليل الصيف. وأما المواد فتكون فيه (283) متوسطة (284) التحلل، فيقلل مقدار الغذاء، ويتوسط (285) في تغذيته (286) وإعداده. وأما العادة فمن اعتاد الوجبة والتثنية لا يجوز له تغيير (287) ذلك في الصحة، لما بيناه في كتبنا في حفظ الصحة (288) وأما في المرض فإن لم يكن اعتيد (289) ذلك لا يفرط في المخالفة. وأما السن فالصبيان مع قوة هضمهم PageVW2P025A يحتاجون إلى النمو فلا تكون رطوباتهم PageVW1P014A زائدة، فينبغي تكثير (290) المقدار والعدد والتغذية. والشباب (291) مع قوة هضمهم متوسطون في الرطوبات، فيكثر المقدار وتعدل التغذية والعدد. والكهول في هضمهم وامتلائهم متوسطون، فيعدل فيهم المقدار والعدد والتغذية. والمشايخ رطوباتهم المحمودة قليلة وهضمهم (292) PageVW0P023B ضعيف، فيكثر فيهم التغذية والعدد ويقلل المقدار.
[aphorism]
قال أبقراط (293): أصعب ما يكون احتمال الطعام على الأبدان في الصيف والخريف، وأسهل ما يكون احتماله عليها في الشتاء، ثم من بعده في الربيع.
[commentary]
الشرح (294): ربما قيل: إن معنى هذا الفصل أكثره قد تقدم في قوله: "الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما تكون بالطبع" فيكون ذكرها ههنا تكرارا، وليس كذلك؛ فإن الأول كان لبيان (295) تقدير الغذاء في الفصول، وهذا لبيان كيفية استعماله فيها مرة أو مرتين أو أكثر، وألفاظ الفصل ظاهرة.
[aphorism]
قال أبقراط (296): PageVW2P025B إذا كانت نوائب الحمى لازمة لأدوارها (297)، فلا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا أو يضطر (298) PageVW0P024A إلى شيء، لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال (299).
[commentary]
الشرح (300): ههنا لما أراد أبقراط نقل الكلام من قوانين التغذية إلى قوانين الاستفراغ ذكر فصلا مشتملا على شيء منهما، كما فعل أولا عند انتقاله من الكلام في الاستفراغ إلى الكلام في التغذية. والغذاء يمنع في أوقات نوائب الحميات ذوات الأدوار لما تقدم، وكذلك الدواء المسهل وما أشبهه (301)، لئلا يجتمع تحريك المرض وتحريك الدواء وإضعافهما معا وتسخينهما معا؛ فلذلك قال: "لا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا" أي شيئا من الغذاء والمحركات القوية، وأما المبردات ومسكنات الصداع وما أشبههما فلابد منها وهي حينئذ أولى. وكان PageVW1P014B ينبغي أن يقول: "وينبغي أن لا يعطى المريض" لكن عبارته في العرف تفيد هذا PageVW0P024B المعنى. قوله: "أو يضطر (302)" معناه إلا أن يضطر (303) إلى شيء من ذلك، PageVW2P026A فحينئذ تجب التغذية (304)، ولو وقت البحران. قوله: "لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات الانفصال" الزيادة (305) هي المواد الزائدة، وأوقات الانفصال فهم (306) منها أوقات الانفصال من النوبة، وهذا ليس بصحيح وإلا كان ذلك أمرا باستعمال المستفرغ في أوقات النوائب. وفهم (307) منها أوقات الانفصال من المرض، وذلك هو وقت البحران، وهذا هو الصحيح، فإن المواد ينبغي أن تقلل قبل البحران لتقل الكلفة على الطبيعة بدفعها.
[aphorism]
قال أبقراط (308): الأبدان التي يأتيها أو قد أتاها بحران (309) على الكمال لا ينبغي أن تحرك (310) ولا أن يحدث فيها حادث، لا بدواء مسهل ولا بغيره من التهيج، لكن تترك.
[commentary]
الشرح (311): البحران في لغة اليونان هو الفصل في الخطاب، PageVW0P025A ونقله (312) الأطباء إلى الانفصال الواقع بين الطبيعة والمرض، ورسموه بأنه تغير عظيم يحدث في المرض إما إلى صحة أو إلى عطب (313). وهذا الانفصال تارة يكون بأن تقهر الطبيعة المرض وتدفعه PageVW2P026B بالتمام وهو البحران الكامل، وتارة بأن تقهره قهرا يتمكن به من قهره بالتمام ببحران آخر وهو البحران الناقص، وتارة بأن (314) تدفعه عن القلب والأعضاء الشريفة إلى بعض الأطراف وهو بحران الانتقال، وتارة بأن يستولي المرض فيفسد البدن بذلك البحران أو ببحران آخر يكون هذا مهيئا له وهو البحران الرديء. والبحران التام (315) ما ينقضي به المرض سواء كان باستفراغ أو بانتقال. قوله: "ولا ينبغي أن يحرك" يريد: ينبغي أن لا يحرك. والتحريك نقل مادة المرض من موضع إلى آخر، كالجذب [L4 15a] بالمحاجم. ويعني بالتهيج: مثل القيء (316) والترعيف والإدرار والتعريق. وإنما ينبغي أن لا يفعل شيء من هذا مع البحران PageVW0P025B الكامل، لأن البدن ينقى من مادة المرض بدفع الطبيعة في ذلك البحران، فلا حاجة إلى تحريكنا (317). ولأن استفراغنا إن وقع موافقا لاستفراغ الطبيعة أفرط وأضعف المريض، وإن وقع مخالفا له شوش فعل الطبيعة، وربما أخر (318) البحران، ولا PageVW2P027A حاجة إلى شيء من ذلك قبل هذا البحران أيضا؛ لأن دفعه كاف (319).
[aphorism]
قال أبقراط (320): الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ، يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل، وبالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
الشرح (321): قد ابتدأ أبقراط بذكر قوانين يجب مراعاتها في كل استفراغ، واشتمل هذا الفصل على ذكر قانونين (322) منها (323): أحدهما (324): إنه يجب استفراغ المواد من الجهة التي هي إليها أميل، فمادة الغثيان تستفرغ بالقيء، والرمل بالإدرار، والمغص بالإسهال. وإنما كان كذلك لأن استفراغ المواد من الجهة PageVW0P026A التي هي إليها أميل (325) أسهل وأقل كلفة على الطبيعة؛ لأن المواد تكون بالطبع متحركة إلى حيث تؤخذ (326) بالدواء. ويجب أن يراعى في ذلك شروط: أحدها: أن لا يلزم ذلك تضرر (327) عضو رئيس بعبور المادة عليه، فلو مالت الصفراء في الحمى إلى الدماغ منعناها بالحقن والإسهال ولا يطلب استفراغها بالتعطيس والترعيف لئلا يتضرر الدماغ. وثانيها: أن لا يلزم ذلك PageVW2P027B تضرر عضو شريف، فلو مالت نزلات الرأس إلى جهة الصدر جذبناها إلى الأنف، ولا نطلب استفراغها بالتنفيث خوفا من تضرر الرئة. وثالثها: أن لا يلزم ذلك تضرر عضو قوي الحس، فلو مالت مواد الرأس إلى العينين جذبناها إلى النقرة بالمحاجم وغيرها، ولا نطلب استفراغها PageVW1P015B بالدموع خوفا على العينين. ورابعها: أن لا يلزم ذلك ضرر عام بالبدن وإن كان العضو الذي مالت إليه خسيسا، كما لو مالت مواد الرأس إلى الحلق، فإنا نردعها ونحركها إلى جهة أخرى خوفا من انسداد مجرى النفس أو الغذاء. وأما القانون الثاني: فهو أن استفراغ المواد ينبغي أن يكون من الأعضاء PageVW0P026B التي تصلح لاستفراغها، لأن ما لا يصلح لذلك لا يكون خروج المادة منه سهلا. وتتم هذه الصلاحية بأمور: أحدها: أن يكون العضو مشاركا للمستفرغ منه فلا تستفرغ مواد الأمعاء من المثانة وإن تقاربا في المكان. وثانيها: أن تكون هذه المشاركة قريبة PageVW2P028A فلا تستفرغ مواد الكبد من القيفال، بل من الباسليق. وثالثها: أن يكون العضو المخرج منه محاذيا للمأووف، فلا يرعف المنخر الأيسر لأمراض الكبد، بل لأمراض الطحان، وللكبد الأيمن (328). ورابعها: أن يكون العضو المخرج منه أخس (329) وأصبر على مرور المادة وخاليا عن مرض يخشى ازدياده، فلا تسهل مع سحج الأمعاء. وخامسها: أن لا يكون خروج المادة من هناك منافيا للأمر الطبيعي، فلا تجذب مادة الحصى إلى فوق.
[aphorism]
قال أبقراط (330): إنما ينبغي أن يستعمل الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض، فأما ما دام المرض (331) في (332) أول الأمر فلا ينبغي (333) PageVW0P029A أن يستعمل (334) ذلك إلا أن يكون المرض مهياجا (335)، وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون المرض مهياجا (336).
[commentary]
الشرح (337): هذا هو القانون الثالث، وهو أن استفراغ المواد ينبغي أن يكون بعد النضج، والنضج إحالة الحرارة للجسم ذي الرطوبة إلى موافقة الغاية المطلوبة، فنضج الثمرة أن تصير بحيث تصلح لتوليد المثل، ونضج الغذاء أن يصير بحيث PageVW2P028B يصلح PageVW1P016A لأن يسد بدل المتحلل، ونضج الطعام أن يصير بحيث يصلح لأن يؤكل، وذلك بأن (338) يطيب أكله، ونضج الفضول أن تصير بحيث تصلح لأن تندفع، وذلك بأن تعتدل قوامها فيلطف غليظها ويغلظ رقيقها ويقطع لزجها. وإذا أطلق الأطباء لفظة الدواء أرادوا المستفرغ. والاستفراغ قد يقصد به تنقيص المادة، فلا يجب فيه انتظار النضج إلا أن تكون المواد شديدة الغلظ واللزوجة. وقد يقصد به استئصالها، فإن كان المرض مزمنا وجب انتظار النضج، وإن كان PageVW0P029B حادا فالأكثرون على أن انتظاره أولى، خصوصا إذا كانت المادة في تجويف المفاصل أو مداخلة (339) للأعضاء أو بعيدة، كما إذا كانت بقرب الجلد أو كانت عقيب تخم، اللهم إلا أن يكون المرض مهياجا فتكون المبادرة إلى الاستفراغ أولى لأن التضرر (340) الواقع من حركة المادة المهياجة أعظم كثيرا من استفراغها غير نضيجة. والمرض المهياج (341) هو الذي مواده PageVW2P029A شديدة التحرك (342) من عضو إلى آخر، وإذا كانت هذه المواد رقيقة، كان وجوب المبادرة أولى لأن الرقيق أسرع انفعالا وأسهل حركة، وخصوصا إذا كانت مع ذلك في تجاويف العروق، فيكون انجذابها بالأدوية أسهل. وقال بعضهم: إن المبادرة إلى الاستفراغ في جميع الأمراض الحادة أولى، واحتج (343) بالتجربة والقياس، وهو أن مواد هذه الأمراض رقيقة فلا مانع من خروجها، فلا وجه لإطالة المرض بانتظار النضج، وإذ لا حاجة إلى (344) النضج فلا حاجة إلى تقليل الغذاء الذي إنما PageVW0P030A أوجبتموه (345) ليسهل تمكن PageVW1P016B الطبيعة من الإنضاج. الجواب: أما التجربة فمعارضة بتجربتنا وتجربة الفضلاء قبلنا، فإنهم شاهدوا أن النقاء (346) وكمال الصحة يكونان عند الاستفراغ الواقع بعد النضج أتم. وأما القياس فلأن رقة المواد مانعة أيضا من سهولة خروجها، ولولا ذلك لوجب حصول النفث في ذات PageVW2P029B الجنب من أول يوم، وكذلك (347) كان الرسوب يعرض في البول في الأمراض الحادة في (348) أول يوم؛ ولما لم يكن كذلك علمنا أن الطبيعة إنما تتمكن (349) من الدفع التام بعد نضج المادة، وإن كانت رقيقة فالأولى أن يكون الفعل الصناعي كذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (350): ليس ينبغي أن يستدل على المقدار الذي يجب أن يستفرغ من البدن من كثرته، لكنه ينبغي أن يستغنم الاستفراغ ما دام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الشيء (351) الذي يستفرغ والمريض محتمل له بسهولة وخفة. وحيث ينبغي [C5DK4 30b] فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي، وإنما ينبغي أن يفعل ذلك متى كان المريض محتملا له.
[commentary]
الشرح (352): هذا هو القانون الرابع، وهو إخراج المقدار الواجب إخراجه، ولا يدل على ذلك مقدار الخارج دلالة بينة، فإن الامتلاء قد يكون مفرطا فلا يدل الخارج مع كثرته على النقاء، لكن يدل على ذلك أمور قد ذكر أبقراط منها ههنا أمرين: أحدهما: أن ينتهي الاستفراغ إلى إخراج غير النوع المقصود استفراغه PageVW2P030A فدل (353) ذلك على فراغ البدن من ذلك الخلط، لأن الدواء إنما يجذب غير المادة المختصة به إذا لم يبق في البدن من تلك المادة ما يتمكن من إخراجه، وخصوصا إذا انتهي الأمر إلى إخراج ما لا يناسب تلك المادة (354)، وخصوصا (355) PageVW1P017A إذا انتهي إلى إخراج ما هو غليظ جدا (356) كالسوداء، فإن الدواء بعد فراغه من جذب ما يختص به يجذب ما يشاركه في الرقة والكثرة، ولا يزال كذلك حتى يجذب الغليظ والمنافي. وثانيهما: PageVW0P036A ما دام البدن يحتمل الاستفراغ بسهولة وخفة فلا إفراط، إذ الإفراط إنما (357) يكون بخروج النافع، وذلك لا محالة مما يشق على الطبيعة ويلزمه ضرر. قوله: "وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي" يريد الغشي العارض عن كثرة الاستفراغ، أما العارض عن جزع المريض من الفصد مثلا، وعن (358) خلط ينصب إلى فم المعدة، فلا يكون غاية للمقدار الواجب. قوله: "وإنما ينبغي أن يفعل ذلك متى كان المريض محتملا له" معناه [TH2 30b] وإنما ينبغي أن يبالغ في (359) الاستفراغ إلى حد الغشي متى كان المريض (360) محتملا للغشي؛ وأما إذا لم يكن كذلك كالذين يعسر عود قوتهم بعد الغشي، فلا ينبغي أن يفعل بهم ذلك، وهؤلاء كأصحاب القلوب الضعيفة.
[aphorism]
قال أبقراط (361): قد يحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أن يستعمل الدواء المسهل في أولها، وإنما ينبغي أن يفعل ذلك بعد أن يتقدم فيتدبر الأمر على ما ينبغي. PageVW0P036B
[commentary]
الشرح (362): في هذه الصورة لا تجوز المبالغة في الاستفراغ إلى الغشي، لأنا إنما نستفرغ في أول المرض حيث القوة مقهورة بالمادة وذلك مانع من زيادتنا (363) في ضعفها بالغشي؛ فلهذا (364) ذكر هذا الفصل ههنا وأشار فيه إلى قانون، وهو أن الاستفراغ إنما ينبغي أن يكون بعد التقدم بتدبير الأمر على ما ينبغي، أي تهيئة المادة لسهولة (365) الخروج بالترطيب والإزلاق وتهيئة المجاري بالتفتيح وتليين الطبيعة وغير ذلك. [L4 17b] ووجوب هذا في مثل هذا الاستفراغ أولى لأنه في غير وقته. PageVW2P031A ويحتاج إلى الاستفراغ في أول المرض في أحوال: أحدها: أن يكون المرض مهياجا (366) كما بيناه. وثانيها (367): أن تكون المادة مفرطة الكثرة فلا يؤمن استيلائها على القوة. وثالثها: أن تكون القوة شديدة الضعف، فلا يبقى مع تلك المادة مدة النضج. ورابعها: أن تكون المادة شديدة الرداءة، فيخشى من إفسادها (368) في مدة النضج. وخامسها: PageVW0P037A أن تكون المادة دائمة الانصباب إلى العضو المأووف. وسادسها: أن يكون العضو مما يشتد تضرره بطول بقاء المادة فيه وإن كانت قليلة، كما يفجر خراج (369) المخرج قبل النضج خشية من الناصور (370). وسابعها: أن يكون المراد بالاستفراغ تقليل (371) المادة. وهذه الأحوال كلها نادرة، والأكثر تأخير الاستفراغ.
[aphorism]
قال أبقراط (372): إن استفرغ (373) البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، نفع ذلك واحتمل بسهولة؛ وإن كان الأمر على ضد ذلك، كان عسيرا.
[commentary]
الشرح (374): هذا تقدم بحثه فيما سلف، وإنما ذكره أبقراط ههنا PageVW2P031B لتكملة القوانين التي يجب مراعاتها في الاستفراغات، وهذا القانون هو أن الاستفراغ ينبغي أن يكون من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن.
* تمت المقالة الأولى من كتاب شرح فصول أبقراط (375)
المقالة الثانية من كتاب شرح فصول أبقراط (1)
[aphorism]
قال أبقراط (2): إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا، فذلك من علامات الموت؛ * وإذا كان النوم ينفع، فليس ذلك من علامات الموت (3).
[commentary]
الشرح (4): إن تفصيل هذا الكتاب إلى مقالات سبع ليس من فعل أبقراط فيما أظن، فإن أول المقالات مرتبط بآخر ما قبلها (5)، بل ذلك من فعل الشراح، ونحن لا نلتزم ذلك. وهذه الصورة من الصور PageVW1P018A التي يجب المبادرة فيها إلى الاستفراغ قبل النضج، لأن النوم إنما يضر في الأمراض إذا كانت المواد كثيرة شديدة الرداءة، حتى يكون القدر (6) اليسير (7) الذي يتوجه منها إلى داخل البدن عند النوم بحيث يقهر الطبيعة ويؤذيها. وإنما يكون كذلك (8) إذا كانت الطبيعة في غاية الضعف والانقهار، PageVW0P031A إذ القوى تكون في غلبة (9) النوم قوية مجتمعة، والمتحرك من المواد الرديئة إلى الباطن قليل لأن تحركها PageVW2P032A إلى هناك إنما هو تبع للمواد الصالحة. وإذا كان القدر اليسير من المادة يغلب الطبيعة، فالظاهر أنها تغلب عند مقاومة جميع المادة عند البحران، وخصوصا والطبيعة حينئذ تكون قد زادت ضعفا بطول مقاساة (10) المرض؛ فلذلك يدل على الموت. وأما إذا كان النوم ينفع (11)، أعني إذا كان ينفع في حالة كانت المواد كثيرة ورديئة، بحيث لو كانت القوة ضعيفة لكان النوم ضارا، فإنه حينئذ لا يدل على الموت، أي أن (12) رداءة الأخلاط وكثرتها لا تدل حينئذ على الموت؛لأن نفع النوم حينئذ إنما يكون إذا كانت الطبيعة بحيث تقوى على مقاومة ما يتحرك في النوم إلى داخل من تلك المواد الرديئة ويقهر شره؛ وذلك -مع كونه لا يدل على الموت- فليس أيضا يبلغ إلى أن يكون علامة صالحة، لأن غلبة الطبيعة عند PageVW0P031B قوتها لليسير من المادة لا يلزمه أن تكون الطبيعة مستولية على جميع PageVW2P032B المادة. والمراد ههنا بكون النوم ينفع أو يضر أنه يكون في ذلك أزيد من القدر (13) المعتاد في الأمراض، فإن من النوم ما ينفع في الأمراض دائما، وهو ما [L4 18b] يكون عند انحطاط # النوبة أو عند البحران أو عند انحطاط (14) المرض لأن الطبيعة تتدارك به ما حصل بالمرض من الضعف وتطلب (15) القوة بالاجتماع اليسير (16) عند النوم. ومنه ما يضر دائما، كالنوم في منتهي النوائب، فإنه يطول النوبة ويغلظ المادة. وأضر منه النوم في تزيد النوائب، وأضر منه النوم في ابتدائها. وكذلك أيضا نوم الليل محمود نافع، ونوم النهار بالضد.
[aphorism]
قال أبقراط (17): إذا سكن النوم اختلاط الذهن، فتلك علامة صالحة.
[commentary]
الشرح (18): لا شك أن مطلق النفع لا يدل في النوم على صلاح، PageVW0P032A وأما مثل هذا النفع فدلالته على الصلاح ظاهرة، لأن هذا إنما يكون إذا كان استيلاء الطبيعة شديدا حتى تصلح المادة في المدة اليسيرة إصلاحا يوجب سكون الأخلاط، فإن الظاهر حينئذ أنها تقوى على إصلاح المادة جميعها ودفعها في المدة التي PageVW2P033A من شأن الطبيعة أن تشتغل فيها بذلك في الأمراض.
[aphorism]
قال أبقراط (19): النوم والأرق كلاهما (20) إذا جاوز كل واحد منهما المقدار (21) القصد، فتلك علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (22): يمكن أن يكون أبقراط أراد أن ذلك علامة رديئة مطلقا لدلالة ذلك على قوة السبب الموجب لكل واحد منهما. أما النوم فلإفراط (23) برد الدماغ أو لرطوبته (24)، المحدثان لغلظ الروح، المانع من انتشاره، الذي لابد منه في اليقظة؛ أو فرط تحلل الروح حتى تقل عن الوفاء بحفظ القلب مع الانتشار في اليقظة. PageVW0P032B وأما الأرق فلإفراط اشتعال الروح وحدة الأبخرة الصاعدة إليه. ويمكن أن يكون أراد أن ذلك علامة رديئة في الحالة المذكورة أولا، وهي الحالة التي تكون المواد فيها كثيرة رديئة PageVW1P019A بحيث تحوج إلى المبادرة إلى الاستفراغ؛ فإن كثرة النوم حينئذ تكون لغلبة (25) البلغم والأبخرة المائية على تلك الأخلاط، وضعف الدماغ، حتى يقبل الأبخرة. وكثرة السهر لحدة تلك المواد وحرارة PageVW2P033B ما يتصعد منها.
[aphorism]
قال أبقراط (26): لا الشبع ولا الجوع ولا غيرهما من جميع الأشياء بمحمود (27) إذا كان مجاوزا للمقدار (28) الطبيعي.
[commentary]
الشرح (29): يريد بالشبع (30): الامتناع (31) من الطعام. وبالجوع: زيادة الشهوة. وإفراط كل واحد من ذينك (32) إنما يكون لإفراط (33) سببه، فإفراط (34) الشبع لإفراط الامتلاء، أو حرارة المعدة، أو ضعف حس فمها، PageVW0P033A أو ضعف جذب الكبد. وإفراط الشهوة لبرد المعدة، أو فرط إحراقها (35)، أو انصباب خلط حامض إليها. وكون (36) ذلك ليس بمحمود (37)، ظاهر؛ وإنما لم يقل (38) أنه رديء لأنه قد لا يكون دليلا رديئا في المرض، كالشبع الكائن في أوائل الحميات، والجوع الكائن في أواخرها. قال أبقراط (39): الإعياء الذي لا يعرف له سبب، ينذر بمرض.
[commentary]
الشرح (40): الإعياء كلال يعرض للأعضاء، أكثره عن الحركة المفرطة، ويسمى الإعياء الرياضي. وقد يعرض ابتداء، ويسمى الإعياء الذي لا يعرف له سبب، وحدوثه عن كثرة المواد الممددة (41) للعضل والمثقلة لها، وهذا هو الذي ينذر بالمرض. ويحدث PageVW2P034A كثيرا عقيب النوم القاصر؛ فلذلك صلح إيراد هذا الفصل عقيب الكلام في النوم. ويمكن أيضا أن يكون ذكره ههنا لدلالة PageVW0P033B الإعياء على الامتلاء، المحوج إلى الاستفراغ.
[aphorism]
قال أبقراط (42): من يوجعه شيء من بدنه ولا يحس بوجعه في أكثر حالاته، فعقله مختلط.
[commentary]
الشرح (43): كما أن الإنسان قد يحس بألم التعب، ولا تعب كذلك قد يكون له سبب مؤلم ولا يحس به لآفة في ذهنه، والوجع إحساس بالمنافي من حيث PageVW1P019B هو مناف، وإنما يتم هذا الإحساس إذا لم يدم المنافي دواما يبطل القوة الحافظة للحالة الملائمة. وإنما قلنا من حيث هو مناف، لأن الشيء المنافي قد يكون له أحوال تلائم من جهة ما، فإذا أحس به من تلك الجهة التذ به كما يلتذ بأكل الفاكهة الضارة. فإن قيل: إذا كان الوجع هذا، لم يصح قول أبقراط: "من يوجعه شيء من بدنه ولا يحس بوجعه" فإنه إذا لم يحس بوجعه (44)، كيف يوجع؟ قلنا: مراده بذلك: من يوجعه شيء في ظننا، [C5DK4 34a] أي من يوجد له سبب يوجع مثله عادة، كجراحة أو PageVW2P034B ورم. وكون ذلك لا يحس به قد يكون لبطلان حس العضو، وقد يكون لوجود وجع أشد منه، وقد يكون لاختلاط الذهن. والفرق أن الأول لا يوجع البتة ولا يحس بغيره، والثاني يكون معه الوجع القوي، ولو انعكس الحال فصار الأول أشد أحس به (45) ولم يحس بالآخر، والثالث يحس به وقتا ما وهو عند سكون الاختلاط (46).
[aphorism]
قال أبقراط (47): الأبدان التي تهزل في زمان طويل، فينبغي أن تكون إعادتها بالتغذية إلى الخصب بتمهل؛ والأبدان التي ضمرت في زمان (48) يسير، ففي زمان (49) يسير تخصب (50).
[commentary]
الشرح (51): كما أن دوام المنافي قد يبطل الشعور به فلا تدافع القوى الحساسة (52) سببه مدافعة تامة، كذلك يعرض هذا في القوى الطبيعية، فلذلك لا يسهل إعادة الخصب بسرعة إذا كان عروض الهزال [C5DK4 34b] بالتدريج، ولأن الهزال إنما يكون إذا كان الغاذي أقل من المتحلل، ودوام ذلك مما يضعف القوى ويجفف المزاج فلا يعود الخصب سريعا.
[aphorism]
قال أبقراط (53): الناقه من PageVW2P035A المرض إذا كان ينال من الغذاء وليس يقوى به، فذلك يدل على أنه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل؛ وإذا كان كذلك وهو لا ينال منه، PageVW1P020A فاعلم أن بدنه (54) يحتاج إلى الاستفراغ (55).
[commentary]
الشرح (56): من جملة من ينبغي أن يكون عوده إلى الخصب بتمهل، الناقه؛ لكن هذا الناقه ينبغي أن ينقص مما في بدنه بالاستفراغ لما سيقوله أبقراط. قوله: فإن كان ذلك وهو لا ينال # من الغذاء. أي لا ينال (57) منه أكثر مما (58) يحتمله. ومن شأن الغذاء التقوية، فإذا لم يقو الناقه فهناك مانع، وفي الغالب هو زيادة في الغذاء أو في الخلط (59).
[aphorism]
قال أبقراط (60): PageVW0P035A كل بدن تريد تنقيته فينبغي أن تجعل ما تريد إخراجه يجري منه (61) بسهولة.
[commentary]
الشرح (62): استفراغ بقايا المواد يسمى تنقية ، وإخراج اليسير وخصوصا مع ضعف القوى والبدن حتى لا يمكن إيراد أدوية قوية كما في الناقه عسر، وإنما يسهل إذا جعل ما يريد إخراجه يجري بسهولة، وذلك بتفتيح المجاري، وإكمال النضج، وتليين الطبيعة.
[aphorism]
قال أبقراط (63): البدن PageVW2P035B الذي ليس بالنقي كلما غذوته زدته شرا.
[commentary]
الشرح (64): سبب ذلك أن المادة الرديئة تحيل الوارد من الغذاء إلى طبيعتها فيزداد، وذلك موجب لزيادة الشر ومانع من تقوية البدن كما في الناقه المذكور، فيجب الاستفراغ ليمكن التقوية.
[aphorism]
قال أبقراط (65): PageVW0P035B لأن يملأ البدن من الشراب أسهل من أن يملأ من الطعام.
[commentary]
الشرح (66): كلما كان الغذاء ألطف كان انفعاله وتحلله أسهل، فيكون تضرر البدن الذي ليس بالنقي به (67) أقل، فلذلك إنما ينبغي أن يغذى (68) الناقه المحتاج إلى الاستفراغ (69) بما هو ألطف. ومفهوم (70) الشراب في اصطلاح الأطباء هو الخمر، وهو مع لطافته تتلقاه الطبيعة بالقبول، فيكون الامتلاء منه أسهل.
[aphorism]
قال أبقراط (71): البقايا التي تبقى من الأمراض بعد البحران من شأنها أن تجلب عودة من المرض.
[commentary]
الشرح (72): المراد بالبقايا التي PageVW1P020B تبقي من مواد الأمراض، وهذه تجلب (73) عودة من المرض، لأنها إنما تبقى بعد البحران لعجز الطبيعة عن دفعها (74). ومن شأن هذه المواد [TH2 36a] إحالة الوارد إلى طبيعتها فتكثر وتفعل ما كانت تفعله وهي كثيرة، وهو المرض المتقدم. وإنما PageVW0P038A لم يقل أبقراط ههنا (75): "التي تبقى في (76) الناقهين" وإن كان الغرض بهذا الفصل بيان وجوب استفراغ الناقه المتقدم ذكره لأن غرضه أن ينتقل إلى الكلام في البحران.
[aphorism]
قال أبقراط (77): إن (78) من يأتيه البحران، قد يصعب عليه مرضه في الليلة التي قبل نوبة الحمى التي يأتي فيها البحران، ثم في الليلة التي بعدها يكون أخف على الأمر الأكثر.
[commentary]
الشرح (79): كل بحران سواء كان مذموما أو محمودا، تاما أو ناقصا، فمن شأنه صعوبة المرض قبله، وحصول خفة بعده. فأما الصعوبة فلأجل المقاتلة (80) التي تجري بين الطبيعة والمرض، التي يعقبها البحران. وأما الخفة فلأجل إعراض الطبيعة عن المقاتلة (81) بعد البحران، أما في المحمودة فلانتصارها، وأما في المذموم فليأسها عن المقاومة؛ ولذلك ربما صح ذهن بعض المرضى عند قرب الموت، وربما عرض PageVW0P038B لبعض المرضى (82) قوة على [TH2 36b] الحركة. وأما أن تلك الصعوبة في الليلة المتقدمة على نوبة البحران وإن نال (83) الخفة في الليلة التي بعدها فهو في أكثر الأمر، فإن الليل من شأنه أن تشتد فيه الأمراض لاشتغال الطبيعة فيه (84) بالمرض عن كل شيء، وعند قرب البحران يكون اشتغالها فيه أكثر، فتظهر الصعوبة، وبعده تظهر الخفة للأعراض (85).
[aphorism]
قال أبقراط (86): عند استطلاق البطن قد ينتفع باختلاف ألوان البراز، إذا لم يكن تغيره (87) إلى أنواع منه رديئة.
[commentary]
الشرح (88): إذا أسهل البطن PageVW1P021A فخرجت ألوان من (89) البراز، فتلك الألوان إما أن تكون بخروج (90) أخلاط محمودة أو مذمومة أو بغير (91) أخلاط. الثاني هو الذي ينتفع به، لأن خروج الرديء نافع، والأول يضر لأجل خروج المحمود. والثالث لا ينتفع به أيضا، لأنه يعقب العطب (92). ومثاله أن يكون الإسهال صديديا وذوبانيا (93) وخراطة، PageVW0P039A فإن خروج ذلك، وإن نفع لرداءته، ولكن إذا لم يعقب PageVW2P037A الشيء نفعا، لا يقال في العرف أنه منتفع به.
[aphorism]
قال أبقراط (94): متى اشتكى الحلق، أو خرجت في البدن بثور أو خراجات، فينبغي أن تنظر وتتفقد ما يبرز من البدن، فإن (95) كان الغالب عليه المرار، فإن البدن -مع ذلك- عليل، وإن كان ما يبرز من البدن مثل (96) ما يبرز من البدن الصحيح، فكن على ثقة من التقدم على أن تغذو (97) البدن.
[commentary]
الشرح (98): إذا تحرك إلى الحلق أو الجلد (99) مادة، فتارة يكون ما حصل هناك هو جملة تلك المادة، فيكون البدن نقيا، وتكون على ثقة من تغذيته فلا تغير التدبير عن حال الصحة تغييرا كثيرا. وتارة يكون ذلك بعضها، ويكون البدن غير نقي منها، فيكون عليلا، أي مأووفا فلابد من تقليل غذائه، فإن غير النقي يزيده الغذاء شرا. ويفرق بين الأمرين حال ما يبرز من البدن من البراز والبول والعرق وغير ذلك، فإنه PageVW0P039B إن كان كما كان في حال الصحة، فالبدن نقي. إذ مهما كان في البدن (100) PageVW2P037B مادة فضلية، ففي الغالب لابد وأن تدفع الطبيعة شيئا منها في المندفعات بالطبع؛ ولذلك (101) أمكن الاستدلال بالخارج على (102) حال البدن.
[aphorism]
قال أبقراط (103): متى كان بإنسان (104) جوع، فلا ينبغي أن يتعب.
[commentary]
الشرح (105): كما أن من الأبدان ما (106) لا يجوز تغذيتها إلا PageVW1P021B بعد تنقيص رطوباتها، * كذلك منها ما لا يجوز تنقيص رطوباتها (107) إلا بعد تغذيتها؛ كمن به جوع، فإنه ينبغي أن لا يتعب؛ لأن أعضاءه تكون خالية من الرطوبات، فيجففها التعب، وغير التعب من الاستفراغات أولى بالمنع.
[aphorism]
قال أبقراط (108): متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة، كثير (109)؛ فإن ذلك يحدث مرضا، ويدل على ذلك برؤه.
[commentary]
الشرح (110): PageVW0P040A في بعض النسخ "كثير" بالرفع ومعناه: غذاء كثير خارج عن الطبيعة. وفي بعضها "كثيرا" بالنصب، معناه: غذاء خارج عن الطبيعة خروجا كثيرا. وكلاهما إذا ورد على البدن أحدثا المرض، أعني بذلك في أكثر الأمر، لأن الكثرة مع الرداءة، أو الرداءة المفرطة في أكثر الأمر، تعجز الطبيعة عن التصرف الجيد في PageVW2P038A الغذاء، فيفسد ويولد المرض. ويدل على ذلك المرض، أي على نوعه، برؤه بما يورد فإنه إن برئ بالأشياء الباردة مثلا فالمرض حار، وبالعكس؛ لأن علاج الأمراض بالضد. وما ذكرناه عام في الأبدان كلها، لكن الذين عرض لهم جوع مفرط أو طويل (111) المدة يتضررون بمثل هذا الغذاء أكثر، لأن قواهم المتصرفة في الغذاء تكون قد ضعفت؛ ولذلك يكثر الوباء إذا عرض الخصب بعد الجدب.
[aphorism]
قال أبقراط (112): ما كان من الأشياء يغذو سريعا دفعة، فخروجه PageVW0P040B أيضا (113) يكون سريعا.
[commentary]
الشرح (114): الأشياء التي تغذوا سريعا كمرقة اللحم، ومح بيض الدجاج النيمرشت، والشراب، من شأنها أيضا الخروج من المعدة ومن الأمعاء ومن البدن كله سريعا، لأنها إنما (115) تغذوا سريعا لسهولة قبولها للانفعال، فيكون قبولها للتحلل بسهولة، وكذلك الغذاء البطيء التغذية، بطيء PageVW1P022A التحلل؛ وينعكسان كليا (116). ويعرف PageVW2P038B من هذا أن الجائع إذا أراد الحركة، فينبغي أن يغذى بما تسرع تغذيته، ليسرع ترطيبه ويتمكن من الحركة سريعا لسرعة انحدار الغذاء.
[aphorism]
قال أبقراط (117): إن التقدم بالقضية في الأمراض الحادة، بالموت كانت أو بالبرء، ليست (118) تكون على غاية الثقة.
[commentary]
الشرح (119): دلالة العلامات الدالة على السلامة أو العطب في الأمراض الحادة غير موثوق بها؛ لأن مواد الأمراض PageVW0P041A الحادة متحركة، فقد تكون بعيدة عن (120) القلب فتدل العلامات على السلامة، فتتحرك إلى قرب القلب ويعرض العطب، وبالعكس. وإذا كان المرض مهتاجا، كانت هذه الدلالة أصعب؛ لأن حركة المواد تكون أكثر وأسرع. ولا كذلك (121) الأمراض المزمنة، فإن موادها ساكنة. وأما العلامات الصحية فأولى بالقوة، لعدم حركة المواد فيها البتة.
[aphorism]
قال أبقراط (122): من كان بطنه في شبابه لينا، فإنه إذا شاخ يبس بطنه. ومن كان في شبابه يابس PageVW2P039A البطن (123)، فإنه إذا شاخ لان بطنه.
[commentary]
الشرح (124): في غالب الأمر، إنما يكون الشباب لين البطن إذا كان المندفع إلى أمعائه (125) من الصفراء كثيرا، فإذا (126) شاخ نقص ذلك لا محالة، فيبس بطنه. أي أنه يبس عما كان، لا أنه (127) يصير أيبس من المعتاد في الصحة. وكذلك - في الغالب- إنما يكون الشاب (128) PageVW0P041B يابس البطن إذا كان الوارد من الغذاء قليلا، بسبب قلة شهوته؛ وذلك لإفراط حرارة معدته، فإن المعدة القوية الحرارة توجب زيادة في شهوة الماء (129) لا في شهوة الغذاء، # فإذا شاخ نقصت تلك الحرارة، فنهضت شهوة الغذاء (130) فيكون الوارد من الماء (131) أكثر، مع أن الهضم أقل، وذلك يوجب لين البطن. والعلامتان مع طول زمانهما PageVW1P022B صادقتان في الأكثر، وذلك يدل على قوة علامات الصحة جدا.
[aphorism]
قال أبقراط (132): شرب الشراب يشفي من الجوع.
[commentary]
الشرح (133): يريد بالجوع، الجوع (134) الذي هو مرض، وهو الجوع الكلبي، وهو في (135) الأكثر يحدث عن خلط حامض أو برد مكثف، PageVW2P039B والشراب يشفي من ذلك بتسخينه اللطيف وعطريته وتقويته، مع إنضاجه للبلغم (136) وتلطيفه له وإحداره إياه وإزلاق السوداء المحدثة لذلك وتلطيفها، وخصوصا إذا كان PageVW0P042A هذا الشراب حلوا (137)، فإن القابض والعفص ربما زادا في الشهوة، وخصوصا إذا كان عتيقا، واستعمل صرفا، وكانت الأغذية معه حلوة دسمة. وهذا يحقق ما قلنا من (138) أن الحرارة تنقص الشهوة، والبرد يقويها.
[aphorism]
قال أبقراط (139): ما كان من الأمراض يحدث من الامتلاء، فشفاؤه يكون بالاستفراغ. وما كان منها يحدث من الاستفراغ، فشفاؤه يكون بالامتلاء؛ وشفاء سائر الأمراض يكون بالمضادة (140).
[commentary]
الشرح (141): لما كان الشراب وهو (142) حار يشفي من الجوع، وشفاء (143) الأمراض بالضد، كان الجوع عن برد، ويدل على هذه القاعدة الاستقراء، ولذلك كثر أبقراط الأمثلة فيها. فإن قيل: لو كان كذلك، لما كان القولنج، وهو مرض بارد، PageVW2P040A يداوى بالمخدرات وهي باردة، ولا (144) كان التمدد يبرأ بصب الماء البارد، ولا الحمى الصفراوية بالمحمودة وهي شديدة الحرارة، PageVW0P042B ولا القيء يبرأ بالقيء، ولا الإسهال بالإسهال. قلنا: ليس ذلك بمناف، فإن المعالج بالمخدرات إنما هو وجع القولنج، لا السدة، وهو علاج PageVW1P023A بالضد. وبرء التمدد بصب الماء البارد، وإنما هو لتقوية الحرارة الغريزية، فيتوفر فعلها على الباطن، وذلك علاج بالضد. ونفع المحمودة، لا لحرارتها، بل لاستفراغها الصفراء. وكذلك القيء والإسهال، لكونهما (145) يخرجان المادة الفاعلة للقيء والإسهال، وكل ذلك علاج بالضد.
[aphorism]
قال أبقراط (146): إن البحران يأتي في الأمراض الحادة في أربعة عشر يوما.
[commentary]
الشرح (147): لكل مرض مدة في مثلها يمكن إيراد الضد الذي به الشفاء، ولولا ذلك لأمكن برء الأمراض كلها في ساعة واحدة. والأمراض الحادة - على الإطلاق- يأتي بحرانها في أربعة عشر يوما، فيكون انقضاؤها في تلك المدة، PageVW2P040B وسنبين ذلك PageVW0P043A * إن شاء الله تعالى (148).
[aphorism]
قال أبقراط (149): اليوم (150) الرابع منذر باليوم (151) السابع (152)، وأول الأسبوع الثاني اليوم الثامن. والمنذر باليوم الرابع عشر اليوم (153) الحادي عشر، لأنه اليوم الرابع من الأسبوع الثاني. واليوم السابع عشر أيضا يوم إنذار، لأنه اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر، واليوم السابع من اليوم الحادي عشر.
[commentary]
الشرح (154): قد دل الاستقراء على أن رطوبات هذا (155) العالم انفعالات عند (156) أحوال تعرض في القمر، فإنها تنقص عند الاجتماع، وتزداد عند الاستقبال والتربيع ونصفه. ولذلك تزداد الأدمغة ومياه العيون والآبار في أنصاف الشهور، وتنقص في أواخرها (157). ومن اجتماع القمر مع الشمس إلى اجتماعهما تسعة وعشرون يوما ونصف يوم (158) بالتقريب، يحذف منه مدة الاجتماع وما يقرب منها، وهي ثلاثة أيام، يبقى مدة قوة تأثيره ستة وعشرون يوما ونصف يوم (159)، فيجعل ذلك كالدورة التامة، فيكون البحران في PageVW0P043B السابع PageVW2P041A PageVW1P023B والعشرين. ونصف هذه المدة، وهو حين المقابلة، وهي ثلاثة عشر يوما وربع يوم (160)، فيقع البحران في الرابع عشر. ونصف نصفها، وهو حين التربيع (161) ستة أيام ونصف وثمن، فيقع البحران في السابع. ونصف ذلك (162) ثلاثة أيام وربع ونصف ثمن، فيقع في الرابع تغير، لكنه لضعفه لم يعد بحرانا، بل جعل منذرا بالبحران، كاليوم الذي يتهيأ (163) فيه العدو الباغي على المدينة للقتال، فيكون منذرا بيوم القتال. وقد جعل أبقراط اليوم الرابع من الأسبوع الثاني هو اليوم الحادي عشر، فيكون ثلاثة أرابيع، أحد عشر يوما. وإنما يمكن ذلك بأن (164) يجعل يوما مشتركا بين رابوع ورابوع. وكذلك أيضا في الأسابيع، لابد من يوم مشترك بين أسبوعين؛ فإن آخر الأسبوع الثالث هو اليوم العشرون. وما كان من الأرابيع والأسابيع بينه وبين الذي يليه يوم مشترك يسميان (165) متصلين، وما لم يكونا كذلك يسميان (166) منفصلين. وحكم PageVW0P044A الأرابيع PageVW2P041B في الاتصال والانفصال مخالف لحكم الأسابيع، وذلك لأن الأرابيع تبتديء رابوعان متصلان والثالث منفصل، والأسابيع سابوعان منفصلان والثالث متصل. فلذلك (167) كان أول الأسبوع الثاني هو اليوم الثامن، وآخر الثالث اليوم العشرون، فيكون الرابع عشر مشتركا. والأسبوع الأول فيه رابوعان، فلابد وأن يكون الرابع مشتركا، ويقع أول الثالث اليوم الثامن، فيكون منفصلا من الثاني. وضابطهم في ذلك أن الحساب المذكور إذا استغرق أكثر من (168) يوم استولى على ذلك اليوم الرابوع أو السابوع (169) الذي ذلك اليوم آخره، وإلا شاركه فيه الذي بعده. فإن الرابوع الأول ثلاثة أيام وربع ونصف ثمن، وهو أقل من نصف يوم، فوصلوا (170) به الرابوع الثاني. وآخر الثاني هو النصف والثمن من اليوم السابع، وذلك أكثر من نصفه، ففصلوا (171) الرابوع PageVW1P024A الثالث والسابوع PageVW0P044B الثاني مما قبلهما. وآخر الأسبوع الثاني هو * الرابع من اليوم الرابع عشر، فوصلوا به السابوع الثالث، فكان أوله (172) اليوم (173) PageVW2P042A الرابع عشر، وآخره اليوم العشرون (174). وابتداء عدد أيام البحران من (175) حين يظهر المرض، لا من (176) حين يبتديء التغير عن المجرى الطبيعي، كالكسل والتثاؤب، ولا من (177) حين يطرح المريض نفسه؛ وقد حققنا هذا في كتب أخرى. قوله: "واليوم السابع عشر يوم إنذار، لأنه اليوم الرابع من اليوم (178) الرابع عشر، واليوم السابع من اليوم الحادي عشر". أما استدلاله على أنه يوم إنذار بأنه (179) اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر، فلأن رابع كل أسبوع منذر به، لأن السابع إنما يحصل (180) فيه تغير عظيم، وهو البحران لأنه نصف مدة يقع فيها بحران، وهو بحران الرابع عشر، فلابد (181) في نصف السابع وأن يقع تغير، وإن لم يكن بحرانا فهو (182) منذر به. وفي كلامه إشعار بأن أول الأسبوع [C5DK4 45a] الثالث هو الرابع عشر. وأما استدلاله على ذلك بأنه (183) اليوم السابع (184) من اليوم (185) الحادي عشر (186)، فمراده بذلك تأكيد الدلالة على وجوب وقوع التغير (187) فيه لأنه سابع PageVW2P042B يوم يقع فيه تغير.
[aphorism]
قال أبقراط (188): إن الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة؛ والخريفية طويلة، لا سيما متى اتصلت بالشتاء.
[commentary]
الشرح (189): الربع حمى تحدث من عفونة السوداء، إما داخل العروق، وتسمى الربع اللازمة، ووجودها نادر؛ أو خارجها، وتسمى الربع الدائرة. وسميت ربعا لأنها تنوب اليوم ورابعه (190)، وهي من الأمراض المزمنة لغلظ مادتها وبردها. والصيفية منها ومن جميع الأمراض تكون قصيرة، لأن حرارة الهواء إن وجدت الطبيعة مستولية أعانتها بتحليل المادة، فبرأ المريض سريعا، وإن وجدت المرض مستوليا أعانته بتحليل القوة، فعطب (191) المريض PageVW0P045B سريعا؛ وتكون (192) فيه المواد رقيقة، والمسام منفتحة (193)، فيكون التحلل أسهل. والشتاء تطول فيه الأمراض لضد ذلك. وأما الربيع والخريف فمتوسطان، PageVW1P024B لكن الميل إلى القصر في الربيع أكثر، لقوة القوة فيه، وإلى الطول في الخريف أكثر، PageVW2P043A لضعف القوى، ولاختلاف هوائه، فكلما حركت الطبيعة مادة لتحللها في وقت ظهايره، عارضها برده المكثف في غدواته (194) وليله. والربع الخريفية تستحق زيادة طول، لكثرة مادتها في الخريف. وإذا اتصلت بالشتاء ازدادت طولا لزيادة تكثيف (195) برده لمادتها. فيعلم من هذا أن بحارين الأمراض وأوقات انفصالها قد تتقدم وتتأخر لسبب ما، وهو هاهنا طبيعي.
[aphorism]
قال أبقراط (196): لأن تكون الحمى بعد التشنج خير من أن يكون التشنج بعد الحمى.
[commentary]
الشرح (197): PageVW0P046A التشنج علة عصبية تمنع انبساط الأعضاء، وقد يكون عن يبس منقص لطول العصب وثخنه، كما يعرض للأوتار والجلود في الصيف. وهذا يحدث عقيب الحميات المحرقة والاستفراغات المجففة، وقد يكون عن مادة لذاعة (198) تؤذي العصب، فينقبض إلى مبدئه، كما يكون عن القيء الزنجاري، وهذان يتضرران بحدوث الحمى. وفي الأكثر يحدث عن بلغم PageVW2P043B غليظ مداخل للعصب، زائد في ثخنه ومنقص لطوله، وهو الذي # يفهم في الأكثر عند إطلاق لفظ التشنج، وهذا هو (199) الذي (200) ينتفع بحدوث الحمى، لتلطيفها لمادته. وما يحدث من ذلك بعد الحمى، فهو رديء؛ لأن ذلك إنما يكون إذا سيلت الحمى المادة وملأت الأعصاب بها. وإذا كانت حرارة الحمى لا تقوى على تحليل هذه المادة، فغيرها بطريق الأولى. فلذلك مثل (201) هذا التشنج تطول مدته (202) ويعسر علاجه؛ فيعلم من ذلك أن مدد الأمراض قد تختلف باختلاف حال مرضية. PageVW0P046B
[aphorism]
قال أبقراط (203): لا ينبغي أن تغتر بخفة يجدها المريض على خلاف القياس، ولا أن (204) تهولنك (205) أمور صعبة تحدث على غير القياس، فإن أكثر ما يعرض من ذلك ليس بثابت، ولا يكاد يلبث، ولا تطول مدته.
