شأن الدعاء
لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي الحافظ
(٣١٩ - ٣٨٨ هـ)
تحقيق
أحمد يوسف الدّقاق
المقدمة / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة / 2
شأن الدعاء
المقدمة / 3
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤ م
الطبعة الثالثة
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
دار الثقافة العربية
دمشق - ص. ب: ٣٠٧٥٦ بيروت - ص. ب: ١١٣/ ٦٤٣٣
المدير المسؤول
أحمد يوسف الدقاق
المقدمة / 4
مقدمة التحقيق
المقدمة / 5
١ - التمهيد:
الحمد لله الذي جعل من الدعاء عبادة وقربى، وأمر عباده المؤمنين بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى. فقال -تقدست أسماؤه-:
(ادعوني أستجب لكم)، وقال: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)، وقال أيضًا: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) أحمده حمدًا كثيرًا يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة، ومصباح الهدى محمدٍ صلاة دائمة تليق بمنزلته، وتجزيه عنا ما هو أهله وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم الى يوم الدين.
أما بعد، فإنه لَمِنْ دواعي سروري أن أقدم للقرّاء الكرام كتاب "شأن الدعاء" للإمام أبي سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم الخطابي لأول مرة عن أصوله الخطية التي سيأتي ذكرها في هذه المقدمة.
٢ - التعريف بالكتاب:
كتاب شأن الدعاء يكاد يكون فريدًا في بابه، وإن كان مضمونه منتثرًا كاللآلىء بين تضاعيف الكتب عند أئمة العلم من المفسرين والمحدثين واللغويين، والكتاب مقسم الى ثلاثة أجزاء:
تناول أبو سليمان ﵀ في الجزء الأول منه: الدعاء، ومعناه، ومنزلته في الدين ... ثم بيّن ما للدعاء من أثر طيب في دفع البلاء، ورد
المقدمة / 7
القضاء، وأظهر الفرق بين مذهب من يرى أن الدعاء لا ينفع فيما جرى به القضاء، وبين مذهب من يرى أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، مغلبًا جانب الداعين على التاركين ... بأسلوب رصين وحجة بالغة، وهذا الجزء، في الواقع، يغني عن تساؤلات كثيرة في أمر الدعاء والقضاء، ويبصر المؤمن أنه أبدًا يجب أن يكون معلقًا مع الله تعالى بالرجاء والدعاء ...
ثم يتناول شرح أسماء الله الحسنى الواردة في الحديث: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا ... " شرحًا فيه، بالإضافة الى المعنى اللغوي والاشتقاقي، المدلول الفقهي لمعاني أسماء الله تعالى وصفاته، ثم يلحقه بفصل يسميه: لواحق الدعاء ... فيستغرق قسمًا من نهاية الجزء الأول وبداية القسم الثاني، ثم يتناول بعد أن يستوفي الدعاء ومعناه وشرح الأسماء والصفات، كتاب الأدعية المأثورة عن رسول الله ﷺ، التى جمعها الإمام ابن خزيمة. ثم يلحق به فصلًا يسميه الخطابي ﵀ من لواحق الدعاء -الذي لم يذكره ابن خزيمة في المأثور من الدعوات التي جمعها- فيغني الكتاب بـ (٣٥) حديثًا من رقم (١٠٨ - ١٤٣) إضافةً على ما جمعه ابن خزيمة، مشروحة مفسرة بما يفيد المسلم في حياته وأخراه.
٣ - سبب إملاء الخطابي للكتاب:
الكتاب في الأصل شرح لكتاب الدعوات التي جمعها الإمام ابن خزيمة ولقد كان الدافع لإملاء الكتاب سؤال إخوانه عن الدعاء، ومعناه، وطلبهم أن يفسر لهم ما يُشكل من ألفاظ الأدعية المأثورة، كما قال ﵀ في المقدمة-: فإنكم سألتم -إخواني أكرمكم الله- عن الدعاء وما معناه؟ وفائدته؟ وما محله من الدين؟ وموضعه من العبادة؟ وما حكمه في باب الاعتقاد؟ وما الذى يجب أن ينوي الداعي بدعائه؟ إلى أن قال: وطلبتم الى ذلك أن أفسر لكم ما يشكل من ألفاظ الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ التي جمعها إمام أهل الحديث، محمد بن إسحق بن خزيمة، إذ أولى ما يدعى به
المقدمة / 8
ويستعمل منه ما صحّت به الرواية عن رسول الله ﷺ ..
