شرح العقيدة الواسطية للغنيمان
شرح العقيدة الواسطية للغنيمان
জনগুলি
إثبات صفة الضحك والفرح لله ﷿ على ما يليق به
ثم بعد ذلك ثنى المؤلف بذكر صفتي الضحك والفرح، وكلاهما صفة كمال، والله جل وعلا له الكمال، والقاعدة واحدة لا تختلف، فإن فرح الله جل وعلا ليس فرح خفة وسرور وطرب، أو فرح أشر وبطر كما يكون من المخلوق تعالى الله وتقدس! ففرحه في أسبابه ونتائجه مخالف لفرح المخلوق تمامًا، فهو ناشئ عن رحمته، وعن غناه وكرمه جل وعلا كسائر صفاته، وإذا قال الرسول ﷺ قولًا وجب علينا قبوله.
وهنا قاعدة أخرى بالنسبة لما قاله الرسول ﷺ، وهي أنه يجب على كل مسلم أن يعلم علمًا يقينيًا أن رسول الله ﷺ أعرف الخلق بالله جل وعلا، وأتقاهم لله تعالى، وأنه أقدر الخلق على البيان والإيضاح، وأنه أنصح الخلق للخلق صلوات الله وسلامه عليه، فإذا قال قولًا وجب قبوله بلا تردد، ولا يلتفت إلى قول المؤولين الذين يظنون به الظنون السيئة، شعروا أو لم يشعروا، حيث ظنوا أن ظاهر قوله يدل على التجسيم والتشبيه، صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الظن أيضًا ظنوه في رب العالمين، فإذا تحلى الإنسان بهذا، وعلم ذلك علمًا يقينيًا؛ علم أنه حق، فإن فهم ما قاله الرسول ﷺ أو ما قاله ربه فليحمد الله، فإنها نعمة أنعم الله جل وعلا بها عليه فلابد أن يشكرها، وإن لم يتبين له ذلك فعليه أن يتهم رأيه وفهمه، ولا يتهم ربه، ولا يتهم رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وهذه القاعدة في كل ما جاء عن رسول الله ﷺ، وعن رب العالمين جل وعلا.
ثم إن التكلف، وبحث الأمور، وطلب غرائب اللغة، حتى يحمل عليها كلام سيد الخلق الذي أعطي البيان والإيضاح والنصح؛ ليس من مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله، بل هو يخدش في معنى الشهادة، فعلى الإنسان إذا كان بهذه المثابة أن يصحح شهادة أن محمدًا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فعلى هذا أقول: إذا أخبر الرسول ﷺ بخبر ولو لم يكن موجودًا في القرآن فإنه يجب علينا قبوله، ويجب تنزيه الرسول ﷺ عن الظن السيء، ويجب أن نعلم أنه من الوحي الذي أوحاه الله إليه، فنؤمن به كما آمنا بقول ربنا جل وعلا، وقد مثل الرسول ﷺ فرح رب العالمين لنا تقريبًا لأفهامنا بأقصى ما يمكن تصوره من الفرح، فقال: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم ضلت راحلته في أرض مهلكة، عليها طعامه وشرابه، فيئس من وجودها، فأتى حيث فقدها ووضع رأسه ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا راحلته واقفة على رأسه، فأخذ بخطامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح) .
هذا الحديث صح عن رسول الله ﷺ من عدة طرق، ورواه ما يقرب من ثمانية عشر صحابيًا، فهذا فرح ليس لأنه جل وعلا محتاج إلى توبة عبده أو طاعته؛ كلا، هو الغني بذاته عن كل ما سواه، ولكن هذا من كرمه وجوده ورحمته جل وعلا، ورحمته وسعت كل شيء، فهو يفرح بتوبة عبده التائب، وهو الغني تعالى وتقدس، فيجب أن يثبت ذلك كما أثبته الرسول ﷺ.
وكذلك الضحك، فقد صحت فيه أحاديث كثيرة ومتعددة، فهي صفة فعل كالفرح والنزول، وكل هذه صفات أفعال تتعلق بمشيئته، إذا شاء أن يفعلها فعلها، وهذه هي التي تسمى: الصفات الخبرية، ومعروف أن الأشاعرة الذين هم أقرب الطوائف إلى أهل السنة يؤولون هذه؛ لأنهم لا يجرءون على رد الأحاديث الصحيحة الثابتة، ويجعلون التأويل عندهم واجبًا متعينًا لابد منه؛ لأن الظاهر عندهم غير مراد، بل هو باطل، والسبب في هذا أنهم اعتقدوا أن ظاهرها ما يعرفونه من أنفسهم تعالى الله وتقدس.
وضحكه جل وعلا صفة كمال، وله الكمال المطلق غير أنه جل وعلا لا يشاركه المخلوق في صفاته، وإن حصل الاشتراك في المسمى، بل وقد يكون في المعنى، ولابد أن يكون الاشتراك في الاسم والمعنى، ولكن إذا أضيف هذا الفعل أو هذه الصفة زال الاشتراك نهائيًا، فيصبح ما يخص المخلوق لا يشاركه الرب جل وعلا فيه، وما يخص الرب جل وعلا لا يشاركه المخلوق فيه، ولولا هذا الاشتراك في الاسم والمعنى لم يفهم الخطاب، وهذا شيء لابد منه غير أنه عند الإضافة والتخصيص يزول الاشتراك نهائيًا.
9 / 6