[commentary]
الشرح (206): كثيرا (207) ما يعرض للمريض الذي دل الدليل (208) على قرب موته، خفة ظاهرة. وكذلك أيضا قد تسكن الحمى من غير استفراغ طبيعي ولا صناعي، PageVW1P025A فينبغي أن لا تغتر بذلك. وكذلك أيضا قد يعرض PageVW2P044A عند بحران المرض الذي دل الدليل على سلامته أمور صعبة، كضيق الصدر (209) والنفس، واختلاط الذهن، وحدوث خيالات، وغثيان (210)، أو تمدد في الشراسيف أو مغص (211)؛ فينبغي أن لا يخشى من ذلك (212)، لأنه يكون من أعراض البحران ويعقب الشفاء. وجميع هذا لا تطول مدته، لأن الدليل إنما يدل على أمر إذا كان سبب ذلك الأمر ثابتا، وفي أكثر الأمر (213) لا يتخلف المسبب عن سببه PageVW0P047A مدة طويلة، ومثل هذا يذكر عند الكلام في البحران، ليعرف التحرز عن تغليظه.
[aphorism]
قال أبقراط (214): من كان به حمى ليست بالضعيفة جدا، فإن يبقى (215) بدنه على حاله ولا ينقص شيئا، أو يذوب بأكثر مما ينبغي، فذلك (216) رديء؛ لأن الأول ينذر بطول من المرض، والثاني يدل على ضعف من القوة.
[commentary]
الشرح (217): قد تختلف الأمراض في الطول والقصر باختلاف حال البدن أيضا، وذلك أن من كان بدنه متكاثفا وأخلاطه PageVW2P044B غليظة، فإن الحمى -وإن كانت غير ضعيفة- لا تقوى على أن تحلل من بدنه شيئا كثيرا، فيبقى بدنه على حاله في الصحة لا يظهر فيه هزال ولا انخراط في السحنة، فيطول المرض لا محالة، لقلة التحلل. ومن كان بدنه متخلخلا وأخلاطه رقيقة، فالتحلل من بدنه يكثر ويقصر مرضه، لأن قوته إن كانت قوية استعانت بذلك على سرعة PageVW0P047B تحليل المادة، وإن كانت ضعيفة استعان المرض به على تحليل القوة، فعطب المريض (218). والحالتان رديئتان، أما الأولى فلأجل طول المرض، وأما الثانية فلأن القوى تكون ضعيفة لفرط التحلل. ويحذر في الاستدلال بذلك، أن (219) لا يكون فرط الهزال عن سهر واستفراغ وما شاكل ذلك، وأن لا يكون بقاء السحنة على حالها لقلة إخراج المواد، ولزيادة (220) في التغذية، وما شاكل ذلك. PageVW1P025B
[aphorism]
قال أبقراط (221): ما دام المرض في ابتدائه، فإن رأيت أن تحرك شيئا، فحرك. فأما إذا صار PageVW2P045A المرض إلى منتهاه، فينبغي أن يستقر المريض ويسكن.
[commentary]
الشرح (222): التحريك هو نقل المادة من عضو إلى آخر، إما مع استفراغ، كما في الحجامة على النقرة؛ أو بغير استفراغ، كما في وضع المحاجم عند (223) الثدي. وهو جائز في ابتداء المرض، حين تجوز المبادرة إلى PageVW0P048A الاستفراغ قبل النضج. وأما في انتهاء المرض، فلا يجوز، لما سنقوله في الفصل الآتي.
[aphorism]
قال أبقراط (224): إن جميع الأشياء في أول المرض وآخره أضعف، وفي منتهاه أقوى.
[commentary]
الشرح (225): يريد بالأشياء، الأعراض اللازمة للأمراض، وهي في المنتهى أشد؛ لأن المنتهى بعد كمال (226) الاشتداد وقبل الشروع في الانحطاط، وفي ذلك الوقت يعرض البحران. وإنما لا يجوز التحريك حينئذ، لئلا يجتمع على البدن شدة حركات المرض، مع تحريك النقل، بل ينبغي حينئذ أن يستقر المريض ويسكن (227) عن تحريك الأطباء، لا عن الحركات البدنية (228)، فإن ذلك قد يجب في جميع أوقات المرض. قوله: "وفي آخره يكون أضعف" PageVW2P045B الغرض بذلك الإشارة إلى وجوب منع التحريك في PageVW0P048B الانحطاط، وذلك لأن الأعراض تكون قد خفت، وإنما يكون ذلك لشدة استيلاء الطبيعة على المرض، فيكون في الطبيعة كفاية.
[aphorism]
قال أبقراط (229): إذا كان الناقه (230) يحظى من الطعام، ولا يزيد (231) بدنه شيئا، فذلك رديء.
[commentary]
الشرح (232): إن وجوب منع الاستفراغ في الانحطاط ليس دائما، فقد يجب بعد كمال الانحطاط، وذلك إذا قصرت الطبيعة عن تنقية (233) من المادة. ويعلم ذلك بأن يكون الناقه من المرض لا يزيد (234) بدنه (235) من الغذاء (236)، فإن ذلك إذا لم يكن لفساد في الطعام، إنما يكون لمانع، وهو الامتلاء، فيجب الاستفراغ. وهذه الحالة لا شك أنها رديئة، لدلالتها على قصورالطبيعة من الدفع.
[aphorism]
قال أبقراط (237): [C5DK4 49a] إن في PageVW1P026A أكثر الحالات، جميع من حاله رديئة ويحظى من الطعام في أول الأمر فلا يتزيد بدنه شيئا، فإنه بآخره يؤول أمره إلى أن لا يحظى من الطعام. فأما من كان يمتنع عليه في أول أمره النيل من الطعام امتناعا شديدا، PageVW2P046A ثم يحظى منه بآخره، فحاله يكون أجود.
[commentary]
الشرح (238): ومما يعرض لمن يتناول الطعام ولا يزيد بدنه، أن أمره يؤول -في أكثر الأمر- إلى أن لا ينال من الطعام، أي أن شهوته في آخر (239) الأمر تبطل، وذلك لأن من كان (240) أمره كذلك ففي بدنه فضلة، كما بيناه أولا، والطعام يزيد تلك الفضلة، فإذا كثرت على طول الأيام، جعلت البدن محتاجا إلى الدفع أكثر منه إلى الجذب، فتسقط الشهوة. وأما من كان (241) حاله بعكس ذلك، أعني من كان أولا فاقد الشهوة، فإنه يعرض له أن تقبل الطبيعة على المادة، لعدم الوارد، PageVW0P049B وتصلحها، فما (242) يصلح منها للتغذية تستعمله في الغذاء، وما يصلح للاندفاع تسهل دفعه، فتدفعه، وينقى البدن، فتحدث له الشهوة. وهذا حاله تكون أجود لا محالة، لأنها انتقال من الرداءة إلى الصلاح، وتلك بالعكس. قوله: "جميع (243) من حاله رديئة" يريد بذلك ليس (244) المرضى، فإن عدم تزيد بدن المريض (245) بالغذاء PageVW2P046B غير منكر، بل من حاله متوسطة بين الصحة والمرض، كالناقه ومن شاكله.
[aphorism]
قال أبقراط (246): صحة الذهن في كل مرض علامة جيدة، وكذلك الهشاشة للطعام، وضد ذلك علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (247): قد بينا أن ما ذكرناه مختص بمن هو في الحالة (248) الوسطى، وأما المرضى فشهوتهم للغذاء علامة صالحة، لدلالة ذلك على سلامة آلات الغذاء وقواها. وكذلك أيضا صحة الذهن فيهم PageVW0P050A علامة صالحة، لدلالتها على سلامة الدماغ وقواه. ومعنى قولنا: "إن كذا علامة صالحة" أن وجوده [L4 26b] للمريض أصلح من فقده. ولا شك أن الأمر كذلك ههنا في جميع الأمراض، ولا يلزم ذلك أن لا يعرض الموت، فقد تكون (249) علامات (250) رديئة تغلب الصالحة وتزيد عليها، فلا يلزم أن تكون صحة الذهن والهشاشة إلى الغذاء، أعني الإقبال عليه، في المسهولين ومن شاكلهم (251) علامة صالحة، وإن أعقبه الموت.
[aphorism]
قال أبقراط (252): إذا كان المرض ملائما PageVW2P047A لطبيعة المريض وسنه وسحنته والوقت الحاضر من أوقات السنة، فخطره أقل من خطر المرض الذي ليس بملائم لواحدة من هذه الخصال.
[commentary]
الشرح (253): يقال طبيعة للبراز وللقوة المدبرة للبدن وللمزاج (254)، وهو المراد هنا (255). وقد قال جماعة [C5DK4 50b] بظاهر هذا الفصل، منهم جالينوس، محتجين بأن المرض الملائم أضعف سببا (256)، وغير الملائم إنما يحدث لسبب قوي، وأجاب جالينوس أن (257) قول أبقراط: "إن ما يعرض من البحوحة والنزل (258) للشيخ الفاني ليس يكاد (259) ينضج" فإن ذلك لا ينافي أن يكون الخطر أقل، وأيضا (260) فإن ذلك لضعف قوة الشيخ، لا لكونه ملائما. وأجاب عن قوله: "وأكثر من كان يموت، من كانت طبيعته مائلة إلى السل" بأن المراد في هذا بالطبيعة ، الهيئة، ولا ينافي ذلك أن يكون المناسب للمزاج أقل خطرا، وهذا مشكل، فإن أبقراط قال ههنا: "وسنه وسحنته" وهي من جملة هيئة البدن. وقال آخرون: إن المرض PageVW2P047B الملائم أشد خطرا، لأن طبيعة المريض تكون مقوية للمرض، وفي المنافي مضادة له، والشفاء بالضد؛ فمن هؤلاء من رد بذلك (261) على أبقراط، ومنهم من قال: إن مراد أبقراط ههنا (262) بالملائم، المضاد؛ لأن المضاد ملائم للمرض من PageVW0P051A حيث هو شفاؤه (263). ونحن نقول: إنا لو فرضنا مرضين حارين بقدر (264) واحد، ومن نوع واحد، عرض أحدهما لحار (265) المزاج، والآخر PageVW1P027A لبارده، فإنه في الحار أشد خطرا وأكثر إحواجا إلى شدة التطفئة. وإذا عرض لحار المزاج وبارده مرضان حاران، وبلغا فيهما الخروج عن الاعتدال الحقيقي إلى حد واحد، فالذي في الحار أخف وأقل حاجة إلى التبريد (266)، لأن خروجه عن المزاج الطبيعي أقل وسببه أضعف؛ وهذا هو مراد أبقراط.
[aphorism]
قال أبقراط (267): إن الأجود في كل مرض، أن يكون ما يلي السرة والثنة له ثخن. ومتى كان رقيقا جدا، منهوكا، فذلك رديء، ومتى كان كذلك (268) فالإسهال معه خطر.
[commentary]
الشرح (269): PageVW2P048A الثنة ما بين السرة والفرج، وثخن هذه المواضع PageVW0P051B محمود، من حيث هو علامة على كثرة ما يصل إليها من الغذاء مع جودته، ومن حيث هو سبب، لأن (270) آلات الغذاء يكون (271) فعلها أقوى، ولكن بشرط أن لا يكون ذلك الثخن مفرطا، كما يكون عن الورم. ولذلك قال أبقراط: "له ثخن" أي ثخن يسير. وكون (272) هذه المواضع رقيقة منهوكة، رديء لضد ما قلناه؛ والإسهال حينئذ خطر لأمور: أحدها: إن رقتها إنما تكون لقلة الدم (273)، والإسهال مع ذلك خطر. وثانيها: إن الإسهال يقلل الرطوبات، فيزداد قحل هذه المواضع. وثالثها: إن رقة هذه المواضع إنما تكون لضعفها، والمواد في الإسهال تمر بها، ومرور الأخلاط بالأعضاء الضعيفة رديء؛ والقيء أيضا رديء للأمرين الأولين، ولما يخشى (274) معه من انشقاق هذه المواضع لضعفها، فيحدث الفتق.
[aphorism]
قال أبقراط (275): PageVW0P052A من كان بدنه صحيحا (276) فأسهل أو قيء بدواء، PageVW2P048B أسرع إليه الغشي؛ وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء.
[commentary]
الشرح (277): أما سرعة الغشي لمن بدنه صحيح، فلأن الدواء إذا لم يجد (278) مادة رديئة يجذبها فيضطر إلى جذب النافع. وإنما يكون ذلك بشرط قهر الطبيعة، ولأن ما يخرج تصحبه أرواح كثيرة جدا. PageVW1P027B وأما لمن كان يغتذي بالغذاء الرديء، فلأن أخلاطه تكون فاسدة، لكنها تكون (279) في أعضاء ألفتها وقل (280) انفعالها عنها (281)، فإذا مرت بالأعضاء الأخرى تضررت بها جدا، وذلك محدث للغشي (282). هذا إذا كان الإسهال أو القيء بالدواء، أما ما يكون من القيء بالماء الحار ومن الإسهال بمثل الغذاء أو الحقن، فلا يعرض منه ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (283): من كان بدنه صحيحا، فاستعمال الدواء فيه يعسر.
[commentary]
الشرح (284): PageVW0P052B سبب (285) ذلك أن إخراج النافع إنما يتم بإفراط قهر الطبيعة، وذلك عسر لا محالة.
[aphorism]
قال أبقراط (286): ما كان من الطعام والشراب أخس قليلا، إلا أنه ألذ، فينبغي أن يختار على ما هو منه (287) PageVW2P049A أفضل، إلا أنه أكره.
[commentary]
الشرح (288): الأغذية الرديئة تولد أخلاطا فاسدة، إلا ما كان مع قلة رداءته (289)، لذيذا أو مألوفا، فإن اللذيذ تتلقاه الطبيعة بالقبول، ويكون احتواء المعدة عليه أشد، فيكون انهضامه أتم. والمألوف تكون الطبيعة قوية على هضمه، لأجل تمرنها على الفعل فيه.
[aphorism]
قال أبقراط (290): الكهول في أكثر الأمر يمرضون أقل مما يمرضون الشباب، إلا أن ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة - في الأكثر (291)- يموتون وهي بهم.
[commentary]
الشرح (292): PageVW0P053A سبب ذلك أن أكثر الأمراض الواقعة، حميات أو معها حميات، فتكون أكثرها حارة. والكهول أقل حرارة من الشباب، فيكون استعدادهم (293) لها أقل، مع أن قواهم لم تضعف بعد ضعفا تستعد به للأمراض، بخلاف المشايخ، وأكثر ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة تدوم بهم إلى الموت، لأن المرض المزمن تطول مدته، وقوى الكهل (294) تزداد بطول الزمان ضعفا.
[aphorism]
قال أبقراط (295): إن ما يعرض من البحوحة والنزل للشيخ الفاني، ليس يكاد (296) ينضج.
[commentary]
الشرح (297): سبب PageVW2P049B ذلك أن القوة (298) والحرارة الغريزية كلما ازدادتا ضعفا، صعب (299) دفع الأمراض (300)، وهما في الشيخ الفاني PageVW1P028A في غاية الضعف، فلذلك تعجز عن إنضاج أيسر الأمراض، كالبحوحة والنزلات.
[aphorism]
قال أبقراط (301): من يصيبه مرارا كثيرة غشي (302) شديد من غير سبب PageVW0P053B ظاهر، فإنه (303) يموت فجأة.
[commentary]
الشرح (304): معنى (305) أنه يموت فجأة، أنه يكون مستعدا لذلك، وإن اتفق له موت بغيره. وقد اعتبر أبقراط في هذا ثلاثة أمور: أحدها: أن # يتكرر عروض الغشي له مرارا كثيرة، فلو عرض مرة أو مرتين لم (306) يدل ذلك على شدة ضعف القلب، فلا يكون (307) مستعدا لذلك. وثانيها: أن يكون الغشي العارض شديدا، فلو كان ضعيفا، كالعارض عن ضعف فم المعدة أو قوة حسه، لم يدل على ذلك. وثالثها: أن لا يكون (308) ذلك عن سبب ظاهر، فإن السبب الظاهر (309) قد يكون معه القلب قويا.
[aphorism]
قال أبقراط (310): السكتة إن كانت قوية، لم يمكن أن يبرأ صاحبها منها؛ وإن كانت ضعيفة، لم يسهل أن تبرأ.
[commentary]
الشرح (311): السكتة علة يلزمها PageVW2P050A تعطل الأعضاء كلها PageVW0P054A عن الحس والحركة الإرادية، إلا ما كان منها ضروريا في الحياة، كحركة النفس، فإنها قد (312) تضعف حتى تخفى عن الحس، فتكون السكتة قوية جدا؛ ودونها في القوة أن يظهر ذلك، ولكن يكون النفس باستكراه واختلاف، لا نظام معه؛ فإن كان الاختلاف يسيرا، ومع نظام، فهي أخف؛ وأضعفها ما يكون النفس فيها سليما. وإنما لا تبرأ القوية منها، لإضرارها بالقلب والروح، لفساد حال النفس. والضعيفة لا يسهل برؤها، لصعوبة زوال سببها، وهو انسداد مجاري الروح، ولما يلزمها من آفة في (313) الدماغ.
[aphorism]
قال أبقراط (314): الذين يختنقون ويصيرون إلى حد الغشي، ولم يبلغوا إلى حد الموت،فليس يفيق منهم من ظهر فيه زبد.
[commentary]
الشرح (315): الزبد يحدث من اختلاط جرم هوائي أو ريحي برطوبة، على وجه (316) لا يقوى كل واحد منهما على الانفصال PageVW0P054B من الآخر، وهو يحدث في المخنوق تارة، إذا سالت أجزاء من الرئة على سبيل PageVW1P028B الذوبان PageVW2P050B وخالطت ما فسد من جوهر (317) الروح بسبب احتباس النفس، وهذا ينذر بموتهم؛ لأن الرئة إنما يعرض لها ذلك إذا كان القلب قد فسد مزاجه أيضا، وتارة يحدث إذا سخن الدماغ وسالت منه رطوبات واختلطت بما يتصعد (318) من النفس المحتبس بالخنق، وهذا لا يلزمه الموت. ويفرق بين الأمرين، بأن الأول يكون عروضه بعد أن يصير المخنوق إلى حد الغشي.
[aphorism]
قال أبقراط (319): من كان بدنه غليظا جدا بالطبع، فالموت إليه أسرع منه إلى القضيف (320).
[commentary]
الشرح (321): الخصب المفرط قد يكون بالطبع، وقد يكون بالاكتساب (322)، كمن يكون بطبعه نحيفا فيتدبر بتدبير مسمن فيسمن. ونفرق بينهما (323) بأن الطبيعي PageVW0P055A تكون معه العروق ضيقة، والدم قليلا، ولا يصبر صاحبه على الجوع، مع قلة حمرة لونه؛ وهذا يسرع إليه الموت، لقلة حرارته وإطفاء الرطوبات لها. وإذا كان هذا يكثر به الغشي الشديد، بلا سبب ظاهر، كان الموت فجأة PageVW2P051A أسرع إليه؛ لأن حركة الرطوبات إلى قلبه أكثر وأسرع. وكذلك إذا أصابته سكتة،كان موته منها أسرع وأكثر، لشدة انسداد مجاري أرواحه؛ وإذا أزبد عن الاختناق، كان أكثر موتا وأسرعه (324)، لأن القضيف -لكثرة مسامه وسعتها- يصل إلى أرواحه وقلبه منها من النسيم ما يحفظها مدة أكثر.
[aphorism]
قال أبقراط (325): صاحب الصرع إذا كان حدثا، فبرؤه منه خاصة يكون (326) بانتقاله في السن والبلد والتدبير.
[commentary]
الشرح (327): معناه أن برء الصرع بالانتقال في السن والتدبير والبلد (328) خاص بمن هو حدث، أي أن الحدث PageVW0P055B يختص به أن برء صرعه يكون بأي واحد من هذه وجد، وأما غيره * فلا يبرأ صرعه بالانتقال في السن؛ لأن ما ينتقل إليه PageVW1P029A غيره (329) من السن تكون الحرارة الغريزية فيه (330) أضعف والرطوبات الفضلية أكثر، والحدث (331) بالعكس. ولا يقال: إن الصبي إذا انتقل إلى سن الفتيان (332) أو سن الحداثة، انتقل إلى سن أقوى حرارة PageVW2P051B وأقل رطوبات فضلية؛ فلذلك يبرأ صرعه، فلا يكون برء الصرع بالانتقال (333) خاصا بالحدث، لأنا نقول: المراد بالانتقال في السن، الانتقال في الأسنان الأربعة، والصبي بعد البلوغ، وإن صار حدثا، لم ينتقل في تلك الأسنان؛ لأنه يكون بعد في سن النمو. ويمكن أيضا أن يكون معنى الفصل: صاحب الصرع إذا كان حدثا، فبرؤه منه ما (334) يكون، أي يوجد خصوصا بسبب انتقاله في السن والبلد والتدبير. أي أن برء صرعه يتحقق، وخاصة بهذا السبب، وهو وقوع هذه الانتقالات، والله أعلم (335).
[aphorism]
قال أبقراط (336): إذا كان بإنسان وجعان معا، وليس هما في موضع PageVW0P056A واحد، فإن أقواهما يخفي الآخر.
[commentary]
الشرح (337): سبب ذلك اشتغال (338) الطبيعة بتدبير الأقوى ومجاهدته عن الشعور بالأضعف. وإنما شرط أن لا يكونا (339) في موضع واحد (340) لئلا (341) يلزم قوة (342) توجه الطبيعة إلى أحدهما توجهها إلى الآخر.
[aphorism]
قال أبقراط (343): في وقت تولد المدة (344) يعرض من PageVW2P052A الوجع والحمى، أكثر مما يعرض (345) بعد تولدها.
[commentary]
الشرح (346): سبب ذلك أن عند تولد المدة تكون الحرارة طابخة لها، فتشتد الحمى بغليانها، ويشتد الوجع لذلك، ولزيادة التمدد اللازم لزيادة حجم المواد بالغليان، فإذا تم تولدها، ارتفع ذلك فصار الوجع والحمى أخف.
[aphorism]
قال أبقراط (347): PageVW0P056B في كل حركة يتحركها البدن، فإراحته (348) حين يبتديء به الإعياء، يمنعه من أن يحدث به الإعياء (349).
[commentary]
الشرح (350): معنى هذا الفصل وتحقيقه معلوم.
[aphorism]
قال أبقراط (351): من اعتاد تعبا ما (352)، فهو -وإن كان ضعيف البدن أو شيخا (353)- أحمل لذلك التعب الذي اعتاده، ممن PageVW1P029B لم يعتده، وإن كان قويا شابا (354).
[commentary]
الشرح (355): سبب ذلك أن الآلات التي تستعمل في تلك الحركة المتعبة، كالأعصاب والرباطات، تصير مواتية على تلك الحركة، بتحليل فضلاتها. وليس هذا مختصا بالأعضاء، بل القوى أيضا. كذلك فإن من اعتاد الفكر، قوى فكره؛ ومن اعتاد الحفظ، قوى عليه. PageVW2P052B
[aphorism]
قال أبقراط (356): PageVW0P057A ما قد اعتاده الإنسان منذ زمان طويل، فهو وإن كان أضر مما لم يعتده، فأذاه له أقل. فقد (357) ينبغي أن ينتقل الإنسان إلى ما لم يعتده بالتدريج (358).
[commentary]
الشرح (359): المألوف يقل الانفعال عنه، لأن الأعضاء والقوى تكون قد اعتادت إحالته وهضمه، فصارت قوية على ذلك، بخلاف غير المألوف؛ فلذلك يكون أذاه أقل. وقد يضطر الإنسان مثلا إلى الانتقال إلى بلد، فينبغي أن يعود بدنه أغذية ذلك البلد، بأن يستعمل منها اليسير أولا، ويتدرج (360) في الزيادة، حتى لا يكون انتقاله إلى غير المألوف دفعة؛ فهذا ممن ينبغي له الانتقال إلى ما لم يعتده.
[aphorism]
قال أبقراط (361): استعمال الكثير دفعة (362) مما يملأ البدن، أو يستفرغه، أو يسخنه، أو يبرده، أو يحركه بنوع آخر من الحركة، أي نوع كان؛ فهو خطر. وكلما كان كثيرا، فهو مقاوم للطبيعة. فأما ما يكون قليلا قليلا، فمأمون PageVW0P057B متى أردت انتقالا من شيء إلى غيره، ومتى أردت PageVW2P053A غير ذلك.
[commentary]
الشرح (363): لا شك أن الكثير إذا ورد دفعة، كان موجبا للخروج عن الاعتدال والصحة، فيكون مقاوما للطبيعة، لأن فعلها فعل الاعتدال والصحة. قوله: "أو يحركه بنوع آخر من الحركة". التسخين والتبريد حركات في الكيف، وكذلك الاستفراغ والامتلاء حركات في الكم، والحركة في الأين - مثلا- نوع آخر من الحركة، وكذلك حركتها في الترطيب والتيبيس فإنهما، وإن كانا حركتين في الكيف، [L4 30a] لكن نوع حركتهما غير نوع حركة (364) التسخين والتبريد.
[aphorism]
قال أبقراط (365): إن أنت فعلت جميع ما ينبغي أن تفعل، على ما ينبغي، ولم يكن ما ينبغي أن يكون؛ فلا ينبغي أن (366) تنتقل إلى غير ما أنت عليه، ما دام ما رأيته منذ أول الأمر ثابتا. PageVW0P058A
[commentary]
الشرح (367): إذا كانت حالة المريض توجب التبريد مثلا، ففعل ذلك ولم يظهر النفع، فينبغي أن لا يهرب عن الصواب لتأخر أثره، فإن لتأثير (368) السبب شروطا (369) قد يتخلف منها ما يتخلف PageVW2P053B لأجله التأثير، بل ينبغي أن تدوم على التدبير ما دام ما رأيته من حال المريض (370) الموجبة للتبريد ثابتا، ولكن ينبغي أن يكون ذلك بدواء آخر، فإن الشيء الواحد إذا تكرر (371) ألفه البدن، فيقل انفعاله عنه (372).
[aphorism]
قال أبقراط (373): من كان (374) بطنه لينا، فإنه ما دام شابا فهو أحسن حالا ممن بطنه يابس (375)؛ ثم يؤول حاله عند الشيخوخة إلى أن يصير أردأ، وذلك أن بطنه يجف إذا شاخ، على الأمر الأكثر.
[commentary]
الشرح (376): لين البطن أحسن حالا من يابسه، لأن بدنه ينقى من الفضلات، لكثرة اندفاعها في البراز. وأما PageVW0P058B أن لين البطن ييبس عن الشيخوخة في الأكثر، فقد بيناه.
[aphorism]
قال أبقراط (377): عظم البدن في الشبيبة ليس يكره، بل يستحب؛ إلا أنه عند الشيخوخة، يثقل ويعسر استعماله، ويصير (378) أردأ من البدن الذي هو أنقص منه.
[commentary]
الشرح (379): البدن قد يكون عظيما في أقطاره الثلاثة، وقد يكون عظيما في طوله فقط، * وقد يكون عظيما في عرضه PageVW2P054A فقط (380)، والكل في الشبيبة محمود (381)، لدلالته على كثرة المادة وقوة تصرف القوى فيها. وأما في الشيخوخة، فيكون مذموما لعسر (382) استعماله على النفس (383).
* بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة ثالثة (1)
[aphorism]
قال أبقراط (2): إن انقلاب أوقات السنة مما يعمل في توليد الأمراض، خاصة إذا كان في الوقت الواحد منها التغير الشديد في الحر أو في البرد (3)؛ وكذلك PageVW1P030B في سائر الحالات على هذا القياس.
[commentary]
الشرح (4): أوقات السنة هي فصولها، وانقلابها هو (5) خروجها عن طبائعها (6) بإفراط، وذلك موجب للأمراض، لأنه يحدث في الهواء تغيرا مفرطا، * وذلك موجب لتغير حالات الأبدان تغيرا مفرطا (7) وهو المرض؛ لأن الهواء شديد الملاقاة للأبدان، أما من خارج فدائما، وأما من داخل فعند التنفس، PageVW0P059B وتأثير الهواء المستنشق (8) عظيم لنفوذه إلى القلب والأرواح. ثم تغير الفصول عن طبائعها قد يكون باعتبار جملتها، بأن تكون السنة بجملتها خارجة عن الأمر الطبيعي خروجا مفرطا. وإن كان كل فصل غير PageVW2P054B مفرط الخروج كما إذا كانت السنة كلها حارة أو باردة؛ لكن كل فصل غير مفرط، فإن السبب وإن كان ضعيفا فإذا دام أفرط، وقد يكون ذلك الإفراط باعتبار كل فصل، وهذا على وجهين: أحدهما: أن يكون الخروج متضادا، وذلك بأن يخرج فصل إلى كيفية، والذي يليه إلى ضدها، فيكون الثاني متداركا لما جناه الأول، مصلحا لما أفسده. وثانيهما: أن لا يكون كذلك، فيكون جملة الفصول مفرطة الخروج أيضا، فأردأ (9) ذلك أن يكون الكل على كيفية واحدة، فيكون إحداثها للأمراض شديدا جدا؛ لأن السبب يكون مع قوته دائما. وهذا هو المراد بقوله: "خاصة وفي الوقت الواحد منها التغير PageVW0P060A الشديد" * أي خاصة في حال يكون في الواحد منها التغير الشديد (10) أي يكون التغير الشديد حاصلا في الوقت الواحد منها.
[aphorism]
قال أبقراط (11): إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود، وفي الشتاء أردأ. ومنها ما يكون حاله في الشتاء أجود، وفي الصيف أردأ.
[commentary]
الشرح (12): "ما كان من الطبائع" أي الأمزجة، PageVW2P055A باردا، كان استيلاء برد الشتاء عليه شديدا، فيزداد PageVW1P031A فيه خروجا عن الاعتدال، ويصلح في الصيف لتعديله إياه؛ وما كان حارا فأمره بالعكس. فتأثير (13) الهواء فيه وغيره لا يلزم أن يكون في الأبدان كلها على السواء، بل يختلف ذلك باختلاف الأبدان في الاستعداد.
[aphorism]
قال أبقراط (14): كل واحد من الأمراض، فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ وأسنان ما عند أوقات من السنة وبلدان (15) PageVW0P060B وأصناف من التدبير.
[commentary]
الشرح (16): قال جالينوس: معناه: كل واحد من الأمراض ومن الأسنان، فحاله عند شيء دون شيء من أوقات السنة والبلدان وأصناف من التدبير أمثل وأردأ، أي أن كل مرض (17) وكل سن فإن حاله يكون في بعض الأوقات والبلدان والتدابير (18) أمثل، وفي بعضها أردأ. ويمكن أن يكون له معنى آخر، وهو أن كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء من أوقات السنة، وأسنان ما، وبلدان وأصناف من التدبير PageVW2P055B أمثل، وعند شيء من هذه أردأ. وتحقيق المعنيين ظاهر، فإن الأمراض يختلف حالها في هذه الأشياء لأجل اختلاف (19) حال الأبدان فيها.
[aphorism]
قال أبقراط (20): متى كان في (21) وقت من أوقات السنة، في يوم واحد، مرة حر ومرة برد، فتوقع حدوث أمراض خريفية.
[commentary]
الشرح (22): PageVW0P061A أي يوم وجد على طبيعة فصل، فمقتضاه توليد ما يولده ذلك الفصل، لأن الفصل لا يولد الأمراض وغيرها بما هو فصل، ولا بما هو زمان، بل بالكيفية التي تكون فيه، فيكون (23) الموجب هو تلك الكيفية، فإذا وجدت في يوم فمن شأنها توليد ما كانت تولده، ولكن بشرط أن تكون قوية؛ فإن السبب إذا لم يدم، إنما يؤثر تأثيرا يعتد به إذا كان قويا جدا. ولهذا فإن أبقراط جعل حدوث تلك الأمراض متوقعا، وعين الحكم في اليوم PageVW1P031B الخريفي، لأن اختلاف الهواء سبب قوي. ومراده بذلك: إذا كان هذا الاختلاف أزيد من المعتاد، فإن الهواء في كل يوم يبرد مرة ويسخن مرة [TH2 56a] فإن الغدوات أبرد لا محالة من الظهائر. وإذا تكرر حدوث هذا الاختلاف كان توقع حدوث تلك الأمراض أكثر. ويجوز أن يريد أن هذا الاختلاف لا يختص بيوم واحد، بل إنه يتحقق في اليوم الواحد، ولا ينافي ذلك تكرره (24). PageVW0P061B
[aphorism]
قال أبقراط (25): الجنوب تحدث ثقلا في الرأس، وثقلا في السمع، وغشاوة في البصر، وكسلا واسترخاء، فعند قوة هذه الريح وغلبتها يعرض للمرضى هذه الأعراض. وأما الشمال فتحدث سعالا، وأوجاع الحلوق، ويبس البطون (26)، وعسر البول، والاقشعرار، ووجعا (27) في الأضلاع والصدر، وعند (28) غلبة هذه الريح وقوتها ينبغي أن تتوقع في الأمراض (29) حدوث مثل (30) هذه الأعراض.
[commentary]
الشرح (31): يريد بالجنوب والشمال (32) ما ينسب إليهما من الجهة والريح، ويريد بذلك ما هو كذلك بالنسبة إلى بلادنا (33) التي عرضها زائد على غاية الميل. ويريد بالجنوبية عن هذه البلاد ما هي هي قريبة منها، وهي التي PageVW2P056B لا تقرب من خط الاستواء قربا شديدا، وتلك المواضع حارة رطبة. أما حرارتها PageVW0P062A فلأجل دوام مسامتة (34) الشمس لرؤوس سكانها (35) في الصيف، وشدة (36) قربها من سمت رؤوسهم. وأما رطوبتها، فلكثرة البخار هناك، وقد حققنا هذا كما ينبغي في شرحنا لكتاب المياه والأهوية (37) والبلدان للإمام (38) أبقراط فليراجع. وريح الجنوب حارة أيضا، رطبة، غليظة. أما حرارتها فلأنها إن هبت من المواضع PageVW1P032A القريبة منا من جهة الجنوب، كان هبوبها من مواضع حارة، فتسخن لا محالة. وإن كان هبوبها مما هو أبعد من تلك، فلابد وأن تسخن عند مرورها بتلك المواضع. وأما رطوبتها، فلأجل كثرة البحار (39) التي تهب من مواضعها أو تمر عليها. وأما غلظها، فلكثرة ما يخالطها من الأبخرة، لأجل الحرارة المبخرة، المصادفة لكثرة الرطوبة. وأما الريح الآتية من المواضع الشمالية عنا (40)، فهي PageVW2P057A باردة يابسة. أما بردها فلأن المواضع التي تهب منها، والتي تمر عليها، شديدة البرد بالنسبة إلى بلادنا. وإذا (41) PageVW0P062B عرفت هذا فكل واحد من جهة الجنوب، وريح الجنوب، تحدث ثقلا في الرأس، لأجل الحرارة المبخرة، مع الرطوبة المرخية، وثقلا في السمع؛ لأن الرطوبة تكدر الحواس كلها، وترخي العصب، فيقل إدراك عصب الصماخ ويضعف؛ وغشاوة في البصر، لتكدر الروح الباصر بالرطوبة، وبكثرة الأبخرة؛ وكسلا، لاسترخاء الأعصاب؛ واسترخاء لذلك أيضا . قوله: "فعند قوة هذه الريح" إنما خص ذلك بالريح، لأن الجهة لا تقوى تارة وتضعف أخرى (42). قوله: "يعرض للمرضى هذه الأعراض" أما أن هذه تعرض (43) للمرضى فظاهر، لأنها تعرض للأصحاء مع قوة قواهم، فالمرضى أولى. وإذا عرضت هذه للمرضى كانت أعراضا، لأن العرض هو ما يتبع المرض، وأما إذا (44) عرضت للأصحاء فإنها PageVW2P057B تكون علامات تنذر بمرض. وقوله: "يعرض للمرضى" هذه (45) إشارة إلى أنها تكون عامة لهم، وذلك لأن السبب PageVW0P063A -وهو الريح- يعم (46)، فيكون PageVW1P032B أثره عاما. وأما جهة الشمال، وريح الشمال، فكل واحد منهما يحدث السعال، لتضرر الحنجرة (47) وقصبة الرئة؛ وباقي آلات النفس (48)، ببرد الهواء ويبسه ولكثرة عروض النزلات، لأن البرد واليبس يحدثان تكاثفا وانعصارا (49) من المواد إلى أسفل. قوله: "والحلوق" يمكن أن يريد وجع الحلوق، وذلك ظاهر لأجل النزلات، مع التضرر بالبرد واليبس. ويمكن أن يكون قوله: "واليابسة" صفة للبطون (50) والحلوق، لأن كل واحد منهما يعرض له جفاف، أما الحلوق فليبس الهواء، وأما البطون فلقوة الهضم، وانعصار عضل المقعدة المعسر لخروج (51) البراز، ولقلة المرار المندفع إلى الأمعاء للتنبيه على خروج ما يخرج. ولأن يبوسة الهواء تنشف PageVW2P058A رطوبات الأبدان، فيشتد جذبها (52) لرطوبات الغذاء، وأيضا عسر البول لتضرر المثانة (53) بالبرد واليبس، [C5DK4 63b] لأنها عصبية قليلة الدم. وأيضا الاقشعرار، لاحتقان الأبخرة الحارة بسبب انسداد المسام بالبرد واليبس. وأيضا وجع الأضلاع والصدر، لغلبة البرد على هذه الأعضاء ، لكثرة العظام. ولم يذكر أبقراط ههنا حكم المشرق والمغرب، * لقلة تأثيرهما في الأمراض. وأما جهتي المشرق والمغرب (54) فلأنها (55) تكون على طبيعة البلد (56)، إذ (57) تأثير الشمس في طول مدارها لا يختلف. وأما ريح المشرق والمغرب، فلأن مهبهما وممرهما إنما هو في مواضع متشابهة للبلد، فلذلك لا تكون مخالفة لهواء البلد مخالفة كثيرة.
[aphorism]
قال أبقراط (58): إذا كان الصيف شبيها بالربيع، فتوقع في الحميات عرقا كثيرا.
[commentary]
الشرح (59): إنما يكون الصيف شبيها بالربيع إذا كان حره ويبسه قليلين، فتكون الرطوبات التي يحفظها PageVW0P064A برد PageVW1P033A الشتاء في الأبدان متوفرة لقلة التحلل والانتشاف، وذلك PageVW2P058B موجب لزيادة العرق في الحميات.
[aphorism]
قال أبقراط (60): إذا احتبس المطر، حدثت حميات حادة؛ وإن كثر ذلك الاحتباس في السنة، ثم حدث في الهواء حال يبس، فينبغي أن تتوقع في أكثر الحالات هذه الأمراض وأشباهها.
[commentary]
الشرح (61): معنى قولنا: "هو أرطب" أي أنه خالتطه أبخرة مائية كثيرة، أو استحال البرد والتكاثف إلى مشابهة طبيعة الماء. ومعنى أنه يابس، أنه تفشش عنه ما يخالطه من الأبخرة، أو استحال بتسخينه إلى مشابهة طبيعة النار. و"إذا احتبس المطر" أي قل (62) عروضه، وقلت (63) الرطوبات المتبخرة، فيبس الهواء، فنشف الرطوبات المائية من الأبدان، فيصير ما فيها من الرطوبات الغليظة (64) وغيرها حادا (65)، فتكون الحميات حادة. وإذا كثر PageVW0P064B ذلك الاحتباس، كان هذا السبب أقوى ، فتكون هذه الأمراض متوقعة في أكثر الحالات. قوله: "وإذا كثر ذلك الاحتباس في السنة" إنما قال: "في السنة" لأن كثرة الاحتباس PageVW2P059A في الفصل الواحد لا يلزمه أن يكون اليبس شديدا، لأن السبب لا يكون قد دام زمانا طويلا. قوله: "وحدث في الهواء حال يبوسة (66)" إنما شرط ذلك لأن قلة المطر قد تكون معه كثرة من المياه، فيرطب الهواء، كما يكون في بلاد (67) مصر. وإنما قال: "حال يبوسة" ولم يقل: "يبوسة" لأن المبادر (68) إلى الذهن (69) من اليبوسة إنما هو عسر (70) الانفعال، وذلك لا يوجد في الهواء.
[aphorism]
قال أبقراط (71): إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها، وكان في كل وقت منها (72) ما ينبغي أن يكون فيه، كان ما يحدث فيها من الأمراض PageVW1P033B حسن الثبات والنظام، وحسن (73) البحران. وإذا كانت أوقات السنة غير لازمة لنظامها، كان ما يحدث فيها من الأمراض غير [C5DK4 65a] منتظم، سمج البحران.
[commentary]
الشرح (74): نظام الأوقات أن تكون على ترتيبها، فيبرد الهواء في الشتاء، ثم يعتدل في الربيع، ثم يسخن في الصيف. وقد يختلف ذلك، بأن يعرض الحر مثلا بغتة. وكونها في كل وقت PageVW2P059B منها ما ينبغي أن يكون فيه مثل أن الشتاء ينبغي أن يكون البرد (75) والرياح وغير ذلك فيه بالقدر المعتاد، وكذلك في باقي الفصول. ولا شك أن أوقات السنة إذا كانت على هاتين (76) الصفتين، فإن الأبدان لا يكون قد عرض لها (77) أمر يخرجها عن الأمر المعتاد، فتكون الأخلاط وغيرها على ما هو المعتاد، * فإذا عرض مرض، كان ذلك المرض على ما هو المعتاد في ذلك المرض (78)، فلا يكون فيه حال منكرة، وهذا هو المراد بحسن الثبات والنظام؛ والبحارين من جملة أحوال الأمراض، فتكون حينئذ حسنة. وأما إذا كانت هذه الأوقات غير منتظمة، وكان ما يعرض في كل وقت منها خارجا عن الأمر المعتاد، PageVW0P065B فإن الأخلاط تصير كذلك، فتكون الأمراض وبحارينها قبيحة، غير منتظمة.
[aphorism]
قال أبقراط (79): إن في الخريف، تكون الأمراض أحد ما يكون وأقتل، في أكثر الأمر. فأما الربيع فأصح الأوقات (80)، وأقلها موتا.
[commentary]
الشرح (81): الخريف PageVW2P060A تكثر فيه الأمراض لاختلاف الهواء فيه بين برد الليل والغدوات وحر الظهائر، ولكثرة الفاكهة فيه وانتقال الأبدان إليه عن الصيف المحلل (82) للبدن، المضعف للقوى، المثير للأخلاط، وتكون الأخلاط فيه في ظاهر البدن، فإذا جاء الخريف حركها برد ليله وغداواته إلى العمق، ثم ردها (83) حر ظهائره إلى خارج، وتكرر PageVW1P034A ذلك في كل يوم، فاحتدت المواد، خصوصا ويبوسة الهواء تزيدها حدة؛ فلذلك تكون الأمراض فيه أحد مما في غيره وأقتل، لمصادفة (84) المواد الرديئة الحادة قوى ضعيفة. PageVW0P066A والربيع أصح الأوقات لاعتدال هوائه، خاصة واعتداله المناسب بعد برد قد حصر المواد والقوى، وجود الهضم، وأكثر الدم والروح.
[aphorism]
قال أبقراط (85): الخريف لأصحاب السل رديء.
[commentary]
الشرح (86): يقال "سل" لحمى الدق، ولدق (87) الشيخوخة، ولقرحة الرئة؛ وفي الكل (88) يحدث (89) انسلال البدن. والخريف رديء للكل، أما قرحة الرئة فلكثرة PageVW2P060B النزلات الحادة (90) فيه، ولتضرر آلات التنفس بالهواء المختلف، خصوصا الوارد عقيب حر الصيف. وأما باقي الأنواع، فليبوسة هوائه؛ وبذلك أيضا يضر السل بالمعنى الأول، لأنه يلزمه حمى دقية.
[aphorism]
قال أبقراط (91): فأما أوقات السنة فأقول: إنه متى كان الشتاء قليل المطر شماليا، وكان الربيع مطيرا جنوبيا، فيجب ضرورة أن يحدث في الصيف حميات حادة، PageVW0P066B ورمد يابس، واختلاف الدم، وأكثر ما يعرض اختلاف الدم للنساء ولأصحاب الطبائع الرطبة.
[commentary]
الشرح (92): الشتاء الشمالي هو البارد، القليل الرطوبة، وإنما يكون كذلك إذا كانت الأمطار فيه قليلة. والربيع الجنوبي هو الدفيء الرطب، وإنما يكون كذلك إذا كان المطر فيه كثيرا. وإذا كان الربيع كذلك، ورد الصيف والأرض ندية، والأبدان مترطبة، وذلك معد للعفونة، فيحدث العفن بحرارة الهواء، خصوصا في الأبدان PageVW2P061A الرطبة؛ فلذلك تحدث الحميات وتكون حادة، لأن أكثر أمراض الصيف حادة. ويحدث أيضا رمدا، وذلك إذا سال من الدماغ رطوبات إلى العينين، ويكون هذا الرمد يابسا، لأن الأخلاط PageVW1P034B تكون مرارية، لورود الصيف على ربيع حار. ويحدث (93) اختلاف دم، وذلك بسبب كثرة النزلات الحادة (94) المسحجة، وأكثر ما يعرض اختلاف الدم للنساء ولأصحاب الطبائع الرطبة، PageVW0P067A لأن الرطوبات تكون في أبدان هؤلاء كثيرة؛ هذا حكم الصيف. وأما الفصلان الأولان، فلا يلزم أن يعرض فيهما شيء من ذلك، بل ولا أن يعرض فيهما مرض، وذلك لأن قلة الرطوبات (95) في الشتاء لا يوجب له خروجا شديدا عن الاعتدال، بل لعل الهواء يكون حينئذ أعدل لأن الشتاء الطبيعي زائد الرطوبات (96)، ومثل هذا لا يكون البرد فيه شديدا، وإلا كان يحيل الهواء إلى الرطوبة. وكذلك زيادة الرطوبة في الربيع ، مع الحرارة، لا يكون له حينئذ PageVW2P061B ضرر يعتد به، لأن البلدان (97) تتعدل بذلك في أوله، لأنه يكون متداركا لما أثره الشتاء من البرد واليبوسة؛ ولذلك إنما تحدث الأمراض بسبب (98) ذلك في الصيف، ويكون ذلك في أوله، لأن حرارته إذا طال زمانها حللت رطوبات الأرض (99) والأبدان، فزاد (100) الاستعداد للعفن.
[aphorism]
قال أبقراط (101): ومتى كان الشتاء جنوبيا، دفيئا، مطيرا؛ وكان الربيع قليل المطر، شماليا؛ فإن النساء اللواتي تتفق (102) PageVW0P067B ولادتهن نحو الربيع يسقطن من أدنى سبب، واللواتي (103) يلدن منهن يلدن أطفالا ضعيفة الحركة (104) مسقامة، حتى أنها إما أن تموت على المكان، وإما أن تبقى منهوكة مسقامة طول حيوتها (105). وأما سائر الناس، فيعرض لهم اختلاف (106) الدم والرمد اليابس. وأما الكهول، فيعرض لهم من النزل ما يفني سريعا.
[commentary]
الشرح (107): متى كان الشتاء جنوبيا، دفيئا، مطيرا، كانت رطوبات الأبدان زائدة على المقدار الكائن في الشتاء الطبيعي، وتكون PageVW1P035A تلك (108) [TH2 62a] الرطوبات سائلة لدفء (109) الهواء، فإذا جاء الربيع قليل المطر شماليا، أي باردا يابسا، أوجب انعصار تلك الرطوبات وحركها (110) إلى أسفل، فمن كانت من النساء قد قاربت الولادة، كانت الرطوبات في بدنها وفي رحمها كثيرة جدا، لأجل احتباس (111) حيضها مدة الحمل فتكثر نزلاتها، وينزل (112) أكثرها إلى الرحم لقبوله بسبب تألمه بالثقل، فيزداد ابتلاله وثقله، فيستعد للإسقاط، PageVW0P068A فإن عرض لها سبب مسقط، ولو كان ضعيفا، أسقطت، لأجل الاستعداد؛ وإن لم يعرض لها ذلك وولدت، فإن ولدها يكون ضعيف (113) الحركة، لكثرة الرطوبات المرخية لأعضائه، ويكون مسقاما، لأن كثرة الرطوبة يكثر معها العفن وأمراضه. فإن كانت قوته ضعيفة، مات سريعا، لمصادفته فصلا على غير واجبه، وخصوصا على كيفية منافية للحيوة (114)، وإلا بقى منهوكا مسقاما طول حياته (115)، لأجل غلبة الرطوبات والعفونة. PageVW2P062B "وأما سائر الناس فيعرض لهم اختلاف الدم" أعني أنهم يكونون مستعدين لعروض ذلك فيهم، وذلك لأجل كثرة النوازل، فما نزل منها إلى الأمعاء وكان حادا أورث سحج الأمعاء. وسبب كثرة النوازل، كثرة المواد، مع قوة عصر الهواء لها. وأيضا رمدا، لكثرة ما ينزل من رؤوسهم إلى أعينهم، ويكون ذلك الرمد يابسا، لمنع برد الهواء ويبسه سيلان الدموع. "وأما الكهول فيعرض لهم PageVW0P068B من النزل ما يفني سريعا" أي ما يقتل سريعا، وذلك لأجل نفوذها في مجاري أرواحهم بسبب كثرتها. واختص الكهول بذلك (116) ، لضعف أعضائهم، لبرد مزاجهم. وأما المشايخ، فلغلظ رطوباتهم، لا تتمكن من النفوذ في تلك (117) المجاري الضيقة. ويجوز أن يقرأ "ما يفنى سريعا" أي ما يتحلل PageVW1P035B سريعا، وذلك لأن هذه النزلات يعقبها الصيف فيحللها، بخلاف نزلات الخريف والشتاء. وفي بعض النسخ: "ما لا يفنى PageVW2P063A سريعا" وله وجه، وذلك لأن بعض هذه النزلات يحتبس في الرئة ومجاريها، فتدوم، وربما ولدت السل (118).