فاستجاب الخطابي ﵀ الى رغبة إخوانه، وأملى عليهم هذا الكتاب، ولكنه قبل أن يفجأهم بشرح الأحاديث، قدم لهم ما يجب أن يعرفوه عن الدعاء وآدابه ... الخ ما ذكره في المقدمة.
٤ - أهمية الكتاب:
تبرز أهمية الكتاب في أمرين اثنين:
أ- كونه مجموعة أحاديث جمعها ابن خزيمة في الأدعية المأثورة عن رسول الله ﷺ أصبحت اليوم في عداد الكتب المفقودة، إذ لم أظفر بنسخة منها مستقلة عن شرح الخطابي، وقد وَهَم من ظن أن منه نسخة في الظاهرية، فالذي في الظاهرية منه نسختان بشرح الخطابي. أما الأولى فلا وَهَم في عنوانها، وهي التي ضمن المجموع ٣٠٨ حديث.
وأما الثانية: فلعل عنوانها: "الثالث من كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله ﷺ التي صنفها الإمام أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة" أوهم بعضهم أن الكتاب لابن خزيمة، وليس كذلك، لأن تتمة الكلام على الوجه نفسه -وإن كان صعب القراءة- "من إملاء الشيخ الإمام أبي سليمان الخطابي ﵀"، ثم إنه ليس لابن خزيمة كتاب باسم "شأن الدعاء" بل له كتاب الدعاء، والدعوات كما ذكر في كتابه "التوحيد" ص ٧ و١٦٣، وص ٣٤. ونقله عنه فضيلة الشيخ الأعظمي.
ولكن الذي يترجح عندي أن كتاب "الدعاء" هو غير كتاب الدعوات، وأن كتاب الدعاء هو الذي شرحه أبو سليمان الخطابي وسمّاه: "شأن الدعاء" لأن ابن خزيمة يروي في كتاب "التوحيد" ص ٧ وص ١٦٣ حديث جويرية: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ... " ويقول ابن خزيمة: خرجته من هذا الباب في كتاب "الدعاء". أما كتاب الدعوات فنرى في كتاب التوحيد
المقدمة / 9
ص ٣٤ حديثًا ليس مع الأحاديث التي شرحها الخطابي ضمن أدعية ابن خزيمة.
فهذا يدل بداءة أن الكتابين مختلفان ... وربما كان "كتاب الدعوات" فصلًا من صحيحه الذي فقد أكثره -وطَبَعَ القسم الموجود منه العلامة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي- وهذا مألوف عن المحدثين في تآليفهم، إذ نرى من أفرد كتابًا بهذا الاسم كالبخاري والترمذي ...
ب- وتبرز الأهمية الثانية لكتاب شأن الدعاء في كون الشارح له أبا سليمان الخطابي، الإمام المجمع على إمامته، وهو الحافظ الثقة، من أئمة القرن الرابع الهجري ومن بقية السلف الصالح، علمًا وأدبًا. وسنعرف ذلك في ترجمته.
٥ - المخطوطات المعتمدة في التحقيق:
لقد اجتمع لديّ من مخطوطات الكتاب أربع نسخ وهي:
أ- نسخة الظاهرية المرموز لها بالحرف (ظ): وهي ضمن المجموع ٣٠٨ حديث، وهي نسخة قديمة الخط، يرجع تاريخ نسخها إلى سنة ٥٨٧ هـ نسخها علي بن محمد بن عثمان المؤذن النيسابوري، وقد ذكر في الصفحة ٤٤/ ٢ أنه: فرغ من تسويده في الليلة الخامسة من ذي القعدة من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وقد أصاب الورقة الأولى منها تلف ذهب بقسم من سندها، ومقدمة المصنف، كما هو مبين في راموزها في الصفحة .... كما سقط منها فصل برمته من ص ١١١ إلى ص ١١٣، وفيها سقط آخر يبدأ ص ١٣٨ وينتهي في الصفحة ١٦٨ من قوله: "خلاف حكم ... إلى قوله: إن شرخ الشباب .... " وهو سقط فاحش كما ترى استدرك من النسخة المغربية. كما سقط منها ومن بقية النسخ الحديث الأخير رقم (١٤٣) مع شرحه واستدرك من النسخة الظاهرية الثانية المرموز لها بـ (ظ ٢).
المقدمة / 10
وعلى الرغم من أن النسخة الظاهرية (ظ) مسودة إلا أن خطها مقروء ومضبوط بالشكل الكامل، وخطها نسخي معتاد، ومدادها بني فاتح اللون، وكأنه استحال أصله على مرور الزمن، وقد كتبت فيها الفصول والأسماء الحسنى بالمداد الأحمر، وبشكل بارز، وبخط أكبر تمييزًا لها من بقية الكلام.
