Sharh Bulugh al-Maram - Al-Luhaymid
شرح بلوغ المرام - اللهيميد
জনগুলি
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
شرح
بلوغ المرام
من أدلة الأحكام
للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: ٨٥٢ هـ).
بطريقة سؤال وجواب
بقلم
سليمان بن محمد اللهيميد
السعودية - رفحاء
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
م/ الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديمًا وحديثًا والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرًا حثيثًا وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم والعلماء ورثة الأنبياء أكرم بهم وارثًا وموروثًا أما بعد
فهذا مختصر يشمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام حررته تحريرًا بالغًا ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغًا، ويستعين به الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي.
وقد بينت عقب كل حديث من أخرجه من الأئمة لإرادة نصح الأمة.
فالمراد بالسبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وبالستة من عدا أحمد، وبالخمسة من عدا البخاري ومسلم. وقد أقول الأربعة وأحمد، وبالأربعة من عدا الثلاثة الأول، وبالثلاثة من عداهم وعدا الأخير، وبالمتفق البخاري ومسلم، وقد لا أذكر معهما، وما عدا ذلك فهو مبين.
وسميته: بُلُوغُ اَلْمَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ اَلْأَحْكَامِ.
والله أسأله أن لا يجعل ما علمناه علينا وبالًا، وأن يرزقنا العمل بما يرضيه ﷾.
===
١ - ما مراد المؤلف ﵀ بقوله عقب تخريج الحديث: أخرجه السبعة؟
مراده بالسبعة: البخاري (ت ٢٥٦ هـ) ومسلم (ت ٢٦١ هـ) وأبو داود (ت ٢٧٥ هـ) والترمذي (ت ٢٧٩ هـ) والنسائي (ت ٣٠٣ هـ) وابن ماجه (ت ٢٧٥ هـ) وأحمد (ت ٢٤١ هـ).
٢ - ما مراد المؤلف ﵀ بقوله: أخرجه الستة؟
مراده: البخاري (ت ٢٥٦ هـ) ومسلم (ت ٢٦١ هـ) وأبو داود (ت ٢٧٥ هـ) والترمذي (ت ٢٧٩ هـ) والنسائي (ت ٣٠٣ هـ) وابن ماجه (ت ٢٧٥ هـ) ما عدا أحمد.
٣ - ما مراد المؤلف ﵀ بقوله: أخرجه الأربعة؟
مراده: أبو داود (ت ٢٧٥ هـ) والترمذي (ت ٢٧٩ هـ) والنسائي (ت ٣٠٣ هـ) وابن ماجه (ت ٢٧٥ هـ)
٤ - ما مراد المؤلف ﵀ بقوله: أخرجه الثلاثة؟
مراده: أبو داود (ت ٢٧٥ هـ) والترمذي (ت ٢٧٩ هـ) والنسائي (ت ٣٠٣ هـ) ما عدا ابن ماجه.
٥ - ما مراد المؤلف ﵀ بقوله: متفق عليه؟
مراده: البخاري (ت ٢٥٦ هـ) ومسلم (ت ٢٦١ هـ).
1 / 2
كتَابُ اَلطَّهَارَةِ
بَابُ اَلْمِيَاهِ
• عرف الطهارة لغة وشرعًا؟
الطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية، فالأقذار الحسية: كالبول ونحوه، والمعنوية: كالشرك وكل خُلق رذيل.
وشرعًا: ارتفاع الحدث وما في معناه، وزوال الخبث.
الحدث: هو الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة، ويدخل في هذا الوصف البول والريح وأكل لحم الإبل ونحو ذلك.
- قولنا (ما في معناه) أي: في معنى ارتفاع الحدث، كتجديد الوضوء، فهو طهارة، وكذا الأغسال المسنونة.
- وقولنا (زوال الخبث) أي: النجاسة، فإذا وقعت على ثوبه نجاسه فطهرها، هذه تسمى طهارة.
• لماذا يبدأ العلماء مصنفاتهم بكتاب الطهارة؟
يبدأون بذلك لأمور:
أولًا: لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة لقوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا …)، ولقوله ﷺ (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه.
ثانيًا: أن الطهارة تخلية وتنظيف، والتخلية قبل التحلية.
ثالثًا: لأجل أن يتذكر المتعلم بتطهير بدنه تطهير نيته وقلبه لله ﷿.