[aphorism]
قال أبقراط (119): فإن كان الصيف قليل المطر شماليا، وكان الخريف مطيرا جنوبيا، عرض في الشتاء صداع شديد (120)، وسعال، وبحوحة، وزكام، وعرض لبعض الناس السل.
[commentary]
الشرح (121): الصيف الشمالي هو القليل الحرارة، الكثير اليبوسة، PageVW0P069A والخريف الجنوبي هو الدفيء، الرطب؛ ولا شك أن هذين الفصلين إذا كانا كذلك، لم يكونا (122) مؤلمين للأبدان، فلذلك لم يذكر أنه يعرض فيهما مرض، لكن يعرض لها (123) في الصيف يبوسة، فإذا جاء الخريف احتدت الرطوبة بقوة، فترطب الأبدان رطوبة زائدة، فإذا جاء الشتاء صادف برده أبدانا ذوات رطوبات (124) زائدة (125)، فمنعها (126) برده عن التحلل وعصرها، فما احتبس منها في الرأس أوجب الصداع. ويكون هذا الصداع شديدا، لكثرة المادة، ومع أنها لا تخلو من حدة لأن رطوبات (127) [TH2 63b] الخريف لا تخلو من حدة، لأن ما في الأبدان من الرطوبة يكون قد احتد جدا بيبوسة (128) الصيف. وما انحدر إلى الأنف، أوجب الزكام. وما انحدر إلى الحلق، أوجب البحوحة والسعال. ويعرض لبعض الناس السل، وذلك إذا نزلت المادة إلى الرئة، وكانت حادة؛ وهؤلاء هم المستعدون PageVW0P069B للسل، إما لهيئة أبدانهم، أو لضعف رئاتهم. وإنما لا (129) يعرض حينئذ اختلاف دم، لأن برد الشتاء ينقص حدة المواد، فلو نزلت إلى الأمعاء لم يكن لها قوة على إسحاجها.
[aphorism]
قال أبقراط (130): فإن كان الخريف شماليا يابسا، كان موافقا لمن كانت طبيعته رطبة، وللنساء. وأما سائر الناس، فيعرض لهم رمد يابس، وحميات حادة، وزكام مزمن، ومنهم من يعرض له الوسواس العارض عن السوداء. [L4 36a]
[commentary]
الشرح (131): الظاهر أن المراد أنه إذا كان الخريف شماليا يابسا، في الحالة التي الصيف فيها قليل المطر شماليا، فحينئذ يكون قد توالى فصلان على اليبوسة، PageVW2P064A فينتفع (132) بذلك المرطوبون، كالنساء والصبيان، وأصحاب سوء القنية والاستسقاء. وأما سائر الناس فيعرض لهم رمد، PageVW0P070A لتضرر أعينهم بيبوسة الهواء، وهذا الرمد (133) لحدة (134) موادهم. ويكون هذا الرمد يابسا، ليبوسة الهواء، مع برده. وحميات حادة، لاحتداد موادهم بيبوسة الهواء. وزكام مزمن، وذلك لأن موادهم تكون يابسة، عسرة النضج، وبرد الهواء مع يبسه، يمنع تحللها. والسوداويون يعرض لهم الوسواس، لاستيلاء اليبوسة عليهم.
[aphorism]
قال أبقراط (135): إن من حالات الهواء في السنة بالجملة، قلة المطر أصح من كثرته، وأقل موتا.
[commentary]
الشرح (136): سبب ذلك أن أكثر الأمراض تحدث من العفونة، وقلة المطر يلزمه قلة الرطوبات، وذلك مما يقل معه الاستعداد للعفونة.
[aphorism]
قال أبقراط (137): وأما (138) الأمراض التي تحدث عند كثرة المطر، في أكثر الحالات، فهي (139): حميات طويلة، واستطلاق PageVW0P070B البطن (140)، PageVW2P064B وعفن، وصرع، وسكات، وذبحة. فأما الأمراض التي تحدث عند قلة المطر فهي: سل، ورمد، ووجع المفاصل، وتقطير البول، واختلاف الدم.
[commentary]
الشرح (141): إذا كثر المطر، كثرت الرطوبات، فكانت الأبدان مستعدة للتعفن؛ فلذلك يحدث حينئذ الحميات، وتكون تلك الحميات طويلة لكثرة موادها. ويحدث أيضا انطلاق (142) البطن، لكثرة ما ينزل من تلك الرطوبات إلى البطن، ولا يلزم أن تكون (143) تلك الرطوبات حادة ساحجة؛ فلذلك لم يذكر أنه يعرض حينئذ اختلاف دم. وما يحتبس من تلك الرطوبات PageVW1P036B في الرأس، يفعل الصرع والسكتة، وإنما لم ينزل (144) ذلك في الصورة التي كان (145) الخريف فيها جنوبيا، بعد صيف شمالي، لأن الرطوبات تكون حينئذ قليلة المقدار، حادة، فيكون إحداثها للصداع أولى. وما ينزل إلى الحلق يحدث الذبحة، لكثرة المادة، PageVW0P071A فيبلغ إلى حد يزاحم مجرى النفس PageVW2P065A والغذاء. وإذا قل المطر، قلت الرطوبات، واحتد ما في الأبدان من الرطوبات، لنقصان مائيتها، فيعرض الرمد، لحدة المادة، ولتضرر (146) الأعين بيبوسة الهواء. ويتبع ذلك هزال العين، لليبوسة، وقبول رطوبات العين للجفاف، * ويسمى ذلك سلا (147). ويعرض أيضا دق الشيخوخة، لليبوسة. وتحدث أيضا قرحة الرئة، لأن ما ينزل إلى الرئة، وإن قل، يكون شديد (148) الحدة. ويحدث أيضا حمى الدق، لاحتداد حرارة بعض الأبدان، مع اليبوسة، وكل ذلك يسمى سلا. ويحدث وجع المفاصل والنقرس، وذلك لأن الرطوبات، وإن قلت، فإنها تكون حادة كريهة إلى الطبيعة، فما يندفع منها إلى الطرف (149) يحدث ذلك، ويحدث أيضا تقطير البول، لشدة إيلامه بما (150) يخالطه من المواد الحادة.
[aphorism]
قال أبقراط (151): PageVW0P071B وأما حالات الهواء في يوم يوم، فما كان منها شماليا، فإنه يجمع الأبدان ويشدها، ويقويها، ويجود حركتها (152)، ويحسن ألوانها PageVW2P065B ويصفي السمع منها، ويجفف البطن، ويحدث في الأعين لذعا، فإن (153) كان في نواحي الصدر وجع متقدم، هيجه وزاد فيه. وما كان منها جنوبيا، فإنه يحل الأبدان ويرخيها، ويرطبها، ويحدث ثقلا في الرأس، وثقلا في السمع، وسدرا في العين، وفي البدن كله عسر الحركة، ويلين (154) البطن.
[commentary]
الشرح (155): اليوم الشمالي هو البارد الهواء، اليابسه، وكل واحد من البرد واليبس يوجب تجمع الأجزاء، فلذلك (156) هذا PageVW1P037A اليوم يجمع الأبدان ويشدها، لأن الرخاوة إنما تكون بالرطوبة والحرارة، ويقويها الامتناع الحار الغريزي عن التحلل. "ويجود حركتها (157)" أي هضمها وتغذيتها، لكثرة الحار الغريزي. وأما الحركات PageVW0P072A الانتقالية فيمكن أيضا أن تجود في هذا اليوم لزوال الرخاوة التي تكون بالحرارة والرطوبة. وأما إذا دام الهواء باردا يابسا، فإنه يضر في هذه الحركة، لأجل تضرر الأعصاب. وأيضا يصفي السمع، لمنعه الأبخرة المكدرة (158) بإجادة PageVW2P066A الهضم. وأيضا يجفف البطن، وذلك لإجادة الهضم وانعصار عضل المقعدة، فيعسر خروج الخارج، ولسكون المرار، فيقل ما يندفع منه إلى الأمعاء. وأيضا يحدث في الأعين لذعا بالبرد واليبس، وتتألم العينان بذلك أكثر من باقي الأعضاء لقوة حسها. قوله: "ويحسن ألوانها" يريد أن اللون يكون حينئذ أحسن مما يكون في اليوم الجنوبي القوي الحرارة. وأما إذا كانت الحرارة خفيفة، فإن اللون يكون أحسن جدا، لجذب الحرارة الدم (159) إلى الظاهر، مع كونها بحال تلين الجلد ولا تقوى على التحليل (160). قوله: "وإذا كان في نواحي الصدر وجع PageVW0P072B متقدم هيجه وزاد فيه" سبب ذلك أن الصدر ونواحيه كثير العظام، وهي باردة، والهواء يرد إليها كثيرا، ولضعف هذا السبب، لكون التغير في يوم واحد لا يقوى في الأكثر على إحداث هذا الوجع ابتداء. وما كان من الأيام جنوبيا، فإنه PageVW2P066B يحل الأبدان ويرخيها ويرطبها، وسبب ذلك الحرارة والرطوبة، ويحدث في الرأس ثقلا، لكثرة الأبخرة وقبول الدماغ لها لاسترخائه بالرطوبة، ولأنه حينئذ يسترخي فتكون قوته على حمل ما يتصعد إليه PageVW1P037B من المواد ضعيفة (161). وأيضا ثقلا في السمع، لكثرة الأبخرة. وأيضا سدرا، لكثرة الأبخرة أيضا، وذلك لأجل ضعف الهضم وثوران المواد بالحرارة. وأيضا يحدث في العينين وفي البدن كله عسر الحركة، وذلك لاسترخاء الأعصاب بالرطوبة، والعينان (162) تقبل ذلك أكثر، لزيادة رطوبتهما. وأيضا يلين البطن، لضد ما قلنا في اليوم الشمالي.
[aphorism]
قال أبقراط (163): PageVW0P073A وأما في أوقات السنة، ففي الربيع وأوائل الصيف يكون الصبيان والذين يتلونهم في السن على أفضل حالاتهم، وأكمل (164) الصحة. وفي باقي الصيف وطرف من الخريف، يكون المشايخ أحسن حالا. وفي باقي الخريف PageVW2P067A وفي الشتاء، يكون المتوسطون بينهما في السن أحسن حالا.
[commentary]
الشرح (165): الصبي يقال لغير البالغ، ويقال لمن هو في سن (166) النمو، ويقال لمن تعدى الطفولية (167) ولم يبلغ إلى حد الترعرع. والظاهر أن المراد ههنا هو المعنى الأول، فيكون الذين يتلون الصبيان في السن هم المراهقون والأحداث، فيشمل ذلك جميع أصحاب النمو. وهؤلاء -لرطوبة أبدانهم- يتضررون بجميع الكيفيات المفرطة، وما سوى الربيع لا يخلو عن (168) ذلك، فيكونون في الربيع أحسن حالا، وكذلك في أوائل الصيف، لأنه شبيه بالربيع. وأما آخر الشتاء فليس كالربيع في ذلك، لأنهم [C5DK4 73b] يتضررون بالبرد شديدا (169)، للين أبدانهم. وأما الحر اليسير فإنه وإن ضرهم، فهم ينتفعون به في تحليل فضولهم، لأن رطوباتهم كثيرة. وفي باقي الصيف وأول الخريف يكون المشايخ أحسن حالا، لتعديل الحرارة مزاجهم. وفي باقي PageVW2P067B الخريف وفي الشتاء يكون المتوسطون في السن بين المشايخ وأصحاب النمو PageVW1P038A أحسن حالا. أما الشباب (170)، فللبرد الكاسر للمرة، المعدل للحرارة. وأما الكهول، فلقوة الهضم (171)، وإنما لا يتضررون بالبرد، لأن البرد فيهم لم يستحكم. فإن قيل: ينبغي أن يكون الربيع أوفق للكهول. قلنا: ليس كذلك، لأن الشتاء ينبغي أن يكون أقوى ترطيبا، وهم شديدوا الحاجة إلى الترطيب.
[aphorism]
قال أبقراط (172): والأمراض كلها تحدث في أوقات السنة كلها، إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن يحدث ويهيج.
[commentary]
الشرح (173): PageVW0P074A الأمراض كلها يمكن حدوثها في جميع الأوقات لاختلاف الأبدان في الاستعداد والتدابير، إلا أن بعض الأمراض أولى بأن تحدث (174) في بعض الفصول، وهي الأمراض المناسبة بكيفيتها للفصل.
[aphorism]
قال أبقراط (175): قد يعرض في الربيع الوسواس السوداوي، والجنون، والصرع، والسكتة، وانبعاث الدم، والذبحة، PageVW2P068A والزكام، والبحوحة، والسعال، والعلة التي يتقشر معها الجلد، والقوابي، والبهق، والبثور الكثيرة التي تتقرح، والخراجات، وأوجاع المفاصل.
[commentary]
الشرح (176): إنما قال قد يعرض في الربيع، لأن عروض الأمراض فيه قليل، ومع قلتها، فهي (177) كثيرة الأنواع جدا، وذلك لأن باقي الفصول إنما يتولد فيه (178) من الأمراض ما يناسب كيفيته. والربيع يولد في كل بدن ما يناسبه من الأمراض، وذلك لأن المواد تكون (179) في الشتاء جامدة، فإذا اعتدل الهواء في الربيع سالت، فازداد حجمها PageVW0P074B لا محالة، فتكثر وتظهر آثارها، فتولد كل مادة المرض اللائق بها، فيعرض (180) الوسواس السوداوي (181)، وكذلك الجنون، إذا كانت السوداء حادة محترقة، والصرع والسكتة للمبلغمين (182)، وقد يعرضان أيضا للدمويين PageVW1P038B إذا تحرك دمهم إلى الرأس. ويعرض انبعاث الدم للذين دمهم كثير، خصوصا إذا كان حادا PageVW2P068B وكان فيهم موضع سهل الانصداع. وتعرض الذبحة لسيلان رطوبات الرأس، وأكثر ذلك للدمويين والمبلغمين (183). وتعرض البحوحة والسعال إذا سالت (184) تلك المواد إلى الصدر. والعلة التي يتقشر فيها (185) الجلد، إذا اندفعت المادة إلى الجلد وهي محترقة، فتحرق (186) الجلد. والقوابي، وذلك إذا لم تكن السوداء المندفعة إلى الجلد (187) # شديدة الاحتراق. والبهق؛ أما الأسود فإن كانت السوداء المندفعة إلى الجلد (188) مقرحة. وأما البهق الأبيض (189)، فإذا اندفع البلغم إلى الجلد. وتعرض البثور، PageVW0P075A وهي الأورام الصغار، والخراجات، وهي الأورام الحارة (190)، إذا اجتمعت (191)؛ وذلك إذا تحركت المواد إلى قرب الجلد، وأكثر ذلك للدمويين، وأكثر بثوره تتقرح لكثرة المواد. وتعرض أوجاع المفاصل، وذلك إذا سالت المواد إلى الأطراف، فتقبلها المفاصل بما فيها من الخلل.
[aphorism]
قال أبقراط (192): فأما في الصيف فيعرض بعض هذه الأمراض، وحميات دائمة ومحرقة، وغب كثيرة، وقيء، وذرب، ورمد، ووجع الأذن، وقروح في الفم، وعفن PageVW2P069A في القروح وحصف.
[commentary]
الشرح (193): أما أوائل الصيف فيعرض فيه جميع أمراض الربيع، لمشابهته له، فإن أول كل فصل شبيه بآخر المتقدم، لئلا تنتقل الأبدان من هواء إلى مباين له بغير تدريج، ولكنها تكون أقل وأسرع انفعالا (194) لقوة الحرارة المحللة. وأما PageVW0P075B في باقي الصيف فيقل فيه ما سببه من أمراض الربيع كثرة الرطوبات، كالسكتة، والصرع، والزكام، والبحوحة، والسعال. وأما انبعاث الدم، فقد يكثر لحدة الدم. وكذلك الذبحة، لتصعد المواد إلى فوق، لكنها PageVW1P039A تكون مرارية، أو عن دم مراري، وفي الربيع بلغمية، أو عن دم بلغمي. وكذلك الجنون والوسواس السوداوي (195) والقوابي، إذا كان يابسا قوى الحرارة، خصوصا في آخره. وأما البهق فيقل حدوثه في الصيف، لتخلخل المسام فيه؛ وكذلك البثور والخراجات، لكنهما قد (196) يكثران إذا كان الهواء رطبا. وأما الأمراض الخاصة بالصيف، فمنها PageVW2P069B حمى الغب (197)، واللازمة، والمحرقة، وذلك لكثرة الفاكهة، وغليان الدم، لأجل مائيتها، ولأجل الحرارة، وخاصة في آخره. فإن كانت الحمى خارج العروق، فالحمى غب دائرة، وإن كانت داخل (198) العروق بقرب القلب أو الكبد، فالحمى محرقة، وإلا غب لازمة PageVW0P076A دائمة؛ وقد تحدث الدائمة من الدم إذا عفن أيضا. ومنها القيء، لكثرة المرار وطفوه. والذرب، وذلك إذا اندفع المرار إلى الأمعاء. ورمد، لما يتصعد إلى العينين من المرار (199). ووجع الأذن، لكثرة ما يندفع إليها من المواد، فإن مرار (200) الدماغ يندفع بالطبع إلى الأذن، ولذلك وسخها مر. وقروح في الفم، لما يتصعد من المعدة من (201) الأبخرة الحارة (202) الصفراوية. وعفن في القروح، لأجل الحرارة، فإن كان هواؤه رطبا، كان العفن أكثر، وكذلك إذا احتبست ريح الشمال أو (203) ريح الجنوب. وحصف، لإحراق العرق الصفراوي الجلد بحدته.
[aphorism]
قال أبقراط (204): وأما في الخريف PageVW2P070A فيعرض أكثر أمراض الصيف، وحميات ربع ومختلطة، وأطحلة، واستسقاء، وسل، وتقطير البول، واختلاف الدم، وزلق الأمعاء، ووجع الورك، والذبحة، والربو، والقولنج PageVW0P076B الشديد الذي يسميه اليونانيون إيلاوس، والصرع، والجنون، والوسواس السوداوي.
[commentary]
الشرح (205): الخريف، لقلة التحلل فيه، PageVW1P039B يعرض فيه أكثر أمراض الصيف، أعني الحادثة (206) عن مواده، ويكون عروضها فيه كثيرا جدا، وخصوصا في أوله لمشابهته له. وأما الصيف فإنه وإن عرض فيه بعض أمراض الربيع، فإنها تكون قليلة، لأنها من الرطوبات. وهواء (207) الصيف قوي التحليل، وإذا حدث الخريف على مرض صيفي دام (208)، لعسر تحلل مادته. والذي يقل عروضها في الخريف من أمراض الصيف هي الصفراوية، كالقيءالصفراوي، والرمد، والحصف. وأما الأمراض المختصة بالخريف، فمنها حميات الربع، لكثرة السوداء ترميدا لما PageVW2P070B أحرقه الصيف، وتكثيفا له. ومنها حميات مختلطة، لاختلاف المواد فيه. وأما الصفراء، فلما تولد في الصيف واحتبس PageVW0P077A فيه. وأما السوداء والبلغم، فلما تولد (209) فيه، أما السوداء فلما قلناه، وأما البلغم فلضعف الهضم، لأجل اختلاف الهواء، وضعف الحار الغريزي بتحليل الصيف. ومنها أورام الأطحلة ونفخها، لكثرة السوداء وانحصارها في الباطن، مع ضعف الأحشاء، وضعف الهضم المكثر للرياح، وخاصة الربع يلزمها في الأكثر ضعف الطحال. ومنها الاستسقاء، لضعف الأحشاء، وسوء الهضم، وإضعاف ورم الطحال للكبد. ومنها السل، وقد بيناه. ومنها تقطير البول، لتضرر المثانة بالهواء المختلف، مع حدة البول بما يخالطه من المواد (210) الحادة، ليبوسة الهواء. ومنها اختلاف الدم، لكثرة النوازل الحادة. ومنها زلق الأمعاء، لأن ذلك يكثر عن قروح المعدة أو الأمعاء (211)، أو كثرة النوازل الحادة إليهما، PageVW2P071A أو إلى أحدهما، أو كثرة البلغم اللزج المزلق؛ وكل ذلك يكثر PageVW0P077B في الخريف. ومنها PageVW1P040A وجع الورك، لغلظ المواد، وإضرار الهواء المختلف بالأعضاء الباردة. ومنها الذبحة، لكثرة ما ينزل إلى الحلق من المواد. ومنها الربو، وهو ضيق في النفس، يشبه نفس المتعب، لكثرة النزلات، وإضرار الهواء المختلف بآلات النفس (212). ومنها إيلاوس، وهو مغص شديد (213) في الأمعاء الدقاق، ويسمى قولنج تجوزا (214)، ويكثر في الخريف لتجفيف يبوسة (215) الهواء لفضلات الغذاء (216) قبل إتيانها (217) إلى الأمعاء الغلاظ، وربما عرض حينئذ تورم في الأحشاء. ومنها الصرع، لفساد الأخلاط، وضعف الأدمغة بالهواء المختلف. ومنها الجنون والوسواس السوداوي (218)، لكثرة السوداء (219).
[aphorism]
قال أبقراط (220): وأما في الشتاء فيعرض ذات الجنب، وذات الرئة، والزكام، والبحوحة، والسعال، PageVW2P071B وأوجاع الجنبين والقطن (221)، والصداع، والسدر، والسكات. PageVW0P078A
[commentary]
الشرح (222): إنما لا يكثر في الشتاء شيء من أمراض الخريف، لأن الهضم فيه يجود ويقوى، فتجود الأخلاط ويترطب الهواء والأبدان، وذلك مناف للأسباب الموجبة للأمراض في الخريف؛ لكن لقوة البرد وإضراره بالأعضاء الباردة، والتي يصل إليها الهواء سريعا، وعصره المواد وتحركها (223) إلى أسفل، تعرض فيه هذه الأمراض. فذات الجنب إذا نزلت المادة إليه، وذات الرئة إذا نزلت (224) إليها، والزكام إذا نزلت إلى الأنف، والبحوحة إذا نزلت إلى الحنجرة، والسعال إذا نزلت إلى قصبة الرئة (225)، وأوجاع الجنبين والقطن إذا نزلت إلى هناك، والصداع إذا احتبست في الرأس، والسدر (226) إذا كانت مع ذلك متثورة (227) مغشية للبصر، والسكات إذا منعت نفوذ الروح بسدها.
[aphorism]
قال أبقراط (228): PageVW0P078B وأما في الأسنان فتعرض هذه PageVW1P040B الأمراض: أما الأطفال الصغار حين يولدون، فيعرض لهم القلاع، والقيء، والسعال، PageVW2P072A والسهر، والتفزع، وورم السرة، ورطوبة الأذنين.
[commentary]
الشرح (229): سن النمو ينقسم إلى خمسة أسنان، وذلك لأن الأعضاء فيه إن لم تكن مستعدة للحركة، فهو سن * الطفولة، وإن استعدت ولم يكمل نبات الأسنان بعد سقوطها فهو سن (230) الصبى، وإن كمل ذلك ولم يبلغ الحلم فهو سن الترعرع، فإن بلغ ذلك ولم يبقل (231) وجهه فهو سن الرهاق، وإن بقل (232) أو جاء وقته فهو سن الحداثة. أما الأطفال، قوله (233): "الصغار حين يولدون" تنبيها على مدة سنهم، فمن أمراضهم: القلاع وهي (234) قروح تعرض في سطح الفم، وسببها جلاء مائية اللبن وبورقيتها * لسطح الفم، لأنه (235) في غاية اللين. والقيء (236)، لأن (237) معدهم لم يسبق لها عادة بالهضم، مع طفو (238) اللبن، وحرص PageVW0P079A المراضع على زيادة إرضاعهم. والسعال، لتضرر آلات نفسهم بالهواء (239) إذ لم تعتده؛ ولكثر نوازلهم، لتضرر رؤوسهم ببرد الهواء. والسهر المراد به كثرة الانتباه من النوم، لألم التقميط (240) والربط، مع كثرة فساد اللبن في معدهم. والتفزع، لضعف قواهم، فينفعلون من أدنى تخيل (241). PageVW2P072B وورم السرة، لأجل قطعها. ورطوبة الأذنين، لإفراط رطوبة أدمغتهم، مع قلة اندفاع فضولها من المنخرين إذا كثر نومهم على الظهر.
[aphorism]
قال أبقراط (242): إذا (243) قرب الصبي من أن تنبت له الأسنان، عرض له مضيض (244) في اللثة، وحميات، وتشنج، واختلاف، لا سيما إذا نبتت لهم الأنياب، وللعبل من الصبيان، ولمن كان منهم بطنه (245) معتقلة.
[commentary]
الشرح (246): عند قرب نبات الأسنان يعرض للصبي مضيض (247) في اللثة، وهو أذى يسير، مع حكة، وسببه تفريق PageVW0P079B السن لاتصال اللثة. وحميات، PageVW1P041A للوجع. وتشنج، لتشنج (248) أعصاب اللثة * بتفريق السن، مع ضعفها. واختلاف، قيل: سببها ما يمصه من قيح اللثة (249)، وهو ضعيف، فإن هذا التفريق لا يلزمه تقيح، وقيل: انصراف فعل الطبيعة إلى تكوين السن والوجع المضعف للهضم. وعند نبات الأنياب يكون ذلك أكثر، لكبرها. وللعبل أكثر، لزيادة رطوباتهم. ولمن كانت بطنه PageVW2P073A معتقلة، لأن فضوله تكون قد احتبست لقلة اندفاعها.
[aphorism]
قال أبقراط (250): فإذا (251) جاوز الصبي هذا السن عرض له ورم الحلق، ودخول خرزة القفا، والربو، والحصا، والحيات، والدود، والثآليل المتعلقة، والخنازير، وسائر الخراجات.
[commentary]
الشرح (252): يعرض في سن الترعرع ورم الحلق، لأن الحرارة تكون قد اشتدت، فيشتد بسببها رطوبات (253) الدماغ. ودخول خرزة القفا، لإزلاقها بالرطوبات، وانجذابها بتمدد الرباطات عند ورم الحلق. PageVW0P080A والربو، لكثرة ما ينزل إلى الرئة. والحصا، لكثرة الرطوبات والبلغم، مع الحرارة العاقدة والمثانية تكثر بهؤلاء ، وبالشبان لقوة قواهم على دفع فضلاتهم إلى أسافل (254) الأعضاء، والكلوية تكثر بالمشايخ. والحيات، لكثرة البلغم، وقبوله للحيات (255) لقلة الأرضية المرة (256)، بخلاف المشايخ. والدود يفارق (257) الحيات بأنها قصار. والثآليل المتعلقة لانعقاد البلغم الغليظ، واندفاعه من جهة PageVW2P073B ظاهر البدن. والخنازير، والمراد بها (258) البلغمية منها، وسببها كثرة نزول المواد من رؤوسهم. والخراجات، لأن قواهم تقوى على دفع فضولهم الكثيرة إلى (259) الظاهر.
[aphorism]
قال أبقراط (260): فإذا تجاوز الصبي هذا السن وقرب (261) من أن ينبت له الشعر PageVW1P041B في العانة، فيعرض له كثير من هذه الأمراض، وحميات أزيد طولا ورعاف.
[commentary]
الشرح (262): يعني ههنا بالصبي لا ما فسرناه عن قريب، PageVW0P080B بل ما قلناه أولا، وهو ما هو في سن النمو، ودون البلوغ. والقلاع، والقيء، والسهر، والتفزع، وورم السرة، ورطوبة الأذنين (263)، يقل عروضها لهؤلاء، لقوة أعضائهم، وانعصار (264) رطوباتهم، واشتداد حرارتهم. وكذلك مضيض (265) اللثة، والحميات، والتشنج، والاختلاف؛ لأن أسنانهم تكون قد تكاملت. لكن يعرض لهم الحميات والاختلاف، لأن الصفراء تكثر فيهم، وتكون حمياتهم أطول لأن أمراض الأطفال (266) كلها قصيرة، لسرعة تغيرهم. ويقل فيهم أيضا [TH2 74a] دخول خرزة القفا، والربو، والحصا، والحيات (267)، والدود، والثآليل المتعلقة، والخنازير؛ لأن حرارتهم تشتد فيقل البلغم لقوة الهضم. وأما الخراجات وأورام الحلق، فقد تكثر فيهم، لكنها تميل فيهم إلى الدموية، وسبب ذلك قوة قواهم على دفع الفضول إلى الأعضاء القابلة. ومن أمراضهم الرعاف، لأن دمهم يكثر ويسخن. PageVW0P081A
[aphorism]
قال أبقراط (268): وأكثر ما يعرض للصبيان من الأمراض يأتي في بعضه البحران في أربعين يوما، وفي بعضه في سبعة أشهر، وفي بعضه في سبع سنين، وفي بعضه إذا شارفوا نبات الشعر في العانة. وأما ما يبقى فلا ينحل في (269) وقت الإنبات، و في (270) الإناث في وقت ما يجري منهن الطمث، فمن شأنها أن تطول.
[commentary]
الشرح (271): قد قيل: إن أبقراط إذا أطلق لفظ (272) الأمراض أراد المزمنة، ولا شك أن الأمر (273) ههنا هو كذلك. وأول بحارين الأمراض المزمنة هو اليوم الأربعون (274)، [L4 42a] وإذا (275)كان المرض شديد PageVW2P074B الإزمان (276)، جعلوا الشهر فيه بمنزلة اليوم من الأمراض الحادة، بل ربما جعلوا السنة بمنزلة اليوم؛ فلذلك يأتي في بعضها البحران في سبعة أشهر، وفي بعضها في سبع سنين (277)، وفي بعضها في أربعة عشر سنة، وهو عند نبات شعر العانة (278)، وذلك نظير اليوم السابع واليوم الرابع عشر. PageVW0P081B وأما ما يبقى، فلا ينحل في وقت الإنبات، وفي (279) الإناث في وقت ما يجري منهن الطمث، فمن شأنها أن تطول، لأن الحرارة الغريزية إذا لم تقو (280) في هذا الوقت على الدفع، لم (281) تقو (282) في غيره في مدة يسيرة.
[aphorism]
قال أبقراط (283): وأما الشبان فيعرض لهم نفث الدم، والسل، والحميات الحادة، والصرع، وسائر الأمراض، إلا أن أكثر ما يعرض لهم ما ذكرنا.
[commentary]
الشرح (284): قد ذكر أبقراط الأمراض التي تعرض في أربعة أسنان من أسنان (285) سن النمو، وأما (286) سن الحداثة فهو أصح الأسنان وأعدلها، والظاهر أنه ليس له مرض من شأنه أن يعرض فيه. PageVW2P075A والشبان (287) يكثر فيهم (288) نفث الدم، لكثرته فيهم، مع حدته، بسبب غلبة المرار عليهم، ولقلة تحرزهم من النوم على الأرض، والصياح الشديد، والعدو، وكشف الرأس. وأيضا السل تبعا لنفث الدم، ولحدة (289) PageVW0P082A نوازلهم. ويعرض لهم الدق لحرارة مزاجهم، مع أن الرطوبة غير زائدة. وأيضا الحميات الحادة، لغلبة المرار عليهم. ويعرض لهم الصرع وسائر الأمراض، إلا أن الأكثر (290) ما ذكرناه؛ وذلك لأن الأبدان كلها متهيئة لتغير المزاج والتركيب، فإذا (291) عرض سبب يوجب ذلك، فقد تولد الأمراض. فيعلم أن غير الشباب من الأسنان أولى بإمكان عروض جميع الأمراض لأن القوة الدافعة في PageVW1P042B الشباب (292) أقوى.
[aphorism]
قال أبقراط (293): فأما من جاوز هذا السن، فيعرض لهم الربو، وذات الجنب، وذات الرئة، والحمى التي يكون معها السهر، والحمى التي يكون معها اختلاط العقل، والحمى المحرقة، والهيضة، والاختلاف، [TH2 75b] الطويل، وزلق الأمعاء، وسحج الأمعاء، وانفتاح (294) أفواه العروق من أسفل (295).
[commentary]
الشرح (296): PageVW0P082B كثير من هذه الأمراض تعرض للمشايخ، فلذلك لم يقل أبقراط: وأما الكهول. ويكثر في هذا السن الربو، لكثرة النزلات (297)، مع قصور الحرارة عن إنضاجها ودفعها. وذات الجنب وذات الرئة، لكثرة النوازل إليهما، وسبب ذلك استمرار الكهول على عادتهم من كشف الرأس. وأكثر ذلك من بلغم (298)، لاجتماع الصفراء مع البلغم. أما الصفراء، فمما (299) حصل في سن الشبيبة. وأما البلغم، فمما (300) حصل لهم عند الانتقال. والحمى التي يكون معها السهر، لغلبة اليبوسة على أمزجتهم. والحمى التي يكون معها اختلاط (301) الذهن (302)، لأجل السهر، مع ضعف الدماغ، بسبب الانتقال إلى البرد. والحمى المحرقة، وذلك إذا كانت المادة بقرب القلب، ومن كان من الكهول يابس البطن فحدوث هذه الحميات فيه أكثر، لأن الصفراء التي تولدت في سن الشباب لا تكون قد PageVW2P076A اندفعت من جهة الأمعاء. والهيضة، PageVW0P083A والاختلاف الطويل (303) لاغترارهم بهضمهم القوي الذي كان في الشبيبة، ولذلك يعرض لهم زلق الأمعاء والسحج، ويعين على ذلك كثرة نوازلهم الحادة. وأيضا انفتاح أفواه العروق من أسفل، لسوداوية أخلاطهم، مع حدتها وميلها إلى أسفل.
[aphorism]
قال أبقراط (304): PageVW1P043A وأما المشايخ فيعرض لهم رداءة النفس (305)، والنزل التي يعرض معها السعال، وتقطير البول وعسره، وأوجاع المفاصل، وأوجاع الكلى، والدوار، والسكات، والقروح الرديئة، وحكة البدن، والسهر، ولين البطن، ورطوبة العينين والمنخرين، وظلمة البصر، والزرقة، وثقل السمع.
[commentary]
الشرح (306): يكثر بالمشايخ النوازل، لضعف أدمغتهم، مع كثرة فضولهم؛ ولذلك يكون معها سعال (307)، ورداءة في النفس (308)، وخصوصا إذا برد الهواء. وتقطير البول وعسره، لضعف مثانتهم، لأجل برد PageVW0P083B المزاج، مع كثرة فضولهم، وكونها مع حدة، لغلبة الأرضية. وأوجاع PageVW2P076B المفاصل، لكثرة ما يسيل إليها من الفضول. وأوجاع الكلى، لكثرة موادهم الغليظة، فتسدد الكلى، وربما ولدت الحصاة (309). والدوار، والسدر، والسكات؛ لكثرة الأبخرة المتصعدة من معدهم لضعف هضمهم (310)، ولكثرة فضول معدهم (311) لضعفها. والقروح الرديئة، لكثرة فضولهم، مع فسادها. وحكة البدن، لبورقية موادهم، مع تكاثف جلودهم. والسهر، لبورقية رطوباتهم، وغلبة همومهم وأفكارهم، لكن النعاس يغشاهم كثيرا لما تقدم من سهرهم، وإذا طرحوا أبدانهم لم يناموا، لثوران الحرارة (312) موادهم. ولين البطن، يريد أن ذلك يعتريهم كثيرا على أنه مرض، وسببه كثرة الفضول، مع قصور الهضم. ورطوبة العينين والمنخرين، لما يسيل من أدمغتهم مما لم يتم هضمه، مع كثرة الأبخرة المرتفعة إلى رؤوسهم، PageVW0P084A فإذا تكاثفت (313) في الدماغ لبرودة، عادت مائية وسالت من العين (314) PageVW1P043B والأنف. PageVW2P077A والزرقة، وسببها فيهم: إما يبوسة العين (315)، فيقل سواد العنبية، كما يقل خضرة الزرع إذا اخذ في اليبس؛ أو غلبة الرطوبة المائية، كما يصفر الزرع إذا أفرط في سقيه. وثقل السمع، لابتلال عصبته (316).
بسم الله الرحمن الرحيم.
المقالة الرابعة من كتاب شرح فصول أبقراط (1)
[aphorism]
قال أبقراط (2): ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة، منذ يأتي على الجنين أربعة أشهر، وإلى أن يأتي عليه سبعة أشهر، ويكون التقدم على هذا أقل. فأما (3) ما يكون أصغر من ذلك أو أكبر منه، فينبغي أن يتوقى عليه.
[commentary]
الشرح (4): مهما كان الضرر (5) المتوقع من ترك الاستفراغ أزيد (6)، أو مساويا (7) للضرر المتوقع من الإسقاط، كما إذا كان بالحامل (8) قولنج صعب، وجب الاستفراغ لامحالة كيف كان (9)، لأنا إن لم نستفرغ كان الضرر متيقنا، وإن استفرغناه كان موهوما (10). وأما إذا كان ضرر الإسقاط أعظم، فإما إن كان (11) PageVW0P085A الإسقاط عند الاستفراغ غالبا، فلا يجوز؛ أو لا يكون كذلك، فيجوز. [TH2 77b] وإذا (12) كانت أخلاط الحبلى ساكنة، كان الضرر من ترك الاستفراغ قليلا، لأن مثل هذه المواد ينبغي تأخر (13) استفراغها إلى بعد النضج، مع أن النضج إنما يراد لتسهيل خروج المادة، فبأن يجوز ذلك لخوف الإسقاط أولى (14). وإن كانت أخلاطها هائجة، كان ضرر ترك الاستفراغ مع عظمه لا يبلغ ضرر الإسقاط، فأول تخلق الطفل وعند استكماله، يكون الإسقاط بالاستفراغ غالبا. أما الأول فلأن التعلق بالرحم لم يكن استحكم بعد، وأما بعد الاستكمال فلأنه يكون قد ثقل وقل احتياج الطبيعة إلى إمساكه، فلا يجوز الاستفراغ. وأما PageVW1P044A فيما بين ذينك (15) فيجوز، لأن التعلق (16) حينئذ قويا، فيكون الإسقاط نادرا، فإن احتيج إلى الاستفراغ قبل ذلك أو بعده، فينبغي أن يكون ذلك بحذر وتوق على الجنين، PageVW0P085B ويكون التقدم على هذا (17) الوقت المتقدم (18) أقل من التأخر (19)، أي يكون إقدام الطبيب على الاستفراغ PageVW2P078A قبل هذا الوقت المحدود أقل من إقدامه عليه بعده، لأن الاستفراغ بعد ذلك الوقت وإن (20) أوجب الإسقاط، فإن الولد إذا سقط حينئذ قد يمكن أن يعيش، ولا كذلك فيما قبل ذلك الوقت.
[aphorism]
قال أبقراط (21): إنما ينبغي أن يسقى من الدواء ما يستفرغ من البدن النوع الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه نفع استفراغه. فأما ما كان استفراغه (22) على خلاف ذلك، فينبغي أن تقطعه.
[commentary]
الشرح (23): سبب ذلك أن الطبيب إنما يجوز أن يتصرف تصرفا لا يحدث ضررا، واستفراغ ما سوى (24) ذلك ضار؛ لما بيناه أولا، فلا يكون جائزا. *
[aphorism]
قال أبقراط: إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه PageVW0P086A البدن، نفع ذلك واحتمل بسهولة، وإن كان الأمر على ضد ذلك كان عسرا.
[commentary]
الشرح: قد حققنا هذا في بحثنا في أول الكتاب (25).
[aphorism]
قال أبقراط (26): ينبغي أن يكون ما يستعمل من الاستفراغ بالدواء في الصيف من فوق أكثر، وفي الشتاء من أسفل.
[commentary]
الشرح (27): حرارة الصيف تحدث في المواد غليانا وطفوا، وبرد الشتاء يحدث فيها جمودا وثقلا، فتكون مائلة في الصيف إلى فوق، وفي الشتاء إلى أسفل، PageVW2P078B وقد بينا أن استفراغ المواد ينبغي أن يكون من الجهة التي هي إليها أميل؛ فلذلك ينبغي أن يكون في الصيف من فوق، وفي الشتاء من أسفل. قوله: "من الاستفراغ بالدواء" إنما خصص بذلك لأن ما يكون من الاستفراغ بمثل المرقة المزلقة، أو الفتل، أو الحقن، أو الماء PageVW0P086B الحار، لا يراعى فيه PageVW1P044B ذلك؛ لأن استفراغه إنما يكون لما هو محتبس في الأمعاء (28) أو المعدة من الأغذية، وذلك لا يختلف ميله (29) باختلاف الفصول.
[aphorism]
قال أبقراط (30): بعد طلوع الشعرى العبور، وفي وقت طلوعها، وقبله، يعسر الاستفراغ بالأدوية.
[commentary]
الشرح (31): أما ما يكون من الاستفراغ بمثل الماء الحار والفتل والفصد وما أشبهه، فلا يختص بوقت. وأما ما يكون (32) بالدواء (33)، فينبغي أن يمنع في وقت قوة الحر، وهو عند طلوع الشعرى العبور، وقبل ذلك، وبعده بزمان يسير؛ وسبب ذلك أمور: أحدها: إن القوى تضعف بالحر، والدواء يزيدها PageVW2P079A ضعفا. وثانيها: أن (34) حر الهواء يجذب المواد إلى ظاهر البدن، وذلك مناف لجذب الدواء. وثالثها: أن (35) الدواء المستفرغ لابد وأن يحرك المواد، والحركة مسخنة، وذلك عند قوة حرارة الهواء يضعف (36)، خصوصا PageVW0P087A وأكثر الأدوية المستفرغة حارة، والدواء المسهل أولى بالمنع حينئذ، لأن حركة المواد إلى فوق بالحر لا ينافي جذب القيء.
[aphorism]
قال أبقراط (37): من كان قضيف (38) البدن، وكان القيء يسهل عليه، فاجعل استفراغك إياه بالدواء من فوق، وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء.
[commentary]
الشرح (39): سبب ذلك أن هذا في الغالب تكون مواده صفراوية، مائلة إلى فوق.
[aphorism]
قال أبقراط (40): وأما من كان يعسر عليه القيء، وكان من حسن اللحم على حال (41) متوسطة، فاجعل استفراغك إياه بالدواء من أسفل، وتوق أن تفعل ذلك في الصيف.
[commentary]
الشرح (42): سبب ذلك PageVW2P079A ظاهر، وإنما لم يقل: "وكان [L4 45a] غير PageVW0P087B قضيف"، مع كون ذلك يدخل فيه (43) المتوسط (44) اللحم ومفرطه (45)، لأن المفرط في الخصب قد لا يجوز استفراغه من أسفل، وذلك إذا كان ضيق العروق يخشى من الإسهال، ونحوه انطباق عروقه، لانضغاطها بكثرة السمن.
[aphorism]
قال أبقراط (46): وأما أصحاب السل فإذا استفرغتهم بالدواء، فاحذر أن تستفرغهم من فوق.
[commentary]
الشرح (47): قد يكون بأصحاب السل حمى عفنية، فيحتاجون إلى الاستفراغ، لأن إضرار الحمى بهم يشتد (48)، وحينئذ لا يجوز أن يكون ذلك من فوق. وأما (49) المستعدون للسل، فلما يخشى من القيء صدع بعض عروق الرئة، لاستعدادهم لذلك، فيقعون في السل. وأما الواقعون فيه، فلما يخشى من زيادة تفرق اتصال الرئة.
[aphorism]
قال أبقراط (50): PageVW0P100A وأما من كان الغالب عليه المرة السوداء، فينبغي أن تستفرغه إياها من أسفل بدواء أغلظ، إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد. PageVW2P080A
[commentary]
الشرح (51): قال ههنا: "ينبغي أن تستفرغهم"، وقال في الأول: "فإذا استفرغتهم" تنبيها على أن هؤلاء محتاجون (52) إلى الاستفراغ دائما، وأولئك استفراغهم على خلاف الدليل، لأجل ما يلزم قرحة الرئة من الحمى الدقية، وإنما (53) يستفرغون (54) لأمر آخر غير مرضهم. والمرة السوداء أرضية ثقيلة، فتكون مائلة إلى أسفل؛ وغليظة، فيكون نفوذها في المجاري أعسر؛ فلذلك ينبغي أن تستفرغ من أسفل. "بدواء أغلظ" أي أغلظ قواما، فلا ينحدر (55) بسرعة، فتكون قوته أقوى لزيادة بقائه حيث يعمل. قوله: "إذ تضيف الضدين PageVW1P045B إلى قياس واحد" المراد بالضدين ههنا تحريك المواد إلى أسفل وتحريكها إلى فوق -إذا تحركت (56)- متضادتان، PageVW0P100B فيكون التحريك متضادا، وهو تحريك الاستفراغ. والقياس الواحد هو القياس الدال على وجوب استفراغ المواد من حيث هي إليه أميل. PageVW2P080B
[aphorism]
قال أبقراط (57): ينبغي أن تستعمل دواء الاستفراغ في الأمراض الحادة جدا، إذا كانت الأخلاط (58) هائجة، منذ أول يوم، فإن تأخيره في مثل هذه الأمراض رديء.
[commentary]
الشرح (59): قد بينا هذا فيما سلف، وههنا زيادة، وهو أن المرض المهياج إذا كان حادا جدا، وجب (60) أن يكون استعمال الدواء في أول يوم. وأما في غيره فقد يؤخر يوما أو يومين؛ وسبب ذلك أن الحاد جدا تكون مواده رقيقة، فتكون سهلة الحركة والنفوذ في الممار (61).
[aphorism]
قال أبقراط (62): من كان به مغص وأوجاع حول السرة، ووجع في القطن دائم (63)، لا ينحل بدواء مسهل ولا بغيره، فإن أمره PageVW0P099A يؤول إلى الاستسقاء اليابس.
[commentary]
الشرح (64): المغص وجع معوي أو معدي (65)، وأكثره في الأمعاء (66) الدقاق. ويريد بالأوجاع التي حول السرة، ما يحدث هناك من الأوجاع الحادثة عن الرياح، وإنما تكون هذه الأوجاع مع المغص ووجع PageVW2P081A القطن دائمة، إذا كانت عن مادة غليظة باردة، وكانت هذه الأعضاء ضعيفة سيئة المزاج، حتى تكون مولدة لهذه المادة كلما استفرغت، فإذا طال الزمان، كثرت هذه الرياح، وانتفخ (67) البطن بإفراط، وكان من ذلك الاستسقاء اليابس، وهو الطبلي.
[aphorism]
قال أبقراط (68): من كان به زلق PageVW1P046A الأمعاء في الشتاء، فاستفراغه بالدواء من فوق رديء.
[commentary]
الشرح (69): المادة الموجبة لهذا الزلق إن كانت غليظة، [C5DK4 99b] بلغمية، لزجة، فظاهر أن استفراغها من فوق رديء؛ لأنها تكون بطبعها مائلة إلى أسفل. وإن كانت حادة حارة، فلكون (70) ذلك في الشتاء، يوجب رداءة استفراغها من فوق.
[aphorism]
قال أبقراط (71): من احتاج إلى (72) أن يسقى الخربق، وكان استفراغه من فوق لا يؤاتيه بسهولة، فينبغي أن يرطب بدنه، من (73) قبل إسقائه (74) إياه، بغذاء أكثر، وبراحة (75).
[commentary]
الشرح (76): من الأسباب المسهلة للقيء والإسهال ترطيب (77) PageVW2P081B البدن بزيادة الغذاء والراحة، فإن الرطوبات إذا كثرت لم تنحل الطبيعة بما يخرج منها، فيكون إخراج الدواء له سهلا، بل يعرض للطبيعة حينئذ اشتياق (78) إلى دفع ما عندها من الرطوبات -لكثرتها- إلى فوق أو إلى أسفل، وخصوصا إذا كثرت أنواع الأغذية وكانت حلوة دسمة، فإن النفرة من الرطوبات تكون حينئذ أكثر . PageVW0P088A
[aphorism]
قال أبقراط (79): إذا سقيت إنسانا خربقا، فليكن قصدك لتحريك بدنه أكثر، ولتسكينه وتنويمه (80) أقل؛ وقد يدل (81) ركوب السفن على أن الحركة تثور الأبدان.
[commentary]
الشرح (82): إذا سقي الخربق للقيء، وأريد (83) إخراج مادة كثيرة، فينبغي أن تحرك الذي سقي (84) ذلك، فإن الحركة تسخن الأخلاط وتثورها، فتطفو ويسهل على الدواء تحريكها إلى فوق. ويدل على أن الحركة مثورة للأخلاط أن راكب السفينة يعرض له قيء شديد، وما ذاك إلا بحركة (85) المواد إلى فوق. PageVW2P082A
[aphorism]
قال أبقراط (86): إذا أردت أن يكون استفراغ الخربق أكثر، فحرك البدن؛ وإذا (87) أردت أن تسكنه، فنوم الشارب له PageVW1P046B ولا تحركه.
[commentary]
الشرح (88): سبب ذلك أن النوم تسكن فيه الأخلاط، فلا (89) يسهل تحريكها إلى فوق. PageVW0P088B
[aphorism]
قال أبقراط (90): شرب الخربق خطر لمن كان بطنه (91) صحيحا، وذلك أنه يحدث له تشنجا (92).