وعدد أوراق المخطوطة (٥٢) ورقة أي (١٠٤) صفحات مفردة من الحجم المتوسط، في كل صفحة ١٩ سطرًا وفي كل سطر من تسع إلى عشر كلمات.
ب- النسخة المغربية المرموز لها بالحرف (م): هي نسخة من الخزانة العامة من الرباط في المغرب برقم ١١٤٢/ ق، وهي من القطع الكبير، وكتبت بخط مغربي كبير مقروء، خالية من الشكل إلا نادرًا، عدد أوراقها (٣٩) تسع وثلاثون ورقة أي ٧٨ صفحة مفردة، في كل صفحة ٢٤ سطرًا وفي كل سطر من ١٠ إلى ١٣ كلمة. وهي نسخة جيدة قليلة السقط بالنسبة إلى (ظ) إذ سقط من (م) من الصفحة ١٢ إلى ص ١٦، وهناك سقط آخر يبدأ من ص ٨٣ وينتهي في الصفحة ٨٦، ولحسن الحظ أن هذا السقط موجود في (ظ) فتممت الواحدة الأخرى، ومما يؤسف له أن النسخة المغربية خالية من أي سند أو سماع أو تاريخ للنسخ، ولا يعرف ناسخها، ولم يُشَرْ فيها إلى أي قراءة أو سماع، فهي تبدأ بـ: "قال الشيخ الإمام الفاضل .... " وتنتهي بـ: "تم كتاب تفسير الأسماء والدعوات بحمد الله وحسن عونه وصلى الله على محمد نبيه وآله".
ج- النسخة التيمورية المرموز لها بالحرف (ت): هي نسخة ناقصةُ الجزْءِ الأولِ بأكمله، فهي تحوي الجزء الثاني والثالث فقط وتبدأ من تفسير: المجيب ... وتنتهي بقوله: "فكيف بالخالق ﷿"، والنسخة ضمن المجموع ٢٩٥ حديث في المكتبة التيمورية، وهي نسخة جيدة قديمة الخط ولها في بداية كل جزء (الثاني والثالث) سند، وعليها سماعات، ويرجع تاريخ السماع المدون عليها إلى سنة ٤٧٩ هـ و٤٨٠ هـ، وهي مضبوطة بالشكل،
المقدمة / 11
وأوراقها من القطع المتوسط، وعددها ١٦ ورقة أي ٣٢ صفحة، وفي كل صفحة ٣٢ سطرًا وفي كل سطر بين (١٢) و(١٤) كلمة. وهي أقدم النسخ المعتمدة في التحقيق.
والنسخة التيمورية تبدأ من الصفحة (٧٢)، وتستمر كاملة إلى النهاية، إلا أنه حصل فيها تأخيرُ ورقةٍ من المخطوطة فقدت ترتيبها، وهي الورقة (٢٦٧) بحسب ترقيم المجموع، وحقها أن تكون برقم (٢٥١)، وقد أشرت إلى هذا الخلل في الصفحة (١٣٣).
د- نسخة الظاهرية الثانية المرموز لها بـ (ظ ٢): هي أكثر النسخ خرمًا، إذ تبدأ من قوله: "سبوح قدوس .... " إلى نهاية الكتاب، وهي النسخة الوحيدة التي رممت آخر الكتاب، إذ النسخ الثلاث السالفة الذكر سقط منها الحديث الأخير مع شرحه، وقد أشرت إلى هذا أثناء حديثي عن النسخة الظاهرية الأولى.
وهي نسخة سيئة الخط، مهملة من النقط والضبط بالشكل إلا ما ندر، وقد أصاب مدادها في بعض المواطن تفشٍ من الماء أو الرطوبة، كما أصابتها الأرضة، وهي من القطع الصغير، قياسها ١٣ × ١٨،٥ وعدد أوراقها ما عدا ورقة العنوان والسماعات ست ورقات ونصف أي (١٣) ثلاث عشرة صفحة، في كل صفحة من ٢٨ إلى ٣٢ سطرًا وفي كل سطر تقريبًا من ١٣ - ١٦ كلمة، وقد كُتِبَ على صفحتها الأولى: "الثالث من كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله ﷺ التي صنفها الإمام أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة، من إملاء الشيخ أبي سليمان الخطابي ﵏ برواية الشيخ أبي القاسم عبد الوهاب بن محمد بن محمد الخطابي، رواية أبي مُسْلم عمر بن علي الليثي البخاري عن أبي القاسم" وقف الشيخ علي الموصلي.
