منسوخة بها، بل هي مفسرة لها، ومبينة للمراد منها قالوا: وحق تقاته هو امتثال أمره واجتناب نواهيه، والله سبحانه لم يأمر إلا بالمستطاع، فإن الله تعالى قال: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ١. وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ٢.
وأما قوله ﵊: "وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" فهذا على إطلاقه لكن إن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة ونحوه فهذا لا يكون منهيًا عنه في هذا الحال. وأما في غير حال العذر فلا يكون ممتثلًا لمقتضى النهي حتى يترك كل ما نهى عنه ولا يخرج عنه بترك فعل واحد بخلاف الأمر. وهذا الأصل إذا فهم فهو مسألة مطلق الأمر: هل يحمل على الفور أو على التراخى على المرة الواحدة أو التكرار، ففي هذا الحديث أبواب من الفقه والله أعلم.
وقوله: "فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم" وذكر ذلك بعد قوله: "ذرونى ما تركتكم" أراد: لا تكثروا السؤال فربما يكثر الجواب عليه فيضاهي ذلك قصة بني إسرائيل لما قيل لهم: "اذبحوا بقرة" فإنهم لو اقتصروا على ما يصدق عليه اللفظ وبادروا إلى ذبح أي بقرة كانت أجزأت عنهم لكن لما أكثروا السؤال وشددوا شدد عليهم وذموا على ذلك فخاف النبي ﷺ مثل ذلك على أمته.
_________
١ سورة البقرة: الآية ٢٨٦.
٢ سورة الحج: الآية ٧٨.
1 / 58