[commentary]
الشرح (93): إذا كان البدن صحيحا، أي نقيا من المواد الرديئة، فاستفراغه مطلقا رديء، وبالخربق أردأ؛ لأنه يحدث التشنج، وذلك لأجل إفراط (94) تجفيفه العصب، وربما ولد التشنج الرطب أيضا، وذلك لتحريكه المواد إلى الأعصاب.
[aphorism]
قال أبقراط (95): من لم يكن به حمى، وكان به امتناع من الطعام، ونخس في الفؤاد، وسدر، ومرارة في الفم، فذلك يدل على استفراغه بالدواء من فوق.
[commentary]
الشرح (96): الامتناع من الطعام هو بطلان الشهوة، وإنما يكون ذلك مع هذه الأعراض الأخر PageVW2P082B إذا كان لخلط فاسد (97) في أعالي المعدة. ويريد بالفؤاد، فم PageVW0P089A المعدة، فإنه يسمى فؤادا وقلبا على سبيل التجوز؛ ولذلك (98) ربما قيل للقلب: فم المعدة. ونخس الفؤاد، مع مرارة الفم، إنما يكون لمادة صفراوية. والسدر حينئذ إنما يكون لتصعد تلك الصفراء، وذلك يوجب أن يكون الاستفراغ (99) من فوق.
[aphorism]
قال أبقراط (100): الأوجاع التي من فوق الحجاب، تدل على الاستفراغ بالدواء من فوق، والأوجاع التي من أسفل (101) الحجاب، تدل على الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
الشرح (102): يريد أنه إذا احتيج إلى استفراغ مع هذه الأوجاع، فينبغي أن يكون من جهتها، لأن الوجع (103) إنما يكون حيث المواد مائلة إلى تلك الجهة. فإن قيل: إن هذا لا يصح، فإن القيء لا يجوز في ذات الجنب وذات الرئة، مع أن الوجع فيهما فوق الحجاب، والإسهال لا يجوز في أوجاع الكلى الحصوية، مع أن PageVW1P047A الوجع تحت الحجاب. PageVW0P089B قلنا: الاستفراغ من فوق لا يختص بالقيء، ومن أسفل لا يختص PageVW2P083A بالإسهال، واستفراغ مادة ذات الجنب وذات الرئة، أجود ما يكون بالنفث، وأجود استفراغ (104) الكلية بالإدرار.
[aphorism]
قال أبقراط (105): من شرب دواء الاستفراغ فاستفرغ ولم يعطش، فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش.
[commentary]
الشرح (106): إذا اعتدلت رطوبات البدن، ولم ترد رطوبة من خارج، فلابد من غلبة الجفاف ضرورة وجود الأسباب المحللة،ويلزم ذلك وجود العطش، فإذا مهما تم النقاء بالاستفراغ حصل العطش، وقبل ذلك لا يلزم، أي لا يلزم حصول العطش اليبسي، لأن قبل النقاء تكون الرطوبات زائدة، وذلك مناف لذلك (107) العطش. وإذا لم يتم النقاء، فمن شأن الدواء أن يعمل لوجود ما من شأنه PageVW0P090A جذبه. وإذا حصل النقاء، ففي الغالب ينقطع فعل الدواء لفقدان ما من شأنه جذبه. فإذا من استفرغ بالدواء فلم يعطش (108)، أي فلم يعطش العطش الذي يكون عن (109) الدواء المستفرغ لكونه مستفرغا، لا لكونه PageVW2P083B حارا أو مجففا، ولا لكون المادة حارة ويابسة؛ فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش فينقطع (110) حينئذ.
[aphorism]
قال أبقراط (111): من لم يكن به حمى، وأصابه مغص، وثقل في الركبتين، ووجع في القطن، فذلك يدل على انه يحتاج إلى الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
الشرح (112): هذه الأعراض تدل لا محالة على مواد مائلة إلى أسفل، فيجب (113) أن يكون استفراغها من أسفل. ومعنى قوله: "من لم يكن به حمى" أنه إذا حصلت هذه الأعراض وجب أن يكون الاستفراغ PageVW1P047B من أسفل، وإن لم يكن حمى؛ لأن الحمى نفسها توجب أن يكون PageVW0P090B الاستفراغ من أسفل، خوفا على الرأس من تضرره بالمواد لو استفرغناه من فوق.
[aphorism]
قال أبقراط (114): البراز الأسود الشبيه بالدم، الآتي من تلقاء نفسه، كان مع حمى، أو مع (115) غير حمى، فهو (116) أردأ العلامات. وكلما كانت الألوان في البراز أردأ، كانت تلك علامة أردأ، وإذا (117) كان PageVW2P084A ذلك مع شرب دواء، كانت تلك علامة أحمد. وكلما كانت تلك الألوان أكثر، كان ذلك أبعد من الرداءة.
[commentary]
الشرح (118): البراز يكون أسود، إما لاحتراق الأخلاط، أو لدفع الطبيعة مادة سوداوية بالبحران، أو لتناول صابغ كالمري، أو لدواء يسهل السوداء. لكنه إذا كان شبيها بالدم، أعني الدم الجامد، فإن الدم السائل لا يشبهه البراز الأسود. "وأتى من تلقاء نفسه" فذلك إنما يكون عن الاحتراق، لأن الكائن عن الاحتراق، وإن كان عن (119) PageVW0P091A دفع الطبيعة، فإن الطبيعة (120) إنما تدفعه لإضراره بها، فيكون هو الموجب لإخراج نفسه. وكذلك (121) الكائن عن الدواء وتناول الصابغ، مع كون الذي عن الصابغ كحال البراز المعتاد، وإنما لونه فقط (122) فلا (123) يكون شبيها بالدم. وكذلك السوداوي يخالف الدم ببريقه وغليانه، فلا يشبهه، كان عن دواء أو عن دفع بحران. وإنما كان هذا من أردأ العلامات لدلالته PageVW2P084B على سببه، الذي هو الاحتراق. وإن كان (124) من حيث هو (125) خروج ما ينبغي إخراجه، ينفع البدن، فإنه لو بقي محتبسا في البدن بعد تكونه لكان الحال أردأ بكثير، ولا تختص رداءته بالحمى، بل سواء كان مع حمى أو بدونها فهو رديء. وكلما كانت الألوان PageVW1P048A أردأ، كانت تلك علامة أردأ، لدلالتها على زيادة الخروج عن الأمر الطبيعي. وأما إذا كان هذا البراز، أعني الأسود، عن شرب دواء، فهو وإن دل PageVW0P091B على وجوب (126) الاحتراق، لكنه يدل على جودة فعل الدواء، إذ قد أخرج الضار الفاسد، مع كون الاحتراق الذي دل عليه لابد وأن يكون دون ما في الأول، لأنه لو كان ههنا كثيرا، لكانت المادة المحترقة (127) كثيرة وكانت (128) تحوج الطبيعة إلى دفعها بدون الدواء. وكلما كانت الألوان الخارجة عند (129) شرب الدواء أكثر، كانت أبعد من الرداءة، لدلالة ذلك على قلة المادة PageVW2P085A المحترقة، وإلا كان الخارج كله منها؛ لأن إخراج ما هو أشد ضررا -في الغالب- يتقدم خروجه، وكانت علامة على كون الدواء ينقي البدن من جميع المواد، وذلك لا محالة أحمد. وأما إذا كانت الألوان مع الدواء أردأ، فلا يلزم أن يكون ذلك محمودا، لأن ذلك يدل على تقدم فساد شديد.
[aphorism]
قال أبقراط (130): أي مرض خرجت في ابتدائه المرة السوداء من أسفل، PageVW0P092A أو من فوق، فتلك علامة دالة على الموت.
[commentary]
الشرح (131): معنى خرجت، أي خروجها بنفسها، لا عن دواء (132)، فإن ذلك يقال فيه: "أخرجت"، فكون ذلك في ابتداء المرض يمتنع (133) أن يكون عن بحران، وكونها مرة سوداء يمتنع أن يكون الخارج الأسود لتناول صابغ، ومن (134) كونها مرة سوداء يعرف أنها غير طبيعية. وإذا كان الاحتراق في ابتداء المرض، بلغ (135) هذا الحد، فإذا تزيد المرض، وجب أن يفرط الاحتراق، وحتى يقتل.
[aphorism]
قال أبقراط (136): من كان PageVW2P085B قد أنهكه مرض حاد (137) أو مزمن، أو إسقاط، أو غير ذلك، ثم خرجت منه مرة سوداء، أو بمنزلة الدم PageVW1P048B الأسود، فإنه يموت من غد (138) ذلك اليوم.
[commentary]
الشرح (139): يقال أنهكه المرض إذا كان قد أثر فيه هزالا وضعفا مفرطين، ولا شك أن ذلك إذا كان معه احتراق يلزمه خروج مثل هذه المادة، فظاهر (140) أنه يموت سريعا. PageVW0P092B والعمدة في أمثال هذا (141) على الاستقراء والتجربة.
[aphorism]
قال أبقراط (142): اختلاف الدم إذا كان (143) ابتداؤه من المرة السوداء، فتلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (144): قد بينا أن خروج المرة السوداء في ابتداء كل مرض، علامة الموت، فكيف إذا تعقب ذلك خروج الدم، وفي الغالب إنما يكون هذا الدم عن سحج أورثه حدة الخارج.
[aphorism]
قال أبقراط (145): خروج الدم من فوق، كيف كان، علامة رديئة؛ وخروجه من أسفل علامة جيدة، إذا خرج منه شيء أسود.
[commentary]
الشرح (146): يريد بخروج الدم من فوق، PageVW2P086A ما يكون بالقيء، وبخروجه من أسفل ما يكون من أفواه العروق؛ لأن ما سوى ذلك كالرعاف والإسهال وغيرهما له أسماء خاصة، PageVW0P093A فتكون العبارة عنه باسمه أولى. والخروج يعم ما يكون من تلقاء نفسه، وما يكون عن سبب ظاهر كالدواء، وما يكون عن سبب باطن وهو الكائن بالبحران، وهذا الثالث أولى (147) أن يكون هو المراد لاختصاص الأولين بألفاظ تخصهما (148)، وما يخرج من ذلك من فوق رديء لأنه لابد وأن يمر بالمعدة فيضرها، وربما جمد فيها فكان سما، وما يخرج من أسفل (149) يخلو عن هذه المضار فيكون محمودا، وهذا (150) يبريء من أمراض كثيرة كأوجاع الورك، وأوجاع الكلى، وكل مرض سوداوي. قوله: "إذا خرج منه شيء أسود" خروج هذا PageVW1P049A الدم محمود، سواء كان أسود أو أحمر، لأنه ينقي البدن، لكن الأسود أكثر نفعا لأنه PageVW2P086B إخراج ما هو أضر؛ وإذا كان بعضه أسود وبعضه يكون (151) أحمر، كان أحمد الجميع لدلالته على خروج فضول مختلفة.
[aphorism]
قال أبقراط (152): PageVW0P093B من كان به اختلاف دم فخرج منه شيء شبيه بقطع اللحم، فتلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (153): إنما يكون خروج هذه القطع إذا عرض للكبد سبب مقطع لها، وهو إما مادة حادة (154)، وذلك من علامات الموت. وإنما قال: "شبيه بقطع اللحم" لأن جرم الكبد وإن كان لحميا، فلا يقال له لحم بالمعنى المتعارف، وفيه أيضا إشارة إلى أن (155) الخارج يكون له مقدار كثير حتى يصير شبيها بقطع اللحم، فإن الناس إنما يشبهون (156) بقطع اللحم إذا كان له مقدار صالح، وأما لو كان الخارج صغارا، كالسمسم أو أصغر، فليس يجب الموت دائما.
[aphorism]
قال أبقراط (157): من انفجر منه دم كثير من أي موضع كان انفجاره، فإنه عندما ينقه فيغتذي (158) يلين بطنه PageVW2P087A بأكثر من المقدار.
[commentary]
الشرح (159): PageVW0P094A سبب ذلك أن خروج الدم الكثير مضعف للقوى كلها، خاصة القوى المتصرفة في الغذاء، لما يلزم ذلك من رداءة (160) المزاج وخروج أرواح كثيرة، وإذا ورد الغذاء بعد ذلك لم تقو (161) على إجادة هضمه، فيلين البطن.
[aphorism]
قال أبقراط (162): من كان به اختلاف مرار فأصابه صمم، انقطع عنه ذلك الاختلاف؛ ومن كان به صمم فحدث به اختلاف مرار، ذهب عنه الصمم.
[commentary]
الشرح (163): الوقر بطلان السمع، والطرش نقصانه، والصمم فقدان تجويف الصماخ، وقد يستعمل كل واحد من هذه المعاني في موضع الآخر على سبيل التجوز. والمراد ههنا بالصمم ثقل السمع، وحدوث ذلك عقيب الاختلاف دليل على اتجاه مادته إلى فوق، PageVW1P049B ويلزم ذلك انقطاعه، لأنه إنما يكون بحركة (164) المادة إلى أسفل. وكذلك حدوث الاختلاف PageVW0P094B عقيب الصمم دليل على PageVW2P087B اتجاه المادة (165) إلى أسفل (166)، فيبطل الصمم (167). وقوله: "يحدث به اختلاف مرار" فيه إشارة إلى أن اختلاف المرار حدث عقيب حدوث الصمم، وإنما يكون ذلك إذا لم يكن لذلك (168) الصمم مدة طويلة، وإلا لم يكن لذلك الاختلاف تأثير يعتد به. وكذلك الحال في الرمد وغيره من أمراض الأعالي، فإنها تزول إذا حدث مرض يتضمن انتقال المادة إلى الأسافل وبالعكس.
[aphorism]
قال أبقراط (169): من أصابه في الحمى في اليوم السادس من مرضه نافض، فإن بحرانه يكون نكدا.
[commentary]
الشرح (170): المراد أن هذا النافض حدث في اليوم السادس وحده، فيخرج بذلك ما يكون في ابتداء النوائب، وإنما يكون هذا إذا كان هذا (171) النافض للبحران، فإن مادة الحمى إذا كانت داخل العروق قد تتحرك بأن تندفع إلى خارج العروق، ويحدث حينئذ النافض PageVW0P095A لأجل لذعها اللحم، ثم يخرج من المسام ويستفرغ بالعرق؛ وهذا في غالب الأمر إنما يكون في يوم بحران (172) [TH2 88a]كالسابع مثلا والحادي عشر، لكن قد يتفق أن تكون المادة شديدة الرداءة فتحوج الطبيعة إلى المبادرة إلى دفعها قبل يوم (173) البحران، فيأتي بحران السابع في السادس مثلا. وكما قد (174) يتفق أن تقصر الطبيعة عن كمال النضج إلى يوم البحران فيؤخر (175) الدفع للاستظهار في النضج، فيكون (176) بحران السابع في (177) الثامن مثلا. وكلا الأمرين مذموم، لكن التقديم أردأ (178)، لأن المادة فيه تكون فاسدة، ويكون الدفع قبل تمام PageVW1P050A النضج؛ فلذلك يكون البحران نكدا. وأما التأخير فإن المادة، فيه مع كونها صالحة غير شديدة الإيذاء، يكون نضجها قد تم (179) ويكون (180) اندفاعها سهلا.
[aphorism]
قال أبقراط (181): من كانت (182) لحماه نوائب، ففي (183) أي (184) ساعة كان تركها له PageVW0P095B إذا كان أخذها له (185) من غد في تلك الساعة بعينها، فإن بحرانه (186) يكون عسرا.
[commentary]
الشرح (187): فهم قوم من الأوائل من هذا أن النوبة إذا كانت في (188) ساعة PageVW2P088B تفارق فيها، تبتديء في اليوم الذي بعد ذلك (189) في تلك الساعة بعينها. مثاله: في اليوم الأول فارقت في الساعة الثانية من النهار، وفيها تبتديء في اليوم الثاني. وفهم جالينوس أن النوائب إذا كانت كلها (190) تبتديء في وقت واحد، وأما تركها فليكن في أي وقت كان. وكلا المفهومين صواب (191)، والأول أظهر؛ والبحران في الصورتين عسر، لأن (192) مثل هذا المرض يكون طويلا.
[aphorism]
قال أبقراط (193): صاحب الإعياء في الحمى أكثر ما يخرج به الخراج في مفاصله، وإلى جانب اللحيين.
[commentary]
الشرح (194): PageVW0P096A إنما تكون الحمى معها إعياء إذا كانت المواد متوجهة إلى نواحي العضل والمفاصل، فتكون الحركة عسرة، وإذا كان كذلك، كان البدن مستعدا لحدوث خراج (195) عند البحران، وأكثر حدوثه حينئذ هو في المفاصل وإلى جانب اللحيين. أما المفاصل فلأن كل عضو يدفع تلك المادة عن نفسه فلا يقبلها، PageVW2P089A وموضع المفصل (196) لابد فيه من خلو عند العظمين المتجاورين، فلا يكون هناك (197) قوة تدفع، وتجد المادة مكانها (198) متسعا، فلا جرم يكون انصبابها فيه. وأما جانب اللحيين، فلأن المواضع الرخوة هي عند اللحيين وخلف الأذنين والأرنبتين وما أشبههما شديدة القبول للمواد، [L4 50b] لسخافة لحمها وسعة مسامه، فيكون نفوذ المادة فيه (199) سهلا. واختص جانب اللحيين بذلك (200) لأن مواد الحمى في أكثر الأمر إذا لم تكن مندفعة إلى مخارجها حتى يحدث من ذلك استفراغ، ولا إلى PageVW0P096B الأطراف حتى يحدث (201) من ذلك خراج في المفاصل، فإنها تكون مندفعة إلى فوق، فيكون جانب اللحيين أولى بها. وأما خلف الأذنين فإنما تندفع المواد إليه في غالب الأمر، بعد نفوذها في الدماغ.
[aphorism]
قال أبقراط (202): من انتشل من مرض (203)، فكل منه موضع من بدنه، حدث به في ذلك PageVW2P089B الموضع خراج.
[commentary]
الشرح (204): يقال: "انتشل من المرض" إذا خفت أعراضه وقرب أن يفارق، فإذا حصل عقيب ذلك كلال في عضو، دل على اندفاع مادة إلى هناك، فإذا كمل اندفاع تلك المادة حدث هناك خراج، لأن المادة المندفعة تكون قد أخذت في النضج، مع عجز الطبيعة (205) عن دفعها بالتحلل، وإلا كان اندفاعها بالاستفراغ (206). وإذا كان كذلك، فالورم الذي يحدث منها لابد وأن يجمع PageVW0P098A فيكون خراجا (207)، والكلال حالة بين الإعياء والكسل.
[aphorism]
قال أبقراط (208): وإن كان قد تقدم تعب عضو (209) من الأعضاء من قبل أن يمرض صاحبه، ففي ذلك العضو يتمكن المرض.
[commentary]
الشرح (210): سبب ذلك أن قوة ذلك العضو تضعف، فيكون قبوله لمادة المرض أكثر، فيكون تمكن المرض فيه أقوى.
[aphorism]
قال أبقراط (211): من اعترته حمى وليس في حلقه انتفاخ، فعرض له اختناق بغتة، فذلك من علامات PageVW2P090A الموت.
[commentary]
الشرح (212): إذا عرض (213) اختناق بغتة ولم يكن قبل ذلك في الحلق (214) انتفاخ، فإنما يكون ذلك لدفع الطبيعة * لمادة المرض عند البحران (215) إلى نواحي الحنجرة، PageVW0P098B إذ لو كان ذلك (216) لتحلب PageVW1P051A مادة إلى هناك بغير دفع بحراني * لم يكن كثيرا، لأن -في الأكثر (217)- إذا عرض اختناق فإنما يعرض قليلا قليلا على قدر تحلب المادة. وإذا كان ذلك بدفع البحران، كان علامة الموت، لأن المندفع حينئذ يكون كثيرا، وتكون القوى ضعيفة عن تحليل ذلك المندفع. والقلب شديد الحاجة إلى التنفس، لأجل تقدم تسخنه بالحمى، وذلك يلزمه فساد مزاجه. وإنما شرطنا أن لا يكون قد تقدم الانتفاخ في الحلق، لأنه لو كان قد تقدم الانتفاخ، أي الورم، لجاز أن يكون الاختناق حينئذ لزيادة حجم الورم عند كمال نضجه، وحينئذ يعقبه الانفجار والعافية.
[aphorism]
قال أبقراط (218): من اعترته حمى فاعوجت معها رقبته (219) وعسر PageVW2P090B عليه الازدراد، حتى لا يقدر أن (220) يزدرد إلا بكد، من غير أن يظهر به انتفاخ، فذلك من علامات الموت. PageVW0P097A
[commentary]
الشرح (221): اعوجاج العنق مع الاختناق قد يكون ليبس (222) شديد مشنج للعصب، وهذا لا محالة يلزمه الموت؛ وقد يكون لزوال فقرة إلى داخل، إما لرطوبة مزلقة أو لورم ممدد للأربطة، فيجذب الفقرة إلى قدام؛ وكلاهما محدثان الموت (223) لتعذر عود هذه الفقرة في مدة يمكن فيها بقاء القلب على مزاجه مع الاختناق. وفي هذه الأحوال كلها لا (224) يظهر بالمريض انتفاخ، أما في الأولين (225) فلفقدانه، وأما في الثالث فلأنه يكون في داخل المريء فلا يظهر للحس.
[aphorism]
قال أبقراط (226): العرق يحمد في المحموم إذا ابتدأ في اليوم الثالث، أو في الخامس، أو في السابع، أو في التاسع، أو في الحادي عشر، أو في الرابع عشر، أو في السابع عشر، أو في العشرين، PageVW1P051B أو في الرابع والعشرين، أو في السابع PageVW0P097B والعشرين، أو في الواحد (227) PageVW2P091A والثلاثين، * أو في الرابع والثلاثين (228)، أو في السابع والثلاثين؛ فإن العرق الذي يكون في هذه الأيام يكون معه (229) بحران الأمراض. وأما العرق الذي يكون في غير هذه الأيام، فإنه يدل على آفة، أو على طول من المرض.
[commentary]
الشرح (230): قد علمت أن اليوم الأربعين هو أول بحارين الأمراض المزمنة، فهو كذلك آخر بحارين الأمراض الحادة. وعلمت أن أقصر مدة يعرض فيها تغير يتعلق بالبحران أربعة أيام، فهذا التغير يمكن أن يشتد فيكون بحرانا؛ فإذا تكون بحارين الأمراض الحادة تتزايد بأربعة أيام أربعة أيام. وعلمت أن البحران قد يتقدم لإحفاز (231) المادة الطبيعة (232)، وقد يتأخر طلبا من الطبيعة الاستظهار لتكميل النضج، وحينئذ ينتقل البحران لا محالة عن يومه، وأولى الأيام بذلك في الأمراض الحادة هي الأيام (233) الأفراد، لأن مواد الأمراض الحادة PageVW0P101A أكثرها صفراوية، فتكون نوائبها غبا. والبحران إنما يعرض في يوم النوبة، فلذلك يتقدم بحران الرابع PageVW2P091B إلى الثالث، أو يتأخر (234) إلى الخامس، والتقدم أكثر لأن المرض إنما يبحرن في أول (235) البحارين إذا كانت مادته لطيفة جدا شديدة الحدة، وحينئذ تكون الحاجة إلى استعجال الطبيعة أكثر من الحاجة إلى التأخر (236) الذي إنما يكون لعسر الدفع فيما دون ذلك. فلذلك يحمد العرق العارض في الأيام المعدودة لأنه يكون بحرانيا، أي عن دفع الطبيعة، لأن في (237) هذه الأيام من شأن الطبيعة (238) دفع المواد (239) فيها (240). وأما ما يكون في PageVW1P052A غير تلك الأيام، فأكثره لا يكون عن دفع الطبيعة، لأن يومه لا يكون صالحا لذلك، فهو إذن إما لتخلي الطبيعة عن الرطوبات بعجزها عن التصرف فيها، فتسيل بذاتها، ويدل ذلك على آفة (241) في القوى، أو لكثرة الرطوبات جدا، وعجز الطبيعة عن إجادة التصرف فيها لكثرتها، فيسيل بعضها، PageVW0P101B وذلك يدل على طول المرض لزيادة مادته. واليوم الثالث والخامس مما يدل على الرابع، والتاسع يدل على السابع PageVW2P092A ويسمى الواقع في الوسط، لوقوعه في الوسط بين السابع والحادي عشر. وأما الثالث عشر والخامس عشر، فالظاهر أنهما سقطا على سبيل الغلط من النساخ (242). وأما التاسع عشر والواحد والعشرون، فلا يقع فيهما بحران، لأن (243) ما يتوقف من الأمراض الحادة غبا، ففي الغالب لا يتأخر إلى هذه المدة. وكذلك فاعرف (244) الحال في الثالث والعشرين والخامس والعشرين، وما (245) بعد ذلك من الأفراد.
[aphorism]
قال أبقراط (246): العرق البارد إذا كان مع حمى حادة، دل على الموت؛ وإذا كان مع حمى هادئة، دل على طول من المرض.
[commentary]
الشرح (247): الحمى الهادئة لا يمتنع (248) أن تكون مادتها باردة بالطبع، وفي الأكثر إنما يكون المندفع في المرض من المادة التي منها المرض، والمادة الباردة عسرة الانفعال [C5DK4 102a] والاندفاع، فلذلك إذا كان العرق في الحمى الهادئة باردا دل على طوله، لدلالته على برد مادته. وأما الحميات الحادة فلا يمكن أن يكون ذلك من مادتها، PageVW2P092B فإما أن يكون من الرطوبات الغريزية أو غيرها، وأيهما كان دل على الموت. أما PageVW1P052B إن كان من الرطوبات الغريزية، فلأنه إنما يكون إذا تخلت الطبيعة عنها فبردت وسالت من ذاتها، كما يعرض عند الغشي. وأما إن كان من رطوبات (249) أخرى، فلأن الرطوبة لم تبق على بردها إلا والحرارة العفونية (250) في غير موضعها، وإنما يكون ذلك بأن تكون الحرارة العفونية (251) بقرب القلب، وظاهر البدن غير شديد التسخين (252)، وذلك إنما يكون لعجز الطبيعة عن دفع المادة المسخنة عن نواحي القلب، وظاهر (253) أن ذلك يلزمه الموت في أكثر الأمر.
[aphorism]
قال أبقراط (254): PageVW0P102B وحيث كان العرق من البدن، فهو يدل على أن المرض في ذلك الموضع.
[commentary]
الشرح (255): فرق بين أن يقال: "إذا عرض في مواضع (256) عرق" وبين أن يقال: "حيث كان العرق من البدن" فإن الثاني يشعر بأن العرق لم يكن إلا في ذلك الموضع. وحيث أطلق لفظ العرق، فالمراد غير البارد، فيخرج بذلك عرق PageVW2P093A الجبين وما يشبهه، الذي يكون بسقوط (257) القوة. ولا شك أن العرق إذا اختص بموضع، وكانت نسبة أجزاء البدن إلى الأشياء الخارجة واحدة، فذلك لأمر بدني، وإلا لم يختص، وإنما يكون كذلك إذا كانت المواد في ذلك الموضع أكثر. وقد بينا ما يندفع من (258) الرطوبات في حال المرض، ففي الغالب يكون ذلك من مادة المرض، فمادة المرض إذا كانت (259) في ذلك العضو أكثر، فيكون المرض فيه أقوى وأشد، ولا معنى لكون المرض في ذلك الموضع PageVW0P103A إلا هذا.
[aphorism]
قال أبقراط (260): أي (261) موضع من البدن كان حارا أو باردا، ففيه المرض.
[commentary]
الشرح (262): لا شك أن اختصاص موضع بالخروج عن PageVW1P053A المجرى الطبيعي، مع كون نسبة أجزاء البدن إلى الأشياء الخارجة (263) واحدة، يدل على اختصاص ذلك الموضع بزيادة الخروج عن الأمر الطبيعي، فيكون أكثر المرض هناك، كما قلنا في العرق.
[aphorism]
قال PageVW2P093B أبقراط (264): وإذا كان يحدث في البدن كله تغايير، وكان البدن يبرد مرة ثم يسخن (265) أو يتلون بلون ثم بغيره، دل ذلك على طول من (266) المرض.
[commentary]
الشرح (267): إنما يكون ذلك إذا كان في البدن مواد مختلفة، ومتى كان (268) كذلك، كان إنضاجها عسرا، فيطول المرض لا محالة. PageVW0P103B
[aphorism]
قال أبقراط (269): العرق الكثير الذي يكون عند (270) النوم من غير سبب بين (271)، يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل؛ وإن (272) كان كذلك وهو لا ينال من الغذاء (273)، دل على أن بدنه يحتاج إلى استفراغ.
[commentary]
الشرح (274): كثرة العرق إنما يكون لكثرة سببه، فإذا لم يكن بسبب (275) بين، كالحر الخارجي، فلا محالة أن سببه المادي -وهو الرطوبات- كثير، وإنما * تكثر تلك الرطوبات (276) لكثرة مادة الغذاء. وإذا (277) لم يكن ذلك لغذاء (278) كثير قريب العهد، فهو لغذاء كثير متقدم، وذلك موجب الاستفراغ لأجل الامتلاء، وإنما يختص ذلك بالنوم لأن PageVW2P094A الطبيعة في حال النوم يكون استيلاؤها على الرطوبات بالإنضاج والدفع وغيرهما أكثر. قوله: "وهو لا ينال من الغذاء" أي لاينال منه قدرا يلزمه كثرة العرق. PageVW0P104A
[aphorism]
قال أبقراط (279): العرق الكثير الذي يجري دائما، حارا كان (280) أو باردا، فالحار منه يدل على أن المرض أخف، والبارد منه يدل على أن المرض أعظم.
[commentary]
الشرح (281): كثرة العرق ودوامه إنما يكون إذا كانت PageVW1P053B المواد كثيرة جدا، فإن كان باردا فهو مع حدة الحمى يدل على الموت، ومع هدوئها على طول (282) المرض، ولو كان العرق قليلا، فكيف الكثير. وإن كان حارا فالمرض أخف، لأن المادة الحارة أقبل للنضج والتحلل.
[aphorism]
قال أبقراط (283): إذا كانت الحمى غير مفارقة، ثم كانت تشتد غبا، فهي أعظم خطرا، وإذا كانت تفارق على أي وجه (284) كان، فهي تدل على أنه لا خطر فيها.
[commentary]
الشرح (285): PageVW0P104B الحميات التي لاتفارق، منها ما ليس (286) لها نوائب اشتداد PageVW2P094B كحمى الدق، ومنها ما لها نوائب اشتداد وهي الحادثة عن عفونة خلط داخل (287) العروق، كالصفراوية، وهي التي تشتد غبا. وغير المفارقة أعظم خطرا من المفارقة، لأن المفارقة تستريح فيها الطبيعة في مدة الراحة ويقل تضرر القلب والقوى فيها بأذى (288) العفونة لفقدان دوام المؤذي، والمفارقة التي تنقى (289) البدن فيها وقت الراحة، أسهل وأقل خطرا من التي يبقى منها (290) بقية.
[aphorism]
قال أبقراط (291): من أصابته حمى طويلة، فإنه يعرض له إما خراجات أو كلال (292) في مفاصله.
[commentary]
الشرح (293): يريد أنه يكون مستعدا جدا لعروض ذلك، وذلك لأن الحمى إذا طالت فلابد وأن يكون في البدن مواد غليظة. أما التي (294) تولدت منها الحمى، أو التي PageVW0P105A حدثت لفساد الهضم، فلابد وأن تضعف الطبيعة بطول الحمى، ومتى كان كذلك ففي الأكثر تقصر عن تمام تحليل تلك المواد. وأقبل المواضع PageVW2P095A لما يسيل إليها من المواد هو المفاصل والمواضع الرخوة، كما بيناه، فإن حصل في هذه مواد كثيرة، حدث من ذلك الخراج، وإن حصل منها شيء يسير، حدث كلال المفاصل.
[aphorism]
قال أبقراط (295): من أصابه خراج أو كلال في PageVW1P054A المفاصل (296) بعد الحمى، فإنه يتناول من الغذاء أكثر مما يحتمل.
[commentary]
الشرح (297): إنما يقال بعد الحمى إذا كانت الحمى قد فارقت بالتمام، وإنما يكون ذلك إذا نقى البدن، فإذا حدث بعد ذلك خراج أو كلال في المفاصل فإنما يكون ذلك لمادة أخرى حادثة، وإنما يكون ذلك إذا كان المتناول من الغذاء أكثر من المقدار الذي ينبغي. PageVW0P105B
[aphorism]
قال أبقراط (298): إذا كانت تعرض (299) نافض في حمى غير مفارقة لمن قد ضعفت قوته، فتلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (300): فرق بين قولنا: "إذا كانت تعرض" وبين قولنا: "إذا عرضت" فإن الأول يفهم منه التكرار، بخلاف الثاني. وكون النافض في حمى غير [TH2 95b] مفارقة يمتنع (301) أن يكون مما يحدث في ابتداء النوائب، فإن ذلك إنما يكون في الحمى المفارقة؛ فلذلك إنما يكون هذا لاندفاع مادة بالبحران. وإنما يتكرر ذلك إذا لم تفارق به الحمى، إذ لو فارقت لم يعرض بعدها مرة أخرى، ولا شك أن ذلك إنما يكون إذا كانت المادة غير مطاوعة للاندفاع؛ وذلك مع ضعف القوة يلزمه الموت.
[aphorism]
قال أبقراط (302): في الحمى التي لا تفارق النخاعة، الكمدة، والمنتنة، والشبيهة PageVW0P106A بالدم، أو التي من (303) جنس المرار، كلها رديئة؛ فإن انتفضت انتفاضا جيدا فهي محمودة. وكذلك الحال في البراز والبول، فإن خرج ما لا ينتفع بخروجه (304) من أحد هذه المواضع، فذلك رديء.
[commentary]
الشرح (305): ذكر (306) ههنا أنواعا من النفث رديئة، أحدها: الكمد، وهو المائل إلى قليل سواد بلا إشراق، ويكون إما لانطفاء الغريزة (307)، أو لمادة جامدة سوداوية. وثانيها: PageVW2P096A الشبيه بالدم: أما الشبيه بالدم الأسود فلأنه يكون ههنا للاحتراق، وأما الشبيه بالدم الطبيعي وهو الأحمر، فإنما يكون مذموما ههنا إذا كان كذلك PageVW1P054B بعد طول مدة المرض، لدلالته حينئذ على قصور الطبيعة عن النضج. وأما في أول الأمر فهو محمود، لدلالته على سلامة المادة وجودتها، إذ الدم أفضل الأخلاط وأقبلها للنضج. وثالثها: المنتن: وإنما يكون كذلك لقوة العفونة. [C5DK4 106b] ورابعها: التي من جنس المرار، أعني المرار (308) الأصفر، وهذا يدخل فيه الأصفر والأحمر الناصع والكراثي والزنجاري، لأن هذه كلها من جنس المرار، وكلها رديئة لأجل حدة المادة، وأردأها الزنجاري. قوله: "في الحمى التي لا تفارق النخاعة، الكمدة" إنما تكون هذه الأنواع من النفث في حمى غير مفارقة إذا كان في الصدر ورم، إما ذات جنب، أو ذات رئة. قوله: PageVW2P096B "فإن انتفضت انتفاضا جيدا فهي (309) محمودة" الانتفاض الجيد هو أن يكون خروج المادة سهلا ويعقبه نفع، وحينئذ يحمد ذلك لدلالته على قوة الطبيعة على الدفع لا لذاته، فإنه بذاته (310) رديء. قوله: "وكذلك الحال في البراز والبول" يريد أنه إذا خرج بالبراز والبول مواد رديئة، فالحال مذمومة، إلا أن يكون خروج ذلك جيدا * فلا يكون ذلك مذموما (311). قوله: "فإن خرج ما لا ينتفع بخروجه من أحد هذه المواضع، PageVW0P107A فذلك رديء" يريد أن الخارج إذا كان بغير سهولة ولا يتعقب (312) خروجه نفع، فهو مذموم، وإن (313) كان لونه أو قوامه أو غير ذلك غير مذموم.
[aphorism]
قال أبقراط (314): إذا كان في حمى لا تفارق، ظاهر (315) البدن باردا وباطنه يحترق، ويصاحب (316) ذلك عطش (317)، فتلك (318) من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (319): برد الظاهر مع PageVW1P055A الحمى الشديدة التي لا تفارق يمكن أن يكون لأحد أمرين (320): إما لأن الحرارة PageVW2P097A الغريزية ضعيفة جدا، بحيث لا تقوى على تبعيد المادة العفنة وبخارها عن نواحي القلب، فيتوفر التسخن على الباطن ويبقى الظاهر باردا، وهذا يدل على الموت، لأن القوى إذا كانت تعجز عن الدفع إلى الظاهر، فلأن تعجز عن الدفع التام بطريق الأولى. وبهذا الوجه يمكن إذا كانت الحمى تفارق أيضا، أو لأن الأحشاء فيها ورم حار، فتكون المادة الحارة مجتمعة فيه، فلا (321) PageVW0P107B ينفصل منها ما يسخن الظاهر. ولا يمكن بهذا الوجه إذا كانت الحمى تفارق، لأن الأورام الحارة الكائنة في الأحشاء يلزمها (322) أن تكون الحمى لازمة، وهذا أيضا يدل على الموت لأن المادة إنما (323) تكون كذلك إذا كانت شديدة العصيان عن التحلل وإلا كان يتحلل منها ما يسخن الظاهر. وإنما خص أبقراط الحكم بما إذا كانت الحمى (324) لا تفارق، لأن الدلالة على الموت تكون حينئذ أقوى، لأن الحمى [TH297b] اللازمة أكثر خطرا من المفارقة، وإنما شرط أن يكون بصاحب ذلك عطش للاستدلال على قوة حرارة الباطن.
[aphorism]
قال أبقراط (325): متى التوت في حمى غير مفارقة الشفة أو العين أو الأنف أو الحاجب أو لم يبصر (326) المريض أو لم يسمع، أي هذه كان وقد ضعف البدن، فالموت منه قريب (327).
[commentary]
الشرح (328): التواء هذه الأعضاء في الحمى يحدث لتجفف الأعصاب PageVW0P108A الآتية إليها، وأكثر ذلك إذا كانت الحمى لازمة، لأن تجففها بجوهر (329) الدماغ أتم لدوام المجفف. واختصت هذه الأعضاء بذلك لأنها، مع صغرها وسهولة انجذابها بأدنى سبب مشنج تجفيفها (330) ولينها، فإن الأعصاب PageVW1P055B تأتيها من الدماغ، فتجف بأول جفاف يعرض له. وأما فقدان البصر والسمع (331)، فسببه تحلل الروح التي بها يكون ذلك، ولا شك أن ذلك مع الحمى اللازمة وضعف البدن دليل على الموت القريب (332).
[aphorism]
قال أبقراط (333): إذا حدث في PageVW2P098A حمى غير مفارقة رداءة في التنفس واختلاط في العقل، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (334): المراد بذلك ليس ما يكون في البرسام والسرسام (335)، فإن ذلك لا يحسن أن يقال فيه أنه حدث في حمى غير مفارقة، لأن المرض حينئذ ليس هو الحمى، إذ الحمى جزء (336) من أعراض المرض، بل المراد ما يكون PageVW0P108B في الحمى اللازمة التي هي المرض، فإنما (337) يحدث ذلك حينئذ لفساد مزاج الدماغ، لأجل اشتعاله بقوة الحرارة وجفاف آلات التنفس، وذلك دليل لا محالة على الموت. وأما (338) الكائن عن البرسام والسرسام فرديء لا محالة، ولكن لا يدل على الموت.
[aphorism]
قال أبقراط (339): الخراج الذي يحدث في الحمى فلا يتحلل (340) في أوقات البحرانات الأول، ينذر بطول من المرض (341).
[commentary]
الشرح (342): معناه أن الحمى إذا حدث فيها خراج فلم تنحل الحمى في البحرانات الأول التي حدث فيها الخراج، فإن الخراج تطول مدته PageVW2P098B وذلك لأن بقاء الحمى حينئذ دليل على أن المنصب إلى موضع الخراج من المادة إنما هو بعضها، وإلا (343) كانت الحمى تنحل (344) بعد حدوثه لاندفاع مادتها إلى موضعه. وإذا كان كذلك، ففي الغالب يكون PageVW0P109A اندفاع الباقي إلى هناك لأنه أسهل بسبب قبول العضو وحدوث المسلك إليه، ويلزم ذلك طول مدته.
[aphorism]
قال أبقراط (345): الدموع التي تجري في الحمى أو في غيرها من الأمراض، إن كان ذلك PageVW1P056A عن إرادة من المريض فليس ذلك بمنكر، وإن كان عن غير إرادته (346) فهو رديء (347).
[commentary]
الشرح (348): يريد ما كان من ذلك لا لسبب في العين، كضعف أو كثرة رطوبة أو رمد أو خشونة، وما كان كذلك فإن (349) كان عن إرادة من المريض، فلا شك أنه رديء لدلالته على كآبة المريض وحزنه، لكنه ليس بمنكر لكونه غير خارج عن الحالة الصحية. وإن كان PageVW2P099A بغير إرادة منه، فهو أردأ، لأنه إنما يكون في الغالب عن سيلان رطوبات (350) الدماغ أو سقوط القوة، كما يعرض (351) عند قرب الموت. وإذا كان ذلك من أحد (352) العينين PageVW0P109B فهو أردأ لدلالته على أن رطوبة الدماغ قد قلت بالانشواء، حتى لا يفي الدمع بالخروج من العينين.
[aphorism]
قال أبقراط (353): من غشيت أسنانه في الحمى لزوجات، فحماه تكون قوية.
[commentary]
الشرح (354): هذا إنما يكون إذا عقدت حرارة الحمى الرطوبات على الأسنان حتى صارت لزجة، وإنما يكون كذلك إذا كانت قوية.
[aphorism]
قال أبقراط (355): من عرض له في حمى محرقة سعال كثير يابس، ثم كان تهيجه له يسيرا، فإنه لا يكاد يعطش.
[commentary]
الشرح (356): يريد أن عطشه يكون يسيرا حتى يقارب أن لا يوجد، وسبب ذلك تسييل حركة السعال للرطوبات من الدماغ وأعالي الحنجرة وأعالي PageVW0P110A المريء، وتلك الرطوبات [TH2 99b] تسكن العطش. وقد شرط أن يكون ذلك السعال كثيرا، وذلك ليكون سبب التكثير (357) متتاليا، وأن يكون يابسا أي بغير نفث لأن ما يكون حينئذ بنفث يكون نفثه صفراويا، فيكون أولى بإحداث العطش، * وأن يكون تهييجه يسيرا، إذا ما كان تهييجه كثيرا فهو أولى بإحداث العطش (358). والمراد بالهيجان، القلق.
[aphorism]
قال أبقراط (359): كل حمى تكون مع ورم اللحم الرخو الذي في الحالبين وغيره مما أشبهه، PageVW1P056B فهي رديئة، إلا أن تكون حمى يوم.
[commentary]
الشرح (360): يريد ما يكون من ذلك بسبب الورم، وهذه لا تكون دقية لأن الدق لا يكون معه ورم، إذ الورم إنما يكون لكثرة المواد، وهي في الدق مفقودة، فإذا لم تكن يومية، كانت عفونية. PageVW0P110B وهذه اللحوم لرطوبتها، شديدة القبول للعفونة، فإذا كانت فيها مادة عفنة ازدادت عفونة وكانت رديئة، حتى أن تلك المادة إن كانت شديدة الفساد، كان (361) من ذلك الطاعون، وهو قتال.
[aphorism]
قال أبقراط (362): إذا كان بإنسان حمى وأصابه [TH2 100a] عرق ولم تقلع الحمى، فتلك علامة رديئة، وذلك أنها تنذر بطول من المرض، وتدل على رطوبة كثيرة.
[commentary]
الشرح (363): يريد (364) بالإقلاع إقلاع الحمى جملة، إذ لو أقلعت النوبة بالعرق ولم تقلع الحمى جملة لم يكن ذلك رديئا، والحمى إنما تبقى مع العرق إذا لم يكن ذلك العرق مع (365) دفع الطبيعة، فإما أن يكون لسيلان الرطوبات لكثرتها فيطول المرض لكثرة المادة، أو لتخلي الطبيعة كما يكون عند سقوط القوة، PageVW0P111A وهذا يدل على الموت، وليس هو مراد أبقراط، فإنه إذا لم يتعرض بحال أمر، فإنه يريد: إن كان ذلك الأمر، يكون على اعتداله.
[aphorism]
قال أبقراط (366): من اعتراه تمدد أو تشنج، ثم أصابته (367) حمى، انحل بها مرضه.
[commentary]
الشرح (368): يريد بذلك ما يكون من التمدد والتشنج عن رطوبة، فإن الكائنين (369) عن يبس لا يعرض بعدهما (370) حمى، وما كان عن رطوبة فإن علاجه بالتحليل والتلطيف، وذلك يكون بالتسخين، والحمى أقوى PageVW2P100B الأشياء في ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (371): إذا كان بإنسان حمى محرقة، فعرض (372) له نافض، انحلت به (373) حماه.
[commentary]
الشرح (374): مادة الحمى المحرقة في قعر البدن، فإنما يعرض PageVW0P111B فيها (375) النافض إذا انتفضت مادتها PageVW1P057A إلى ظاهر (376) البدن، ويلزم ذلك أنها تفارق بالعرق.
[aphorism]
قال أبقراط (377): الغب الخالصة أطول ما تكون (378) تنقضي في سبعة أدوار.
[commentary]
الشرح (379): الغب الخالصة هي الحادثة عن صفراء صرفة، وإذا كان تدبيرها صوابا، فأطول ما تكون، تنقضي في سبعة أدوار؛ لأنها من الأمراض الحادة مطلقا، فيكون بحرانها في أربعة (380) عشر يوما، وذلك سبعة أدوار، هذا إذا كانت دائرة، أما اللازمة فإن كل يوم منها بمنزلة الدور، فلذلك تنقضي في سبعة أيام.
[aphorism]
قال أبقراط (381): من أصابه في الحمى في أذنيه (382) صمم، فجرى من منخريه دم أو استطلق بطنه، انحل بذلك مرضه.
[commentary]
الشرح (383): PageVW0P112A المراد ههنا بالصمم ثقل السمع، وإنما يحدث في الحمى لكثرة ما يتجه من المواد إلى جهة الدماغ، فإذا استفرغت تلك المواد (384)، إما (385) من الخلاف القريب كالرعاف، أو من الخلاف البعيد PageVW2P101A كالإسهال، انحل ذلك (386) بسببه (387).
[aphorism]
قال أبقراط (388): إذا لم يكن إقلاع الحمى عن المحموم في يوم من الأيام (389) الأفراد، فمن عادتها أن تعاود (390).
[commentary]
الشرح (391): المراد بالأيام الأفراد، الأيام التي هي أفراد في حميات (392) البحارين، فالرابع فرد لأنه نصف السابع، والرابع عشر (393) فرد لأنه سابع الأسبوع الثاني، وكذلك العشرون سابع الأسبوع الثالث. وقد جاء في بعض النسخ بدل "الأفراد" "البحران" والمعنى واحد. وإذا لم يكن إقلاع الحمى في يوم بحران، ففي الغالب لا يكون (394) عن اندفاع مادتها، فتبقى مادتها موجودة في البدن، ومن PageVW0P112B شأنها أن تعود إلى حالها، فتعاود الحمى. ويريد بذلك، إذا لم يكن إقلاع الحمى بالاستفراغ الصناعي.
[aphorism]
قال أبقراط (395): إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم السابع، فهو علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (396): قد يحدث في PageVW1P057B الحمى بحران يرقان (397)، وذلك إذا دفعت الطبيعة المادة إلى ناحية الجلد ، فلم تخرج بالعرق PageVW2P101B لأجل غلظها. فإذا البحران باليرقان إنما يكون حيث المادة غليظة (398)، وإذا كان كذلك لم يمكن أن تدفعها الطبيعة قبل السابع؛ فإذا عرض في الحمى يرقان قبل السابع، ففي الأكثر إنما يكون بسبب (399) آخر من أسباب اليرقان، وحينئذ يكون الحال أردأ، لأن الصفراء إذا قل اندفاعها عن البدن، ازداد التسخين، فقويت الحمى لا محالة. PageVW0P113A
[aphorism]
قال أبقراط (400): من كان يصيبه في حماه نافض في كل يوم، فحماه تنقضي في كل يوم.
[commentary]
الشرح (401): النافض قد يعرض في الحمى على سبيل البحران كما بيناه، وربما تكرر (402) إذا لم تخرج المادة بكمالها في أول مرة، وحينئذ تنقضي الحمى في الأخير أو تؤول إلى العطب. وقد يعرض أيضا النافض (403) على سبيل الرشح، بأن تكون المادة كثيرة فيرشح (404) منها ما يوجب النافض مع بقاء الحمى، وهذا لا تنقضي به الحمى. وقد يعرض في ابتداء النوائب، وذلك إذا كانت الحمى تفارق بالنوائب (405)، فمن كان PageVW2P102A يصيبه هذا في كل يوم، فإنه تأتيه النوبة في كل يوم، وتنقضي تلك النوائب أيضا في كل يوم، وهذا ظاهر. وقد يتفق أن تتركب نوائب من حميات ولا يكون بين النوائب راحة محسوسة، فيظن بالحمى أنها لازمة، فتفارق PageVW0P113B اللازمة بالنافض الذي يعرض في ابتداء النوبة، فيكون النافض العارض فيها في كل يوم دليل (406) على أن الحمى تنقضي في كل يوم.