1 / 3
١ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ فِي اَلْبَحْرِ: (هُوَ اَلطُّهُورُ مَاؤُهُ، اَلْحِلُّ مَيْتَتُهُ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَاَلتِّرْمِذِي.
===
• اذكر سبب الحديث؟
عن أَبَي هُرَيْرَةَ. قال (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ).
• على ماذا يدل الحديث؟
الحديث يدل على طهورية ماء البحر، وأنه يرفع الحدث الأصغر والأكبر، وأنه يزيل النجاسة.
قال ابن عبد البر: وقد أجمع جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء أن البحر طهور ماؤه وأن الوضوء جائز به إلا ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه روي عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك ولا عرج عليه ولا التفت إليه لحديث هذا الباب عن النبي ﷺ. (التمهيد).
1 / 4
وقال ابن قدامة: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إلَيْنَا مِنْهُ.
هُوَ نَارٌ.
وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى:
أ-لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ.
ب- وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ج-وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَالَ (مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ).
د-وَلِأَنَّهُ مَاءٌ بَاقٍ عَلَى أَصِلْ خِلْقَتِهِ، فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْعَذْبِ.
وَقَوْلُهُمْ (هُوَ نَارٌ) إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً .... (المغني).
• ما صحة حديث: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلاَّ حَاجٌّ، أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا) رواه أبو داود؟
ذهب بعض العلماء إلى المنع من استعمال البحر استدلالًا بهذا الحديث.
ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح.
روى البيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٣٤) عن البخاري قال: لم يصح حديثه يعني حديث بشير بن مسلم هذا.
وبوب له ابن خزيمة بقوله في صحيحه: باب الرخصة في الغسل والوضوء من ماء البحر إذ ماؤه طهور ميتته حل ضد قول من كره الوضوء والغسل من ماء البحر وزعم أن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا حتى عد سبعة أبحر سبعة نيران وكره الوضوء والغسل من مائة لهذه العلة زعم، ثم روى الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو قال فيه البخاري لا يصح.
1 / 5
وقال ابن عبد البر في التمهيد: حديث ضعيف مظلم الإسناد لا يصححه أهل العلم بالحديث، لأن رواته مجهولون لا يعرفون.
وقال الخطابي: ضعفوا إسناده.
وقال ابن الملقن: ضعيف باتفاق الأئمة.
• لماذا لم يجب النبي ﷺ حينما سأله الرجل (بنعم) وإنما قال: (هو الطهور ماؤه)؟
لم يجب النبي ﷺ بنعم لأمرين:
الأول: لأنه لو قال (نعم) لفهم من ذلك أن جواز الوضوء بماء البحر خاص بحالة الضرورة التي سأل عنها السائل، فلا يكون عامًا بحالة الضرورة وغيرها، فلما قال (هو الطهور ماؤه ..) دل على أن جواز الوضوء بماء البحر عام في حالة الضرورة وفي غيرها.
والثاني: أنه أراد أن يبين أن استعمال ماء البحر عام في الوضوء وفي غيره من الطهارات، لأن السؤال (أفنتوضأ) فلو قال: نعم، لربما ظن البعض أن هذا خاصًا بالوضوء دون الغسل، فلما قال (هو الطهور ماؤه) دل على أن ماء البحر يمكن استعماله في الوضوء وفي غيره من الطهارات.
• لماذا زاد النبي ﷺ في الإجابة (الحل ميتته)؟
زاد النبي ﷺ بقوله (الحل ميتته) لأمرين:
الأول: لأن هذا الرجل كان مظنة أن يخفى عليه حكمها، وذلك لأنه سأل عن ماء البحر مع أن المعلوم أن الأصل في المياه كلها الطهارة، فما دام خفي عليه حكم ماء البحر فمن باب الأولى أن يخفى عليه حكم ميتة البحر مع أن الأصل في الميتات التحريم.
الثاني: هو يركب البحر وحاجته ماسة إلى معرفة ميتته فزاده النبي ﷺ بذكر هذه الفائدة.
• ما المراد بميتة البحر؟
المراد: كل ما لا يعيش إلا في البحر.
[الميتة تعريفها: كل ما لم يذكى ذكاة شرعية].
• ما حكم ميتة البحر؟
حلال.