المقدمة / 12
فهي بهذا السند تلتقي بالنسخة التيمورية، المروية أيضًا من طريق أبي مسلم عمر بن علي الليثي. والنسخة غنية بالسماعات ولكنها صعبة القراءة، وقد جاء في نهايتها ذكر لتاريخها وهو سنة خمسمائة.
٦ - الحصول على النسخ ودورها في التحقيق:
من الوصف المتقدم للنسخ يتبين لنا أنه لا تغني نسخة عن نسخة، إذ لا يستطيع الباحث أن يتخذ نسخة أُمًّا يعتمد عليها من دون الأخريات.
ولقد كان في ظني أن النسخة الظاهرية -يوم نسختها سنة ١٩٧٠ م- أنها نسخه كاملة، ولكنه فجأني نقصها أثناء المراجعة بعد النسخ، مما دفعني بإلحاح للبحث عن مخطوطات أخرى للكتاب، وبعد البحث والنظر في فهارس المكتبات ظفرت بالنسخة التيمورية، واستقدمت منها نسخة على الميكروفيلم، وكان الأخ خضر العبيدي -حفظه الله- قد جلبها لي معه من القاهرة فجزاه الله عني خيرًا. وتأسفت كثيرًا عندما وجدتها هي الأخرى ناقصة، وأي نقص؟! إنه الجزء الأول منها برمته، بحسب تقسيمها، ولكنها كانت عونًا كبيرًا في المقابلة إلا أنها لا تسدُّ الخلل الذي في النسخة الظاهرية (ظ). وبقي العمل متعثرًا إلى أن ظفرت بالنسخة المغربية، وقد حصلت على نسخة منها مصورة من مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، بواسطة الأخ الدكتور أحمد محمد نور سيف، جزاه الله عني خيرًا وأثابه وجعل ذلك في صحيفته، وكانت هذه النسخة في الواقع هي البلسم لبقية النسخ.
أما النسخة الظاهرية الثانية (ظ ٢) فهي ضمن "المجموع الواحد والستون" برقم (٢) وقد كتب في المجموع المذكور ما يلي: "الثالث من تفسير الأدعية المأثورة عن النبي ﷺ وفي حقل اسم المؤلف: "محمد بن إسحاق ابن خزيمة، رواية الخطابي". هذا التعريف بالكتاب أوهم بعضهم أن الكتاب لابن خزيمة، وليست الحال كذلك.
المقدمة / 13
فهذا التعريف بالكتاب أوهمني -كما أوهم غيري- أن الكتاب لابن خزيمة، وسررت جدًا لأنني كنت أبحث عن كتاب الدعوات لابن خزيمة الذي شرحه الخطابي، وقوّى عندي هذا الوهم أن فضيلة الدكتور الأعظمي في مقدمته لصحيح ابن خزيمة، عندما سرد مؤلفات ابن خزيمة ص ١٣، ذكر كتاب الدعاء، وعلّق عليه بالحاشية رقم (٥) قائلًا: "وتوجد في الظاهرية مخطوطة لابن خزيمة باسم شأن الدعاء"، ولما حصلت عليها تبين أنها للخطابي، وهذه النسخة مع أنها لا تحوي إلا ما يعادل ربع الكتاب (من ص ١٥٤ إلى ص ٢٠٩) لكنها رممت النسخ الثلاث من آخرها فكان لها -على سقطها الكبير- فضلٌ على تتميم الكتاب.
ولا بد لي من التنويه هنا قبل أن أختم القول في هذه الفقرة: أنه يوجد للكتاب مخطوطة خامسة هي مخطوطة فيض الله ١٣٠٨/ ١ بعنوان "كتاب الدعاء" (من ورقة ١ - ٣٥، ٧٧٨ هـ) كما ذكره الدكتور فؤاد سزكين، في تاريخ التراث العربي ج ١/ ٥٢٠.
وهي كما ترى أيها القارئ الكريم متأخرة التاريخ، ومن عدد أوراقها تبدو أنها ناقصة بالمقارنة مع النسخ التي اعتمدتها في التحقيق، ومع هذا -كنت جادًا في إحضارها للوقوف عليها، ولكننى مع الأسف لم أستطع الحصول عليها حتى ساعة تقديم الكتاب إلى الطبع.
والذي يعزيني في ذلك أنني جمعت للكتاب أربع مخطوطات منها اثنتان غير معروفتين في فهارس المكتبات وهما: النسخة المغربية، والنسخة الظاهرية الثانية (ظ ٢).