[aphorism]
قال أبقراط (407): متى عرض اليرقان في الحمى في اليوم السابع، أو في التاسع، أو في الرابع عشر، فذلك محمود، إلا أن PageVW1P058A يكون الجانب الأيمن فيما (408) دون الشراسيف صلبا، فإن كان كذلك فليس ذلك بمحمود.
[commentary]
الشرح (409): عروض اليرقان في الحمى في أحد هذه الأيام من حيث هي هذه الأيام إنما يكون على سبيل البحران، فإما أن يكون باندفاع المادة إلى الكبد، فيحدث اليرقان بثورانها (410)، PageVW2P102B وحينئذ يكون الجانب الأيمن فيما (411) دون الشراسيف صلبا، وليس ذلك بمحمود، لأن الحمى الأولى إن (412) فارقت بذلك فإنه يحدث حمى (413) أخرى بحدوث الورم، وربما كانت هذه أشد فيكون المرض قد انتقل إلى ما هو أردأ منه. وأما أن لا يكون PageVW0P114A كذلك، بل أن (414) تكون المادة قد اندفعت إلى ناحية الجلد، وكانت (415) أغلظ من أن تخرج بالعرق، واحتبست (416)، وصفرت اللون لأنها صفراوية، وهذا محمود لأن المرض يكون (417) قد انتقل إلى ما هو أخف منه، وهذا لا يكون معه صلابة فيما دون الشراسيف. وإنما لا يكون هذا في اليوم السابع عشر، أو في العشرين؛ لأن الصفراء في أكثر الأمر لا يتأخر بحرانها إلى هذه المدة. فأما اليوم الحادي عشر (418)، فالظاهر أنه قد يحدث فيه؛ والظاهر أنه سقط من النسخ على سبيل الغلط.
[aphorism]
قال أبقراط (419): متى كان في الحمى التهاب شديد في المعدة [TH2 103a] وخفقان في الفؤاد، فتلك علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (420): هذه الحال (421) إنما تكون إذا كان في المعدة ورم حار، ولا شك أن ذلك رديء (422).
[aphorism]
قال أبقراط (423): PageVW0P114B التشنج والأوجاع العارضة في الأحشاء في الحميات الحادة، علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (424): ربما قيل: إن التشنج وحده قتال، فكيف مع الحمى وأوجاع الأحشاء، فكيف يحسن أن يقال إنه حينئذ علامة PageVW1P058B رديئة. فنقول (425): المراد ههنا ليس التشنج القتال، بل الحادث عن رياح، وهو المسمى بالعقال، وهذا يحدث في الحميات ذوات الرطوبات البلغمية إذ فعلت فيها الحرارة حتى صارت ريحا، فإنها حينئذ تشنج وتحدث أوجاع الأحشاء تبعا للتشنج، ولا شك أن ذلك رديء لدلالته على الرطوبات الفجة التي يلزمها طول المرض.
[aphorism]
قال أبقراط (426): التشنج والتفزع العارضان في الحمى في النوم من العلامات الرديئة.
[commentary]
الشرح (427): PageVW2P103B ربما قيل: إن النوم المحدث للضرر في حال المرض علامة PageVW0P115A الموت، فكيف يحسن أن يقال في هذا أنه علامة رديئة. فنقول: المراد ههنا بالتشنج (428)، ما يعرض في عضلات الأضلاع والماضغين بسبب (429) أبخرة تتراقى إلى الدماغ، فيحدث لتلك تصريف الأسنان، وعن ذلك البخار تفزع، وهما علامة رديئة، فإن كانا غير معتادين دلا على موت أو جنون.
[aphorism]
قال أبقراط (430): إذا كان الهواء يتغير في مجاريه من البدن، فذلك رديء، لأنه يدل على تشنج (431).
[commentary]
الشرح (432): قد يعرض للمريض ضيق في نفسه، يضطره ذلك إلى الوقوف ثم يزول فيكون ذلك كالتغير للحيوان، وسببه تشنج يعرض في آلات النفس (433) ثم يزول بسرعة، وهو نوع من المسمى بالعقال (434)، ويحدث لريح تمدد العصب عرضا، وهو رديء (435) لدلالته على الرطوبة التي يتولد منها الريح الدالة على طول المرض، ولأنه مؤد PageVW0P115B إلى تضرر القلب PageVW2P104A عند وقفة النفس (436).
[aphorism]
قال أبقراط (437): من كان بوله غليظا، شبيها بالعبيط، يسيرا، وليس بدنه بنقي (438) من الحمى، فإنه إذا بال بولا رقيقا PageVW1P059A كثيرا انتفع به. وأكثر من يبول هذا البول، من كان يرسب في بوله، منذ أول مرضه أو بعده بقليل (439) ثفل.
[commentary]
الشرح (440): غلظ البول في الأكثر للفجاجة، وقد يكون لنضج خلط غليظ وهو المراد ههنا؛ فإنما (441) يكون قليلا إذا كان الخلط لم يندفع بعد اندفاعا قويا، وإذا (442) قوى ذلك الاندفاع كثر، وإذا كان المندفع قد تم نضجه، رق، مع كثرته؛ لأن النضج إنما يكون باعتدال القوام، وإذا اعتدل قوام الغليظ رق. فلذلك من كان بوله أولا غليظا جدا كالعبيط، وكان مع هذا (443) قليلا، فإنه إذا بال بولا كثيرا رقيقا، أي رقيقا بالنسبة إلى ما كان أولا، لا بالنسبة إلى المعتدل، انتفع بذلك، [C5DK4 116a] لأن ذلك إنما يكون لدفع الطبيعة المواد التي قد نضجت في البول (444)، فيكون ذلك PageVW2P104B بحرانا بالبول، وأكثر من يعرض له ذلك من كان اندفاع المواد والنضج يظهران في بوله منذ أول مرضه، * وذلك بأن كان يرسب في بوله منذ أول مرضه (445) أو بعده بقليل ثفل (446). قوله: "وليس بدنه بنقي من الحمى" أما تخصيصه ذلك بكونه في الحمى، فإنما هو لبيان أن الغالب يكون كذلك، إذ * قد فعلت الطبيعة البحران (447) بالبول في مثل أوجاع النساء وأوجاع الكلى، وإن لم تكن حمى البتة. وإنما لم يقل: "وهو محموم" ليشير إلى أن هذا (448) الاندفاع بالبول لابد وأن يتقدمه خفة حمى المحموم، وذلك لأن الدفع البحراني يتقدم هذا البول بمدة، لأن المادة إذا اندفعت بالبحران فإنما تخرج بالبول بعد مدة (449)، لبعد مخرج البول وضيق (450) مسالكه (451).
[aphorism]
قال أبقراط (452): من كان بوله متثورا شبيها ببول الدواب، فبه صداع PageVW0P116B حاضر أو سيحدث (453) به.
[commentary]
الشرح (454): البول PageVW1P059B المتثور هو الكدر المتشتت الأجزاء، وإنما يكون كذلك إذا عرض غليان في مادة غليظة حتى تشتت أجزاءها من غير لطافة، PageVW2P105A وهذا الغليان لابد وأن يصعد بسببه أبخرة كثيرة توجب الصداع، فإذا تقدم تثور البول فالصداع حاضر (455)، أو سيحدث (456) عن قريب.
[aphorism]
قال أبقراط (457): من يأتيه البحران في السابع، فقد يظهر في بوله في الرابع غمامة حمراء، وسائر العلامات تكون على هذا القياس.
[commentary]
الشرح (458): سبب ذلك أن البحران إنما يكون بعد كمال النضج، فإذا كان في السابع فلابد وأن يكون في الرابع نضج ما، لأنه منذر به، ويلزم ذلك أن تندفع بعض المادة في البول، فيكون المندفع ثفلا PageVW0P117A ويكون غماما طافيا وأحمر اللون، لأن النضج لم يكمل بعد حتى يكون أبيض راسبا (459).
[aphorism]
قال أبقراط (460): إذا كان البول ذا مستشف (461) أبيض، فهو رديء، وخاصة في الحمى التي مع ورم (462) الدماغ.
[commentary]
الشرح (463): يقال للمستشف: أبيض، تجوزا في اللفظ، كما يقال للبول (464) أيضا (465) أبيض، وإنما يكون البول شفافا إذا كان لم تخالطه مواد تحدث صبغا (466) [TH2 105b] فإن لم يكن لإسهال (467) اندفعت المواد فيه، فهو رديء، لدلالته على عجز الطبيعة عن دفع المواد، وعلى (468) توجه المواد إلى موضع آخر، فيحدث لذلك ورم في عضو ، فإن كان المستشف رقيقا فهو أردأ، لأن الغليظ قد يكون لاندفاع بلغم قليل صرف فلا يقوى على صبغ الماء، فإن كان مع الحمى فهو أردأ، لأن الحمى من شأنها زيادة الصبغ، وأكثر ما يكون ذلك (469) إذا كانت المواد حينئذ PageVW0P117B متصعدة إلى الرأس، فإن كانت PageVW1P060A الطبيعة معتقلة فهو أردأ * فإن كان في الرأس ألم أو ثقل فهو أردأ (470)، * وحينئذ ينذر بالسرسام فإن كان ذلك مع السرسام فهو أردأ (471) لأن السرسام يزداد بما يتصعد إليه حينئذ.
[aphorism]
قال أبقراط (472): من كانت المواضع (473) التي فيما دون الشراسيف منه عالية، وفيها قرقرة، ثم حدث به وجع في أسفل ظهره، فإن بطنه يلين، إلا أن ينبعث منه رياح كثيرة، أو يبول بولا كثيرا وذلك (474) في الحميات.
[commentary]
الشرح (475): الغرض بهذا، الاستدلال على كون البحران بدفع (476) المواد إلى أسفل، ونقول (477): علو ما دون PageVW2P106A الشراسيف. أعني علوها عند نوم (478) الإنسان على ظهره إذا لم يكن لورم، فلابد وأن يكون لمادة محتبسة هناك ممدة، إما غير ذات قوام وهي الريح، أو ذات قوام PageVW0P118A فإنها إن كانت رطوبة فتارة (479) تكون ساكنة فلا يكون هناك قرقرة، وتارة تكون متحركة فلابد وأن يكون هناك قرقرة. وإذا كانت متحركة، فتارة (480) تكون (481) حركتها إلى فوق (482) فيعرض وجع في أسفل الظهر لتمدد المادة، وتارة تكون حركتها * إلى غير ذلك، فلا يعرض هذا الوجع، وإذا كانت حركتها (483) إلى أسفل فلابد وأن تسعى (484) إلى حيث تخرج، فإن كانت ريحا انبعث من المريض رياح (485) كثيرة. وإن كانت مادة أخرى، فإما غليظة (486)، فتندفع من الأمعاء فيلين البطن، وإن كانت رقيقة جاز أن تخرج من هناك، وجاز أن تخرج (487) من حدبة الكبد إلى الكلى، ثم تخرج بالبول فيكثر. ويفرق بين هذه الأمور بأن الريح تكون مع خفة، والإسهال يتقدمه مغص، والبول بكون النضج في البول PageVW2P106B أزيد، ويكون البول (488) قبل ذلك أكثر. قوله: "وذلك في الحميات" يريد أن الإسهال والبول يوجدان PageVW0P118B * فيها، وقد يوجدان (489) PageVW1P060B مع غيرها (490)، وأما الريح فلا يكون بحرانا للحميات.
[aphorism]
قال أبقراط (491): من يتوقع له (492) أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله، فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول كثير غليظ أبيض يبوله، كما يبتدئ في اليوم الرابع في بعض من به حمى معها إعياء، وإن (493) رعف كان انقضاء مرضه بذلك الرعاف (494) سريعا جدا (495).
[commentary]
الشرح (496): معناه: من يتوقع له أن يخرج به (497) خراج في شيء من مفاصله في بعض من به حمى معها إعياء، فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول كثير غليظ أبيض يبوله كما يبتدئ في اليوم الرابع، وإن رعف كان انقضاء مرضه مع ذلك سريعا جدا، وذلك لأن صاحب الحمى مع الإعياء -في الأكثر- يعرض له خراج في مفاصله وإلى (498) جانب اللحيين. والذين (499) يتوقع لهم حدوث الخراج في PageVW0P119A المفاصل ممن بهم حمى مع الإعياء PageVW2P107A هم بعض أولئك، فإنما (500) يتوقع لهم ذلك إذا كانت المواد لا تخرج بالعرق لغلظها، فإن اندفعت إلى فوق وخرجت بالرعاف خلص المريض بسرعة، لأن الرعاف يخرج غليظ المادة ولطيفها بسرعة، وإن تحركت إلى أسفل خرجت بالإدرار أو بالإسهال، وكلاهما يخلصان، لكن الإدرار في مدة أطول؛ فإذا تخلص هذا بالإدرار يكون في بعض الأحوال، فلذلك قال: فقد يتخلص. وإنما يجب أن يكون ذلك البول كثيرا، لأنه يزيد بزيادة المادة المندفعة معه. وإنما (501) يكون غليظا، لغلظ المادة في الأصل، ولكثرة المندفع معه. وإنما يجب أن يكون ذلك (502) كما يبتدئ في اليوم الرابع، لأن PageVW1P061A الطبيعة إن لم تكن مستولية على هذه المادة في هذه المدة (503)، ففي أكثر الأمر لا يكون تخليص (504) هذا بالإدرار (505)، لأن المادة إنما تخرج بالإدرار في مدة طويلة، PageVW0P119B فإذا كان ابتداؤها بعد الرابع PageVW2P107B ازدادت المواد الغليظة في طول الأيام بما يرد من الغذاء، مع ضعف الهضم وضعف الطبيعة عن الدفع التام، فيحدث الخراج.
[aphorism]
قال أبقراط (506): من كان يبول دما وقيحا، فذلك يدل على أن به قرحة في كلاه أو في مثانته.
[commentary]
الشرح (507): إذا خرج من مخرج البول قيح، فقد يكون ذلك لقروح في القضيب والمجرى المتصل به إلى المثانة، فيكون خروجه قبل البول، وقد يكون لقروح في العروق الآخذة إلى الكلى أو التي بينها وبين المثانة، فلا يكون معه دم؛ وقد يكون لقرحة في عضو عال (508)، أو لخراج انفجر فيه، فلا يكون أيضا معه دم، إذ لو كان معه في الأصل دم لاختلط بدم العروق، وأيضا فإنه في الغالب لا يدوم خروجه من هذا المخرج، فلا يحسن PageVW0P120A أن يقال فيه: "من كان يبول" بل "من بال". وقد يكون لقرحة في الكلى أو في المثانة، وإنما يكون معه دم إذا كان (509) الخارج له مقدار PageVW2P108A بحيث يقال فيه أنه يبول دما. ويفارق الكلوي منه المثاني بأن الدم في المثاني (510) أقل، وأرق، وأقل سوادا. أما قلته ورقته، فلأن عروق المثانة قليلة، ضيقة، مندسة في جرمها. وأما قلة، سواده فلأنه لا يحتبس زمانا طويلا حتى يشتد جموده. ويفرق بينهما أيضا بموضع الوجع، وبه يفرق بين كونه في الكلية اليمنى أو اليسرى.
[aphorism]
قال أبقراط (511): من كان في بوله وهو غليظ قطع لحم صغار PageVW1P061B أو بمنزلة الشعر، فذلك يدل على أنه يخرج من كلاه.
[commentary]
الشرح (512): PageVW0P120B قد يخرج مع البول قطع حمر، وقد يكون دما محترقا فيكون أشد سوادا وأسهل تفتتا، وقد تكون أجزاء من الكبد (513) فتكون أقرب إلى القتمة وأبعد من جوهر اللحم المعروف، ولا (514) يكون معه البول (515) نضيجا، وفي الأكثر يكون (516) رقيقا، لأن المرض الذي (517) يفعل بالكبد ذلك يضعفها عن إنضاج البول. وقد PageVW2P108B تكون أجزاء من الكلى، فتكون أقوى اتصالا (518) وأشبه باللحم وأميل إلى الصفرة (519)، لأن الكلى كذلك، وخصوصا والخارج يتغير بطول المسافة. وقد يكون البول قريبا من النضج، لتقدم النضج في الكبد، وإنما يفوته (520) إنضاج الكلى فقط (521). وقد يكون -مع ذلك- غليظا، لأن الكلى -لضعفها- لا تستعمل غذاءها فيخرج مع البول. وأم الشعر فيكون من رطوبة ألطف وأرق من مادة الحصاة، ومن حرارة عاقدة تعقده (522) وتولده في البرابخ، لفقدان الحرارة، ولأنها في الغالب لا تمكن (523) بقاء الرطوبات فيها إلى حد ينعقد. PageVW0P121A وإفراط طول هذا الشعر لا يمنع تولده في الكلى إذ مجاريها بطون (524) ملتفة.
[aphorism]
قال أبقراط (525): من خرج في بوله وهو غليظ بمنزلة النخالة، فمثانته جربة.
[commentary]
الشرح (526): قد يتقشر (527) جرم المثانة لجربها (528)، ويخرج في البول شيء كالنخالة، وربما كان من جرم العروق، PageVW2P109A أو لرطوبات انعقدت بالحرارة، ويفرق بأن * المثاني يكون معه البول (529) كما في الصحة في النضج، وأغلظ يسيرا بما يخالطه من أجزاء القيح الذي لابد منه في الجرب، وإن لم يظهر حسا، ومع ذلك منتن، ومع ألم وحكة عند العانة. والعروقي يخلو (530) عن الحكة والوجع، مع نضج في البول. والكائن PageVW1P062A لانعقاد الرطوبة يكون معه حرارة عاقدة، وربما منعت النضج، وأما الوجع فلا يكون. PageVW0P121B
[aphorism]
قال أبقراط (531): من بال دما من غير سبب متقدم، دل على أن عرقا في كلاه قد انصدع.
[commentary]
الشرح (532): إذا كان الدم الخارج من الكثرة بحيث يقال: "إن البول دم" لم يمكن أن يكون من المثانة، فإن عروقها -مع ضيقها- إنما يكون فيها الدم لغذائها، فلابد وأن يكون من (533) الكلى، فإذا لم يتقدم ذلك سبب يتوقع منه خروج الدم كالقرحة، فإنما يكون ذلك لتفرق اتصال PageVW2P109B عروقها، وينبغي أن يكون صدعا ليمكن أن يخرج الدم (534) الكثير جملة.
[aphorism]
قال أبقراط (535): من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل، فالحصاة (536) تتولد في مثانته.
[commentary]
الشرح (537): إذا خرج في البول رمل، دل ذلك على وجود الأسباب PageVW0P122A المولدة للحصاة، فتنذر بها. فإن كان أحمر، فهي تتولد (538) في الكلى، وإلا في المثانة. وأما إذا خرج ولم يتحجر بعد، بل عملت فيه الحرارة حتى انعقد (539) بعض الانعقاد فصار شبيها بالرمل وليس برمل، فلا يمكن أن يكون (540) ذلك من (541) الكلى، وإلا كان يتقطع (542) ويخرج عن (543) الهيئة التي بها يشبه الرمل، لطول المسافة، فتعمل فيه حدة البول، وذلك (544) يدل على حصاة، وتتولد (545) في المثانة.
[aphorism]
قال أبقراط (546): من بال دما عبيطا، وكان به تقطير البول، وأصابه وجع في (547) أسفل بطنه وعانته، فإن ما يلي مثانته وجع.
[commentary]
الشرح (548): تقطير البول وعسره (549)، مع وجع العانة وأسفل البطن، قد يكون لمادة حادة تصحب PageVW2P110A البول فتؤلم، ولا تتمكن المثانة من الصبر عليها إلى أن يجتمع البول فيعرض التقطير، ولكن هذا لا يكون معه دم. وقد يكون لقرحة في المثانة فيوجع ويحوج PageVW0P122B إلى خروج البول قليلا قليلا، وهذا قد يكون معه دم، وذلك إذا لزم القرحة تفرق اتصال في عروق (550)، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك الدم عبيطا، فإنا بينا PageVW1P062B أن عروق المثانة دقيقة فيكون دمها رقيقا، فبقى أن يكون (551) ذلك لقرحة في عضو آخر يلي المثانة.
[aphorism]
قال أبقراط (552): من كان يبول دما وقيحا وقشورا وكان لبوله رائحة منكرة، فذلك (553) يدل على قرحة في المثانة (554).
[commentary]
الشرح (555): أما الدم والقيح فيكون عن (556) قرحة في أي عضو كان من آلات البول، فإن كان مع ذلك قشور فالأولى أن يكون من المثانة لأن جرمها غشائي، فإن كان البول مع ذلك شديد النتن تأكدت الدلالة على أنه من المثانة PageVW2P110B لأن البول يجتمع فيها، فإذا كان فيها قروح، كان تجمعه PageVW0P123A في مكان متقيح (557)، وذلك موجب لزيادة النتن.
[aphorism]
قال أبقراط (558): من خرجت به (559) بثرة في إحليله، فإنها إذا تقيحت وانفجرت، انقضت علته.
[commentary]
الشرح (560): يريد أنه حينئذ تنقضي علته التي حدثت به (561) من تلك البثرة وهي احتباس البول.
[aphorism]
قال أبقراط (562): من بال في الليل بولا كثيرا، دل (563) على أن برازه يقل.
[commentary]
الشرح (564): سبب ذلك انصراف الرطوبات إلى جهة الكلى والمثانة، فيجف البراز ويقل، وإنما خصص ذلك بالليل لأن * انصراف الرطوبات إلى هناك إنما يكون في الأكثر في الليل لأن (565) الغذاء يتناول في النهار (566).
بسم الله الرحمن الرحيم.
المقالة الخامسة من شرح فصول الفاضل أبقراط (1)
[aphorism]
قال أبقراط: التشنج الذي يكون من شرب الخربق، من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (2): شرب الخربق يوجب التشنج، تارة بفرط استفراغه، وهو قتال؛ لأن البدن يكون مع شدة تجففه، حتى حدث به التشنج (3)، فيه قوة تجفيف، لأن الخربق يورث البدن ذلك لفرط تجفيفه. وتارة بملئه (4) العصب PageVW2P111A رطوبات، وهو قتال أيضا، لأن الخربق يحرك رطوبات البدن، فإذا تحركت إلى الأعصاب استمرت حركتها إليها، فيكون التشنج شديدا جدا. PageVW0P124A
[aphorism]
قال أبقراط (5): التشنج الذي يكون من جراحة (6)، من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (7): المعتمد في هذا وأمثاله على الاستقراء.
[aphorism]
قال أبقراط (8):إذا جرى من البدن دم PageVW1P063A كثير، فحدث فواق أو تشنج، فتلك علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (9): الفواق يحدث من انبساط المعدة جاذبة للهواء من الفم، ثم تنقبض دافعة له، لتستعين بذلك على دفع المؤذي. وإنما يحدث ذلك مع التشنج عقيب جريان الدم الكثير إذا عرض للمعدة والأعصاب جفاف مفرط، وهو لا محالة رديء؛ وإنما لا يكون قتالا إذا كان حدوثهما في زمن قصير، وذلك بأن يكون خروج الدم الكثير دفعة، وهو مراد أبقراط، فإنه إذا كان كذلك أمكن PageVW0P124B الترطيب في زمن قصير.
[aphorism]
قال أبقراط (10): PageVW2P111B إذا حدث التشنج أو الفواق بعد استفراغ مفرط، فهو علامة رديئة.
[commentary]
الشرح (11): إذا أطلق الأطباء (12) لفظ الاستفراغ أرادوا (13) ما يكون بالإسهال أو بالقيء، وفي الغالب لا يحدث عن المفرط منهما جفاف موجب للفواق والتشنج إلا في زمان طويل، فيكون الحال بذلك أردأ مما في الصورة الأولى؛ لكن من جهة أن (14) الخارج في الصورة الأولى هو الدم، وهو مادة الترطيب الجوهري ، يكون الحال منهما (15) أهون.
[aphorism]
قال أبقراط (16): إذا عرض لسكران سكات بغتة، فإنه يتشنج ويموت، إلا أن يحدث به حمى، أو يتكلم إذا حضرت الساعة التي ينحل فيها خماره. PageVW0P125A
[commentary]
الشرح (17): قد يعرض للسكران أن يمتليء رأسه أبخرة ويسكت بغتة، فإما أن يعرض له بعد ذلك حمى من سخونة الشراب أو من غيرها فتحلل بحرارتها تلك الأبخرة فيبرأ، أو لا يعرض له ذلك؛ فحينئذ إما أن تكون تلك الأبخرة قليلة لطيفة والدماغ والأعصاب PageVW2P112A قويين، أو لا يكون كذلك. فإن كان الأول قوى الدماغ على تحليلها، فإذا مضى زمان ينحل فيه الخمار، حلل بعضها وأمكن السكران أن يتحرك حركة خفيفة كالكلام، فيكون ذلك الكلام دليلا على قوة الدماغ PageVW1P063B على التحليل، فيخلص. وإن كان الثاني، اشتد تضرر الدماغ والأعصاب بتلك الأبخرة، ولكونها من الشراب تكون نفاذة فتنفذ في الأعصاب، فإن غلبت عليها المائية أحدثت تشنجا امتلائيا، وإلا فإن استحالت لبرد الأعصاب PageVW0P125B خلا كان منها التشنج اللذعي (18). وإن كانت حادة -كما إذا كان الشراب صرفا- أحدثت تشنجا لذعيا بوجه آخر، ويلزم ذلك الموت لاجتماع السكتة مع التشنج.
[aphorism]
قال أبقراط (19): من اعتراه التمدد فإنه يهلك في أربعة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
الشرح (20): التمدد مرض عصبي يمنع انقباض PageVW2P112B الأعضاء، وسببه أشد من سبب التشنج، فلذلك هو أحد منه، فيكون بحرانه في الرابع، فإما أن يقتل (21) في هذه المدة أو يفارق، إذ لا يمكن الطبيعة الصبر عليها أكثر من ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (22): من أصابه الصرع قبل نبات الشعر في العانة، فإنه يحدث له انتقال، فأما من عرض له وقد أتى عليه من السنين خمس وعشرون سنة فإنه PageVW0P126A يموت وهو به.
[commentary]
الشرح (23): إنما لا يبرأ بعد خمس وعشرين سنة لأن الحرارة الغريزية لا يمكن بعد هذا السن أن تزداد قوة، وإذا كان الصرع عن سبب دماغي فهو أولى بأن لا يبرأ.
[aphorism]
قال أبقراط (24): من أصابته (25) ذات الجنب، فلم ينق (26) في أربعة عشر يوما، فإنه (27) يؤول إلى التقيح.
[commentary]
الشرح (28): يقال: "تقيح" لاستحالة المادة قيحا، كيف كان، ويقال لحصول القيح في فضاء الصدر، وهو المراد ههنا. ولاشك أن ذات الجنب من الأمراض الحادة بقول مطلق، فإذا لم تنق (29) مادتها في أربعة عشر يوما، PageVW2P113A وكانت الطبيعة قوية، فلابد وأن تدفع تلك المادة، ودفعها إلى فضاء الصدر أولى (30)، ففي الغالب يكون اندفاعها إلى هناك، PageVW1P064A PageVW0P126B فيحدث التقيح.
[aphorism]
قال أبقراط (31): أكثر ما يكون السل في السنين التي فيما بين ثمان عشرة (32) سنة، وبين خمس (33) وثلاثين سنة.
[commentary]
الشرح (34): سبب ذلك قد ذكرناه في كلامنا (35) في أمراض الشباب.
[aphorism]
قال أبقراط (36): من أصابته (37) ذبحة فتخلص منها، فمال الفضل إلى رئته، فإنما يموت في سبعة أيام، فإن جاوزها صار إلى التقيح.
[commentary]
الشرح (38): قد يعرض في الرئة ورم حار يسمى ذات الرئة، وضرره بالقلب وآلات التنفس شديد، فلذلك يبحرن في سبعة أيام، إما بموت، وإما (39) باستحالة المادة قيحا، فيكون منه السل. فإن كانت المادة الفاعلة لذلك منتقلة من الذبحة، فهي أردأ (40)، PageVW0P127A والموت أكثر، لأن القلب يكون قد تقدم له الضرر بالذبحة.
[aphorism]
قال أبقراط (41): إذا كان PageVW2P113B بإنسان السل (42)، وكان ما يقذفه بالسعال من البصاق منكر (43) الرائحة إذا ألقى على الجمر، وكان شعر الرأس ينتثر، فتلك (44) علامات الموت.
[commentary]
الشرح (45): يريد أن هذه علامة على الموت بسرعة، فإن السل نفسه من علامات الموت وإن لم يكن معه شيء من ذلك. ورداءة رائحة النفث تدل على عفن جرم الرئة، وإذا كان ذلك يظهر من غير تسخين بالجمر، فلا شك أن دلالته على ذلك العفن أكثر وأقوى. وأما انتثار الشعر فيكون لاتساع منافذه لأجل قلة اللحم وتخلخل الجلد.
[aphorism]
قال أبقراط (46): من تساقط شعر رأسه من أصحاب السل، ثم حدث له اختلاف، فإنه يموت. PageVW0P127B
[commentary]
الشرح (47): يريد: "فإنه يموت عن قريب" لأن هذا الاختلاف سببه حينئذ سقوط القوى عن إمساك الرطوبات وذوبان الأعضاء.
[aphorism]
قال أبقراط (48): من قذف دما زبديا، فقذفه إياه إنما هو من رئته. PageVW2P114A
[commentary]
الشرح (49): حقيقة القذف القيء، وأطلقه PageVW1P064B أبقراط ههنا على النفث تجوزا، ونفث الدم قد يكون من الرئة، وقد يكون من الصدر، والزبدي منه إنما يكون من الرئة؛ لأن حدوث الزبد من اختلاط الرطوبة بالجرم الهوائي، وإنما يتم ذلك إذا اجتمعا مدة طويلة، وإنما يكون ذلك (50) من الرئة.
[aphorism]
قال أبقراط (51): إذا حدث بصاحب السل اختلاف، دل (52) على الموت.
[commentary]
الشرح (53): أما إذا كان اختلاف المسلول مع تساقط شعره، فموته عن قريب واجب، ولهذا قال (54): فإنه يموت. PageVW0P128A وأما إذا لم يكن معه (55) ذلك، فلا شك أنه إنما (56) يكون لفساد حال في قواه (57)، ويلزمه زيادة ضعف، وذلك (58) علامة بقرب موت (59)، مع جواز تخلفه.
[aphorism]
قال أبقراط (60): من آلت به الحال من أصحاب ذات الجنب إلى التقيح، فإنه إن استنقى في أربعين يوما من اليوم الذي انفجرت فيه المدة، فإن علته PageVW2P114B تنقضي؛ وإن لم يستنق في هذه المدة (61) فإنه يقع في السل.
[commentary]
الشرح (62): إذا حصل القيح في فضاء الصدر ولم يستنق بالنفث في هذه المدة، فظاهر أن جرم الرئة لا يحتمل لذع المدة أزيد من ذلك، فيتقرح، ويكون من ذلك السل.
[aphorism]
قال أبقراط (63): الحار يضر من (64) أكثر استعماله هذه المضار: يؤنث اللحم، ويفتح العصب، ويخدر الذهن، ويجلب سيلان الدم والغشي؛ ويلحق أصحاب ذلك الموت. [C5DK4 128b]
[commentary]
الشرح (65): المراد ههنا بالحار والبارد ما يحس منه انه كذلك إذا لمس، وهو الحار والبارد بالفعل؛ والمراد أن الحار يؤثر هذه الأشياء إذا استعمل من خارج. وتأنيث اللحم (66)، جعله كلحم الأنثى رخاوة وسخافة، والحار يفعل ذلك بتسييله الرطوبات. ويفتح العصب بإرخائه إياه. ويخدر الذهن، أي يضعفه حتى يصير كالكال، وذلك بتحليل القوة الحسية، PageVW2P115A وإرخاء آلاته، وبله الدماغ بتسييل رطوباته، وأضر الأشياء بالذهن الرطوبة PageVW1P065A الزائدة، ولذلك (67) يصح ذهن المسهول. ويجلب سيلان الدم لأن الحرارة ترققه، ولذلك (68) يسهل خروجه من المسام لانفتاحها، * مع رقته، ويجلب الغشي أيضا بتحليله الروح. ويلحق أصحاب ذلك الغشي؛ أي الذين يعتريهم الغشي كثيرا؛ أن يموتوا فجأة (69)، وذلك لأن مثل هؤلاء تكون (70) PageVW0P129A قلوبهم ضعيفة.
[aphorism]
قال أبقراط (71): وأما البارد فيحدث التشنج، والتمدد، والاسوداد، والنافض الذي يكون معه (72) حمى.
[commentary]
الشرح (73): يريد أن البارد بالفعل يحدث ذلك إذا أكثر من استعماله، أما التشنج والتمدد فلإجماده رطوبات العصب، مع إضعافه له لأجل برد العصب، وإنما (74) لا يحدث الفالج لأن حدوث الفالج من مواد رقيقة. وأما الاسوداد فالمراد به الخضرة العارضة لمن برد بإفراط، فسببه جمود الدم، فيظهر منه كالسواد. وأما النافض، والمراد بالحمى التي تكون معه PageVW2P115B حمى يوم، وكونها معه يعني أنها تصحبه، وسبب ذلك أن الأعضاء تتأذى بالبرد فتنتفض لدفع ما يؤذيها، وإنما يعرض ذلك إذا اشتد تضررها به، ويلزم ذلك أن يكون الجلد PageVW0P129B قد تكاثف، وهو موجب لحمى يوم باحتباس ما كان يتحلل من الأبخرة الحارة.
[aphorism]
قال أبقراط (75): البارد ضار بالعظام والأسنان والعصب والدماغ والنخاغ (76)، والحار موافق نافع لها.
[commentary]
الشرح (77): هذه الأعضاء باردة بالطبع فيضرها البارد من داخل ومن خارج، لأنه يزيدها خروجا عن الاعتدال، ويوافقها الحار لتعديلها، وأبردها العظم، ثم السن وهو مغاير للعظم (78) لتركبه من أجزاء عظمية وأجزاء عصبية وأجزاء رباطية، يشاهد ذلك في رميم أسنان الحيوان الكبير (79)؛ ولذلك يحس بتضرس وتخدر وبتألم، ثم العصب، ثم الدماغ، ثم النخاع (80)؛ وهذا إذا اعتبر المزاج الأصلي، [TH2 116a] وذلك لأن ما كان من هذه الأعضاء ألين كان دمه أكثر، فيكون برده أقل. وأما إذا اعتبر PageVW1P065B المزاج العارض، PageVW0P130A فالنخاع (81) أقل بردا من الدماغ، لتسخنه بمجاورة القلب؛ والظاهر أن أبقراط اعتبر هذا.
[aphorism]
قال أبقراط: كل موضع (82) برد فينبغي أن يسخن، إلا أن يخاف (83) انفجار الدم منه (84).
[commentary]
الشرح (85): سبب ذلك أن الضد يبطل أثر ضده، فينبغي أن يسخن ما عرض له برد، إلا أن يخاف انفجار الدم منه، أما بالطبع بأن يكون سهل الانصداع كاللثة والمقعدة، أو بأن يكون قريب العهد بالتحام جراحة، فإنا بينا أن الحار يسيل الدم إلى خارج.
[aphorism]
قال أبقراط (86): البارد لذاع للقروح، ويصلب الجلد، ويحدث (87) من الوجع ما لا يكون معه تقيح، ويسود، ويحدث النافض الذي يكون معه حمى، والتشنج، والتمدد. [C5DK4 130b]
[commentary]
الشرح (88): اللاذع (89) ما يفرق (90) بقوة نفوذه تفرق اتصال العضو في مواضع لا PageVW2P116B يحس بكل واحد منها لصغره، بل بالجملة، فإنما (91) يكون كذلك إذا كان حارا، وقد يفعل البارد ذلك التفريق بإفراط تكثيفه، فيقال له لاذع (92) مجازا، فإنما (93) يتمكن من ذلك إذا نفذ إلى عمق العضو، فما كان (94) من الأعضاء متكاثفا فإنه لا يقوى على النفوذ إلى باطنه فلا يحدث فيه ذلك، وما كان منها لينا إما بطبعه كالعين، أو بعارض كلحم القرحة، أمكن نفوذه فيه، فكذلك (95) الهواء البارد يحدث في الأعين لذعا، والماء البارد يلذع القروح. والماء (96) الحار-فلزيادة نفوذه- لا يدوم في العضو اللين مدة في هذه (97) الأجزاء (98) بأعيانها، فلا يحدث اللذع في العين ولا في القروح، إلا أن يكون شديد الحرارة بحيث يفعل وإن لم يطل الزمان، بل ربما سكن أوجاع القروح PageVW0P131A بتليينه وإرخائه. وأما الجلد -فلكثافته- تطول مدة بقائه في أجزائه، فيحدث فيها اللذع. والبارد يصلب الجلد بجمعه (99) PageVW2P117A أجزائه وتكثيفه له، ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح، لأنه PageVW1P066A بإطفائه الحرارة المنضجة يبطل التقيح، وأما الوجع فيفعله (100) بذاته وبتفريقه الاتصال بفرط (101) التكثيف؛ وباقي الفصل قد حققناه.
[aphorism]
قال أبقراط (102): وربما صب على من به تمدد من غير قرحة وهو شاب حسن اللحم في وسط من الصيف ماء بارد كثير، فأحدث له انعطافا من حرارة كثيرة، فكان تخلصه بتلك الحرارة.
[commentary]
الشرح (103): قد اعتبر أبقراط في شفاء التمدد بذلك خمسة أمور: أحدها: أن لا يكون مع التمدد قرحة، فإن الكائن * مع القرحة كالكائن (104) عن الجراحة (105) لا يبرأ بذلك ويضره الماء البارد بوجوه، أحدها: PageVW0P131B أن الماء البارد يتمكن حينئذ من النفوذ إلى العصب فيشتد الضرر. وثانيها: أن ذلك محدث (106) للوجع حينئذ، والوجع محرك للطبيعة إلى جهته ومسخن، وذلك مانع من قوة الحرارة إلى الباطن. وثالثها: PageVW2P117B أن الماء يضر بالقرحة فيشتد سبب التمدد. والأمر الثاني: أن يكون صاحب ذلك شابا، فإن الشيخ والصبي يقوى البرد على النفوذ إلى باطنهما، والحرارة فيهما * وإن اشتدت (107) لا تبلغ إلى حد يقاوم * برد الماء مع دفع (108) المرض. والأمر الثالث: أن يكون حسن اللحم، أعني متوسطه، فلا يكون نحيفا فيغوص (109) برد الماء فيه (110)، ولا شديد السمن فيكون بارد المزاج. والأمر الرابع: أن ذلك يكون في وسط الصيف، فإن طرفاه قليلا الحرارة، فيكون الماء شديد البرد فيقوى على العضو (111). والأمر الخامس: أن يكون الماء كثيرا، PageVW0P132A فلو كان قليلا لم يقو على اغتصاب جميع الأجزاء الظاهرة على (112) فعل الحرارة فيها، وأما إذا كان كثيرا (113) بحيث يعم ظاهر البدن كله، منع الحرارة الباطنة من تسخين شيء من تلك الأجزاء، فيتوفر فعلها على الأجزاء الباطنة، فيشتد تسخن (114) الأرواح، فتجد الطبيعة آلة قوية (115) لدفع المرض PageVW2P118A فتتمكن من تحليل مادة التمدد بتحريك الروح إلى جهتها. وإذا عرفت أن التمدد يبرأ بذلك، فالتشنج PageVW1P066B أولى لأن سببه أضعف، والفالج أولى لأن مادته أرق وأسهل تحليلا (116). ولما كان هذا التدبير خطرا لم يقل أبقراط أنه ينبغي أن يفعل، بل جعل البرء ربما حصل به، وذلك قليل. قوله: "فأحدث انعطافا (117) من حرارة كثيرة" يريد بهذا الانعطاف انعطاف الفعل لأن الحرارة الغريزية يعرض لها (118) حينئذ أن تهرب من الضد كما يقال، فتجتمع في الباطن، فإن انتقال الحرارة محال. PageVW0P132B
[aphorism]
قال أبقراط (119): الحار مقيح (120)، لكن ليس في كل قرحة، وذلك من أعظم العلامات (121) دلالة على الثقة والأمن، ويلين الجلد ويرققه، ويسكن الوجع، ويكسر عادية النافض والتشنج والتمدد، ويحل الثقل العارض في الرأس، وهو من أوفق الأشياء لكسر العظام PageVW2P118B وخاصة المعراة (122) منها من اللحم، وخاصة لعظام (123) الرأس، ولكل ما أصابه (124) البرد أو أقرحه (125)، والقروح (126) التي تسعى وتتآكل، وللمقعدة، ولقروح الرحم (127) والمثانة؛ فالحار (128) لأصحاب هذه العلل نافع شاف (129)، والبارد لهم ضار قاتل.
[commentary]
الشرح (130): "الحار مقيح (131)" أعني الحار بالفعل مولد للقيح (132) في الأورام، وذلك بإنضاجه، سواء كان من خارج، كما يصب الماء الحار والنطولات على الأورام الظاهرة، أو من داخل كما يستعمل ماء الشعير والجلاب في ذات الجنب وذات الرئة حارين ؛ فإن كانت PageVW0P133A مادة الورم باردة، فليكن الحار المستعمل حارا بالقوة # أيضا، وإن كانت حارة فليكن مع حرارته التي بالفعل باردا بالقوة (133) لإصلاح المادة. قوله: "لكن ليس في كل قرحة" معناه: فينبغي أن يستعمل الحار ولكن ليس في كل قرحة، فإن مادة الورم قد تكون عفنة أو متحركة إلى موضع الورم، فلا يجوز الحار حينئذ، لأنه يزيد المادة استعدادا للعفن (134) PageVW2P119A ويرخي العضو فيهيئه لقبول الوارد (135). قوله: "وذلك من أعظم العلامات دلالة على الثقة والأمن" * معناه: أنه إذا كان الحار المستعمل في الورم نافعا مقيما، فذلك من أعظم العلامات دلالة على الثقة والأمن (136) من ذلك الورم، PageVW1P067A لدلالة (137) ذلك على خلو المادة من العفن وعلى نقاء البدن، حتى لا يتحرك شيء آخر من المادة إلى الورم. ومن أفعال الحار أنه يلين الجلد ويرققه، * وذلك لإزالته تكاثفه الذي يكون بالبرد، والتكاثف يغلظ له PageVW0P133B الجلد ويصلب فيكون الحار ملينا له ومرققا. "ويسكن الوجع" (138) وذلك لإرخائه وتليينه فيقل انفعال العضو عن تمديد المادة. "ويكسر عادية النافض والتمدد والتشنج" أما النافض فبإدفاء العضو وخلخلته، فتجد المادة المنفضة طريقا سهلا إلى النفوذ. وأما التشنج والتمدد، فلتسخينه العصب (139) وتليينه (140) إياه وتحليله من المادة المحدثة لذلك. "ويحل الثقل العارض في الرأس" أعني ما يكون لأبخرة غليظة رطبة، فإن الحار إذا حللها أزال إثقالها للرأس، وأما أن يكون عن مادة ذات قوام فربما أن (141) الحار فيه * من أضر الأشياء (142). "وهو من أوفق الأشياء لكسر PageVW2P119B العظام" لأن (143) العظم بارد، والكسر يضعفه ويهيئه للتضرر (144)، والهواء البارد أضر الأشياء به (145)، والحار يدفع (146) ذلك. وما كان من العظام معرى من اللحم فالحار له أوفق، لأن تضرره بالهواء البارد يكون * أكثر وعظام [C5DK4 134a] الرأس أولى بذلك (147) لزيادة بردها بمجاورة الدماغ، ولأن الحار ينفع الدماغ وهو أيضا من أوفق الأشياء لكل ما أصابه (148) البرد. "وأقرحه" أي أحدث (149) فيه القروح التي تسعى وتتآكل، كالنملة، بتحليل المادة وكسر حدتها، ولذلك (150) هو من أوفق الأشياء للمقعدة والفرج والمثانة، لأن هذه الأعضاء عصبية باردة، وكذلك الحجاب والأذن واللثة. وينبغي أن يكون استعمال الأدوية في هذه الأعضاء كلها حارة (151) بالفعل.
[aphorism]
قال أبقراط (152): وأما البارد فينبغي أن تستعمله في هذه المواضع (153) التي يجري منها الدم، أو هو (154) مزمع بأن يجري منها. وليس ينبغي أن يستعمل (155) في نفس الموضع الذي يجري منه PageVW2P120A الدم، لكن حوله ومن حيث يجيء، وفيما كان من الأورام الحارة PageVW1P067B والتلكع مائلا إلى الحمرة ولون الدم الطري، لأنه إن استعمل فيما (156) عتق فيه الدم سوده؛ وفي الورم الذي يدعى (157) PageVW0P134B الحمرة، إذا لم يكن معه قرحة، لأن ما كانت (158) معه قرحة فهو يضره (159).
[commentary]
الشرح (160): ينبغي أن لا يستعمل البارد إلا في هذه المواضع المعدودة، لأنه بذاته مضاد لأفعال الحياة، وإنما يحدث عنه فيما يقع بالعرض كما في التمدد. ومن هذه * المواضع التي يقع فيها نفع بالعرض (161)، * المواضع التي يجري منها (162) الدم، أو هو مزمع بأن يجري منها، أما التي يجري منها الدم، فكالأنف عند الرعاف، والمقعدة عند انفتاح أفواه العروق، واللثة عند سيلان دمها (163) وعند قيء الدم ونفثه. وأما الذي هو مزمع بأن يجري منها، فكهذه الأعضاء إذا كانت شديدة الاستعداد لسيلان الدم. [TH2 120b] والبارد ينفع من ذلك بتكثيفه العضو وتغليظه الدم، فلا يسهل نفوذه. وينبغي أن لا يستعمل في نفس الموضع الذي يجري منه الدم، أما إن (164) كان هناك قرحة فظاهر، وأما إذا لم يكن كذلك PageVW0P135A فلأن البارد حينئذ لا يحبس الدم عن ذلك الموضع، بل يجمده (165) فيه فيسود؛ لكن ينبغي أن يستعمل حوله من حيث يجيء، أي من الجهة التي يسيل منها الدم إلى ذلك الموضع، فإن لم تعرف تلك الجهة فمن جوانب ذلك الموضع كلها. ومن هذه المواضع أيضا: "ما كان من الأورام الحارة والتلكع مائلا إلى الحمرة ولون الدم الطري" والتلكع هو (166) الورم الذي يعلوه شبه حرق النار، كالنار الفارسية (167)، وإنما ينفع البارد هذه بشرطين: أحدهما: أن تكون مائلة إلى الحمرة ولون الدم الطري، وهو (168) الحمرة الصافية، لأنها إنما تكون كذلك إذا كانت مادتها شديدة الحرارة، لطيفة، والبارد يعدل كيفيتها PageVW2P121A PageVW1P068A وقوامها. وثانيهما: أن يكون ذلك في الابتداء، حيث يجب الردع، أما بعد ذلك فلا يجوز لأمرين: أحدهما: أن الواجب حينئذ استعمال المحلل، والبارد يمنع التحليل (169). وثانيهما: أن الدم يكون حينئذ قد عتق واستعد للجمود، والبارد يجمده. "فيسود الموضع" PageVW0P135B أي يكمد ويميل إلى السواد. ومن هذه المواضع، الورم الذي يسمى الحمرة، لأن مادته شديدة الحدة، وإنما ينبغي أن يفعل ذلك إذا لم يكن معه قرحة، لأن ما كان (170) معه قرحة فهو يضره لأن البارد لذاع للقروح؛ وكذلك ما دام (171) في الابتداء، وإن (172) استعمل بعد ذلك ضر بما قلناه أولا.
[aphorism]
قال أبقراط (173): إن الأشياء الباردة مثل الثلج والجمد (174) ضارة للصدر، مهيجة للسعال، جالبة لانفجار الدم والنزل.
[commentary]
الشرح (175): يريد بالأشياء الباردة، الأشياء الباردة (176) جدا، كالجمد، وهذه تضر بالصدر لأن أعضاءه باردة. وتهيج السعال PageVW2P121B لإضرارها بقصبة الرئة، وتجلب انفجار الدم لفرط تكثيفها للعروق، حتى ينعصر الدم ويخرج (177) من فوهاتها (178). وأما جلبها للنزل فلإضرارها بالرأس لبرده، فيشتد برده، حتى يحيل ما يتصعد إليه من [C5DK4 136a] الأبخرة مائية وتسيل نزله. ومعنى قوله: "في الثلج" أنه بارد، أي (179) أنه كذلك بالفعل، لكنه إذا فارقه ذلك البرد سخن سخونة ظاهرة كما بيناه في كثير من كتبنا.
[aphorism]
قال أبقراط: الأورام التي تكون في المفاصل، والأوجاع التي تكون من غير قرحة، وأوجاع أصحاب النقرس (180)، أصحاب الفسخ (181) الحادث في المواضع العصبية، وأكثر ما أشبه هذه (182)؛ إذا صب عليها ماء بارد كثير سكنها وأضمرها وسكن الوجع بإحداثه الخدر، والخدر أيضا (183) اليسير يسكن الوجع (184).