فجميع ميتات البحر التي لا تعيش إلا فيه حلال.
أ-لقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ).
ب- ولحديث الباب (الحل ميتته).
ج- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ) رواه ابن ماجه (وسيأتي الحديث إن شاء الله).
د- وعن جَابِر قال (غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى البَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ العَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: (كُلُوا، رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ) فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ) متفق عليه. (قال في "لسان العرب" (٢/ ٢٦): الحُوتُ السمك، وقيل هو ما عظُمَ منه).
1 / 6
• وسئل علماء اللجنة: هل سمك القرش حرام أم حلال؟
فأجابوا: السمك كله حلال، سمك القرش وغيره؛ لعموم قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه)، وقوله ﷺ في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).
• ما حكم ما يعيش بالبحر وخارجه (البرمائيات)؟
اختلف العلماء في مثل هذا النوع من الحيوانات:
أولًا: التمساح:
اختلف الفقهاء في أكل التمساح.
فذهب الجمهور إلى تحريم أكله.
وذهب المالكية إلى الجواز، وهو رواية عن أحمد ﵀.
وحجة من حرمه أن له نابا يفترس به.
وحجة من أباحه دخوله في عموم قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ).
وقول النبي ﷺ في البحر (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أيحل أكل التمساح؟
فأجابوا: … أما التمساح فقيل: يؤكل كالسمك؛ لعموم ما تقدم من الآية والحديث، وقيل: لا يؤكل؛ لكونه من ذوات الأنياب من السباع، والراجح الأول.
ثانيًا: الضفدع.
لا يجوز أكله.
لنهي النبي ﷺ عن قتلها.
كما في حديث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ (أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ضِفْدَعٍ، يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْلِهَا) رواه أبو داود.
والقاعدة أن كل ما نهي عن قتله فلا يجوز أكله، إذ لو جاز أكله جاز قتله.
وذهب بعض العلماء إلى جواز أكله.
لعموم قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ).
ولقوله ﷺ (… الحل ميتته).
1 / 7
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- نقل الماوردي في الحاوي (١/ ٣٣) عن الحميْدي، قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ الْعِلْمِ الطَّهَارَةُ، وَلَعَمْرِي إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى طَهَارَةِ مَا يَنْبُعُ مِنَ الْأَرْضِ الوضوء به، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ الوضوء به، وَالْمَاءُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ أَوْ نَابِعًا مِنَ الْأَرْضِ.
- قال النووي: استحب العلماء أن يزيد (أي المفتي) على ما في الرقعة ما له تعلق بها مما يحتاج إليه السائل لحديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته. (مقدمة المجموع).
- قال ابن القيم: فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها ومتعلقها ومأخذها بحيث يشفيه ويكفيه، وقد سأل الصحابة ﵃ النبي ﷺ عن المتوضاء بماء البحر فقال (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فأجابهم عن سؤالهم وجاد عليهم بما لعلهم في بعض الأحيان إليه أحوج مما سألوه عنه .... (مدارج السالكين).
1 / 8
٢ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) أَخْرَجَهُ اَلثَّلَاثَةُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ.
٣ - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ ﷺ (إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَوْنِهِ) أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ
٤ - وَلِلْبَيْهَقِيِّ: (اَلْمَاءُ طَاهِرٌ إِلَّا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ; بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ)
٥ - وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ: (إِذَا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَثَ) وَفِي لَفْظٍ: (لَمْ يَنْجُسْ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ. وَابْنُ حِبَّانَ
===
(إذا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ) بضم القلة، تثنية قلة، وهي الجرة الكبيرة من الفخار، سميت بذلك لأنها تُقَل، أي: تحمل، وهي قلال هجر، معروفة عند الصحابة، مقدر القلتين ٥٠٠ رطل بالبغدادي، وهي خمس قرب، قال الشافعي: "الاحتياط أن تكون القلتان قربتين ونصفًا " وتقدران بحوالي (٣٠٧) لترات، أو (١٠٢) كيلو.
(لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَث) هو بفتحتين النجس كما وقع تفسير ذلك بالنجس في الروايات المتقدمة، والتقدير: لم يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه، ولو كان المعنى أنه يضعف عن حملها لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك.
1 / 9
• ما صحة أحاديث الباب؟
حديث أبي سعيد (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) حديث صحيح.
