شرح البيقونية - أسامة سليمان
شرح البيقونية - أسامة سليمان
জনগুলি
الحديث المضطرب
قال الناظم: وذو اختلاف سند أو متن مضطرب عند أهيل الفن المضطرب إما أن يكون اضطرابًا في السند، وإما أن يكون اضطرابًا في المتن، والاضطراب بمعنى: الاختلاف، فإن أمكن الجمع فلا اضطراب، وإن لم يمكن الجمع فهناك اضطراب، والاضطراب من أقسام الضعيف.
مثال ذلك: حجة النبي ﵊، فقد ورد في شأنها أحاديث، منها حديث: أن النبي ﷺ حج مفردًا، وحديث آخر يقول: إنه حج قارنًا، وثالث يقول: إنه حج متمتعًا.
ولندخل قليلًا في أنواع الحج الثلاثة فنقول: إن طواف القدوم سنة، وطواف الإفاضة ركن، وطواف الوداع واجب، والواجب يجبره دم، والركن لا يجبر بدم، فإن ترك طواف الوداع يلزمه دم، وإن ترك طواف الإفاضة فحجه باطل؛ لأن الأركان لا يجبرها دم.
والطواف على الحاج المفرد ثلاثة: وذلك حينما ينزل إلى مكة فيطوف طواف القدوم وهو سنة، ثم يسعى للحج وليس عليه إلا سعي واحد، ثم يوم العيد يطوف طواف الإفاضة، ثم عند الرحيل يطوف طواف الوداع.
فإن قيل: هل هناك فرق بين الحاج المفرد والحاج القارن في النسك بالنسبة للطواف أو السعي؟
الجواب
لا فرق، فالحاج القارن أيضًا يطوف للقدوم ويطوف للإفاضة ويطوف طواف وداع، وعليه سعي.
أما المتمتع فلا يطوف طواف القدوم في تكليفه الفقهي، لكن لا فرق في عدد الطوافات، فالحاج المتمتع عليه ثلاث طوافات: طواف عمرة، وطواف إفاضة، وطواف وداع، وعليه سعيان، فالمتمتع يطوف طواف العمرة أولًا ويسعى للعمرة ثم يتحلل، ثم يطوف طواف الإفاضة ويسعى للحج.
إذًا: حينما نقول: إن النبي ﷺ حج مفردًا فإن الحديث صحيح؛ لأننا نقصد بكلمة مفردًا: أنه أتى بأعمال المفرد، لكنه يقينًا حج قارنًا؛ لأنه ساق الهدي وقال لأصحابه: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت بعمرة)، أي: لجعلتها عمرة؛ لأن حج التمتع -وهو أفضل النسك كما تعلمون- فيه خلاف بين العلماء، فالحاج المتمتع يلبي من الميقات بعمرة ثم يؤدي العمرة: فيطوف ويسعى ويتحلل: يحلق أو يقصر، ويظل إلى يوم ثمانية من ذي الحجة -يوم التروية- ثم يلبي بحج ويؤدي مناسك الحج.
فالنبي ﷺ ظل محرمًا؛ لأنه حج قارنًا بين عمرة وحج، ومذهب الحنابلة -وهو الراجح- أنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة، فطالما أنت نويت حجًا مفردًا فلا يجوز أن تدخل على الحج العمرة، لكن يجوز أن تدخل بعد أداء العمرة الحج عليها.
فأنت ستجد أحاديث تدل على أنه حج قارنًا، وأحاديث على أنه حج متمتعًا، وأحاديث على أنه حج مفردًا، فستقول: فيه اضطراب؛ لأن فيه اختلاف، لكننا نقول: لا اضطراب، فإن شيخ الإسلام جمع بين الأحاديث الثلاثة، وإذا أمكن الجمع فتقول: لا اضطراب.
قال شيخ الإسلام ﵀: حج مفردًا باعتبار أنه أتى أفعال الحاج المفرد، وحج متمتعًا باعتبار أنه أدى العمرة والحج كما يؤديهما المتمتع، فأنشأ سفرًا واحدًا لعمرة وحج، وحج قارنًا وهذا هو اليقين؛ لأنه ساق الهدي، وما تحلل من إحرامه ﵊، فإنه بعد أن طاف طواف القدوم، ثم سعى ظل على إحرامه حتى أدى النسك، ثم أدى طواف الإفاضة، ثم تحلل بعد ذلك ﷺ.
ومن أمثلة الاضطراب أيضًا: حديث بريرة مع زوجها مغيث، فقد كان مغيث عبدًا مملوكًا، وبريرة كانت مملوكة أيضًا، لكن بعض الروايات تقول: إن مغيثًا كان حرًا، والرواية الأخرى تقول: كان عبدًا، إذًا: هناك اضطراب للاختلاف الذي بين الروايتين، فلابد أن أحد الحديثين ضعيف والآخر صحيح.
قول الناظم: (عند أهيل الفن)، أي: عند أهل الصنعة، والله تعالى أعلم.
3 / 9