[commentary]
الشرح (185): البارد مع نفعه في هذه الأشياء ينبغي أن لا يستعمل فيها، لأنها يضر بها (186) بوجه آخر. أما PageVW1P068B أورام المفاصل فلأنه وإن (187) سكنها (188) وأصلح كيفياتها، PageVW2P122A فهو يضر المفاصل لبردها. وأما الأوجاع فلأنه وإن سكنها PageVW0P136A بالتخدير، فهو يغلظ موادها ويمنع سرعة تحللها، وإنما شرط أن لا يكون معها قرحة لأن الكائنة مع القرحة لا يسكنها البارد، بل ربما زاد فيها بلذع القرحة. فأما أوجاع النقرس فإنها أيضا وإن سكنت في الحال، فإن موادها تزداد بالبارد غلظا (189) وعسر تحلل. وأما الفسخ (190) الحادث في المواضع العصبية فلأنه (191) وإن سكنها، يضرها بعصبية مكانها. وفي بعض النسخ بدل "الفسخ" "التشنج" والكل جائز. قوله: "وأضمرها" يعني صغر حجمها، وذلك أنه بتكثيفه يصغر حجم الأورام، وهذه الأشياء كلها في الغالب لا تخلو من ورم. وأما الحار فيصغر حجم الورم بالتحليل.
[aphorism]
قال أبقراط (192): الماء الذي يسخن سريعا ويبرد سريعا فهو أخف المياه. PageVW0P137A
[commentary]
الشرح (193): يعني بكونه أخف، أعني أخف على المعدة، فلا PageVW2P122B يثقلها ولا يمددها ولا يطول بقاؤه فيها، وسبب ذلك أن سرعة تبرده وتسخنه إنما يكون لسهولة انفعاله، وإنما يكون ذلك لتخلخله ولطافة جوهره، وإذا كان كذلك كان انفعاله في المعدة سريعا أيضا.
[aphorism]
قال أبقراط (194): من دعته شهوته إلى الشرب بالليل وكان عطشه شديدا، فإنه إن نام بعد ذلك فذلك محمود.
[commentary]
الشرح (195): إذا شرب الإنسان بالليل عن عطش شديد، فإنه إذا نام بعد ذلك يكون (196) ذلك النوم محمودا، لأن (197) الشرب بالليل على خلاف العادة فيكون مفججا للغذاء، والنوم بعده يتدارك هذه المضرة. وإذا كان الشرب على غير العطش الشديد PageVW1P069A فلا شك أن الحاجة إلى النوم بعده تكون أكثر. PageVW0P137B
[aphorism]
قال أبقراط (198): التكميد بالأوفاويه يجلب الدم الذي يجيء (199) من النساء، وقد (200) ينتفع به في مواضع أخر كثيرة، لولا أنه يحدث في الرأس ثقلا.
[commentary]
الشرح (201): PageVW2P123A الدم الذي يجيء من النساء هو الذي يجري منهن في العادة، وهو دم الحيض ودم النفاس، والتكميد بالأفاويه يجلب (202) ذلك لأن احتباسه في الأكثر إنما يكون لضيق المجاري أو غلظ الدم لأجل تكاثفه، والأفاويه بحرارتها تزيل (203) ذلك. وأما إذا كان ذلك (204) عن ورم حار فقد يكون هذا التكميد زائدا (205) في احتباسه، لأنه يزيد (206) في سببه الذي هو الورم. وإذا كان هذا التكميد (207) يفعل ذلك فقد ينتفع به في مواضع أخر كثيرة، كتسخين البدن (208) والترعيف وما أشبه ذلك، إلا أنه ينبغي أن لا يكثر منه فإنه يحدث في الرأس ثقلا بتبخيره الرطوبات. [C5DK4 138a] *
[aphorism]
قال أبقراط: ينبغي أن تسقى الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة منذ يأتي على الجنين أربعة أشهر وإلى أن يأتي عليه سبعة أشهر، ويكون التقدم على هذا أقل. وأما ما كان أصغر من ذلك أو أكبر منه فينبغي أن يتوقى عليه.
[commentary]
الشرح: قد حققنا هذا فيما سلف (209)
[aphorism]
قال أبقراط (210): المرأة الحامل إذا فصدت أسقطت، وخاصة (211) إذا (212) كان طفلها قد عظم.
[commentary]
الشرح (213): الفصد يوجب الإسقاط في كل وقت، بخلاف الإسهال؛ لأن الفصد يخرج الدم الذي هو مادة تكون الجنين وغذاؤه (214)، وكلما PageVW2P123B كان الجنين أعظم كان الإسقاط حينئذ أولى، لأن ما يحتاج إليه العظيم من الغذاء أكثر. [C5DK4 138b]
[aphorism]
قال أبقراط (215): إذا كانت المرأة حاملا فاعتراها بعض الأمراض الحادة، فذلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (216): أما ما (217) يكون من الأمراض الحادة كالتمدد والتشنج فإضرارهما بالحامل ظاهر، لأن الرحم يتضرر بذلك لكونه عصبيا. وأما الإسهال الحاد فإضراره (218) بين، وأما ما يكون معه حمى فلأن الحامل تحتاج إلى التنفس لها ولجنينها، والحمى وحرارة المادة والعفونة توجب زيادة حاجة كل واحد منهما فلا يكون ما يرد من [L4 69b] التنفس كافيا. ويحتاج أيضا في هذه الأمراض إلى تقليل الغذاء، فلا يكون الواصل إلى الجنين كافيا له؛ وكل ذلك يوجب الإسقاط المصادف لضعف القوة، وهو لا محالة قتال، ويوجب أيضا الموت بدون الإسقاط لأن الطبيعة (219) يعرض لها (220) فساد مزاج القلب PageVW2P124A وإثقال الجنين، PageVW0P139A وهو يعجزها عن دفع المرض.
[aphorism]
قال أبقراط (221): المرأة إذا كانت تتقيأ دما فانبعث طمثها، انقطع عنها ذلك القيء (222).
[commentary]
الشرح (223): سبب ذلك حركة المادة إلى الجهة المقابلة.
[aphorism]
قال أبقراط (224): إذا انقطع الطمث فالرعاف محمود.
[commentary]
الشرح (225): إنما كان كذلك لأنه يمنع ما يوجبه احتباس الحيض من الأمراض، ويقوم مقام الحيض في تنقية البدن؛ وأما قيء الدم حينئذ فإن كان (226) يفعل ذلك، فليس بذلك المحمود لأن مرور الدم بالمعدة رديء، يخشى منه جموده (227) فيها.
[aphorism]
قال أبقراط (228): المرأة الحامل إن ألح عليها استطلاق البطن لم يؤمن عليها أن تسقط. PageVW0P139B
[commentary]
الشرح (229): يريد ههنا باستطلاق البطن ما يكون في حال الصحة عن الأغذية، فلأن (230) هذا يقل معه ما يصل إلى الجنين من الغذاء، فلا يؤمن معه الإسقاط؛ وأما الإسهال القوي (231) المرضي فالإسقاط معه أكثر.
[aphorism]
قال أبقراط (232): إذا PageVW2P124B كان بالمرأة علة الأرحام أو عسر ولادها وأصابها (233) عطاس، فذلك محمود.
[commentary]
الشرح (234): إنما يتم العطاس بأن يجتذب الدماغ هواء كثيرا ثم يدفعه إلى أسفل بقوة، فإذا كان في البدن مادة متعلقة به أمكن ذلك الهواء دفعها بقوة حركته، فلذلك ينفع العطاس من الفواق، وعسر الولادة، ومن علة الأرحام، والمراد بها العلة المنسوبة إلى الرحم (235)، وهي اختناق (236) الرحم، وهو فيها محمود PageVW1P070A بوجه آخر، وذلك لأنه يدل حينئذ على إدراك (237) ما وعلى (238) نهوض الطبيعة إلى أفاعيلها. PageVW0P140A
[aphorism]
قال أبقراط (239): إذا كان طمث المرأة متغير اللون، ولم يكن مجيئه في وقته دائما، دل ذلك على أن بدنها يحتاج إلى تنقية.
[commentary]
الشرح (240): إذا تغير لون الطمث عن الأمر الطبيعي فلا محالة أن ذلك لخلط (241) يندفع معه، فإن كان ذلك (242) الطمث يجيء في وقته دائما ففي الأكثر لا يبقى من ذلك الخلط بقية لأن ما يكون منه (243) PageVW2P125A في البدن يندفع في الطمث، فإن لم يكن كذلك بل كان يتأخر ففي الأكثر لا ينقى البدن من ذلك الخلط، فيحتاج إلى استفراغ الباقي، وهو المراد (244) بالتنقية.
[aphorism]
قال أبقراط (245): إذا كانت المرأة حاملا فضمر ثدياها بغتة، فإنها تسقط.
[commentary]
الشرح (246): دم الطمث بعضه يستحيل إلى مشابهة جوهر PageVW0P140B المني فيكون غذاء منميا له وللأعضاء (247) الكائنة منه، ومنه ما لا يصلح لذلك بل يستحيل لحما وشحما؛ ومنه ما لا يصلح لأحد الأمرين في الحال، فمن ذلك ما يصلح له بشرط الاستحالة في الثدي لبنا، فتصرفه الطبيعة إلى الثديين (248) ليكون منه غذاء الجنين بعد الولادة؛ ومنه ما لا يصلح فيبقى إلى وقت النفاس، فتدفعه الطبيعة فضلا. وتوزع (249) الدم يكون من أول التكون،لكن لقلة المنصرف في أول الأمر إلى الثديين لا يظهر كبرهما (250)، وبعد ذلك إذا بعد العهد بخروج دم PageVW2P125B الطمث (251) فيظهر كبرهما (252)، فإذا ضمر دفعة دل ذلك على أن ذلك الدم قد رجع منهما إلى الرحم، وإنما يكون كذلك (253) إذا أخذ الجنين في السقوط لأن الطبيعة حينئذ تكون دافعة لما في الرحم إلى خارج فيتبعه الذي في الثديين، ولو كان ضمورهما بالتدريج لم يدل على ذلك، إذ قد يجوز أن يكون لقلة الدم، عطفت (254) الطبيعة على PageVW0P141A المنصرف إلى الثديين لتصلحه لغذاء PageVW1P070B الجنين، كما (255) تنضج البلغم والأخلاط الرديئة لتغذية البدن إذا أعوزها الخلط المحمود.
[aphorism]
قال أبقراط (256): إذا كانت المرأة حاملا فضمر أحد ثدييها وكان حملها توأما، فإنها تسقط أحد طفليها، فإن كان الضامر هو الثدي الأيمن أسقطت الذكر، وإن كان الضامر هو الثدي الأيسر أسقطت الأنثى.
[commentary]
الشرح (257): سبب ذلك أن الذكر تكونه في الجانب الأيمن، والأنثى تكونها (258) في الجانب الأيسر.
[aphorism]
قال أبقراط (259): إذا كانت المرأة ليست PageVW2P126A بحامل ولم تكن ولدت، ثم كان لها لبن، فطمثها قد ارتفع.
[commentary]
الشرح (260): من شأن الثدي تولد اللبن إذا حصل فيه دم زائد على غذائه، وذلك قد يكون من غير دم الطمث، PageVW0P141B كما قد يدر لبعض الرجال لبن، وهو نادر؛ وفي الأكثر إنما يكون من دم الحيض. أما في حال الحمل (261) فكما قلناه، وبعد ذلك كما في مدة الرضاع، أو في غير هذين الوقتين، فيكون ذلك منذرا بانقطاع دم الطمث أو بقلته (262)؛ وذلك هو المراد بقوله: فطمثها (263) قد ارتفع.
[aphorism]
قال أبقراط (264): إن (265) انعقد للمرأة في ثدييها دم، دل ذلك من حالها على الجنون (266).
[commentary]
الشرح (267): انعقاد الدم في الثدي إنما يكون إذا ارتفع الدم إليه وكان من الحرارة والغليان بحيث لا يصلح لأن يصير لبنا، بل يحلل لطيفه ويبقي كثيفه فينعقد، وإذا كان الدم كذلك كان ما يصعد منه إلى الدماغ فاسدا، فيولد الجنون.
[aphorism]
قال أبقراط (268): إن (269) أحببت أن تعلم PageVW2P126B هل المرأة حامل أم لا؟ فاسقها إذا أرادت النوم ماء العسل، فإن أصابها مغص في بطنها PageVW0P142A فهي حامل، وإن لم يصبها (270) فهي ليست بحامل.
[commentary]
الشرح (271): لا شك أن الحامل تضيق أمعاؤها بمزاحمة الجنين، وماء (272) العسل يولد رياحا قليلة إنما تقوى على إحداث القولنج إذا كانت الأمعاء ضيقة (273)، PageVW1P071A فلذلك يحدثه في الحبلى (274) دون غيرها، ولضعف هذا القولنج سماه مغصا، وإنما خص ذلك بحال النوم، لأن البدن يكون (275) ساكنا فلا يكون هناك حركة محللة للرياح. وينبغي أن يكون ماء العسل غير مطبوخ، فإن الطبخ يحلل ما فيه من الريحية، وبعضهم يتخذه من ماء المطر، على أن يكون ضعف العسل، لأن في ماء (276) المطر ريحية ما بقية من الدخانية التي لابد وأن يخالطها البخار المتكون سحابا، والمعتمد في هذا على التجربة. ومن تكون أمعاؤه بالطبع ضيقة لا (277) يبعد أن يكون العسل يحدث فيه القولنج، وجماعة نعرفهم كذلك. [TH2 127a]
[aphorism]
قال أبقراط (278): إذا كانت المرأة حبلى بذكر، كان لونها حسنا (279)؛ PageVW0P142B وإن كانت حبلى بأنثى، كان لونها حائلا.
[commentary]
الشرح (280): إذا تساوت (281) امرأتان في السحنة (282) والتدبير وغير ذلك، فإن الحبلى بالذكر تكون أحسن لونا، وأكثر نشاطا، وأنقى بشرة، وأصح شهوة، وأسكن أعراضا؛ لأن تولد الذكر من مني أسخن، واستعماله للغذاء أكثر، فتقل فضلات المرأة؛ والأنثى بالضد.
[aphorism]
قال أبقراط (283): إذا حدث بالمرأة الحبلى الورم الذي يدعى "الحمرة" في رحمها، فتلك من علامات الموت.
[commentary]
الشرح (284): قد بينا أن الحبلى إذا عرض لها مرض حاد فهو من علامات الموت، فكيف إذا كان ذلك في رحمها، وخصوصا الحمرة.
[aphorism]
قال أبقراط (285): إذا حملت المرأة وهي من الهزال على حال خارجة (286) عن الطبيعة، فإنها تسقط قبل أن تسمن. [C5DK4 143a]
[commentary]
الشرح (287): معناه أن الهزال العارض لمرض إذا زال المرض الموجب له بعد أن حبلت المرأة PageVW2P127B فإنها تسقط، ويكون إسقاطها قبل السمن، وسبب ذلك أن (288) المانع عن التغذي إذا زال صرفت (289) الطبيعة الغذاء بكماله، أو أكثره إلى جهة الأعضاء، إذ طبيعة المرأة (290) أشد عناية PageVW1P071B ببدنها من بدن الجنين، وذلك موجب للإسقاط لقلة (291) غذاء الجنين ويكون قبل السمن، لأن الغذاء الصائر إلى الأعضاء إنما يستحيل إلى مشابهتها بعد مدة، وفي (292) أقل منها يقع الإسقاط.
[aphorism]
قال أبقراط (293): متى كانت المرأة حاملا (294) وبدنها (295) معتدلا وتسقط (296) في الشهر الثاني والثالث من غير سبب بين، فنقر (297) الرحم منها مملوءة (298) مخاطا، فلا تقدر على ضبط الطفل لثقله، لكنه ينهتك منها.
[commentary]
الشرح (299): للإسقاط (300) أسباب كثيرة، فإذا انتفت الأسباب PageVW0P143B البادية (301)، إذ كلامنا (302) في جميع الأشياء إنما هو إذا لم يكن من خارج أمر معين (303)، وكان البدن مع ذلك معتدلا، فلا يكون أيضا من جهة سبب باد (304)، تعين (305) أن يكون [TH2 128a] لسبب (306) في الرحم، وأسباب ذلك كثيرة، لكن إذا اختص الإسقاط بالشهر الثاني والثالث فإنما يكون ذلك لأن التعلق يكون ضعيفا، حتى ما دام صغيرا جدا يقوى الرحم على حمله، فإذا كبر ضعف عنه. وتعلق الجنين ليس بجرم الرحم بل بالحجب، وخاصة المشيمة، وهي متعلقة (307) بأفواه العروق التي تسمى النقر، ومنها (308) يأتي الغذاء إلى الجنين، وهي مخارج دم الحيض، وإنما يكون التعلق بها ضعيفا إذا كانت ذات رطوبة مرخية، وتلك الرطوبة لو كانت رقيقة لسالت، فلابد وأن تكون غليظة، وهي البلغم المخاطي.
[aphorism]
قال أبقراط (309): إذا كانت المرأة على حال (310) خارجة عن الطبيعة من السمن فلم تحبل، فإن الغشاء الباطن * من غشائي البطن (311) الذي يسمى الثرب (312) يزحم (313) فم الرحم منها، فليس PageVW0P144A تحبل (314) دون أن تهزل.
[commentary]
الشرح (315): السمينة إذا لم يكن بدنها عظيما قد تحبل لفقدان المزاحمة، فلذلك قال: "ولم (316) تحبل". وفم PageVW2P128B الرحم هو الموضع [L4 72a] المشترك بينه وبين عنقه. وقد لا تحبل السمينة لعلة أخرى، وهي كثرة الرطوبة ومائية منيها، ولذلك فإن (317) الرجل السمين يقل إحباله، ولكن ما ذكره أبقراط هو الأكثر. وقد يحتال فتجامع السمينة على هيئة الساجد (318) فتحبل، لأن المني حينئذ يتمكن من النفوذ بسبب انحطاط الثرب (319).
[aphorism]
قال أبقراط (320): متى تقيح الرحم حيث يستبطن الورك، وجب ضرورة أن يحتاج إلى الفتل.
[commentary]
الشرح (321): هذا الموضع هو عنق الرحم، وهو موضع دخول القضيب، وأطلق عليه لفظ الرحم تجوزا، ووصول الأدوية المشروبة إليه عسر، وإنما تصل بعد ضعفها PageVW0P144B جدا لطول المسافة. وأولى (322) أدويته الأدوية (323) الموضعية، والفتل أولى لأنها تبقى ملاقية لجرمه مدة طويلة.
[aphorism]
قال أبقراط (324): ما كان من الأطفال ذكرا فأحرى أن يكون تولده في الجانب الأيمن، وما كان أنثى ففي الجانب الأيسر.
[commentary]
الشرح (325): غالب PageVW2P129A الناس جانبهم الأيمن أقوى وأشد حرارة، فيكون يمين الرحم كذلك، وما ينزل من بيضة (326) الرجل (327) اليسرى من المني يكون في حال الجماع محاذيا ليمين الرحم وهو أشد سخونة مما في البيضة اليمنى، لأن الكلية اليسرى مستقلة (328) بتسخين ما يحاذيها. وإذا حصل المني في الجانب الأيمن من الرحم كان تولده للذكر أولى، إلا أن يكون ضعيفا أو شديد البرد. وإذا حصل في الجانب الأيسر كان توليده للأنثى أولى، إلا أن يكون حارا قويا.
[aphorism]
قال أبقراط (329): إذا أردت أن تسقط المشيمة، فأدخل في الأنف PageVW0P145A دواء معطسا، وأمسك المنخرين (330) والفم.
[commentary]
الشرح (331): العطاس يدفع ما يتعلق بالبدن كما بيناه أولا، وإذا كان مع إمساك الفم والمنخرين، كان دفعه (332) أقوى وأولى، لأن الطبيعة حينئذ تحتاج إلى PageVW1P072B حركة دافعة أقوى.
[aphorism]
قال أبقراط (333): إذا أردت PageVW2P129B أن تحبس طمث المرأة، فألق عند كل واحد من ثدييها محجمة من أعظم ما يكون.
[commentary]
الشرح (334): سبب ذلك (335) جذب المحجمة للدم إلى الجهة (336) المقابلة، وينبغي أن تكون تلك (337) المحجمة من أعظم ما يكون (338) لشتمل (339) على جملة كثيرة من العروق المشتركة بين الثدي والرحم، فيكون الجذب أقوى، وإنما يحتاج في هذا إلى جذب قوي، لأن حركة دم الطمث إلى أسفل مع كونها طبيعية له هي أيضا بطبيعة البدن، لأن الطبيعة من شأنها دفعه إلى أسفل فلا يقوى على مقاومة هذه الحركة إلا جذب قوي جدا. وينبغي PageVW0P145B أن يكون وضع المحجمة عند كل واحد من الثديين لا عند أحدهما، ليكون الجذب من الجهتين؛ ولا على الثديين، بل دونهما لتلاقي العروق الصاعدة.
[aphorism]
قال أبقراط (340): إن فم الرحم من المرأة الحامل يكون منضما.
[commentary]
الشرح (341): هذه علامة أخرى للحبل، ويعرف PageVW2P130A انضمامه بان يجس بأصبع تدخل في عنق الرحم، وسبب ذلك تضييق (342) فمه حتى لا يخرج المني والجنين، وهذا يكون من أول التعلق. وقد ينضم بسبب الورم، ويفرق بينهما بثقل (343) الورم والإحساس بالانتفاخ (344) في موضعه، وصلابة ذلك الموضع.
[aphorism]
قال أبقراط (345): إذا جرى اللبن من ثدي المرأة الحبلى، دل ذلك على ضعف من طفلها (346)؛ ومتى كان الثديان مكتنزين، دل ذلك على أن الطفل صحيح قوي (347).
[commentary]
الشرح (348): PageVW0P146A جريان اللبن من ثدي الحبلى، إن كان لرداءته وحدته حتى يحوج الطبيعة إلى دفعه، فذلك يدل (349) على ضعف الجنين (350)، لأن غذاءه يكون فاسدا، إذ تولد اللبن يكون من دم الحيض، ومنه يكون غذاء الجنين، فإن كان لكثرته ففي الأكثر يكون لضعف الجنين، حتى لا يقوى على استعمال كثير من PageVW1P073A الغذاء فيتوفر الدم على اللبن. وقد يكون ذلك (351) لزيادة PageVW2P130B مفرطة في الدم وهو نادر. وكذلك أيضا فقلة (352) اللبن في ثدي الحامل دليل على قلة الدم، ويلزم ذلك أن يكون الجنين ضعيفا، وإذا كان كذلك فإنما يكون الجنين قويا إذا كان اللبن متوسطا، وإنما يكون ذلك حين يكون الثديان مكتنزين.
[aphorism]
قال أبقراط (353): إذا كان حال المرأة يؤول إلى أن تسقط فإن ثدييها يضمران، وإن كان الأمر على خلاف ذلك، أعني يكون (354) ثدياها صلبين، فإنه يصيبها وجع في الثديين، أو في الوركين، أو في العينين، أو في الركبتين، ولا تسقط (355).
[commentary]
الشرح (356): PageVW0P146B إذا آل حال المرأة إلى الإسقاط، أعني اقتضت الأسباب ذلك وأخذت في الإسقاط، فإن ثدييها يضمران لما عرفته، وإذا لم يضمرا وكانا مع ذلك صلبين، فصلابتهما إنما تكون لدم رديء، لأنه لو كان محمودا لكان يستحيل لبنا، فما كانا يكونان صلبين، فحينئذ يجب أن لا تسقط، لأنها لو أخذت تسقط PageVW2P131A لضمر ثدياها؛ فحينئذ (357) فإما (358) أن يستمر ذلك الدم المتصعد إلى الثديين أو تدفعه الطبيعة إلى جهة أخرى، فإن استمر حدث وجع في الثديين لزيادة التمدد ورداءة مزاج الدم. وإن اندفع منه شيء، فاندفاعه إما إلى أسفل وإما إلى (359) فوق، فإن اندفع إلى أسفل، فأولى الأعضاء بقبوله هي المفاصل، وأولى ذلك ما كان مجاورا للرحم، فيحدث لذلك وجع في الوركين أو في (360) الركبتين. وإن اندفع إلى فوق، ففي الأكثر يحدث وجع في العينين، لأنهما -للينهما- أكثر قبولا، ولأن ما (361) يتصعد من ذلك إلى الدماغ يجد (362) طريقا متسعا لدفعه PageVW1P073B إلى العينين، وذلك من العصبتين المجوفتين (363). PageVW0P147A
[aphorism]
قال أبقراط (364): إذا كان فم الرحم صلبا، فيجب ضرورة أن يكون منضما.
[commentary]
الشرح (365): صلابة فم الرحم تكون لورم، إما حار وإما صلب، وأيهما كان يلزمه أن يكون منضما لأجل [TH2 131b] المزاحمة، فليس (366) دائما انضمامه للحبل.
[aphorism]
قال أبقراط (367): إذا عرضت الحمى للمرأة الحامل (368) وسخنت سخونة قوية من غير سبب ظاهر، فإن ولادها يكون بعسر وخطر (369)، أو تسقط فتكون على خطر.
[commentary]
الشرح (370): الحامل (371) يعرض لها الحمى كثيرا لأجل احتباس فضولها مدة الحبل (372)، ثم إن المعالجين لا يتمكنون من واجب التدبير بحسب الحمى، وهو الاستفراغ، فتطول، ويلزم ذلك ضعفها فإن أسقطت كانت على خطر لمصادفة (373) الإسقاط قوى ضعيفة؛ وإن بقي الجنين إلى الولادة كان ولادها بعسر وخطر لضعفها وضعف الجنين. وقوله: PageVW0P147B "من غير سبب ظاهر" يريد من غير سبب باد، فيخرج بذلك الحميات اليومية فإنها لا تفعل ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (374): إذا حدث بعد سيلان الطمث تشنج أو غشي، فذلك رديء.
[commentary]
الشرح (375): قد (376) يعرض عند سيلان الحيض عقال لاستحالة بعض الرطوبات بالحركة رياحا، PageVW2P132A وقد يعرض أيضا لحدة الدم الخارج أن تنقبض الأعضاء دافعة له، فيحدث (377) اهتزاز، فإن اتفق مع ذلك غشي (378) فهو رديء، لأن ذلك إنما يكون لبخار فاسد فيصعد إلى القلب عند حركة الدم، وإنما يكون ذلك إذا كان الدم شديد الفساد. وأما التشنج (379) الاستفراغي فرداءته ظاهرة، وإن لم يكن معه غشي.
[aphorism]
قال أبقراط (380): إذا كان الطمث أزيد مما ينبغي، عرضت من ذلك أمراض؛ وإذا لم ينحدر الطمث على ما ينبغي (381)، حدث من PageVW1P074A ذلك أمراض من قبل الرحم.
[commentary]
الشرح (382): PageVW0P148A إذا كان الطمث أزيد مما ينبغي، عرضت من ذلك أمراض الاستفراغ، ولم يكن للرحم في ذلك خصوصية. وإذا لم ينحدر الطمث، كان ما يعرض من الأمراض أكثرها من الرحم، وذلك (383) لأن كل (384) عضو يتحرك إليه مواد ولا تندفع عنه، فلا شك أنه يحدث فيه أورام وامتلاءات رديئة، ويلزم ذلك مثل الحميات، فتكون تلك الحميات من قبل أمراض الرحم.
[aphorism]
قال أبقراط (385): إذا عرض في طرف الدبر أو في (386) الرحم ورم PageVW2P132B تبعه (387) تقطير البول، وكذلك إذا تقيحت الكلى تبع ذلك تقطير البول، وإذا حدث في الكبد ورم تبع ذلك فواق.
[commentary]
الشرح (388): قد ذكر أبقراط ههنا أمراضا تعرض (389) بسبب المشاركة لأعضاء أخرى في أمراضها، أما تقطير البول، وهو أن يخرج قليلا قليلا في مرات كثيرة، فحدوثه عن ورم طرف الدبر وهو المقعدة، أو ورم الرحم لأسباب، أحدها: إساءة هذا الورم لمزاج المثانة، فتضعف عن إخراج (390) البول الكثير، ويضطر إلى دفع كل قليل (391) يحصل فيها. PageVW0P148B وثانيها: إضعاف الألم لها بالمجاورة. وثالثها: ضيق تجويفها بمزاحمة الورم وإيلام البول الكثير للورم (392) بالمزاحمة. وحدوثه عن تقيح الكلى لأجل ما يصحب البول من القيح (393) اللذاع للمثانة، فلا تتمكن من الصبر عليه حتى يجتمع. وأما الفواق فإنما يحدث عن ورم الكبد إذا كان تقعيريا أو كان عاما PageVW2P133A لأجزائها، إذ الحدبي (394) بعيد عن فم المعدة، واختلفوا في سبب حدوثه عن ذلك؛ فقيل: لأن الورم إذا عظم ، ضغط على (395) فم المعدة. * وقيل: بل لأنه يلزمه تولد خلط كثير حاد ينصب إلى فم المعدة (396). وقيل: لأن بين الكبد وفم المعدة عصبة دقيقة بها يتشاركان في المرض.
[aphorism]
قال أبقراط (397): إذا كانت المرأة لا تحبل، وأردت أن تعلم PageVW1P074B هل تحبل أم لا، فغطها بثياب ثم بخر تحتها، فإن رأيت رائحة البخور تنفذ في بدنها حتى تصل إلى منخريها وفمها، فاعلم أنه ليس سبب (398) تعذر الحمل من قبلها.
[commentary]
الشرح (399): أسباب منع الحمل كثيرة، وأكثرها من جهة PageVW0P149A الرحم، فإذا أريد معرفة ذلك فليبخر (400) تحت المرأة، مع التحرز عن وصول الرائحة من خارج، وذلك إما أن تغطى بثياب، أو بأن يجعل البخور تحت إجانة وما أشبهها، وفي أعلاها ثقب يجعل عليه فم PageVW2P133B عنق الرحم، أو بأن يجعل البخور تحت قمع ويدخل طرفه في عنق الرحم، فإن وصلت إليها رائحة البخور كما هي، فالرحم نقي من المواد وكذلك نقره، ولا (401) مانع من جهته. وإن لم تصل إليها الرائحة، فهناك سدد تمنع نفوذ الرائحة، فمنعها غذاء الجنين بطريق الأولى. وإن وصلت إليها الرائحة متغيرة، فهناك مادة تغيرها، ويوقف على نوع (402) المادة بنوع الرائحة، فالشديدة النتن لمادة عفنة، والحامضة لبلغم بارد حامض. وقد يدخل في عنق الرحم ثومة، فتقوم مقام البخور في تعرف ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان طمث المرأة الحامل يجري في أوقاته، فليس يمكن أن يكون طفلها صحيحا (403). PageVW0P149B
[commentary]
الشرح (404): يريد بجريان هذا الدم في أوقاته أنه يعرض مرارا كثيرة، فإنه لو عرض مرة أو مرتين فقد (405) يكون لكثرة الدم فتدفع الطبيعة PageVW2P134A الفاضل، فلا يدل ذلك على سقم الجنين، وهذا لا يقال فيه أنه يجري في أوقاته، بل يقال: إنه جرى أو حدث، وما أشبه ذلك. وأما تكرره فيدل على ذلك، لأنه يدل على عدم استعمال الجنين الغذاء، وإنما يكون كذلك (406) إذا لم يكن صحيحا.
[aphorism]
قال أبقراط (407): إذا لم يجر طمث المرأة في أوقاته، ولم يحدث بها قشعريرة ولا حمى، لكن عرض لها كرب وغثي وخبث نفس، PageVW1P075A فاعلم أنها قد علقت.
[commentary]
الشرح (408): هذه علامات (409) أخرى للحبل (410)، وإذا انقطع الطمث عن العادة فقد يكون ذلك للحبل (411)، وقد يكون (412) لقلة الدم، وقد يكون لآفة منعت خروجه وحينئذ (413) لابد وأن يحدث القشعريرة والحمى؛ وإذا (414) لم يحدث ذلك، فإن حدث بها كرب وغثي وخبث نفس فهو للحبل (415)، PageVW0P150A وإلا لقلة الدم. وإنما كان الحبل (416) يوجب ذلك لأن الدم PageVW2P134B في أول الأمر يكون فاضلا عما يحتاج إليه الجنين، فيفضل منه فضلات تنفر (417) المعدة عن الغذاء، لأن البدن حينئذ تكون حاجته إلى دفع مادة الدم أكثر من حاجته إلى جذبها، ولتضرر (418) المعدة بذلك يحدث الغثي والكرب، وربما كان ذلك لحرارة (419) الدم المحتبس.
[aphorism]
قال أبقراط (420): متى كان رحم المرأة باردا متكاثفا لم تحبل، ومتى كان (421) رطبا جدا لم تحبل، لأن رطوبته (422) تغمر المني وتجمده وتطفيه. ومتى كان (423) أجف مما ينبغي أو كان حارا محرقا (424) لم تحبل (425)، لأن المني يعدم الغذاء فيفسد. ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالتين (426) كانت المرأة كثيرة الولد (427).
[commentary]
الشرح (428): قوله: "متى كان رحم المرأة باردا متكاثفا" لقوله: "متكاثفا" فائدتان، أحديهما: أن البرد إنما يكون مكثفا إذا كان شديدا، وحينئذ يقوى على منع الحبل (429)، أما القليل فقد PageVW0P150B يقلل الحبل (430) [TH2 135a] ولا يمنعه. وثانيهما: أن البرد إذا كان مكثفا ضيق أفواه النقر، فلا يسهل سيلان دم الطمث منها في زمن يسير، وخاصة والبرد يغلظ الدم، وإذا كان كذلك كان الدم دائم (431) السيلان، وذلك مع البرد مانع من الحبل. قوله: "ومتى كان رطبا جدا لم تحبل (432)" يريد بالرطب ههنا ما يكون عن مادة، ولذلك (433) قال" لأن رطوبته تغمر المني وتطفيه وتجمده (434)"، والرطوبة الساذجة لا تقعل ذلك، ولذلك (435) لا تكون سببا لمنع الحبل (436)، بل لعلها تكون سببا PageVW1P075B لقلته وللإسقاط بسبب رخاوة جرم الرحم. وإنما قال رطبا جدا، لأن الرطوبة القليلة لا تقوى على المنع، لأن الرطوبة بذاتها لا تمنع الحبل (437) وإنما (438) تمنعه بإفراطها، لأنها بذاتها معدة لتغذية الجنين، لكن إذا أفرطت منعت بغمر المني، وإذا غمرته (439) أفسدت قوته. قوله: "ومتى PageVW2P135B كان أجف مما ينبغي" إنما لم يشترط في الجفاف أن يكون مفرطا، لأنه وإن قل، كان (440) مناف للتكون والتغذية، إذ الغذاء بالرطوبة. PageVW0P151A قوله: "أو كان حارا محرقا" إنما يكون الحار محرقا إذا كان شديد الإفراط جدا، وإنما شرط ذلك لأن الحار بذاته ينفع في الحبل (441) بجذب المني وإنضاجه وعقده وجذب (442) الغذاء وغير ذلك؛ ولذلك (443) فإن أكثر أدوية الحبل (444) مسخنة، فلذلك (445) إنما يكون مانعا من الحبل (446) إذا كان شديد الإفراط، وهو المحرق. قوله: "ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالتين (447) كانت المرأة كثيرة الولد (448)" سبب ذلك أن الرحم المعتدل هو الذي مزاجه على الحال التي (449) ينبغي أن تكون له، وإذا كان كذلك كان على الحال الموافقة للحبل (450)، لأن الرحم مخلوق كذلك (451). ويريد بالحالتين (452) هاهنا (453): إحداهما: المضادة (454) الحاصلة بين الحار والبارد. وثانيهما: PageVW2P136A المضادة (455) الحاصلة بين الرطب واليابس. وإنما قال: "كثيرة الولد" وكان ينبغي أن تكون "كثيرة الحبل (456)" ليشير بذلك إلى أن هذه تكون مع كثرة حبلها (457) بحيث يسلم جنينها أن يولد في الوقت الطبيعي.
[aphorism]
قال أبقراط (458): PageVW0P151B اللبن لأصحاب الصداع رديء، وهو أيضا للمحمومين رديء، ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة وفيها قرقرة، ولمن به عطش، ولمن الغالب على برازه المرار، ولمن هو في حمى حادة، ومن اختلف دما كثيرا. وينفع أصحاب السل إذا لم يكن PageVW1P076A بهم حمى شديدة جدا، ولأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة إذا لم يكن بهم شيء مما تقدمنا بوصفه وكانت أبدانهم تذوب (459) على غير ما توجبه العلة.
[commentary]
الشرح (460): اللبن دم قد تعدل وازداد نضجا في الثدي، فلذلك هو سريع الانفعال، فإن صادف بدنا ومعدة معتدلين استحال دما خالصا، PageVW2P136B وإن (461) كانا فاسدين أو أحدهما استحال إلى الفساد ، ومع ذلك فهو يولد صداعا ونفخة دون الشراسيف. أما الصداع فلرطوبته وقصور المعدة عن إكمال هضمه في مدة تسمح بها الكبد. وأما النفخة فلمبادرة الكبد إلى جذبه، لأنها لا تمهله إلى حيث يتم انهضامه في المعدة PageVW0P152A وتفعل فيه بحرارتها قبل ذلك، فيتولد منه رياح (462)، إن كانت ساكنة ولدت نفخة، وإن كانت متحركة ولدت قراقر، فإذا استعمله أصحاب ذلك اشتد تضررهم به (463). وهو أيضا يضر أورام الأحشاء لغلظه (464) وتسديده، فلذلك قال:" ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة وفيها قراقر" وكونها مشرفة * قد يكون لنفخة (465)، وقد (466) يكون لورم في الكبد أو في الطحال ونواحيهما (467)، والمراد: أن كل واحد ممن كانت هذه المواضع منه مشرفة، ومن كانت (468) هذه المواضع منه فيها قرقرة (469)، فإن PageVW2P137A اللبن له رديء. وهو أيضا رديء للمحمومين، والمراد بذلك أصحاب الحمى الخلطية، فإن لفظ الحمى إذا أطلق (470) أريد ذلك، وسببه فساد مزاجهم، فتكون استحالته فيهم إلى الفساد كما قلناه. وهو أيضا رديء لمن به عطش، أي عطش كاذب لأنه في الغالب إنما يكون عن بلغم لزج أو مالح أو عن مرار، واللبن يضر في ذلك لسرعة (471) [L4 76b] استحالته إلى تلك المادة. وأما العطش الصادق فإن اللبن يشفيه بترطيبه. PageVW0P152B وهو أيضا أردأ لمن كان المرار ينصب إلى معدته وأمعائه كثيرا لسرعة استحالته حينئذ إلى المرار والدخانية . وأما من كان المرار كثيرا (472) في عروقه فإن اللبن لا يضره، لأنه لا يصل إلى العروق إلا وقد كملت استحالته إلى الدموية، وربما نفع فيه لأن الدم المتولد من اللبن يكون رطبا، فلذلك
[aphorism]
قال أبقراط (473): "ولمن الغالب على برازه المرار" PageVW2P137B فإن هذا هو الذي ينصب المرار إلى أمعائه كثيرا.
[commentary]
قوله: "ولمن هو في حمى حادة (474)" يريد أنه رديء لمن هو في المرض الذي هو الحمى الحادة (475)، والمراد بذلك أنه يضرهم ولو (476) استعملوه في حال الراحة، لغلبة المرار على أعضائهم. ولا كذلك باقي الحميات، فإن الربع إذا استعمل (477) فيها اللبن في وقت الراحة لم يكن رديئا (478). فقوله أولا: "وهو أيضا للمحمومين رديء" يريد اللذين هم في حال الحمى. وهو أيضا رديء لمن اختلف دما كثيرا، وسببه أن الهضم يكون قد ضعف بخروج الدم، وجذب البدن للبن يكون حينئذ شديدا جدا لمناسبته للدم (479)، وذلك موجب لنفوذه قبل ذلك PageVW0P153A الهضم، فيسدد (480) ويولد أخلاطا نيئة. وهو ينفع (481) أصحاب السل نفعا شديدا بتغريته على القرحة * وكسره لحدة المادة (482) وجلائه القرحة (483) وترطيبه البدن (484)، ولذلك إنما ينبغي منعهم منه (485) إذا كان PageVW2P138A بهم حمى شديدة جدا. وينفع أيضا أصحاب الحمى الطويلة الضعيفة، وهي حمى الدق، وهي التي أبدانهم تذوب فيها (486) بأكثر مما توجبه العلة، * أي أكثر مما توجبه العلة (487) المحسوسة وهي الحرارة، فإن حرارة حمى (488) الدق في نفسها أقوى مما هي في الحس، فتكون إذابتها PageVW1P077A للبدن أكثر من الحرارة المحسوسة، وإنما عبر عنها بذلك ليشير إلى السبب في انتفاعهم باللبن، وذلك لأن أبدانهم تجف بطول الحمى وبالذوبان، واللبن يتدارك ذلك بترطيبه، لكن نفعه لهم أقل لا محالة من انتفاع المسلولين، لأن المسلول ينتفع به بهذا الوجه وبنفعه للقرحة، فلذلك يمنع منه هؤلاء إذا اقترن بهم أي مانع كان، فلا يستعملونه إلا إذا لم يكن بهم شيء مما ذكرنا (489) أنه يضر فيه اللبن. قوله: "وكانت (490) أبدانهم PageVW2P138B تذوب" إنما عبر (491) بالذوبان PageVW0P153B دون النحافة والهزال وما أشبه ذلك، لينبه على النحافة العارضة، وهي ذوبان الأعضاء لأجل تعلق الحرارة بها.
[aphorism]
قال أبقراط (492): من حدث به قرحة فأصابه بسببها انتفاخ، فليس يكاد يصيبه تشنج ولا جنون، فإن غاب ذلك الانتفاخ دفعة ثم كانت القرحة من خلف، عرض له تشنج أو تمدد. وإن كانت القرحة من قدام، عرض له جنون، أو وجع حاد (493) في الجنب، أو تقيح، أو اختلاف دم إن كان ذلك الانتفاخ أحمر.
[commentary]
الشرح (494): المراد بالقرحة هاهنا ما يؤول إلى القرحة، فإن الشيء يطلق عليه (495) اسم ما يؤول إليه، كما يقال للجنين طفل، وذلك هو ذات الجنب، وإنما عبر عنها بذلك لأن ما ينفصل عنها بالنفث يشبه المنفصل من القروح، فلذلك يظن في باديء النظر أنها قرحة. والورم في ذات الجنب قد يكون في الحجاب PageVW2P139A وهو أردأ، وقد يكون في PageVW0P154A العضلات الباطنة وفي (496) الغشاء المستبطن للأضلاع، وهما دون الأول (497) في الرداءة. وأسهله ما يكون في (498) الغشاء الخارجي (499) أو في العضلات الخارجة، وحينئذ يظهر له انتفاخ وليس يكاد يعرض لصاحبه اختلاط عقل ولا تشنج، لميل المادة إلى ظاهر البدن وبعدها عن سمت PageVW1P077B الدماغ، وقد يعرضان نادرا إذا كانت المادة شديدة الرداءة؛ وفي أكثر الأمر إنما يعرض ذلك إذا كان الورم حجابيا، وسمي (500) ذات الجنب الخالصة. وقد يوجب التشنج أيضا لشدة مشاركة الحجاب للدماغ (501)، ولكثرة الأعصاب فيه، فتقل (502) المادة. وقد يعرض لهذه الأورام أن (503) تنتقل موادها إما انتقالا محمودا، كما ينتقل الحجابي إلى العضلات الخارجة؛ أو انتقالا مذموما،كما قد ينتقل الذي في العضلات الخارجة أو في الغشاء الخارج إلى التقيح أو إلى الحجاب (504)، PageVW2P139B وإذا عرض لهذا انتقال فإن الانتفاخ يزول دفعة لأجل انتقال المادة. وله أصناف من الانتقالات، وذلك انه إن كان من خلف، أي من جهة خلف البدن، وذلك أن يكون أميل إلى الظهر PageVW0P154B بأن (505) يكون انتقاله (506) إلى الأعصاب، لأنها في جهة الظهر كثيرة، فلذلك يحدث حينئذ تشنج أو تمدد (507). ولا يحدث الفالج لأن مادة الفالج رقيقة مائية، ولو كانت هذه المادة رقيقة لكانت تحللت ولم تنتقل. وإن كان من قدام، فأكثر انتقاله إما إلى فضاء الصدر فيحدث التقيح الذي هو حصول القيح في فضاء الصدر، أو إلى الحجاب وحينئذ يعرض في الجنب الذي حصل في جهته من الحجاب وجع حاد أشد من الوجع الذي كان أولا، لأن أوجاع الحجاب شديدة، خصوصا وهو دائم الحركة، والحركة تزيد الأوجاع. ثم كثيرا ما يعرض حينئذ * اختلاط ذهن، وهو (508) المراد بالجنون، وسببه كما قلنا (509) شدة مشاركة الحجاب للدماغ، وحينئذ يبطل (510) الشعور بالوجع؛ فلذلك (511) قال: " جنون أو وجع حاد في ذات الجنب" وفي الحقيقة هما (512) يعرضان معا. وقد ينتقل إلى العرق العظيم الأجوف الممتد على الصلب من PageVW1P078A داخل، وتندفع المادة إلى الأمعاء فيعرض اختلاف دم، وإنما يكون ذلك إذا كان PageVW0P156A ذلك (513) الانتفاخ أحمر اللون، لأن لون الورم الدموي كذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (514): إذا حدثت خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم فالبلية عظيمة.
[commentary]
الشرح (515): كل ورم فإما إن يعرض في داخله موضع تنصب فيه المادة، فيسمى دبيلة، والأخص باسم الورم؛ وما كان من الدبيلات حارا خص باسم الخراج. وإذا حدث خراجات عظيمة خبيثة ولم يظهر معها ورم، فالبلية عظيمة، لأن ذلك إنما يكون إذا كانت تلك الخراجات باطنة، وكانت مع ذلك شديدة الميل إلى عمق البدن .
[aphorism]
قال أبقراط (516): الأورام الرخوة محمودة، والصلبة (517) مذمومة.
[commentary]
الشرح (518): الورم البلغمي إن كان مداخلا لجرم (519) العضو سمى (520) ورما رخوا، وإن (521) لم يكن كذلك سمى (522) سلعة (523) لينة وورما لينا. والرخو محمود لأن مادته متفرقة، PageVW0P156B فيكون أقبل للتحلل، واللين مذموم لعسر تحلله، خاصة إذا كان له (524) غلاف.
[aphorism]
قال أبقراط (525): من أصابه وجع في مؤخر رأسه فقطع له العرق المنتصب الذي في الجبهة، انتفع بقطعه.
[commentary]
الشرح (526): سبب ذلك نفر (527) مادة الوجع إلى الجهة المخالفة مع استفراغها، ويعني بهذا القطع الفصد.
[aphorism]
قال أبقراط (528): إن النافض أكثر ما تبتديء في النساء من أسفل الصلب، ثم تتراقى في الظهر إلى الرأس؛ وهي أيضا في الرجال تبتديء من خلف (529) PageVW2P140A أكثر مما (530) تبتديء من قدام مثل ما يبتديء من الساعدين أو من الفخذين (531) والجلد أيضا في مقدم البدن متخلخل، ويدل على ذلك الشعر.
[commentary]
الشرح (532): مؤخر البدن أكثر تكاثفا من مقدمه لبرد المؤخر بسبب كثرة العظام، وأبرد الظهر أسفله لبعده [C5DK4 157a] عن (533) القلب ولكثرة PageVW1P078B العظام والأعصاب وقلة الحركة، ويلزم ذلك أمران: أحدهما: أن يكون ابتداء النافض من مؤخر البدن، لأن النافض تحدث من وصول المادة العفنة إلى الأعضاء الحساسة فتتألم بها وتنتفض لدفعها، وأول ما يصل (534) من تلك المادة هو الأجزاء اللطيفة المبخرة (535)، لأن المادة أول سريان العفونة فيها (536) يتبخر منها ما هو أقبل للتبخر وهو الأجزاء اللطيفة، وهذه الأجزاء يعرض لها أن تتحلل من مقدم البدن لسعة مسامة، فلا يحدث هناك نافض إلى أن تتبخر الأجزاء PageVW2P140B التي هي أغلظ. وأما مؤخر البدن فتحتبس الأجزاء اللطيفة فيه لتكاثفه، فيحدث النافض أولا. وأسفل الظهر أشد تكاثفا، فينبغي أن يكون ابتداء النافض منه، ثم يتراقى في الظهر إلى الرأس لأن كلما هو أعلى من الظهر فهو أقل تكاثفا، فيتأخر حدوث النافض فيه (537) عن الجزء الأسفل؛ لكن ظهور ذلك في النساء أكثر، لأن التفاوت بين أسفل الظهر (538) وأعلاه فيهن PageVW0P157B أكثر بسبب مجاورة الرحم لأسفل الظهر منهن، ولكثرة (539) الأعضاء الحساسة فيهن هناك. وقد يبتديء النافض من قدام، وذلك إذا كانت المادة العفنة بالقرب من المقدم ، وحينئذ يكون ابتداؤها من الساعدين والفخذين، لأن ما سوى ذلك من المقدم كالبطن والصدر شديد التخلخل جدا. وثانيهما: إن نبات الشعر في مقدم البدن أكثر، وإنما يكون كذلك PageVW2P141A إذا كان (540) نفوذ (541) مادته هناك أكثر.
[aphorism]
قال أبقراط (542): من اعتراه (543) الربع فليس يكاد (544) يعتريه التشنج، وإن اعتراه التشنج قبل الربع ثم حدث الربع سكن التشنج.