صححه الإمام أحمد، ويحيي بن معين، وابن حزم، نقله عنهم الحافظ في التلخيص، وابن الملقن في البدر المنير.
وأما حديث أبي أمامة (إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَوْنِهِ) حديث ضعيف كما نقله الحافظ ابن حجر عن أبي حاتم.
وأما حديث ابن عمر (إذا بلغ الماء قلتين …) صححه جمع غفير من الحفاظ، وقال ابن حجر: صححه جماعة من أهل العلم.
فقد صححه: الشافعي، وأحمد، والطحاوي، والدارقطني، وابن دقيق العيد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وحسن إسناده النووي.
وضعفه ابن عبد البر في التمهيد (١/ ٣٣٥) وابن القيم في تهذيب السنن (١/ ٦٢).
• ما الأصل في الماء؟
الأصل فيه الطهارة.
مثال: إنسان عنده ماء طاهر، وشك هل تنجس أم لا؛ فالأصل أنه طاهر.
لحديث الباب.
• إلى كم قسم ينقسم الماء؟
الصحيح أنه ينقسم إلى قسمين: طهور ونجس.
لحديث أبي سعيد (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) فهذا الحديث يحكم للماء بالطهورية، وأن الماء طهور، وهذا العموم خص منه بالإجماع: إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت لونه أو طعمه أو ريحه فإنه نجس بالإجماع.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت النجاسة الماء طعمًا أو لونًا أو ريحًا أنه نجس ما دام كذلك.
فالنجس: ما وقعت فيه نجاسة فغيرت لونه أو طعمه أو ريحه.
1 / 10
• ما حكم الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة وغيرت لونه أو طعمه أو ريحه؟
الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت أحد أوصافه الثلاثة فهو نجس بالإجماع.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعمًا أو لونًا أو ريحًا فهو نجس.
• ما حكم الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة وغيرت لونه أو طعمه أو ريحه؟
يعتبر نجس إجماعًا، كما حكاه ابن المنذر.
• ما حكم الماء القليل الراكد إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغيره؟ هل هو نجس أم لا؟
اختلف العلماء في الماء القليل لراكد إذا لاقى النجاسة فلم تغيره، هل ينجس بذلك أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
أ-واستدلوا بحديث الباب - ابن عمر - (إِذَا كَانَ اَلْمَاءَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ اَلْخَبَثَ ....).
وجه الدلالة: الأخذ بمفهوم هذا الحديث، إذ يدل بمنطوقه على أن ما بلغ قلتين فهو كثير لا يحمل الخبث، ويدل بمفهومه على أن مادون القلتين قليل فينجس بمجرد الملاقاة حتى ولو لم يتغير.
قال ابن قدامة: وَتَحْدِيدُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُمَا يَنْجُسُ، إذْ لَوْ اسْتَوَى حُكْمُ الْقُلَّتَيْنِ وَمَا دُونَهُمَا لَمْ يَكُنْ التَّحْدِيدُ مُفِيدًا.
1 / 11
ب- ولحديث أبي هريرة. قال: قال ﷺ (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات) وفي رواية (فليرقه).
قال ابن قدامة: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَإِرَاقَةِ سُؤْرِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا تَغَيَّرَ وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ.
قال النووي: فالأمر بالإراقة والغسل دليل النجاسة.
القول الثاني: أنه طهور، وأنه لا ينجس إلا إذا تغير بنجاسة.
وهو مذهب مالك، وهو مذهب الأوزاعي، والثوري، وداود، واختار هذا القول ابن المنذر، والغزالي من الشافعية، وهو اختيار ابن تيمية.
واستدلوا بحديث الباب - أبي سعيد - (إِنَّ اَلْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ …).
وجه الدلالة: قوله ﷺ (لا ينجسه شيء) دليل على أن الأصل في الماء الطهارة، وأنه لا يتأثر بالنجاسة، وخص من ذلك المتغير بالنجاسة بالإجماع.
قال ابن القيم: فهذا نص صحيح صريح على أن الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة مع كونه واقفًا، فإن بئر بضاعة كانت واقفة ولم يكن على عهده بالمدينة ماء جار أصلًا. (تهذيب السنن).
ما الجواب عن حديث القلتين:
أولًا: أن هناك من العلماء من ضعفه، كابن عبد البر، وابن القيم.
