شرح الاقتصاد في الاعتقاد - الراجحي
شرح الاقتصاد في الاعتقاد - الراجحي
জনগুলি
الكلام على أثر طارق بن شهاب
قال المؤلف ﵀: [فروى طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب ﵁ فقال: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر يهود نزلت نعلم اليوم الذي نزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا.
قال: أي آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣]، فقال: إني لأعلم اليوم الذي نزلت والمكان، نزلت على رسول الله ﷺ ونحن في عرفة عشية جمعة].
وهذا الأثر رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله ﷿، وفيه بيان كمال هذا الدين، وهذا الأثر رواه طارق بن شهاب: أن يهوديًا جاء إلى عمر بن الخطاب ﵁ فقال: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، فقال عمر: أي آية؟ قال له: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣]، ويا لها من آية عظيمة، فيها بيان أن الدين قد كمل، وأن الله قد أتم النعمة على هذه الأمة، وأنه رضي لهم الإسلام دينًا.
فهذا الدين كامل لا يحتاج إلى أن يزيد فيه أحد أو ينقص منه أحد، وهو محفوظ أيضًا بحفظ الله له، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، وفيه رد على الرافضة الذين يقولون: إن القرآن ضاع ثلثيه ولم يبق إلا الثلث، وهذا تكذيب لله، ومن كذب الله فقد كفر، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، بعض الرافضة يقولون: إن القرآن لم يحفظ، ولم يبق منه إلا الثلث، حتى ألف بعض شيوخهم كتابًا سماه: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، وأثبت فيه أن القرآن محرف، فنعوذ بالله وهذا مصادم لقول الله ﷿: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:٣]، ولقوله ﷿: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، فالآية صريحة قاطعة، فمن قال: إن القرآن محرف فقد كذّب الله، ومن كذّب الله فقد كفر، فالقرآن محفوظ بحفظ الله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩].
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:٣]، يعني: الدين كامل لا يحتاج إلى أن يزاد فيه أو ينقص منه، ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة:٣]، فقد أتم الله النعمة، ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة:٣]، فرضي الله لنا هذا الدين، وهذه الآية هي من آخر ما نزل من سورة المائدة.
ولما أكمل الله هذا الدين وأتم نعمه قبض نبيه ﵊؛ لانتهاء مهمته إلى الدنيا، وأنزل عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر:١ - ٣].
فقال عمر ﵁: إني لأعلم اليوم الذي نزلت والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله ﷺ، واليوم الذي نزلت فيه يوم عرفة وهو يوم الجمعة، والمكان في عرفة قبل وفاة النبي ﷺ بما يقارب ثمانين يومًا فنزلت في يوم الجمعة وهو يوم عيد، ويوم الحج الأكبر، ويوم عرفة، فقد نزلت في يوم عظيم، وهو يوم الحج ويوم عرفة الذي يجتمع الحجاج فيه في صعيد واحد من أقطار الدنيا كلها، وصادف يوم عرفة يوم جمعة في الحجة التي حجها النبي ﷺ، فنحن نتخذه عيدًا، وهو يوم عيد والحمد لله، وهذا يدل على أن اليهود يعلمون الحق، ولكن حملهم البغي والحسد على عدم الإيمان، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:١٤٦]، وقال سبحانه: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة:٨٧]، فحملهم الكبر والبغي على عدم الإيمان، فقد ظنوا أن النبوة ستكون في بني إسرائيل، فلما كانت في بني إسماعيل جحدوا وكفروا، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:٨٩]، نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من زيغ القلوب.
والمراد بقوله: (عشية عرفة)، يعني: آخر النهار، ومعلوم أن النبي ﷺ وقف بعد الظهر، بعدما صلى الظهر، وهي عشية عظيمة مباركة.
1 / 11