[commentary]
الشرح (545): أما في مدة الربع فلا يعرض التشنج البتة، وأما بعد مفارقتها فقد يعرض في الندرة، وسبب ذلك كثرة العرق PageVW1P079A في الربع وقوة نافضها وطول مدتها، فبطول المدة (546) تحلل الأخلاط الغليظة واللزجة، وذلك هو مادة التشنج، إذ المراد به هاهنا الامتلائي. PageVW0P158A وبقوة النافض يزعج المواد ويخرجها من الأعصاب، ويحلل ما يكون في الأعصاب بقوة الحركة. وبكثرة العرق تستفرغ الرطوبات، فهذه (547) الخواص لا تجتمع في غيرها من الأمراض. وإذا طرأت* الربع على التشنج أبرأته بما ذكرنا، ولو كان عروضها (548) بعد استحكامه وطول مدته (549)؛ ولذلك قال: "ثم حدث الربع" فإن "ثم" تدل على PageVW2P141B المهلة.
[aphorism]
قال أبقراط (550): من كان جلده ممتدا (551) قحلا صلبا، فهو يموت من غير عرق؛ ومن كان جلده رخوا متخلخلا (552)، فإنه (553) يموت مع عرق.
[commentary]
الشرح (554): من الناس من إذا مات يعرق، ومنهم من لا يعرق، ويعرف ذلك بأن الجلد إن كان عند قرب الموت ممتدا (555) قحلا صلبا فهو يموت بغير عرق، لأن الجلد إنما يكون كذلك إذا كانت رطوباته يسيرة، ولتكاثفه لا يتمكن (556) ما فيه من الرطوبات من الخروج (557). وإن (558) كان الجلد عند قرب الموت رخوا متخلخلا (559) [C5DK4 158b] فهو يموت بعرق، لأن الجلد إنما يكون كذلك إذا كان هو وما يجاوره من الأعضاء كثير الرطوبة، وإذا (560) سقطت القوة سالت تلك الرطوبات من ذاتها ولم يمانعها الجلد من الخروج لتخلخله وسعة مسامه.
[aphorism]
قال أبقراط (561): من كان به يرقان فليس يكاد تتولد فيه الرياح.
[commentary]
الشرح (562): يريد أنه لا يكاد أن (563) تتولد الرياح PageVW2P142A في عروقه، وذلك لكثرة المرار فيها، فتكون حرارتها قوية، وذلك مانع من تولد الرياح، ويعرف ذلك بفقدان الانتشار. وأما معدته وأمعاءه فإن الرياح تكثر فيهما لبردهما، لقلة انصباب الصفراء إليهما، * ولذلك (564) يكثر فيهما البلغم حتى يبيض اللسان (565)، ولذلك (566) أيضا يكثر فيهم القولنج، اللهم إلا أن يكون اليرقان من حرارة الكبد، PageVW1P079B فقد لا تتولد الرياح فيها أيضا.
تمت المقالة الخامسة والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله (567).
بسم الله الرحمن الرحيم.
المقالة السادسة من كتاب شرح فصول الفاضل أبقراط (1)
[aphorism]
قال أبقراط (2): إذا حدث الجشاء الحامض في العلة التي يقال لها زلق الأمعاء بعد تطاولها، ولم يكن قبل ذلك، فهو علامة محمودة.
[commentary]
الشرح (3): زلق الأمعاء نقصان (4) أو بطلان الهضم المعدي، وسمي زلق الأمعاء لأنه يلزمه وهو المشاهد منه، ولذلك قال: "التي يقال لها زلق الأمعاء" فإن كان الهضم باطلا خرج الغذاء بحاله، وإن كان ناقصا عرضت (5) له حموضة، لما بيناه في PageVW2P142B كتب أخرى، فتكون هذه الحموضة دليلا على هضم ما، وهو الذي يكون مع نقصان الهضم، ففي (6) ابتداء العلة لا تكون محمودة لأنها تدل على النقصان، وهو بالنسبة إلى الحالة الأولى الصحية رديء. وكذلك استمرارها يدل على استمرار النقصان، فلا يكون محمودا، PageVW0P159B إلا (7) من حيث يدل على بقاء هضم ما، مع تطاول العلة. وأما إذا تطاولت العلة وبطلت الحموضة ثم حدثت بعد ذلك، كانت محمودة لدلالتها على نهوض القوة بعد بطلان فعلها.
[aphorism]
قال أبقراط (8): من كان في منخريه بالطبع رطوبة أزيد، وكان منيه أرق، فإن صحته أقرب إلى السقم؛ ومن كان الأمر فيه على ضد ذلك فهو أصح بدنا.
[commentary]
الشرح (9): إنما يكون كذلك إذا كان مزاج البدن كثير الرطوبة حتى يظهر ذلك في الأعضاء الرطبة بالطبع، وهي الدماغ والأنثيان، ويعرف ذلك بكثرة سيلان الرطوبة من المنخرين (10) PageVW2P145A ورقة المني، ولابد أن تكون الحرارة مع ذلك قاصرة وإلا كانت تنضج المني فيغلظ، وتحلل رطوبة المنخرين فتقل. وقلة (11) الرطوبة مع قصور الحرارة يلزمها كثرة العفن، وهو موجب لأكثر الأمراض، فتكون الصحة أدنى PageVW0P160A إلى السقم. وأما لو كانت هذه الرطوبة كثيرة جدا PageVW1P080A حتى تظهر في الأعضاء كلها، كما إذا كان البدن رهلا والبراز شديد اللين وما أشبه ذلك، فإن (12) الأمراض تكون لا محالة أكثر ، وذلك أمر ظاهر، ولا يكفي في الدلالة على ذلك الأمر رطوبة أحد العضوين، أعني الدماغ والأنثيين؛ لأن ذلك قد يكون لمزاج خاص بذلك العضو فلا يكون البدن كله مستعدا للأمراض.
[aphorism]
قال أبقراط (13): الامتناع من الطعام في اختلاف الدم المزمن دليل رديء، وهو مع الحمى أردأ.
[commentary]
الشرح (14): أما في ابتداء اختلاف الدم فليس الامتناع من PageVW2P145B الطعام بذلك المذموم، إذ (15) هذا الاختلاف في غالب الأمر إنما يكون لفساد في (16) الدم، وحينئذ لايكون تقليل الغذاء بذلك الضار. وأما إذا أزمن هذا الاختلاف فالامتناع من الطعام (17) رديء، بما هو سبب وبما هو علامة (18). * أما بما هو سبب (19) PageVW0P160B فلأن (20) الوارد إذا قل نقصت الرطوبات، وذلك مع خروج الدم -الذي هو مادة الغذاء والترطيب- رديء جدا؛ وأما من حيث هو علامة، فلدلالة (21) هذا الامتناع حينئذ على موت القوى الشهوانية لفرط خروج الدم وانصباب المادة (22) الفاسدة الموجبة للاختلاف إلى فم المعدة. فإن كان مع هذا الاختلاف والامتناع (23) حمى، فالرداءة أكثر، لزيادة تحليل الحمى ودلالتها على (24) إفراط رداءة المواد حينئذ. وأما الحمى بانفرادها فالامتناع من الطعام معها ليس أردأ منه مع اختلاف الدم. PageVW2P146A
[aphorism]
قال أبقراط (25): ما كان من القروح ينتثر ويتساقط ما حوله من الشعر، فهو خبيث.
[commentary]
الشرح (26): تساقط الشعر حول القروح (27) إنما يكون لمادة فاسدة تنصب إليها وتفسد المنبت، فإن تساقط الجلد فهو أردأ، وأردأ منه PageVW1P080B تساقط اللحم. PageVW0P161A
[aphorism]
قال أبقراط (28): ينبغي أن تتفقد من الأوجاع العارضة في الأضلاع ومقدم الصدر وغير ذلك من سائر الأعضاء عظم اختلافها.
[commentary]
الشرح (29): يعني بالأوجاع ما يعم الأمراض والأعراض، وهي الأحوال الخارجة عن الطبيعة. وينبغي أن تتفقد عظم اختلافها، أي مقدار ما يختلف ليوقف بذلك على ما يدل عليه حال المريض وعلى صواب التدبير، وذلك بأمور نذكرها في الفصول المستقبلة.
[aphorism]
قال أبقراط (30): العلل التي تكون في الكلى والمثانة يعسر برؤها في المشايخ.
[commentary]
الشرح (31): أمراض الكلى والمثانة عسرة البرء لأنها بعيدة جدا عن المعدة، فلا PageVW2P146B تصل إليها الأدوية إلا وقد وهنت قوتها جدا؛ ولأن البول دائما يمر بهما فلا يترك الدواء PageVW0P161B ملاقيا لموضع منهما (32) مدة في مثلها يتم فعله؛ ولأن الفضلات دائمة الانصباب إليهما صحبة البول، ولأن جرمها صلب، فإذا اتفق ذلك في المشايخ كان البرء أعسر، لضعف قواهم ونقصان حرارتهم الغريزية.
[aphorism]
قال أبقراط (33): ما كان من الأوجاع التي تعرض في البطن (34) في أعلى موضع (35) فهو أخف، وما كان منها ليس كذلك فهو أشد.
[commentary]
الشرح (36): المراد بالأوجاع: الأمراض، كالأورام. وما كان منها أعلى موضعا، أعني إذا استلقى المريض على ظهره فهو أخف، لأن مادته تكون أميل إلى خارج البدن وأبعد عن الأعضاء الكريمة (37)، وما كان منها ليس كذلك فهو أشد لأن مادته تكون أميل إلى داخل البدن، وهذا يظهر (38) في الأوجاع التي في البطن أكثر.
[aphorism]
قال أبقراط (39): ما يعرض من القروح في أبدان أصحاب [TH2 147a] الاستسقاء، ليس يسهل برؤه. PageVW0P162A
[commentary]
الشرح (40): سبب ذلك أن دمهم يكون كثير الرطوبة (41) وذلك أضر الأشياء بالقروح، وخصوصا وهضمهم ضعيف PageVW1P081A فيكون الغذاء الواصل إلى القرحة مأووفا.
[aphorism]
قال أبقراط (42): البثور العراض (43) لا يكاد يكون معها حكة.
[commentary]
الشرح (44): من "البثور العراض" أعني التي لها انبساط ما، يكون معها حكة كالشرى، ومنها ما ليس كذلك وهو الأكثر، لأن الحكة إنما تكون لخلط حاد، وانبساط البثور والأورام إنما (45) يكون إذا كانت المادة قليلة الحدة، إذ الأورام الحادة يكون لورمها رأس، وكلما ازدادت الحدة (46) كان رأسه أدق.
[aphorism]
قال أبقراط (47): من كان به صداع أو وجع شديد في رأسه فانحدر من منخريه أو (48) من أذنيه قيح أو ماء، فإن مرضه ينحل بذلك.
[commentary]
الشرح (49): PageVW0P162B عادة أبقراط إذا قال: "من كان به" وما أشبه ذلك PageVW2P147B أراد من كان به ذلك من زمان طويل، وأما إذا كان العارض قريب العهد فإنه يقول: "من حدث به، أو من عرض له" وما أشبه ذلك. فمراده أيضا (50) بهذا الصداع والوجع ما كان مزمنا (51)، وهو وإن كان في الرأس كله فهو خوذة وبيضة، وما كان في أحد شقيه فهو شقيقة. وهو إنما يكون عن مادة مورمة أو غير مورمة، فإذا خرج من الأذنين أو المنخرين قيح فقد كان عن ورم، وإن خرج منهما ماء فقد كان بلا ورم، ويلزم ذلك برؤه لزوال سببه.
[aphorism]
قال أبقراط (52): أصحاب الوسواس السوداوي وأصحاب البرسام إذا حدثت بهم البواسير، كان ذلك دليلا محمودا فيهم.
[commentary]
الشرح (53): إنما كان كذلك لدلالة (54) البواسير على انتقال مادة المرض إلى جهتها، ويلزم ذلك شفاء ذلك المرض.
[aphorism]
قال أبقراط (55): من عولج من بواسير مزمنة حتى يبرأ، ثم لم يترك منها PageVW0P163A # واحدا، فلا يؤمن عليه أن يحدث به استسقاء أو سل.
[commentary]
الشرح (56): إذا أزمنت البواسير، صار للطبيعة عادة تدفع المواد الرديئة إلى جهتها، وإنما تكون (57) مزمنة PageVW1P081B إذا كان البدن تتولد فيه المواد الرديئة، فإذا عولجت، فإنما (58) علاج المراد به تسكين ألمها فليس فيه ضرر، أو علاج (59) المراد به برؤها، وذلك إنما يكون بمنع السيلان إلى جهتها فيحتبس في البدن ما كان يندفع إليها ويفسد مزاج الكبد والدم، وذلك يولد الاستسقاء. فأما السل فأكثر حدوثه حينئذ إذا عرض من كثرة المحتبس نفث دم لانصداع بعض عروق الرئة وتقيحه (60)، فإنه يحدث السل.
[aphorism]
قال أبقراط (61): إذا اعترى إنسان فواق، فحدث به عطاس، سكن فواقه.
[commentary]
الشرح (62): يريد بذلك الفواق الامتلائي، والعطاس -كما بينا- يدفع ما يتعلق بالبدن، فإذا دفع مادته (63) سكن. PageVW0P163B
[aphorism]
قال أبقراط (64): إذا كان (65) بإنسان استسقاء فجرى الماء منه في (66) عروقه إلى بطنه، كان بذلك انقضاء مرضه.
[commentary]
الشرح (67): يريد إذا جرى الماء من المستسقى إلى داخل الأمعاء، سواء كان جريانه من الأعضاء الظاهرة، كما يكون في الاستسقاء الطبلي (68) وهو الأكثر، أو من تجويف البطن بأن يجذب (69) المائية التي (70) في العروق التي في البطن من أفواهها ويصبها في تجويف الأمعاء، وذلك يكون في الاستسقاء الزقي، وإذا عرض ذلك كان به انقضاء المرض لامحالة.
[aphorism]
قال أبقراط (71): إذا كان بإنسان اختلاف قد طال، فحدث به قيء من تلقاء نفسه، انقطع بذلك اختلافه.
[commentary]
الشرح (72): سبب ذلك حركة المادة إلى جهة مخالفة لجهة المرض (73).
[aphorism]
قال أبقراط (74): من اعتراه (75) ذات الجنب أو ذات الرئة فحدث به اختلاف (76) PageVW2P148A فذلك فيه (77) دليل سوء (78).
[commentary]
الشرح (79): قد قلنا إن عادة أبقراط إذا قال: "من اعتراه، أو من (80) حدث به (81)، أو إذا (82) حدث به (83) كذا" فمراده أن ذلك يكون في أول حدوثه. وقوله: "فحدث به اختلاف" PageVW1P082A يفهم منه أن حدوث الاختلاف * كان عقيب حدوث ذات الجنب أو ذات الرئة، وإذا كان كذلك لم يمكن أن يكون ذلك الاختلاف (84) عن (85) دفع الطبيعة لمادة المرض إلى الأمعاء، لأن دفع الطبيعة إنما يكون بعد النضج وخاصة إلى هذا المكان البعيد الذي لا مشاركة بينه وبين أعضاء المرض، وإذا كان كذلك لم يكن لذلك الاختلاف نفع يعتد به في المرض وكان ضارا بإضعافه، ومع ذلك فهو دليل على كثرة المواد حتى أمكن توجهها إلى جهات مختلفة، فلذلك هو دليل سوء.
[aphorism]
قال أبقراط (86): إذا كان بإنسان رمد فاعتراه اختلاف، فذلك محمود.
[commentary]
الشرح (87): PageVW0P164B معنى قوله: "إذا كان بإنسان رمد" أنه كان به من PageVW2P148B مدة لها قدر يعتد به، فلذلك يكون هذا الاختلاف محمودا لأنه يكون بعد النضج، فالظاهر أنه يكون من مادة المرض، فلذلك يكون به شفاء (88) الرمد.
[aphorism]
قال أبقراط (89): إذا حدث في المثانة خرق (90)، أو في الحجاب، أو في الدماغ، أو في القلب، أو في الكلى، أو في بعض الأمعاء الدقاق، * أو في المعدة (91)، أو في الكبد، فذلك قتال.
[commentary]
الشرح (92): تختلف الأعضاء في احتمال الجراحة، فمن الأعضاء ما لا يحتملها البتة ويكون معها الموت وهو القلب، ومن الأعضاء ما يحتملها احتمالا ما، بحيث يلزمها أن لا تبرأ، بل يموت صاحبها بسببها ولكن بعد مدة، كالرئة فإنها إذا عرضت فيها جراحة لزم ذلك أن تتقيح ويبقى صاحبها مسلولا إلى الموت، ومنها ما ليس كذلك. أما الأعضاء العصبية كالمثانة والحجاب والأمعاء الدقاق والمعدة فإن الجراحة إن كانت يسيرة PageVW2P149A لا تبلغ (93) PageVW0P165A الخرق برئ صاحبها (94) كثيرا، والحجاب برؤه أقل لدوام حركته؛ وكذلك الصائم لرقة جرمه، وكثرة عروقه وسعتها، ودوام انصباب المرار إليها (95) صرفا من الخلط، PageVW1P082B وقربه من الكبد. وإن كانت الجراحة خارقة وهي النافذة إلى الجهة المقابلة لم يمكن البرء لتعذر (96) التحام الأجزاء (97) العصبية (98)، ولأن ما يملأ تجويفها يمددها كل وقت، فيمنع التحامها بذلك بالترطيب والسيلان من موضع الخرق، والصائم أسرعها قتلا لما يلزم ذلك من تضرر الكبد بالمجاورة. وأما الدماغ فإن جراحته (99) إن كانت يسيرة جدا برئ صاحبها، وإن كانت خارقة إلى حد البطون لم يبرأ، لأن الدماغ يفسد وتتحلل الأرواح. وإن كانت متوسطة بحيث كانت شديدة الغور وغير خارقة فقد قال جالينوس PageVW2P149B أنه شاهد رجلا برئ من ذلك. وأما الكبد فإن بلغ الخرق إلى قطع عرق كبير منها، لم يبرأ صاحبها لما يلزم ذلك من خروج الدم، وإلا برئ كثيرا لأن اللحم شديد القبول للالتحام. وأما الكلى فخرقها لا يبرأ، لنفوذ PageVW0P165B المائية (100) فيه، وجراحاتها أعسر برءا من جراحات الكبد، لأنها أصلب. وأما الأمعاء الغلاظ فخرقها وإن لم يبرأ فلا يلزمه الموت، فقد عاش جماعة عرض لهم ذلك واتفق (101) خرق عن خراج أو غيره بحذاء ذلك في البطن إلى خارج، فكان الثقل يخرج منه؛ وأما جراحاتها اليسيرة فأسهل برءا.
[aphorism]
قال أبقراط (102): متى انقطع عظم أو غضروف أو عصبة (103) أو الموضع الرقيق من اللحى أو القلفة، لم ينبت ولم يلتحم.
[commentary]
الشرح (104): يقال: "انقطع" إذا انفصل، وإذا بقى له تعلق، والأول يقال (105) فيه: ينبت أو لا ينبت (106). والثاني يقال فيه: يلتحم أو لا PageVW2P150A يلتحم (107). وكل عضو فتكونه إما أن يكون (108) من الدم، أو من المني. والمتكون من الدم إما أن يكون من دم فيه قوة المني وهو السن، وهو لا يلتحم إلا كما تلتحم العظام، كما سنقوله، لكنه (109) ينبت PageVW1P083A إذا كان قريب العهد بالمني، ولا ينبت إذا بعد (110) العهد (111)؛ أو من أي دم كان، وهو PageVW0P155A اللحم (112) والسمين والشحم، وهذه تنبت بعد انفصالها وتلتحم بعد تفرقها في جميع الأسنان. وأما المتكون من المني فهو جميع الأعضاء الأصلية كالعظم والغضروف والرباط والعصب والوتر والجلد والغشاء (113) والشرايين والأوردة، وجميع هذه لا تنبت لفقدان المادة، لأن المني لا يتكون إلا (114) في الأنثيين، وحينئذ يكون فضله بالنسبة إلى الأعضاء لا بجذبه بل بدفعه، لكنها تختلف في قبول الالتحام. أما الجلد فيلتحم دائما، للينه (115) وسكونه PageVW2P150B وإذا قطع منه جزء ملتصق (116) باللحم ولو كثير جدا (117) أمكن أن يعود بدله (118)، ولا كذلك ما لا يلتصق (119) باللحم كالقلفة والموضع الرقيق من اللحى، وكان (120) ذلك لأن الملتصق ينقل (121) المادة إلى أطراف المنفصل ووسطه من مسام اللحم فتكون متوفرة، فيمكن أن تبلغ أطراف الباقي في النمو إلى حد (122) المنثلم، ولا كذلك المباين (123) عن اللحم. وأما العظم فقد قيل (124): إنه يلتحم بالحقيقة، ومنع من ذلك بعضهم (125)، وقال (126): بل (127) التحامه بأن ينبت عليه جرم (128) كالدشبذ بجميع أجزائه، فلو أزيل لشوهد (129) هذا (130) الشق باقيا. وقيل: إنه يلتحم بالحقيقة في سن الصبى PageVW0P155B دون غيره. وأما الأعصاب وما يحدث منها (131)، والأوردة، فالشعب الصغيرة تلتحم في سن الصبى وحده دون الكبيرة (132). وأما الشرايين فلا تلتحم البتة، وقد استقصينا البحث في هذا في (133) كتابنا المسمى "بالمباحث PageVW2P151A القانونية" فليرجع إليه. قوله: "أو عصبة" المراد بذلك ما له مقدار يعتد به، إذ الصغير جدا يقال أنه: شعبة (134)؛ ولا يقال: عصبة.
[aphorism]
قال أبقراط (135): إذا انصب دم (136) إلى فضاء، على خلاف PageVW1P083B الأمر الطبيعي، فلابد من أن يتقيح.
[commentary]
الشرح (137): يريد إذا انصب الدم إلى فضاء، ذلك الفضاء على خلاف الأمر الطبيعي، وهذا هو (138) الفضاء الذي ينصب إليه الدم في الخراج، وفي الغالب لابد وأن يتقيح لأن الطبيعة لابد وأن تتصرف فيه، وفي الأكثر ينضج لأن تقيح (139) الدم سهل، وربما تحلل أو صلب، وهما نادران جدا ، أما التحلل فلأنه غليظ (140)، وأما الصلابة فلعسر تحلل بعضه، إذا كثر PageVW0P166A حدوث الصلابة في الأورام إنما هو بتحلل رقيق مادتها (141).
[aphorism]
قال أبقراط (142): من أصابه جنون فحدث به اتساع العروق التي تعرف بالدوالي أو البواسير، انحل عنه جنونه. PageVW2P151B
[commentary]
الشرح (143): سبب ذلك تحرك (144) المادة إلى خلاف الجهة، هذا ما دام العهد بحدوث الجنون قريبا، أما لو طال الزمان حتى فسد مزاج الدماغ وأرواحه لم يفد (145) ذلك؛ ولذلك قال: "من أصابه جنون فحدث (146)".
[aphorism]
قال أبقراط (147): الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين، يحلها فصد العرق (148).
[commentary]
الشرح (149): قد يعرض (150) في الظهر، أعني (151) في أعلاه وجع وتمدد (152) إلى المرفقين، وهذا يتحلل بفصد العرق، لأنه يكون في الغالب عن ورم أو مادة كثيرة عند مباديء عصب الثديين فتتمدد تلك الأعصاب ويصل وجعها إلى هناك، وفي الأكثر تكون تلك المادة دموية فيكون الفصد شفاء لها. PageVW0P166B قوله: "الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين" يعني تنحدر إلى هناك ممتدة، لا منتقلة (153).
[aphorism]
قال أبقراط (154): من دام به التفزع وخبث النفس زمانا طويلا، فعلته سوداوية.
[commentary]
الشرح (155): معنى هذا الفصل وتحقيقه PageVW2P152A ظاهر.
[aphorism]
قال أبقراط (156): إذا انقطع (157) بعض (158) الأمعاء PageVW1P084A الدقاق، لم تلتحم.
[commentary]
الشرح (159): يريد إن انقطع بعض جرم (160) الأمعاء الدقاق، أي بعضا يحس به كونه (161) بعضا، كالثلث والربع، وهذا لا يلتحم لعظم الجراحة.
[aphorism]
قال أبقراط (162): انتقال الورم الذي يدعى الحمرة من خارج إلى داخل، ليس (163) بمحمود؛ وأما انتقاله من داخل إلى خارج فهو محمود.
[commentary]
الشرح (164): انتقال المواد (165) من خارج إلى داخل مذموم، وعكسه محمود؛ وذلك لأن باطن البدن معدن الأرواح والأعضاء [C5DK4 167a] الكريمة (166)، فيكون حصول المؤذي عندها أكثر ضررا من حصوله عند الأعضاء الأخر، ولأن انحلال المواد من خارج البدن أسهل من انحلالها في باطنه؛ والورم الذي يدعى الحمرة هو الصفراوي.
[aphorism]
قال أبقراط (167): من عرضت له في الحمى المحرقة رعشة، فإن اختلاط PageVW2P152B ذهنه يحلها عنه.
[commentary]
الشرح (168): فقد تنتقل مادة الحمى المحرقة إلى الدماغ، فيحدث عنها اختلاط العقل والسرسام، وقبل وصولها (169) إلى الدماغ تمر بالحجاب (170) فتؤذيه (171) بحدتها، ويحدث من ذلك رعشة لتضرر العصب، فإذا تم تصعدها إلى الدماغ بطلت تلك الرعشة، لأن المادة تكون فارقت الأعضاء العصبية فزال إضرارها بها فيكون اختلاط الذهن علامة لانحلال الرعشة لا سببا لها. ويمكن أن يقال: إن ذلك يحل الحمى المحرقة، لأن السرسام وإن حدث عنه الحمى، إلا أن الحمى المحرقة تكون قد زالت لانتقال مادتها.
[aphorism]
قال أبقراط (172): [C5DK4 ] من كوى أو بط من المتقيحين أو المستسقين فجرى منه من المدة أو من الماء شيء كثير دفعة، فإنه يهلك لا محالة.
[commentary]
الشرح (173): المراد بالمتقيحين، الذين انصب PageVW2P153A القيح إلى فضاء الصدر منهم، وقد كانوا PageVW1P084B يعالجون ببط الصدر وما يليه حتى يخرج القيح ولا يحدث السل، وإذا خرج (174) من ذلك القيح أو من مائية الاستسقاء شيء كثير دفعة فإن صاحبه يهلك لا محالة، لأن (175) كل رطوبة فلابد وأن تكون الطبيعة متصرفة فيها لئلا يشتد فسادها فيفسد البدن، وإذا كان كذلك فلابد وأن تكون مخالطة لأرواح تقوم بها القوى المتصرفة فيها؛ وإذا خرج منها شيء كثير دفعة لزم ذلك خروج أرواح كثيرة، وذلك يلزمه الهلاك.
[aphorism]
قال أبقراط (176): الخصيان لا يصيبهم النقرس ولا الصلع.
[commentary]
الشرح (177): سبب ذلك أن الصلع إنما يعرض (178) لغلبة اليبس على الدماغ حتى يقل البخار الدخاني الذي هو مادة PageVW0P168A الشعر، والخصيان رطوباتهم متوفرة لأن ما من شأنه أن يصير منيا PageVW2P153B يحتبس فيهم. وأما النقرس فحدوثه في الأكثر عن مواد حادة، وكثرة الرطوبة في الخصيان تكسر حدة موادهم، ولأن المواد يقل نزولها إلى أرجلهم لانسداد مجاري الغذاء بالكي الذي يستعمل عندما يخصون، ولذلك تدق سوقهم.
[aphorism]
قال أبقراط (179): المرأة لا يصيبها النقرس، إلا أن ينقطع طمثها.
[commentary]
الشرح (180): سبب ذلك أن رطوبات النساء غير حادة، فلا تصلح لتوليد النقرس، ولأن فضولهن تندفع بالطمث فلا يبقى منها في البدن ما يولد النقرس، وأما إذا انقطع فإن الفضول تكثر فيهن وتحتد (181) فتولد النقرس؛ والمراد بذلك إذا انقطع الطمث، لا إلى (182) بدل. أما لو انقطع وعرض بدله رعاف وما أشبه ذلك، لم يتولد النقرس، وكذلك إذا انقطع في حال الحبل أو الرضاع (183).
[aphorism]
قال أبقراط (184): PageVW0P168B الغلام لا يصيبه النقرس قبل PageVW2P154A أن يبتديء في مباضعة PageVW1P085A الجماع.
[commentary]
الشرح (185): سبب ذلك أن قبل سن المباضعة تكون المواد رطبة مائية عذبة، فإذا حصل الغلام في سن المباضعة احتدت (186) رطوباته بقوة الحرارة فتهيأ (187) لعروض النقرس. وعروض النقرس للصبي أبعد كثيرا من عروضه للخصيان، ولهذا قد يعرض للخصيان وإن كانت موادهم رطبة، إلا أن فضولهم كثيرة، ولا كذلك الصبيان. وكما لا يعرض للصبي النقرس (188)، فكذلك لا يعرض له الصلع.
[aphorism]
قال أبقراط (189): أوجاع العينين يحلها شرب الشراب الصرف، أو الحمام، أو التكميد، أو فصد العرق، أو شرب الدواء.
[commentary]
الشرح (190): أوجاع العينين يحلها أحد أمور خمسة، وذلك لأن المادة الموجعة إما أن تكون مختصة بالعينين أو لا تكون كذلك، فإن كان الأول : فإما أن تكون غليظة جدا لحجة في العروق، فيحلها [TH2 154b] شرب الشراب الصرف بتلطيفه PageVW0P169A لها وتحليلها وإبرازها من العروق، لأنه يحرك المواد إلى خارج. أو تكون لطيفة شديدة القبول للتحلل، فيحلها التكميد، كما يوضع على العين قطنة أو اسفنجة مشربة ماء حارا. أو تكون متوسطة في الغلظ واللطافة، فيحلها الحمام. وإن كان الثاني، وهو أن تكون المادة كثيرة في غير العينين؛ فإما أن تكون دموية، فيحلها الفصد. او خلطا آخر (191) غير الدم، فيحلها شرب الدواء المستفرغ، والمعني بالشرب (192) ههنا التناول (193)، وإن كان المتناول يابسا كالحبوب.
[aphorism]
قال أبقراط (194): اللثغ يعتريهم خاصة اختلاف طويل.
[commentary]
الشرح (195): سبب اللثغة في غالب الأمر هو الرطوبة الزائدة في الدماغ، ولهذا يكون الصبي ألثغ فإذا اعتدلت رطوبته عاد فصيحا. وإذا كانت الرطوبة زائدة PageVW2P155A كانت النزلات إلى الأمعاء كثيرة، وذلك يوجب دوام الاختلاف. PageVW1P085B
[aphorism]
قال أبقراط (196): أصحاب الجشاء الحامض لا يكاد يصيبهم (197) ذات الجنب. [C5DK4 169b]
[commentary]
الشرح (198): سبب ذلك أمران: أحدهما: أن هؤلاء يغلب عليهم البلغم الغليظ لقصور هضمهم، وإنما تعرض ذات الجنب عن مادة لطيفة حادة، لأن المكان -لصفاقته- لا ينفذ فيه إلا ذلك. وثانيهما: أن الاختلاف يكثر بهؤلاء لغلبة البلغم وزلقه، فتكون موادهم متحركة إلى أسفل، * وذلك مناف لتولد ذات الجنب، وقد يعرض لهم ذلك (199) وذلك إذا عرض للبلغم عفونة واحتداد، فلذلك قال: "لا يكاد (200) يصيبهم ذات الجنب".
[aphorism]
قال أبقراط (201): الصلع لا (202) يعرض لهم من العروق التي تتسع - التي تعرف بالدوالي - شيء كثير، ومن عرض له من الصلع الدوالي عاد شعر رأسه.
[commentary]
الشرح (203): أكثر حدوث الصلع عن يبوسة PageVW2P155B الدماغ كما ذكرنا، وإنما يكون ذلك إذا كانت الرطوبات (204) قليلة، وذلك ينافي حدوث الدوالي؛ لأنها إنما تحدث عن رطوبة تملأ العروق التي في الرجل مليا (205) متفاحشا. وقد يحدث الصلع عن رطوبة فاسدة تفسد المنبت، وفي هؤلاء قد تحدث الدوالي، ولكن إذا حدثت عاد شعر PageVW0P170A الرأس (206) لاندفاع تلك الرطوبة إلى أسفل فزال الصلع؛ فحاصله (207) أن الصلع والدوالي لا يجتمعان.
[aphorism]
قال أبقراط (208): إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال، كان دليلا رديئا.
[commentary]
الشرح (209): يريد إذا حدث السعال بصاحب الاستسقاء عن الاستسقاء (210)، أما لو حدث له سعال عن نزلة لم يدل على شيء، وإنما يكون ذلك دليلا رديئا، لدلالته على مبالغة الرطوبة حتى بلغت إلى قصبة الرئة، أو على إفراط امتلاء البطن حتى تزاحم آلات التنفس.
[aphorism]
قال أبقراط (211): فصد العروق (212) يحل عسر البول PageVW2P156A فينبغي (213) أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
الشرح (214): عسر البول قد يكون لورم في فم (215) الرحم، أو في طرف PageVW1P086A الدبر يزاحم المجرى فلا يخرج إلا بعسر، وكذلك (216) قد يكون لورم في المجرى؛ وكل ذلك يحله الفصد، لأن المادة في الغالب تكون دموية. وينبغي أن تقطع العروق الداخلة، PageVW0P170B أي التي إلى داخل البدن، وهي التي في الجانب الإنسي، لأن هذه العروق أكثر مشاركة لهذه (217) الأعضاء.
[aphorism]
قال أبقراط (218): إذا ظهر الورم في الحلقوم من خارج (219) فيمن اعترته الذبحة، كان ذلك دليلا محمودا.
[commentary]
الشرح (220): أما إذا كان الورم في الحلقوم (221) في حال الذبحة (222) ظاهرا، فلا شك أنه أجود من أن يكون غير ظاهر، لأنه إنما لا (223) يظهر إذا كان في العضلات الداخلة فيكون شره أشد، وكذلك لو كان أولا غير ظاهر ثم ظهر، كان ذلك (224) دليلا PageVW2P156B محمودا، لدلالته على انتقال المادة إلى العضلات الخارجة، اللهم إلا أن يكون عدم (225) ظهوره أولا لصغره المفرط، وظهوره ثانيا لكبره، فهذا علامة رديئة، ولكن ذلك لا يكون في حال الذبحة، فإن الذبحة الكائنة عن الورم إنما تكون إذا كان للورم قدر يعتد به.
[aphorism]
قال أبقراط (226): إذا حدث بإنسان سرطان خفي، فالأصلح (227) أن لا يعالج، [C5DK4 171a] فإنه إن عولج هلك سريعا، وإن لم يعالج بقى زمانا طويلا.
[commentary]
الشرح (228): السرطان ورم سوداوي صلب مؤلم ذو أصول ناشبة في الأعضاء، والخفي منه ما يكون في عضو باطن كالحلق، وقد كان في القديم العلاج (229) المعروف له هو الكي والقطع وهو مراد أبقراط ههنا، ولا شك أن السرطان الظاهر إذا عولج بذلك أمكن استيفاء العلاج بجميع أصوله (230) فيبرأ، وأما الخفي فلا يمكن PageVW2P157A فيه ذلك فيبقى بعضها، والمادة فاسدة فلا تقبل (231) الالتحام PageVW1P086B والبرء (232)، وذلك مؤد إلى الموت (233) بسرعة. ولو ترك السرطان من غير هذا العلاج لأمكن أن يعيش صاحبه زمانا طويلا، فإن الجذام وهو سرطان عام يمكن أن يبقى صاحبه زمانا طويلا، فكيف السرطان.
[aphorism]
قال أبقراط (234): التشنج يكون من الامتلاء ومن الاستفراغ، وكذلك الفواق.
[commentary]
الشرح (235): إنما يكون كذلك لأن الأجسام العصبية تقصر تارة بالرطوبة بأن تمتليء، فيزداد عرضها وينقص طولها، PageVW0P171B وتارة باليبس بأن ينقص (236) طولها وعرضها. والفواق (237) في حقيقته نوع من التشنج، فيكون الحال فيه كذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (238): من عرض له وجع فيما دون الشراسيف من غير ورم، ثم حدث به حمى، حلت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
الشرح (239): إذا لم يكن هذا الوجع من ورم، ففي (240) الأكثر يكون من ريح ممددة، وحرارة الحمى تحلل الريح، هذا إذا كان في أول حدوثه، أما لو طال الزمان حتى صار استسقاء لم يكن للحمى فائدة، لأن الوجع إذا طال زمانه ضعف (241) المكان وتولدت فيه رطوبات، فالحمى (242) وإن حللت الريح فإنها تولد من تلك الرطوبات من الرياح أكثر من القدر (243) الذي يحلله.
[aphorism]
قال أبقراط (244): إذا كان موضع من البدن قد تقيح وليس يتبين تقيحه، فإنما لا يتبين (245) من قبل غلظ (246) المدة (247) أو الموضع.
[commentary]
الشرح (248): إذا لم يظهر التقيح في العضو المتقيح فلابد من أحد أمرين: PageVW0P172A إما غلظ جلده، أو غلظ المدة؛ وذلك لأن الجلد إذا كان رقيقا، فلو كانت المدة (249) رقيقة لنفذت إلى قرب ظاهره فكانت تشاهد بالبصر، وذلك ببياض موضعها وما أشبه ذلك؛ وإذا كانت المدة رقيقة PageVW2P158A والتقيح لا يظهر فلابد وأن يكون الجلد غليظا، إذ لو كان رقيقا لأمكنها النفوذ في خلله، فكانت تشاهد.
[aphorism]
قال أبقراط (250): إذا كانت (251) الكبد فيمن به يرقان صلبة، فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح (252): اليرقان مفسد (253) PageVW1P087A للدم بتغلب المرار عليه، فإذا كان معه ورم في الكبد كان فساد * الدم أكثر فيكون الحال أردأ، خصوصا إذا كان (254) ذلك الورم هو موجب (255) لليرقان لأن الورم الموجب لليرقان إنما يظهر لصلابة فيه إذا كان عاما (256) للمحدب والمقعر من الكبد، وإنما يكون كذلك إذا كان عظيما، لأن مجرى المرار الذي يسده ورم الكبد هو في مقعرها، فظهور (257) الصلابة إنما يكون إذا كان محدبها وارما؛ وإذا كان في الورم (258) صلابة فهو رديء، لأن الحال ينتقل [C5DK4 172b] حينئذ إلى الاستسقاء.
[aphorism]
قال أبقراط (259): إذا أصاب المطحول اختلاف دم فطال به، حدث به استسقاء PageVW2P158B أو زلق الأمعاء، وهلك.
[commentary]
الشرح (260): طول زمان اختلاف الدم بالمطحول يمنع أن يكون الخارج من الطحال، وإلا كان يزول الورم وينقطع الدم في مدة يسيرة، وذلك رديء لا محالة. ولأن كل واحد من ورم الطحال واختلاف الدم مضعف للأعضاء الهاضمة، وذلك مؤد إما إلى الاستسقاء إن كان أكثره لضعف في الكبد، أو إلى زلق الأمعاء إن كان أكثره لضعف (261) في المعدة.
[aphorism]
قال أبقراط (262): من حدث به تقطير البول، القولنج المعروف بإيلاوس، وتفسيره المستعاذ منه، فإنه يموت في سبعة أيام، إلا أن يحدث به حمى فيجري منه بول كثير.
[commentary]
الشرح (263): إيلاوس مغص عن سدة في الأمعاء الدقاق، ويقال له قولنج PageVW0P173A تجوزا، ويعسر معه خروج الرجيع جدا، حتى مع الحقن القوية والأدوية الشديدة التليين والإسهال، ويؤول أمر صاحبه PageVW2P159A إلى قيء الرجيع واختلاط الذهن والموت؛ ومعنى حدوثه من تقطير البول أنه يحدث عن سببه، وأسباب تقطير البول الممكن فيها ذلك هي (264): أورام (265) المثانة، أو الكلى، أو أحد الأمعاء الغلاظ، أو طرف الدبر. أما إيجاب ورم الكلى للتقطير (266) إذا تقيح فقد قررناه، وأما إيجابه له PageVW1P087B بدون التقيح فلأنه إذا كان حارا جدا أحد البول فلا تقوى (267) المثانة على جمعه، بل تخرجه أولا فأولا. وأما إيجاب باقي الأورام الذي ذكرناها له (268)، فقد ذكرنا كيفيته. وأما إيجاب (269) ذلك لإيلاوس: أما ورم الكلى فظاهر بمزاحمته المعا (270)، فيمنع خروج الثفل، وذلك إذا كان الورم عظيما جدا، وإذا كان مع ذلك حارا، كان منعه أشد بسبب تجفيفه الثفل. وأما باقي تلك الأورام فإنها وإن كانت بعيدة عن الأمعاء الدقاق، فلا يمنع أن يكون الثفل إذا تعذر خروجه PageVW2P159B من الغلاظ لم يندفع إليها من الدقاق فيحتبس فيها ويجف، خصوصا * إذا كانت الكبد حارة PageVW0P173B مجففة له وخصوصا (271) إذا كان الغذاء القريب العهد يابسا، أو الزمان (272) خريفا ، فيتسارع (273) الجفاف إلى ما في (274) الأمعاء الدقاق قبل الأمعاء (275) الغلاظ، وحدث القولنج الحقيقي، وإذا كان كذلك وجب أن يموت في سبعة أيام، لأن إيلاوس وحده يقتل في هذه المدة، فكيف الكائن مع تقطير البول أو ورم الأحشاء. قوله: "إلا أن يحدث به حمى، فيجري منه بول كثير" وربما قيل: إن هذا يدل على أن الحمى لم تكن أولا موجودة، وذلك ينافي ما قلتم، فإن أورام تلك الأعضاء يلزمها حمى. فنقول: حدوث حمى لا ينافي أن يكون هناك حمى أخرى (276) موجودة (277) ومراده بهذه الحمى * الكائنة ما يحدث عند انفجار الأورام الباطنة، وذلك أن أورام الأحشاء إذا تم تقيحها سكنت سورة الحمى الكائنة (278) معها، فإذا انفجرت عرض له نافض للذع PageVW2P160A المدة (279)، ثم يعرض (280) بعده حمى بحرارة (281) المدة، وإذا حدثت هذه دلت على انفجار الورم (282)، ويلزم ذلك (283) بول كثير بخروج (284) ما كان احتبس من المائية (285) بمزاحمة الورم وبما يندفع مع (286) البول من القيح، وحينئذ يمكن PageVW0P174A برء إيلاوس لزوال سببه.
[aphorism]
قال أبقراط (287): إذا مضى بالقرحة حول أو مدة أطول من ذلك، وجب ضرورة أن يتبين (288) منها عظم وأن يكون موضع الأثر بعد اندمالها غائرا (289).
[commentary]
الشرح (290): سبب PageVW1P088A ذلك أن هذه (291) القرحة إنما تطول هذه المدة إذا كان في العظم آفة يلزمها فساد اللحم، فلذلك إنما يمكن أن يبرأ بقطع (292) ذلك العظم أو قلعه (293) أو حكه وما أشبه ذلك، فيكون قد أبين (294) منها عظم؛ لأن جزء العظم عظم، والحك لابد وأن يزيل جزء عظم، ولابد أن يبقى موضعها بعد الإندمال غائرا؛ لأن المكان PageVW2P160B يضعف فلا يكون استعماله للغذاء كباقي الأعضاء، بل أقل، فيكون غيره أعظم منه ويلزم ذلك غؤوره (295).
[aphorism]
قال أبقراط (296): من أصابه (297) حدبة من ربو أو سعال قبل نبات الشعر في العانة، فإنه يهلك.
[commentary]
الشرح (298): PageVW0P174B إنما تحدث الحدبة عن ذلك إذا أوجبت مادتها انزلاق فقرة، إما إلى قدام فتبرز (299) عظام القص (300) وهو التقصع وحدبة القدام، أو إلى خلف فتنتأ (301) فقرة وهو حدبة المؤخر، أو إلى جانب وهو الالتواء. والمراد بأنه "قبل نبات الشعر" إذا حدث عن تلك المادة ورم عظيم حتى يقوى على تمديد الأربطة تمديدا يزيل الفقرة في ذلك السن، وذلك الورم لابد وأن يكون مضيقا للنفس بذاته لعظمه مع كونه في أعضاء الصدر، فإذا حدثت الحدبة ضاق الصدر أيضا، وذلك موجب PageVW2P161A لزيادة الضيق جدا، وهو موجب للهلاك.
[aphorism]
قال أبقراط (302): من احتاج إلى الفصد أو (303) شرب الدواء، فينبغي أن يسقى الدواء أو يفصد في الربيع.
[commentary]
الشرح (304): الفرق بين الحاجة إلى الدواء، وبين (305) الاضطرار إليه، أن المضطر (306) إلى الدواء يستعمله (307) في أي وقت عرض له ذلك، وأما المحتاج إليه، وهو الذي استعمال الدواء أصلح له من تركه، وتركه PageVW0P175A جائز، فهذا ينبغي له تأخيره إلى الوقت المختار، فإن عرض له بالتأخير ضرر استفرغ متى عرض له ذلك؛ لأنه حينئذ يكون مضطرا إلى الدواء، اللهم إلا أن يكون الضرر المتوقع من التأخر (308) أشد من المتوقع من الاستفراغ في الوقت فلا يؤخر، PageVW1P088B وكذلك الفصد. وأولى الأوقات بالفصد والاستفراغ بالدواء هو الربيع؛ لأن الأخلاط في الشتاء جامدة يعسر خروجها، وفي الصيف قليلة PageVW2P161B بفرط التحلل، ومع ذلك فالقوى ضعيفة وجذب الأخلاط بالدواء فيه صعب لأن حر الهواء فيه يجذبها إلى خارج، وهو مناف لجذب الدواء. وأما الخريف، فمع ضعف القوى فيه باختلاف الهواء،تكون الأخلاط قليلة، لتقدم تحليل الصيف، ولأن الهواء فيه يابس، فينشف رطوبات البدن.
[aphorism]
قال أبقراط (309): إذا حدث بالمطحول اختلاف دم، فهو محمود.
[commentary]
الشرح (310): قد بينا أن اختلاف الدم إذا طال بالمطحول فهو رديء، وأما إذا لم PageVW0P175B يطل زمانه فهو محمود، وذلك إذا كان من مادة الورم، ويعرف ذلك (311) بأن الخارج إلى السواد ويخرج بسهولة، ويحس بعده بخفة في الطحال، فإن لم يكن كذلك فهو رديء.
[aphorism]
قال أبقراط (312): ما كان من الأمراض من طريق النقرس، وكان معه (313) ورم حار، فإن ورمه يسكن في أربعين يوما.
[commentary]
الشرح (314): النقرس يلزمه الوجع بسبب PageVW2P162A تمدد الأعصاب والأوتار والرباطات المحيطة بالمفاصل، لأجل امتلاء تلك المفاصل (315)، ويلزمه أيضا سوء مزاج العضو وامتلائه وفساد شكله، وغير ذلك. وهذه الأمراض الكائنة من طريق النقرس، أي من أجله. ويلزمه أيضا أورام (316) حارة، منها ما يكون في اللحم، وهو في الأكثر ينحل ويسكن في أربعة عشر يوما؛ لأنه مرض حاد في عضو لين، وقد يعرض معه ورم الرباطات إذا نفذ فيها بعض المواد. وهذا الورم خاص بالنقرس وهو الذي يسكن في أربعين يوما، لأنه مع كونه مرضا حادا، هو في عضو شديد الاستحصاف، وذلك يقتضي أن يكون PageVW0P176A مزمنا، فينبغي أن يكون بحرانه في يوم تشترك PageVW1P089A فيه الأمراض الحادة والمزمنة، وليس إلا اليوم الأربعين. فقوله: "إن ورمه يسكن في أربعين يوما" يريد PageVW2P162B ورم النقرس، أي (317) المختص به.
[aphorism]
قال أبقراط (318): من حدث به في دماغه قطع، فلابد من أن يحدث به حمى وقيء ومرار.
[commentary]
الشرح (319): أما الحمى فلأن القطع يلزمه الورم، وورم الأعضاء (320) - وخصوصا الرئيسة- يلزمه حمى لازمة . وأما قيء المرار فلتضرر المعدة وفمها بجراحة الدماغ، لأجل المشاركة، ويلزم ذلك ضعفها وتهيئها لانصباب المواد. وأسهل ذلك المرار لرقته (321)، فإذا كثر فيها كان سببا لخروجه بالقيء.
[aphorism]
قال أبقراط (322): من حدث به وهو صحيح وجع شديد (323) بغتة في رأسه، ثم أسكت على المكان وعرض له غطيط، فإنه (324) يهلك في سبعة أيام إن لم يحدث به حمى.
[commentary]
الشرح (325): إنما يعرض الغطيط في السكتة إذا ضعفت حركة النفس فلا PageVW0P176B يتسع المجرى، ويعرض كما يعرض للسمين عند النوم، إنما يعرض ذلك إذا كانت قوية PageVW2P163A ولكن لا جدا، وإلا كان النفس يبطل في الحس. وإنما تحدث السكتة على هذا الوجه إذا ارتفع إلى الدماغ مادة كثيرة دفعة، وتلك المادة لابد وأن تكون بخارية، وإلا لم (326) ترتفع دفعة ولم يكن وجعها شديدا، فإن المادة البخارية الريحية يشتد وجعها لأجل تمديدها بخلاف الخلطية. فإذا كان كذلك، فإن حدثت الحمى أمكن تحليل هذه المادة بحرارتها القوية، أمكن البرء وإلا مات صاحب ذلك لقوة السكتة، ويكون موته في سبعة أيام؛ لأن المادة -لخفتها- أمكن الحياة معها هذه المدة؛ وإنما يكون كذلك إذا كان الذي حدث به أولا صحيحا، إذ لو كان مريضا لكانت قوته تكون (327) ضعيفة وكان يموت في أقل (328) من هذه المدة.