ثانيًا: أن المفهوم لا عموم له، فلا يلزم أن كل ما لم يبلغ القلتين ينجس، وإنما القليل قد يحمل الخبث لمظنة القلة، ثم إن هذا المفهوم يعارض منطوق حديث (الماء طهور لا ينجسه شيء) والمنطوق مقدم على المفهوم.
1 / 12
٦ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ (لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
وَلِلْبُخَارِيِّ: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ اَلَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ).
وَلِمُسْلِمٍ: (مِنْهُ).
وَلِأَبِي دَاوُدَ: (وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ اَلْجَنَابَةِ).
===
(فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ) أي: الراكد المستقر كما فسره النبي ﷺ في الرواية الأخرى (الذي لا يجري) كمياه البرك التي في البساتين.
(وَهُوَ جُنُبٌ) أي: ذو جنابة، وهو من وجب عليه الغسل من جماع أو إنزال مني.
(لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ ..) جاءت زيادة (قالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولًا) أي: يغترف من هذا الماء ويفيض على جسده.
• لماذا سمي الجنب جنبًا؟
قيل: لأنه نهيَ أن يقرب الصلاة.
وقيل: لمجانبته الناس حتى يتطهر.
وقيل: لأن الماء جانب محلَّه. [كشاف القناع].
قال النووي: وَأَصْل الْجَنَابَة فِي اللُّغَة الْبُعْد، وَتُطْلَق عَلَى الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِجِمَاعٍ أَوْ خُرُوج مَنِيّ لِأَنَّهُ يَجْتَنِب الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة وَالْمَسْجِد وَيَتَبَاعَد عَنْهَا. [شرح مسلم].
1 / 13
• في الحديث النهي أن يغتسل (أي ينغمس) الجنب في الماء الراكد، فهل النهي للتحريم أو للكراهة؟
اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول: أنه حرام.
وذهب إليه الحنفية والظاهرية.
لظاهر الحديث.
فالحديث فيه نهي، والنهي يقتضي التحريم ولا صارف للتحريم.
القول الثاني: أنه مكروه.
وهو مذهب الجمهور.
قالوا: لأن الاغتسال في الماء الراكد لا ينجسه، لأن بدن الجنب كما هو معلوم طاهر لحديث أبي هريرة ﵁ قال (كنت جنبًا … فقال رسول الله ﷺ: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس).
والصحيح القول الأول لظاهر الحديث.
• ما الحكمة من النهي عن اغتسال الجنب في الراكد؟
- إما لحفظ الماء من الاستخباث والاستقذار.
- وإما العلة التعبد، وأنها غير معقولة المعنى.
قال شيخ الإسلام: ونهيه عن الاغتسال في الماء الدائم يتعلق بمسألة الماء المستعمل، وهذا لما فيه من تقذير الماء على غيره، لا لأجل نجاسته، ولا لصيرورته مستعملًا، فإنه قد ثبت في الصحيح عنه ﷺ أنه قال: إن الماء لا يجنب.
• ماذا يفعل من أراد أن يغتسل من الجنابة في الماء الراكد؟
يتناول منه بإناء أو بيده،
كما في رواية مسلم (لَا يَغْتَسِل أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم وَهُوَ جُنُب. فَقَالَ: كَيْف يَفْعَل يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قَالَ: يَتَنَاوَلهُ تَنَاوُلًا) أي: يغترف من هذا الماء ويفيض على جسده.
1 / 14
• لو انغمس الجنب في الماء الراكد فهل يرتفع حدثه؟
نعم، يرتفع حدثه.
لأن هذا الماء طهور لم ينجسه شيء ولم يخرج عن مسمى الماء.
وقيل: لا يرتفع حدثه.
وهذا قول من يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام، ويعتبرون هذا الماء طاهرًا غير مطهر لأنه مستعمل.
والصحيح الأول، وأن الماء بعدما انغمس فيه طهور يرفع الحدث. وأما النهي في الحديث فليس له علاقة بنجاسة الماء، وقد سبقت الحكمة من النهي.
• ما حكم الاغتسال من الجنابة في الماء الجاري؟
جائز.
أ-لمفهوم الحديث.
ب-ولأن المعنى المذكور في الماء الدائم غير موجود في الماء الجاري.
• ما حكم البول في الماء الراكد؟
حرام، لظاهر حديث الباب (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ اَلَّذِي لَا يَجْرِي …).
ولحديث جابر (نهى رسول الله ﷺ أن يبال في الماء الراكد) رواه مسلم.
• ما الحكمة من تحريم البول فيه؟
لأن ذلك يقتضي تلوثه بالنجاسة والأمراض التي قد يحملها البول.
• ما حكم البول في الماء الجاري؟
مفهوم الحديث (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي اَلْمَاءِ اَلدَّائِمِ …) يدل على جواز البول في الماء الجاري، لأن البول يجري مع الماء ولا يستقر.
1 / 15
• هل هناك فرق بين الماء الكثير والقليل؟
ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون الماء الدائم قليلًا أو كثيرًا لأمرين:
أولًا: لأن هذا هو ظاهر الحديث، فالحديث يقتضي التحريم ولو كان الماء كثيرًا.
ثانيًا: سدًا للذريعة، حتى لا يتساهل الناس بهذا الأمر.
- فائدة: لكن العلماء استثنوا الماء المستبحر (ماء البحر) ونقل ابن دقيق العيد الاتفاق على أن ماء البحر لا يدخل في النهي.
• هل يلحق بالبول ما في معناه كالتغوط؟
نعم.
قال النووي: والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يجري إليه البول، فكله مذموم قبيح منهي عنه.
وقال ابن القيم: وَبِهَذَا الطَّرِيق يُعْلَم أَنَّهُ إِذَا كَانَ ﷺ قَدْ نَهَى عَنْ الْبَوْل فِي الْمَاء الدَّائِم، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَاج إِلَيْهِ، فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي إِنَاء ثُمَّ يَصُبّهُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَلَا يَسْتَرِيب فِي هَذَا مَنْ عَلِمَ حِكْمَة الشَّرِيعَة، وَمَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِح الْعِبَاد وَنَصَائِحهمْ. وَدَعْ الظَّاهِرِيَّة الْبَحْتَة، فَإِنَّهَا تُقْسِي الْقُلُوب، وَتَحْجُبهَا عَنْ رَوِيَّة مَحَاسِن الشَّرِيعَة وَبَهْجَتهَا، وَمَا أُودِعَتْهُ مِنْ الْحِكَم وَالْمَصَالِح وَالْعَدْل وَالرَّحْمَة .... (تهذيب السنن).
1 / 16
٧ - وَعَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ "أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ، أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ، وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
٨ - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاس. (أَنَّ اَلنَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
٩ - وَلِأَصْحَابِ "اَلسُّنَنِ": (اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ ﷺ فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِبُ) وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَة.
===
(نَهَى رَسُولُ اَللَّه ﷺ النهي: طلب الكف على وجه الاستعلاء.
(بفضل ميمونة) وهي بنت الحارث الهلالية، تزوجها سنة سبع لما اعتمر عمرة القضية، وبنى بها في سَرِف.
(فِي جَفْنَةٍ) بفتح الجيم وسكون الفاء هي القصعة الكبير.
• ما صحة أحاديث الباب؟
حديث: عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ ﷺ ....، قال النووي: رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
وقال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة، لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى بن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو بن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة، فإنه بن عبد الله الأودي وهو ثقة وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره (الفتح).
وحديث اِبْنِ عَبَّاس. (أَنَّ اَلنَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ) رواه مسلم في صحيحه.
وحديث ابن عباس (اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ ﷺ فِي جَفْنَةٍ …) رواه أصحاب السنن وابن خزيمة والحاكم ووافقه الذهبي، قال الحافظ في الفتح: وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه الا صحيح حديثهم.
1 / 17
• ما حكم اغتسال الرجل بفضل المرأة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة قولين:
القول الأول: لا يجوز.
وهذا مذهب الحنابلة.
وصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة [قاله في الفتح].
أ-لحديث الباب (نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ ﷺ أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ، أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ).
ب-ولحديث الحكم عن عمرو الغفاري: (أن رسول الله ﷺ نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) رواه أبو داود.
وهذا الحديث ضعفه الإمام البخاري، وابن عبد البر في "الاستذكار" (١/ ٢٠٩) فقال: مضطرب لا تقوم به حجة. وقال النووي في "الخلاصة" (١/ ٢٠٠): ضعيف. وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (١/ ١٤٩): ليس بصحيح.