[aphorism]
قال أبقراط (329): قد (330) ينبغي أن تتفقد باطن العينين في وقت النوم، فإن تبين PageVW2P163B شيء من بياض العين PageVW1P089B والجفن مطبق وليس ذلك يعقب اختلاف ولا شرب دواء، فتلك علامة (331) مهلكة. PageVW0P177A
[commentary]
الشرح (332): من الناس من يكون جفنه بالخلقة (333) قصيرا فيكون نومه كذلك دائما في الصحة، فهذا لاينبغي أن يتفقد حاله في ذلك؛ فلذلك قال: "قد ينبغي". وإنما يصير الجفن في المرض كذلك إذا عرض له جفاف شديد، واختص الجفن بذلك لأن طبعه (334) الأصلي يابس، وهو قريب جدا من الدماغ، فإذا عرض للدماغ يبس مفرط، بادر إليه الجفاف فقصر، فصار إطباقه الكامل عسرا، وإنما يكون بتكلف صاحبه، وذلك مما لا يكون في حال النوم. وإذا لم يكن ذلك (335) الجفاف عن سبب عارض، كالاختلاف العارض (336) بنفسه أو بشرب الدواء، فسببه لامحالة قوة تجفيف المرض، ويلزم ذلك فناء الأرواح وسقوط (337) PageVW2P164A القوى، وهو علامة مهلكة.
[aphorism]
قال أبقراط (338): ما كان من اختلاط الذهن مع ضحك، فهو أسلم؛ وما كان مع هم وحزن، فهو أشد خطرا.
[commentary]
الشرح (339): PageVW0P177B سبب ذلك أن الضحك في الاختلاط إنما يكون إذا كان الدم غالبا، وإنما يكون ذلك إذا لم يكن الخلط الفاسد الموجب للاختلاط (340) أو سوء المزاج شديد الإفراط.
[aphorism]
قال أبقراط (341): نفس البكاء في الأمراض الحادة التي معها حمى، دليل رديء.
[commentary]
الشرح (342): إنما يعرض البكاء في الأمراض لبخار سوداوي، فإن كان المرض معه حمى دل ذلك على أن حرارتها قد بلغت إلى إحراق بعض الأخلاط، وإن لم تكن حمى لم يمكن أن يكون لها دلالة عليه.
[aphorism]
قال أبقراط (343): علل (344) النقرس تتحرك في الربيع والخريف (345) على الأمر الأكثر.
[commentary]
الشرح (346): أما حركة ذلك في الربيع فلأن المواد (347) تذوب فيه وتسيل إلى الأعضاء PageVW2P164B الضعيفة والمفاصل، وخصوصا الطرفية، بقوة دفع الطبيعة لها عن القلب PageVW0P178A ونواحيه.فأما في الخريف فلأجل فساد الأخلاط فيه، وكثرة PageVW1P090A المواد الفاسدة مع كونها حادة هائجة بتقدم حر الصيف.
[aphorism]
قال أبقراط (348): الأمراض السوداوية يخاف منها (349) أن تؤول إلى السكتة، أو إلى الفالج، * أو إلى التشنج (350)، أو إلى الجنون، أو إلى العمى .
[commentary]
الشرح (351): من شأن السوداء أن ترتفع منها إلى الرأس دخانية، فإن سدت مجاري الروح، فإما كلها فتحدث (352) السكتة، أو بعضها فيحدث الفالج. وإن لم تفعل ذلك واحتدت (353) في الدماغ أوجبت الجنون؛ وإن اندفعت عنه، فإما إلى العينين فيكون منها ماء رديء ويحدث (354) منه العمى، وإن اندفعت إلى باقي الأعصاب أحدثت التشنج.
[aphorism]
قال أبقراط (355): السكتة والفالج يحدثان خاصة بمن PageVW2P165A كان (356) سنه فيما بين الأربعين (357) والستين (358).
[commentary]
الشرح (359): من كان سنه ذلك فالسكتة والفالج أولى به من باقي تلك الأمراض السوداوية، وهو أولى بهما (360) من غيره لأن السوداء في هذا السن أكثر، فيكون الانسداد عنها أولى.
[aphorism]
قال أبقراط (361): إذا بدى الثرب فهو لا محالة يعفن.
[commentary]
الشرح (362): الثرب هو الغشاء الشحمي الملتبس على المعدة والأمعاء، وإنما يبدو إذا عرض تفرق اتصال في الغشاء الذي فوقه، وحينئذ يعفن بسرعة لإفراط رطوبته، فيستعد للعفن عند ضعف الحار الغريزي ببروزه.
[aphorism]
قال أبقراط (363): من كان به وجع النسا وكان وركه ينخلع ثم يعود، فإنه قد حدثت (364) فيه رطوبة مخاطية.
[commentary]
الشرح (365): إنما يكون الورك كذلك، أعني أن يكون (366) عظمه يخرج من مكانه تارة ويعود أخرى إذا كانت PageVW2P165B هناك PageVW0P179A رطوبات كثيرة مرخية للرباطات، وتلك الرطوبات في أكثر الأمر تكون مخاطية؛ لأن البلغم إذا طال زمانه * في المفاصل لابد وأن يغلظ قوامه لتحلل لطيفه (367) وسيلانه (368). وإنما خصص ذلك بمن كان به وجع النسا، أي بمن (369) كان به ذلك من زمان طويل، لأن أكثر عروض ذلك لهم، * بأن (370) البلغم إذا كثر في مفصل (371) الورك (372)، ففي (373) الأكثر يعرض منه وجع النسا، وإنما يرخي (374) الرباطات حتى تصير بتلك الحال إذا طال الزمان. PageVW1P090B
[aphorism]
قال أبقراط (375): من اعتراه وجع في الورك مزمن، وكان وركه (376) ينخلع، فإن رجله كلها تضمر، ويعرج إن لم يكو.
[commentary]
الشرح (377): معناه: من اعتراه وجع الورك من مدة قريبة، وكان (378) وركه بحال أنه ينخلع (379) إن (380) لم يزل ذلك، أعني أنه كان مستعدا لذلك فإن رجله تضمر ويعرج، أي أن ذلك يعرض له قبل الانخلاع. أما الضمور فإنها (381) لبردها، PageVW2P166A يضعف استعمالها للغذاء وجذبها PageVW0P179B له ؛ وأما العرج فلأجل ضعف الرجل وعسر حركتها الانتقالية (382).
بسم الله الرحمن الرحيم.
المقالة السابعة من كتاب شرح فصول أبقراط (1)
[aphorism]
قال أبقراط (2): برد الأطراف في الأمراض الحادة دليل رديء.
[commentary]
الشرح (3): إنما تبرد الأطراف في الأمراض الحادة إذا كان PageVW0P180A في الأحشاء ورم حار، حتى تكون مادة التسخين مجتمعة بأسرها هناك، أو كانت القوى ضعيفة عن دفع بخار تلك المادة إلى الأطراف. ولابد في الصورتين من ضعف الحار الغريزي، وذلك لا محالة دليل رديء وخاصة في الشباب وفي فصل الصيف. وأما الأمراض (4) المزمنة فإن برد الأطراف وإن (5) كان فيها رديئا، لكن ليست رداءته شديدة في تلك الأمراض، لأن المرض المزمن من (6) شأنه إحداث ذلك، لأن المرض إذا طال ضعفت الحرارة الغريزية فيعرض ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (7): إذا كان في العظم علة، وكان PageVW2P166B لون اللحم عنها كمدا، فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح (8): سبب ذلك أن كمودة ذلك اللحم إنما تكون لموت الحرارة الغريزية التي فيه، وذلك لا محالة مؤد إلى سقوطه (9).
[aphorism]
قال أبقراط (10): حدوث الفواق وحمرة العينين بعد القيء دليل رديء.
[commentary]
الشرح (11): PageVW0P180B سبب ذلك أن حدوث الفواق وحمرة العينين دليل على ارتفاع المادة التي كانت توجب القيء إلى الدماغ وتورمه ههنا أو تورم المعدة، فيكون الفواق أشد والحمرة أقل.
[aphorism]
قال أبقراط (12): إذا حدث بعد العرق اقشعرار، فليس ذلك بدليل (13) محمود.
[commentary]
الشرح (14): سبب ذلك أن الاقشعرار PageVW1P091A حينئذ إنما يكون لبقية من المادة أغلظ من أن تنفذ في المسام، فلا تخرج (15) بالعرق، وذلك لا محالة غير محمود. وإنما لا يكون رديئا لأنه يدل على انتفاض المادة إلى ظاهر البدن، مع استفراغ PageVW2P167A بعضها.
[aphorism]
قال أبقراط (16): إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم أو استسقاء أو حيرة، فذلك محمود.
[commentary]
الشرح (17): أما نفع اختلاف الدم (18)، * فلأنه يتبع توجه مادة الجنون إلى (19) أسفل، وأما الاستسقاء فلترطيبه الكاسر لحدة مادة الجنون؛ وأما الحيرة، وهي بطلان الفكر عن مزاج بارد، فلأن ذلك يمنع سبب الجنون. PageVW0P181A
[aphorism]
قال أبقراط (20): ذهاب الشهوة في المرض المزمن والبراز الصرف، دليل رديء.
[commentary]
الشرح (21): إنما تذهب الشهوة لمادة رديئة أو لموت القوة الشهوانية، وأيهما كان فهو رديء. وإنما يكون البراز صرفا إذا * كان الخارج معه خلطا (22) غالبا جدا في البدن، حتى لا يظهر لغيره (23) معه تأثير (24) في (25) البراز، وإنما يكون ذلك إذا كان سوء المزاج المولد لذلك الخلط غالبا جدا؛ والكل رديء، وكونه في الأمراض المزمنة أردأ. أما ذهاب PageVW2P167B الشهوة، فلأن (26) الحاجة في (27) الأمراض المزمنة إلى التغذية أكثر. وأما صرافة البراز، فلأن القوى تكون في الأمراض المزمنة قد ضعفت بطول مقاساة (28) المرض، فلا تكون محتملة للاستفراغات المنقية للبدن من الخلط الغالب.
[aphorism]
قال أبقراط (29): إذا حدث عن كثرة الشراب اقشعرار واختلاط ذهن، فذلك دليل رديء. PageVW0P181B
[commentary]
الشرح (30): قد يحدث مثل هذا بسبب الشراب، كما إذا استعمل صرفا، فإنه حينئذ يستحيل إلى المرار، ويكون ذلك (31) المرار (32) متحركا لأجل لطافته وحدته (33) ضرورة تولده عن مادة حارة لطيفة، وفي الأكثر إنما تتحرك إما إلى فوق، أو إلى ظاهر البدن، فإن كان الثاني حدث عنه الاقشعرار؛ وإن (34) كان الأول [L4 91b] فإن خرج بالقيء فذلك محمود لأن ضرره يندفع، وإن صعد إلى الدماغ عرض عنه حدة وشرارة، وذلك مع PageVW2P168A السكر شبيه باختلاط الذهن الكائن في الأمراض؛ ولا شك (35) أن كلا الأمرين رديء (36) لما يلزمه من الضرر بالدماغ (37). * وقد يكون حدوث ذلك (38) لا عن (39) الشراب، بل بأن (40) يكون المرار في البدن كثيرا، فإذا ورد الشراب الكثير حركه، فإن اندفع بالقيء أو بالإسهال فذلك محمود، وإن عرض عنه أحد هذين الأمرين كان رديئا لا محالة، وكان دليلا على كون البدن كثير المرار.
[aphorism]
قال أبقراط (41): إذا انفجر خراج إلى داخل، حدث عن ذلك سقوط قوة، وقيء، وذبول نفس (42). [C5DK4 182a]
[commentary]
الشرح (43): يريد إذا كان الانفجار إلى تجويف المعدة، فإن المنفجر إلى الصدر لا يلزمه ذلك قطعا، أما القيء فظاهر، وأما سقوط القوة وذبول النفس فلأجل حصول القيح في عضو كريم، وخصوصا مع الضعف العارض بخروج القيح.
[aphorism]
قال أبقراط (44): إذا حدث PageVW2P168B عن سيلان الدم (45) اختلاط ذهن أو تشنج، فذلك دليل (46) رديء.
[commentary]
الشرح (47): قد تبين أن حدوث التشنج بعد انفجار الدم رديء، وأما اختلاط الذهن فهو أردأ منه، ويحدث إذا خلت العروق التي في الشبكة عن الدم حتى انطبق أعلاها على أسفلها، فيتعذر على الأرواح النفوذ، وخصوصا وهي حينئذ -لضعفها- لا تقوى على النفوذ وإن كان الانسداد في غاية الضعف. وإذا كان كذلك عرض كما يعرض عند انسداد هذه العروق عن الأبخرة الشرابية وأزيد بكثير، لأن الأرواح تكون عند انسدادها بالشراب قوية، وتلك السدد ضعيفة فيكون لها نفوذ ما، ولا كذلك ههنا. وأكثر ما يعرض من هذا الاختلاط فساد تخيل، لأن أكثر PageVW0P182B هذه العروق أكثر (48) دمها في البطن المقدم.
[aphorism]
قال أبقراط (49): إذا حدث عن القولنج المستعاذ منه PageVW2P169A PageVW1P092A قيء وفواق واختلاط ذهن وتشنج، فذلك دليل سوء.
[commentary]
الشرح (50): القولنج المستعاذ منه هو ايلاوس، وإذا كانت هذه السدة فيه قوية جدا، تعذر على الطبيعة دفع الرجيع إلى أسفل، وأحوجها التضرر بعفنه ورداءته وتمديده إلى الدفع إلى فوق، فيعرض من ذلك القيء، ويخرج به أولا الرطوبات * ثم يخرج الرجيع ويعرض الفواق (51) لتضرر (52) المعدة به، وخاصة فمها (53) لقوة حسه وتخليط العقل لما يتصعد إلى الدماغ من بخار الرجيع، ولمشاركة المعدة فمها في التضرر. ويعرض التشنج لمشاركة العصب والدماغ في التضرر، ولا محالة أن ذلك دليل سوء لدلالته على استحكام السدة.
[aphorism]
قال أبقراط (54): إذا حدث عن ذات الجنب ذات الرئة، فذلك دليل رديء.
[commentary]
الشرح (55): PageVW0P183A ذات الرئة مرض رديء قتال لما يلزمه من إفراط تضرر القلب، وذات الجنب أكثر سلامة، فانتقالها PageVW2P169B إلى ذات الرئة انتقال من الأسلم إلى الأردأ، وذلك رديء.
[aphorism]
قال أبقراط (56): وعن ذات الرئة، البرسام.
[commentary]
الشرح (57): إنما يقال في ورم من أورام أعضاء الصدر أنه برسام إذا كان موجبا لاختلاط الذهن، وإنما يكون ذلك إذا كان يرتفع معه بخار رديء يفسد مزاج الدماغ وأرواحه، ولا شك أن الحال يكون حينئذ أردأ.
[aphorism]
قال أبقراط (58): وعن الاحتراق الشديد، التشنج والتمدد.
[commentary]
الشرح (59): التشنج والتمدد عن الاحتراق الشديد إنما يكون إذا بلغ إلى حد جفف (60) الأعصاب، وذلك لا محالة رديء عن أي سبب كان ذلك الاحتراق.
[aphorism]
قال أبقراط (61): PageVW0P183B وعن الضربة على الرأس، الحيرة واختلاط الذهن (62).
[commentary]
الشرح (63): إنما يحدث (64) ذلك عن الضربة على الرأس إذا عرض عنها فساد شديد في الدماغ، فاختلاط الذهن تشوش يعرض فيه، PageVW2P170A والحيرة بطلان العقل.
[aphorism]
قال أبقراط (65): وعن نفث الدم، نفث المدة.
[commentary]
الشرح (66): إنما يعرض ذلك إذا عرض للموضع الذي يخرج منه الدم تقيح، وفي الغالب PageVW1P092B إنما يكون ذلك إذا كان هناك جراحة وكان (67) الدم رديئا مفسدا حتى أوجب التقيح (68).
[aphorism]
قال أبقراط (69): وعن نفث المدة، السل والسيلان، فإذا احتبس البصاق (70) مات صاحب العلة.
[commentary]
الشرح (71): يريد أنه إذا حدث عن نفث المدة السل أي الهزال المفرط، والسيلان أي الإسهال الذي يكون في آخر السل، كان ذلك PageVW0P184A رديئا لدلالته على قرب الموت. فإذا احتبس البصاق (72) حينئذ مات العليل، أي مات في وقته فلا يتأخر عن ذلك مدة يعتد بها، لأن ذلك الاحتباس إنما يكون حينئذ لسقوط القوة.
[aphorism]
قال أبقراط (73): وعن ورم الكبد، الفواق.
[commentary]
الشرح (74): قد بينا أن الفواق إنما يحدث عن ورم الكبد PageVW2P170B إذا عظم جدا، فيكون حدوثه (75) عنه دليلا (76) على عظمه (77)، فيكون (78) رديئا.
[aphorism]
قال أبقراط (79): وعن السهر، التشنج واختلاط العقل.
[commentary]
الشرح (80): يريد بالسهر امتناع النوم، ولا شك أن ذلك إنما يوجب التشنج والاختلاط إذا عرض عنه جفاف شديد في الدماغ، ولا محالة أن ذلك رديء.
[aphorism]
قال أبقراط (81): وعن انكشاف العظم، الورم الذي يدعى الحمرة.
[commentary]
الشرح (82): PageVW0P184B الورم المعروف بالحمرة ورم صفراوي، وقد يحدث عن الجراحات (83) لضعف العضو وتوجه المواد إليه، فإذا (84) كانت الجراحة (85) قد بلغت (86) إلى حد انكشف لها العظم كان بدو (87) ذلك رديئا؛ لأن انكشاف العظم يفتقر إلى التسخين (88) وهو أضر الأشياء بالحمرة؛ والحمرة تفتقر إلى التبريد القوي، وهو أضر الأشياء بانكشاف العظم.
[aphorism]
قال أبقراط (89): وعن الورم الذي يدعى الحمرة، العفونة والتقيح.
[commentary]
الشرح (90): لا شك أن الورم إذا آل أمره PageVW2P171A إلى ذلك فهو رديء، لأن الأولى أنه كان يتحلل وخصوصا الحمرة؛ لأن مادتها -وهي الصفراء- لطيفة، قابلة للتحلل.
[aphorism]
قال أبقراط (91): وعن الضربان الشديد في القروح، انفجار الدم.
[commentary]
الشرح (92): إنما PageVW1P093A يعرض انفجار الدم في القروح إذا بلغت إلى أن (93) فرقت اتصال العروق، وذلك لا محالة رديء * كيف كان، PageVW0P195A لكنه إذا كان مع القروح ضربان شديد فهو أردأ (94)، لأن الضربان إنما يكون حيث العضو فيه شرايين، وحينئذ ففي الأكثر يكون ذلك الانفجار منها، وهو أردأ من انفجار (95) الأوردة لأن التحامها أعسر.
[aphorism]
قال أبقراط (96): وعن الوجع المزمن فيما يلي المعدة، التقيح.
[commentary]
الشرح (97): التقيح (98) الصفراوي ينضج (99) في أسبوعين، والبلغمي في شهر، والسوداوي في أربعين يوما. والمراد بالوجع الذي فيما يلي المعدة، السحج الكائن في الأمعاء الدقاق، وإنما يكون التقيح عن المزمن من ذلك إذا كان سوداويا، وهو لا محالة رديء جدا.
[aphorism]
قال أبقراط (100): PageVW2P171B وعن البراز الصرف، اختلاف الدم.
[commentary]
الشرح (101): إنما يحدث اختلاف الدم عن ذلك بأن يفرق اتصال عرق في الأمعاء، أو في الكبد، وأيهما كان فهو رديء. PageVW0P195B
[aphorism]
قال أبقراط (102): وعن قطع العظم، اختلاط الذهن إن نال الموضع الخالي.
[commentary]
الشرح (103): معناه: وعن قطع عظم (104) الرأس، أي تفرق اتصاله، اختلاط الذهن. إن نال القطع الموضع الخالي، أي الخالي من الأعضاء، وهو التجويف الذي في داخل القحف، وإنما يكون ذلك إذا كان التفرق خارقا. والمراد إن (105) كان ذلك الاختلاط لأجل أن (106) القطع، نال ذلك الموضع. وأما ما يحدث بسبب الورم (107) وتوجه المواد لأجل وجع القطع، فذلك في حكم ما إذا حدث ذلك عن الضربة.
[aphorism]
قال أبقراط (108): التشنج عن شرب الدواء، مميت.
[commentary]
الشرح (109): يريد الكائن عن الشرب نفسه لا عن استفراغه، وهو الحادث لأجل تحريك الدواء PageVW2P172A للرطوبات، وهذا التحريك غير معلوم، فلذلك إنما ينسب عادة إلى الشرب. وإنما يكون هذا مميتا إذا كان حدوثه في أول الأمر، حتى يجوز (110) أن يقال PageVW0P190A عادة أنه عن الشرب، فإنه حينئذ إنما يحدث لإفراط قبول العصب لتأثير المواد فيها (111)، والمواد بعد شرب الدواء تبقى متحركة، ففي [L4 93b] الغالب يشتد ذلك التشنج حتى يقتل.
[aphorism]
قال أبقراط (112): برد الأطراف عن الوجع الشديد فيما يلي المعدة، رديء.
[commentary]
الشرح (113): أما (114) إذا بلغ وجع القولنج إلى أن أوجب برد الأطراف، فليس ذلك بمنكر (115)، إذ وجع القولنج من شأنه الاشتداد إلى ذلك، فأما (116) وجع الأمعاء الدقاق أو فم المعدة، فإنما يوجب ذلك إذا كان عظيما، وحينئذ يكون رديئا لمجاورته للأعضاء الرئيسة والكريمة.
[aphorism]
قال أبقراط (117): إذا حدث بالحامل زحير (118)، كان سببا لأن تسقط.
[commentary]
الشرح (119): سبب ذلك PageVW2P172B تضرر الرحم بالمشاركة لأجل المجاورة، وكثرة التزحر وما يلزمه من انعصار عضل البطن.
[aphorism]
قال أبقراط (120): [C5DK4 190b] إذا انقطع عظم أو غضروف، لم ينم (121).
[commentary]
الشرح (122): يريد بذلك (123) أنه لا يزيد بزيادة (124) ظاهرة حتى يعود (125) مقدار المنثلم منه.
[aphorism]
قال أبقراط (126): إذا حدث بمن غلب عليه البلغم الأبيض، اختلاف قوي دائم (127)، انحل عنه (128) مرضه.
[commentary]
الشرح (129): يريد بهؤلاء أصحاب الاستسقاء اللحمي، والبلغم يغلب عليهم لضعف هضومهم، ويكون بلغمهم غليظا، فيكون أشد بياضا، فإذا عرض لهؤلاء (130) اختلاف من مادة مرضهم، كان محمودا, فإن استمر على أن يستفرغ المادة بأسرها، زال المرض. وإنما يكون ذلك إذا كان دائما، لأن مادة هذا المرض تكون كثيرة جدا لعمومها (131) جميع الأعضاء، ولا يمكن (132) أن تخرج دفعة وتنفع (133)، * لأن ذلك قتال (134)؛ فلذلك إنما يكون خروجها نافعا إذا كان PageVW2P173A قليلا قليلا، ويلزم ذلك أن يدوم. PageVW0P191A والمراد بكون هذا الاختلاف قويا (135)، أن خروج الخارج في كل مرة يكون بقوة، أي أنه (136) يخرج دفعة، فإن ذلك إنما يكون لقوة الطبيعة الدافعة؛ فأما (137) الكائن عن الذوبان، وكذا الكائن (138) لضعف القوة، فلا يلزم فيه (139) ذلك.
[aphorism]
قال أبقراط (140): من كان به اختلاف، وكان (141) ما يختلف زبديا، فقد يكون سبب اختلافه شيء ينحدر من رأسه.
[commentary]
الشرح (142): إذا انحدرت (143) PageVW1P094A من الرأس رطوبة وخرجت بالإسهال، ففي الغالب تكون زبدية، لأنها لم تنفذ إلى هذا المكان البعيد إلا بحرارة تخالطها وتكون في نفسها رقيقة، وهذه الحرارة لابد وأن تكون قاصرة عن تحليلها؛ فلذلك يتولد منها رياح وأبخرة يحدث باختلاطها بالرطوبة الزبد (144)، فلذلك إذا كان الاختلاف زبديا، فقد يكون PageVW2P173B من الرأس، وقد يكون لسوء الهضم.
[aphorism]
قال أبقراط (145): PageVW0P191B من كان به حمى، وكان يرسب في بوله ثفل شبيه بالسويق الجريش، فذلك يدل على أن مرضه يطول.
[commentary]
الشرح (146): إنما يكون الثفل كذلك إذا كانت المواد غليظة جدا، حتى لا تقوى الطبيعة على تصغير أجزائها، وإنما تخرج قبل النضج إذا كانت كثيرة ، ولا شك أن مادة المرض إذا كانت كذلك طال المرض، فإن كان ذلك مع الحمى، كان أولى بأن يطول، لأن الحمى تلطف المواد بحرارتها؛ وإنما (147) يكون الرسوب معها كذلك، إذا كان غلظ المواد مفرطا.
[aphorism]
قال أبقراط (148): إذا كان الغالب على الثفل الذي في البول المرار، وكان أعلاه رقيقا، دل على أن المرض حاد (149).
[commentary]
الشرح (150): يريد: وكان أعلى الثفل رقيقا؛ وذلك بأن يكون على هيئة مخروط رأسه دقيق، فإن هذا إنما يكون كذلك إذا كانت المادة خفيفة جدا، لطيفة؛ PageVW2P174A ويلزم ذلك أن يكون المرض قصيرا، وهو الحاد (151). PageVW0P192A
[aphorism]
قال أبقراط (152): من كان بوله متشتتا، فذلك يدل على أن في بدنه اضطرابا (153).
[commentary]
الشرح (154): يريد (155): متشتت الثفل. وإنما (156) يكون كذلك إذا كانت هناك رياح كثيرة، وفي (157) الغالب إنما يكون ذلك إذا كان في البدن غليان، وذلك موجب للاضطراب.
[aphorism]
قال أبقراط (158): من كان فوق بوله عبب، دل على أن علته في الكلى، وأنذر منها بطول.
[commentary]
الشرح (159): إذا حدث ذلك لا عن متناول يولد الرياح الغليظة، فهو في الكلى؛ لأن العبب إنما يحدث عن مادة غليظة لزجة وريح غليظة (160) جدا (161)، PageVW1P094B حتى يمكن أن يجتمع منهما مقدار كثير لا ينحل (162)، ولا يمكن أن يكون (163) ذلك عن عضو أعلى من الكلى، وإلا كانت الريح تنقسم في طول المسافة إلى أجزاء كثيرة فلا يكون منها عبب، وكانت الرطوبة أيضا تلطف (164) بحرارة الكبد (165) وبطول (166) مسافة PageVW2P174B الحركة. ولا أيضا من عضو دون الكلى؛ لأن ما دونها بارد لا يصلح لتوليد الرياح. PageVW0P192B
[aphorism]
قال أبقراط (167): من رؤي (168) فوق بوله دسم جملة، دل على أن في كلاه علة حادة.
[commentary]
الشرح (169): خروج الدسم في البول قد يكون لمواد دسمة، فيكون في القارورة كالرسوب؛ وقد يكون لذوبان الشحم، أو السمين، أو اللحم، وذلك لا يمكن أن (170) يكون مما دون الكلى؛ لفقدان هذه الأعضاء هناك، فلا (171) يمكن مما فوق الكلى (172) إلا من الأعضاء البعيدة، فيكون الخارج منه بالبول قليلا ومتشتتا، لتشتته في طول المسافة. فإذا إنما يكون جملة (173) إذا كان في الكلى، وفي الأكثر (174) لا يكون من لحمها؛ لأنه صلب، إنما (175) يذوب بحرارة شديدة جدا، فإذا * هو من شحمها، فإنما (176) يذوب (177) بحرارة (178) لها قوة ما (179)، فلذلك تكون العلة حادة.
[aphorism]
قال أبقراط (180): من كانت (181) به علة في كلاه، وعرضت له هذه الأعراض التي تقدم ذكرها، وحدث به وجع في عضل صلبه، فإنه إن PageVW2P175A كان ذلك الوجع في المواضع الخارجة فتوقع خراجا يخرج به من خارج، فإن (182) كان ذلك الوجع في المواضع الداخلة، PageVW0P193A فأحرى أن تكون الدبيلة من داخل.
[commentary]
الشرح (183): "من كانت به علة في كلاه" أعني كانت به من (184) مدة طويلة، وفي الغالب إنما يكون ذلك إذا كانت العلة مادية. وعرضت له الأعراض المتقدمة؛ أعني الدسومة الدالة على الحرارة، أو العبب الدال على برد المادة وغلظها. "وحدث به وجع في عضل صلبه" أعني الذي هو محاذ لموضع الكلى، وهو عضل أسفل الصلب، فذلك في PageVW1P095A غالب الأمر إنما يحدث لاندفاع مادة تلك العلة إلى هناك، فتارة يكون اندفاعها إلى المواضع الخارجة، أعني العضلات الخارجة عن الصلب. وإنما جعلها مواضع لأجل المندفع لا يلزم أن يكون في العضلات وحدها، بل قد يكون فيما (185) يحتف بها. وتارة تكون إلى المواضع PageVW2P172B الداخلة، أعني الداخلة عن الصلب؛ فإن كان إلى المواضع الخارجة * فليتوقع حدوث خراج من خارج، وذلك لأن المادة (186) في غالب الأمر إنما (187) تندفع (188) إلى خارج الصلب إذا لم تكن المادة غليظة جدا، ولا (189) يكون ذلك في صورة كان في البول PageVW0P193B عبب، بل حيث كان فيه دسم، وذلك إنما يكون حيث (190) هي حادة (191). وهذه المادة في الغالب لا تنحل، وإلا (192) ما كانت تحتبس في العضل، ففي الغالب يحدث عنها خراج ويكون ذلك الخراج من خارج الصلب، لأن المادة قد اندفعت إلى هناك. وأما إذا كان اندفاع تلك المادة إلى المواضع الداخلة، ففي الغالب إنما تحتبس هناك إذا كانت شديدة (193) الغلظ، فلا يمكن ذلك حيث البول فيه دسم، بل حيث فيه عبب، وحينئذ تحدث دبيلة من داخل، لأن هذه المادة يبعد جدا أنها تتحلل، فلابد وأن يحدث عنها ورم يجتمع (194) PageVW2P176A وما كان كذلك مما مادته غير حادة (195)، فلا يسمى خراجا، بل دبيلة؛ وحدوث هذه الدبيلة أولى وأكثر من حدوث الخراج في الصورة الأولى، لأن إمكان التحلل هناك أكثر.
[aphorism]
قال أبقراط (196): الدم الذي يتقيأ من غير حمى سليم، وينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة، والدم (197) الذي يتقيأ مع الحمى رديء.
[commentary]
الشرح (198): إنما يكون الدم يتقيأ من غير حمى إذا لم PageVW0P185A يكن في الدم عفونة ولا فساد، بل كان الموجب لاندفاعه هو كثرته، وحينئذ يكون ذلك نافعا، لكنه يخشى منه الإضرار بالمعدة؛ فلهذا لم يصفه (199) بغير السلامة من أوصاف الحمد، وهذا إذا احتيج إلى علاج يقطعه (200)، وذلك إذا أفرط، فينبغي أن يكون العلاج بالقوابض ليتدارك [L4 95b] بتقويتها إضراره بالمعدة. وأما الذي مع الحمى فهو رديء، لدلالة PageVW2P176B الحمى على العفونة.
[aphorism]
قال أبقراط (201): النزلات التي تنحدر إلى الجوف الأعلى تتقيح في عشرين يوما.
[commentary]
الشرح (202): الجوف الأعلى هو فضاء الصدر، ونزول المادة إليه إنما يكون إذا حصلت في الرئة، إذ ما يحصل في الحجاب أو في الأغشية والعضلات لا يكون منحدرا إلى ذلك الفضاء، بل ما يحيط به. * وهذه النزلات من شأنها (203) أن تتقيح في عشرين يوما، لأنها بخلوها عن الألم، بسبب كون الرئة غير حساسة، يمكنها الصبر عليها مدة أطول مما في ذات الجنب.
[aphorism]
قال أبقراط (204): PageVW0P185B من بال دما عبيطا، وكان به تقطير البول، وأصابه وجع في نواحي الشرج والعانة، دل ذلك على أن فيما يلي مثانته وجع.
[commentary]
الشرح (205): قد بحثنا هذا فيما سلف.
[aphorism]
قال أبقراط (206): متى عدم اللسان قوته بغتة أو استرخى عضو من الأعضاء، فالعلة سوداوية.
[commentary]
الشرح (207): الظاهر أن لفظة "سوداوية" قد وقعت ههنا PageVW2P177A على سبيل الغلط من النساخ، فإن الواجب أن يكون بدلها "بلغمية" فإن حدوث الاسترخاء وإن كان قد يكون عن السوداء، لكنه قليل جدا وفي الأكثر إنما يكون عن البلغم الرقيق.
[aphorism]
قال أبقراط (208): إذا حدث التشنج (209) بسبب استفراغ شيء (210) أو قيء أو (211) فواق (212)، فليس ذلك بمحمود.
[commentary]
الشرح (213): ينبغي أن يكون المراد ههنا بالتشنج ما يحدث (214) بسبب لذع المواد الخارجة عند حركتها من الاهتزاز ، وما يعرض (215) بسبب الرياح التي تحدث عند حركة الأخلاط الباردة من التشنج المعروف عند العامة بالعقال. وأن يكون المراد بالفواق ما يحدث بسبب انصباب شيء من المواد عند حركتها للاستفراغ إلى فم المعدة، لا العارض من التشنج، والفواق عن الجفاف، فإن ذلك رديء جدا لا يحسن أن يقال أنه ليس بمحمود. وأيضا فإن ذلك قد تقدم PageVW2P177B الكلام فيه.
[aphorism]
قال أبقراط (216): من أصابه حمى ليست من مرار PageVW1P096A فصب على رأسه ماء حارا كثيرا (217)، انقضت بذلك حماه.
[commentary]
الشرح (218): معناه: من أصابته حمى من زمان قريب، فإن العارض من زمان طويل عادته أن يقول فيه (219): "من كان به" وما أشبه ذلك. وقوله: "ليست من مرار" يريد (220) أنها تكون يومية، لأن غالب الحميات (221) العارضة (222) هي الصفراوية، ثم اليومية، وإذا (223) لم تكن الحمى عن المرار (224)، ففي الغالب تكون يومية. وقوله: "فصب على رأسه ماء حارا (225) كثيرا (226)" أي كثير (227) المقدار، لأن حرارته كثيرة، والمراد ليس أنه يصب (228) على رأسه فقط، بل العادة جرت أن يعبر عن الاغتسال بذلك، والمراد ليس الاغتسال كيف اتفق، بل أن يكون ذلك (229) بشروطه المعتبرة عند الأطباء، وذلك بأن يكون في الحمام؛ وإنما تنقضي الحمى بذلك لأجل تبريد الماء PageVW2P178A وترطيبه، فإن ما يتشربه البدن من ماء الحمام يعود إلى طبعه فيبرد (230) فيه ويرطب (231).
[aphorism]
قال أبقراط (232): المرأة لا تكون ذات يمينين.
[commentary]
الشرح (233): قد يوجد من الرجال من يكون جانباه قويين، ويقال لمن هو كذلك أنه ذو يمينين، والمرأة لا يكون فيها، وذلك لضعف حرارتها وعصبها وعضلها (234).
[aphorism]
قال أبقراط (235): من كوي أو بط من المتقيحين فخرجت منه مدة بيضاء نقية، فإنه يسلم؛ وإن خرجت منه مدة حمائية منتنة (236)، فإنه يهلك.
[commentary]
الشرح (237): PageVW0P187A إنما تكون المدة حمائية منتنة إذا كان جوهرها باردا، وإذا كان كذلك فلا محالة أنها تكون قد أفسدت ما يجاورها من الأعضاء، وأعضاء الصدر كلها كريمة شريفة، فيكون فسادها مهلكا.
[aphorism]
قال أبقراط (238): من كانت في كبده مدة فكوي فخرجت منه مدة بيضاء نقية (239)، فإنه PageVW2P178B يسلم، وذلك أن تلك المدة (240) في غشاء الكبد؛ وإن (241) خرج منه شيء شبيه بثفل الزيت، هلك (242).
[commentary]
الشرح (243): إنما تكون هذه المدة بيضاء نقية إذا كان جرم الكبد سليما، حتى تكون القوى المنضجة PageVW1P096B صحيحة، وإنما يكون جرمها سليما إذا لم تكن المدة متولدة (244) فيها، فإن المتولدة فيها تفسد جرمها، ويلزم ذلك أن تفسد تلك المدة (245) فتكون عفنة حمائية منتنة؛ فإذا (246) لم تكن المدة حينئذ في جرم الكبد، فهي في غشائها. بقي (247) في عبارته (248) إشكال، وذلك أن الغرض أن المدة في الكبد، وحينئذ يستحيل أن تكون في غيرها، فلا تكون في الغشاء. جوابه: PageVW0P187B إن المراد بالكبد ما يعم جرمها من (249) الغشاء.
[aphorism]
قال أبقراط (250): إذا كان في العينين وجع، فاسق صاحبه شرابا صرفا، ثم أدخله الحمام وصب عليه (251) PageVW2P179A ماء حارا كثيرا، ثم افصده.
[commentary]
الشرح (252): المراد بهذا الوجع ما يكون مزمنا، ولذلك (253) قال: "إذا كان في العينين وجع" فإن عادته أن يقول في الحديث: إذا عرض، أو إذا حدث، أو من أصابه، وما أشبه ذلك. وإنما يكون وجع العينين مزمنا مع صلاح (254) التدبير إذا (255) كانت المادة شديدة الغلظ واللزوجة، ولا يكون (256) البدن حينئذ نقيا، لأن الغرض صواب التدبير، وأهم الواجبات فيه تنقية البدن، فلذلك يحتاج في إبراء ذلك الوجع إلى استفراغ المادة التي في العينين فقط، وإنما يكون ذلك (257) بعد تلطيفها حتى يسهل إخراجها، وذلك يتم بسقي الشراب الصرف، ثم الحمام بعده إن احتيج إليه، وبعد ذلك يخرج بالفصد، أعني العروق التي تستفرغ من العينين خاصة، وهي عروق الماقين وما PageVW2P179B أشبهها. *
[aphorism]
قال أبقراط: إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال، فليس يرجى.
[commentary]
الشرح: قد تقدم بحث هذا فيما سلف (258)
[aphorism]
قال أبقراط (259): تقطير البول وعسره يحلهما شرب الشراب والفصد، وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
الشرح (260): أما أن هذا ينفع فيه الفصد، وأن الفصد ينبغي أن يكون من العروق الداخلة، فقد ذكرنا أولا ما (261) يعرف (262) منه ذلك. وأما أن ذلك ينحل بشرب الشراب، فلما فيه من الإدرار (263) مع العطرية القوية. *
[aphorism]
قال أبقراط: إذا ظهرت الحمرة في مقدم الصدر فيمن اعترته الذبحة، كان ذلك دليلا محمودا، لأن المرض يكون قد مال إلى خارج.
[commentary]
الشرح: تحقيق هذا قد ذكرناه فيما سلف (264).
[aphorism]
قال أبقراط (265): من أصابه في دماغه العلة التي PageVW1P097A يقال لها سقاقيلس (266)، فإنه (267) يهلك في ثلاثة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
الشرح (268): سقاقيلس (269) يقال حقيقة على فساد العضو، وغانغرايا (270) مقدمته، ويقال مجازا على ورم فلغموني من دم عفن في جوهر الدماغ وهو المراد ههنا، ولهذا قال: "العلة التي يقال لها سقاقلس (271) * ولم يقل سقافلس (272)" ومثل هذا الورم لا يصبر عليه عضو رئيس * رطب شديد القبول للفساد (273) أكثر PageVW2P180A من ثلاثة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ، لأنه لم يجاوزها (274) إلا لقوة قوية جدا.
[aphorism]
قال أبقراط (275): العطاس يكون من الرأس إذا سخن الدماغ ورطب الموضع الخالي الذي يكون في الرأس، فانحدر الهواء الذي فيه فسمع له صوت؛ لأن نفوذه وخروجه يكون من موضع ضيق.
[commentary]
الشرح (276): معناه: العطاس يتكون من الرأس على هذه الصفة، لا أنه (277) PageVW0P194A لا يكون إلا من الرأس، بل إنه إذا كان من الرأس فهو يكون بهذه الصفة، وهي أن يسخن الرأس، أعني بذلك دفعة، كما يعرض عند التعرض للشمس الحارة (278) أو استنشاق (279) الأشياء الحارة، ويعرض له عن هذه السخونة رطوبة تسيلها. ويعني (280) بالموضع الخالي: البطن الحاوي للدماغ، فيعرض من ذلك (281) إيذاء الدماغ، إما بأن يتولد من تلك الرطوبة ريح، أو بأمر آخر، ويحوج ذلك إلى PageVW2P180B انقباض الدماغ لدفعه مع الهواء المجذوب بالاستنشاق، وإذا اندفع المجموع -واندفاعه (282) يكون من موضع ضيق- حدث منه الصوت المعروف. والمقصود بالهواء المجذوب: الاستعانة على الدفع، فإن المتولد من الريح يكون قليلا (283)، فلا تتمكن القوة من دفعه ما لم يكن الهواء الخارجي. فإذا كان مع التسخين قبض، كان حدوث العطاس أكثر، لأن القوة القابضة تعين على حبس ما يتولد من الريح، فيكون إيذاءها للدماغ أكثر. ولما كان المورد مركبا من جزء حار وجزء قابض لا جرم صار يولد العطاس، ولكن PageVW1P097B لضعف قوتيه (284) المسخنة والقابضة إنما يولد ذلك في الأبدان المستعدة PageVW0P194B له، إما بسبب قوة حرارة الرأس، أو بسبب ضيق المنافذ، وكلما كان PageVW2P181A هذا (285) المنفذ أكثر ضيقا، كان الصوت أقوى؛ ولهذا يحصل لبعض الناس صوت قوي عند العطاس؛ وسبب ذلك قد ذكرناه في كتبنا الموسيقية.
[aphorism]
قال أبقراط (286): من كان به وجع شديد في كبده فحدث به حمى، حلت ذلك الوجع عنه.
[commentary]
الشرح (287): سبب ذلك أن هذا الوجع إنما يكون من رياح قوية غليظة، ولذلك قال: "من كان به" يريد أنه (288) كان (289) من مدة طويلة، وإنما يكون كذلك إذا كانت تلك الريح غليظة. ويريد بالكبد، ليس العضو وحده بل المكان المعروف بها؛ ولذلك (290) لو كانت هذه الريح خارج الكبد وفيما دون الشراسيف، كان الأمر كذلك؛ وسبب (291) انحلال الوجع انحلال الريح (292) بهذه الحمى. قوله: "فحدث به حمى" يفهم منه أن الحمى لم تكن قبل ذلك (293)، فلذلك لا PageVW2P181B يدخل في ذلك ما يكون من الأوجاع عن ورم، فإن أورام الأحشاء [C5DK4] الموجعة بقوة، وهي (294) الحارة، يلزمها الحمى.
[aphorism]
قال أبقراط (295): من تحيز فيه * بلغم فيما بين (296) المعدة والحجاب فأحدث به وجعا إذ كان لا منفذ له، ولا إلى واحد من الفضاءين، فإن ذلك البلغم إذا جرى منه في العروق إلى المثانة، انحلت عنه علته.
[commentary]
الشرح (297): من تحيز فيه بلغم فيما بين المعدة والحجاب بسبب أنه لا منفذ له، ولا إلى واحد من الفضاءين، أعني فضاء المعدة والفضاء الخارجي، فأحدث به وجعا، وسبب ذلك الوجع هو ما يتولد من ذلك البلغم المحتبس من الريح الممددة، فإن ذلك (298) البلغم إذا جرى في العروق إلى المثانة، انحلت عنه علته؛ لأن البلغم إذا اندفع بطل * توليده للريح، فيزول سبب الوجع. وهذه العروق PageVW2P182A هي عروق (299) الثرب، وجريان البلغم فيها بأن يلطف وينفذ من فوهاتها إلى تجاويفها ويندفع إلى الكلى والمثانة. *
[aphorism]
قال أبقراط: من احتاج إلى أن يخرج من عروقه دم، فينبغي أن يقطع له العرق في الربيع.
[commentary]
الشرح: قد بينا هذا فيما سلف (300)
[aphorism]
قال أبقراط (301): من امتلأت (302) PageVW1P098A كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن، امتلأ بطنه ماء ومات.
[commentary]
الشرح (303): قد يعرض في الكبد نفاطات فيها مائية كثيرة، ثم تنفجر إلى خارجها فتحصل (304) تلك المائية في فضاء البطن، وتكون (305) قتالة؛ لأن تلك المادة تكون حادة لذاعة لأجل طول بقائها في عضو حار، وهو الكبد، فيفسد جرم المعا والأغشية، ويلزم ذلك الموت.
[aphorism]
قال أبقراط (306): القلق والتثاؤب والاقشعرار يبرئه شرب الشراب إذا مزج واحد (307) سواء (308) بواحد سواء.
[commentary]
الشرح (309): القلق حالة توجب سرعة انتقال الإنسان من هيئة إلى هيئة بسبب الملل من الهيئات، وأكثره لمادة PageVW0P003A يتشربها فم المعدة، PageVW2P182B هي (310) من الرداءة بحيث توجب القلق. وأما التثاؤب والتمطي فيحدثان لفضول تحتبس في العضل تروم الطبيعة بالحركة دفعها بالتحليل، وهذه الفضول إذا زادت أوجبت الإعياء، فإن زادت عن ذلك أوجبت (311) الاقشعرار ثم النافض، والشراب الممزوج مناصفة يشفي من ذلك لإنضاجه الرطوبات وترقيقها وتحليلها وتفتيح المسام. *
[aphorism]
قال أبقراط: من خرجت به بثرة في إحليله، فإنها إذا تقيحت وانفجرت انقضت علته.
[commentary]
الشرح: قد بينا هذا فيما سلف (312)
[aphorism]
قال أبقراط (313): من تزعزع دماغه، فإنه يصيبه من وقته سكتة.
[commentary]
الشرح (314): قد يعرض للدماغ عند ضربة تقع عليه أو صدمة أو سقطة، اضطراب شديد يسمى التزعزع، فيعرض PageVW0P003B له ضعف مفرط وقبول تام لتوجه المواد إليه، وذلك يعده للسكتة، ويكون حدوثها سريعا لشدة القبول.
[aphorism]
قال أبقراط (315): من كان لحمه رطبا فينبغي PageVW2P183A أن يجوع، فإن الجوع يجفف الأبدان.
[commentary]
الشرح (316): اللحم الرطب هو الرهل (317)، ومن كان لحمه كذلك فينبغي أن تقلل رطوباته ليزول ذلك الرهل (318)، وليقل استعداده للانفعالات وللعفونة، والجوع يفعل ذلك لأن الأسباب المحللة موجودة، فإذا انقطع عن البدن مادة الرطوبة، جف لا محالة. *
[aphorism]
قال أبقراط: متى كانت (319) تحدث في البدن كله تغايير ويبرد بردا شديدا، ثم يسخن أو يتلون بلون ثم يغيره ويتحول إلى غيره، أنذر ذلك بطول من المرض.
[commentary]
الشرح: قد بينا هذا فيما سلف من هذا (320) PageVW1P098B
[aphorism]
قال أبقراط (321): PageVW0P196A العرق الكثير الذي يجري دائما -كان حارا أو باردا- يدل على أنه ينبغي أن يخرج من البدن رطوبة، أما في القوي فمن فوق، وأما في الضعف فمن أسفل.
[commentary]
الشرح (322): أما دلالة هذه الحالة على أنه ينبغي أن يخرج من البدن رطوبة فظاهر، وأما أن ذلك ينبغي أن يكون في القوي من فوق، وفي الضعيف من أسفل؛ فلأن هذه الرطوبة لابد وأن تكون عن أغذية * زائدة؛ فإما أن تكون أغذية (323) PageVW2P183B بعيدة العهد بالاستعمال، فتكون تلك الرطوبة قد انبثت في الأعضاء وهي متحركة إلى ظاهر البدن؛ ولذلك (324) يجري منها العرق، ولا بد (325) وأن يكون ما غلظ منها محتبسا في العضل، فيحدث الإعياء وكلال (326) الأعضاء، والناس يعبرون عن ذلك بالضعف، وهؤلاء إذا استفرغوا بالدواء؛ وجب أن يكون ذلك * بالإسهال؛ لأن القيء لا يخرج المواد (327) القريبة من الجلد، أو يكون عن أغذية (328) قريبة العهد بالتناول، فلا يكون قد احتبس منها ما يوجب الإعياء والكلال، فيكون * أصحاب ذلك أقوياء، أي أنهم لا يشكون الكلال الذي (329) PageVW0P196B يعبر عنه بالضعف، وهؤلاء لا يحتاجون إلى الإسهال؛ لأن ما يحتاجون إلى إخراجه من الرطوبات الرديئة إنما هو في المعدة ونواحيها، ومتى كان كذلك، وجب [TH2 184a] أن يكون الاستفراغ بالقيء، وهو المراد بالاستفراغ الذي من فوق (330).
অজানা পৃষ্ঠা