القول الثاني: يجوز ذلك.
وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكي والشافعية.
قال النووي: وَأَمَّا تَطْهِير الرَّجُل لِفَضْلِهَا فَهُوَ جَائِز عِنْدنَا وَعِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء، سَوَاء خَلَتْ بِهِ أَوْ لَمْ تَخْلُ. قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: وَلَا كَرَاهَة فِي ذَلِكَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْوَارِدَة بِهِ.
قال ابن قدامة: اختارها ابن عقيل، وهو قول أكثر أهل العلم.
أ-واستدلوا بحديث الباب - حديث ابن عباس - (أَنَّ اَلنَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ).
وجه الدلالة: أنه صريح في جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة.
ب-وبحديثه الثاني (.. اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ ﷺ فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِب).
وهذا القول هو الراجح.
وجه الدلالة: أن ظاهره يدل على أنها خلت به لطهارة كاملة عن حدث، وأجابها النبي ﷺ جوابًا عامًا، بأن الماء لا يصير بهذا الفعل إلى حالة يجتنب فيها فلا يستعمل.
ج- أنه ماء طهور جاز للمرأة الوضوء به، فجاز للرجل من فضل المرأة.
وهذا القول هو الصحيح.
1 / 18
• ما الجواب عن أحاديث النهي؟
الجواب من وجهين:
الأول: أن أحاديث النهي محمولة على الكراهة جمعًا بين الأدلة، ورجحه الحافظ ابن حجر والشوكاني.
الثاني: تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملًا، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي.
قال الحافظ: وهو ممكن [الجمع بين الأحاديث] بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعًا بين الأدلة.
وقال النووي عن أحاديث المنع:
وأما حديث الحكم بن عمرو: فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة:
أحدها: جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف، قال البيهقي، قال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال ليس هو بصحيح، قال البخاري: وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن رفعه فقد أخطأ، وكذا قال الدارقطني: وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم أيضا موقوفا عليه، قال البيهقي في كتاب المعرفة: الأحاديث السابقة في الرخصة أصح فالمصير إليها أولى.
الجواب الثاني: جواب الخطابي وأصحابنا: أن النهي عن فضل أعضائها، وهو ما سال عنها، ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن بعض أصحاب النبي ﷺ عن النبي ﷺ (أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) يُحمَل على أن المراد ما سقط من أعضائها، ويؤيده أنا لا نعلم أحدًا من العلماء منعها فضل الرجل، فينبغي تأويله على ما ذكرته … يحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره، ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه.
الجواب الثالث: ذكره الخطابي وأصحابنا: أن النهي للتنزيه جمعًا بين الأحاديث. (المجموع).
قال الشيخ ابن عثيمين ﵀: والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم، بل على سبيل الأولوية وكراهة التنزيه .....، فالصواب: أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ .... (الشرح الممتع).
1 / 19
• اذكر الأدلة على جواز اغتسال الزوجين جميعًا؟
قال الشوكاني: فأما غسل الرجل والمرأة ووضوءهما جميعًا فلا اختلاف فيه .... وقد دل عليه أحاديث
عن أم سلمة قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد من الجنابة) متفق عليه.
وعن عائشة. قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة) متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري (من إناء واحد نغترف منه جميعًا).
ولمسلم (من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول: دع لي دع لي).
وعن ابن عمر ﵁ قال (كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله ﷺ جميعًا) رواه البخاري.
زاد ابن ماجه: (من إناء واحد)، وزاد أبو داود: (ندلي فيه أيدينا).
قوله (جميعًا) الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحًا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث عن ابن عمر أنه أبصر النبي ﷺ وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر به.
وهذا إما:
- أن يقال أن هذا قبل نزول الحجاب.
- أو أن المقصود (الرجال والنساء) يعني الأزواج مع أزواجهم، أو المحارم مع محارمهم.
• ما حكم الماء الذي فضل من وضوء المرأة؟
طهور.
أ-لحديث ابن عباس (أن النبي ﷺ اغتسل في جفنة … إن الماء لا يجنب).
ب-والنبي ﷺ اغتسل بفضل ميمونة.
ج-والأصل في الماء الطهورية.
1 / 20