٧ - دراسة الأسانيد والقراءات والسماعات:
ذكرت أثناء وصف المخطوطات أن النسخة الظاهرية قد أصاب سندها في الورقة الأولى تلف ذهب ببعض أسماء رجال السند. فسقط اسم الكرابيسي وابن نصر اللبان
المقدمة / 14
الدينوري، وأبو والسين من كلمة (أبو سليمان) -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- واستطعت من مراجعة المجموع ٣٠٨ الذي فيه كتابا "شأن الدعاء" و"الاعتصام بالعزلة" للخطابي، استطعت ترميم اسم نصر اللبان الذي جاء في سند الاعتصام بالعزلة ص ٥٣/أكاملًا على الشكل التالي: وأخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن نصر اللبان الدينوري.
ومما يؤسف له أن بعض من نظر في المخطوط، شأن الدعاء، حرف بمداد الحبر الأزرق كلمة: "نصر" إلى "خضر" ظنًا منه أنه أصلح؛ فأفسد وحرَّف.
وتكرر منه ذلك في عدة مواطن من المجموع وخاصة في كتاب العزلة.
وأما أبو الفتح بن أبي الفرج راوي النسخة الظاهرية هو: نصر بن أبي الفرج الغزنوي، وقد جاء في الصفحة ١٤١/ ب من المجموع ٣٠٨ بخط الناسخ المؤذن النيسابوري ما نصه: وصاحب الكتاب أبو الفتح نصر بن أبي الفرج الغزنوي.
هذا الذي ذكره ورد ضمن سماع كتاب أسماء رسول الله ﷺ ومعانيها، وقال الناسخ النيسابوري: سمع أسماء رسول الله ﷺ ومعانيها من الشيخ الإمام السيد المفسر أبي محمد سعيد بن إسحق أدام الله توفيقه، ثانيًا بقراءة الشيخ الرئيس أبي المؤيد عيسى بن عبد الله الكاتب الطوسي الفقهاء والمشايخ، منهم: أبو زيد بن عبدوس، وطاهر بن ناصر بن عبد الله المحتسب، وأبو الطيب بن أبي سعيد، ومحمد بن يهوذا، وأبو نصر أحمد بن محمود الصرَّام، وأولًا بقراءة نصر بن محمد بن عبد الجليل بن محمد الشروطي الحاكمي الشيخ الرئيس أبو المؤيد عيسى بن عبد الله هذا، والشيخ الرئيس أبو الفتح وأبي (١) الفتح الزاهد، وأبو العلاء أحمد بن يعقوب بن أبي بكر الأوشي، وأبو بكر محمد بن عمر الأشهبي، وأحمد بن سبكتاش، وأبو
_________
(١) كذا جاء في الأصل، والصواب "أبو".
المقدمة / 15
إسماعيل إبراهيم بن محمد المقري.
وصاحب الكتاب أبو الفتح نصر بن أبي الفرج الغزنوي، فصح بسماع هؤلاء ثانيًا، وأولئك أولًا في أواخر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
من هذا السماع نعلم أن صاحب الكتاب الذي نسخ عنه المؤذن النيسابوري هو أبو الفرج راوي نسخة، شأن الدعاء، وأن سماعه حصل سنة (٤٩١ هـ) وهذا السماع متقدم على تاريخ النسخ الذي أتمه النيسابوري سنة (٥٨٧ هـ) كما هو مذكور في الصفحة ٤٤/ ٢.
وهو قريب من تاريخ السماع المدون على النسخة التيمورية، إذ نرى عليها سماعين الأول سنة تسع وسبعين وأربعمائة، والثاني سنة ثمانين وأربع مائة.
أما السماع الأول فقد جاء فيه ما نصه:
قرأت جميعه وسمعه ابنتي كريمة، جعلها الله من الصالحات، والشيوخ أبو المجد عنبسة بن عبد الله بن عنبسة الكفرطابي، وأبو الحسن بن المعروفي الخياط ومنصور ... وأبو الأزهر المبارك بن أحمد البقال وأحمد بن الحسين بن بركة الهروي ومسعود بن سهيل وذلك من شهر شعبان سنة تسع وسبعين وأربعمائة.
وعليها سماعان آخران لعدد من العلماء والشيوخ بالتاريخ نفسه سنة (٤٧٩ هـ) فجعلت هذه السماعات الثلاث العائدة لتاريخ واحد سماعًا أول.
أما السماع الثاني جاء فيه ما نصه:
سمع جميع هذا الكتاب محمد بن الحسن بن محمد بن مهدي الفارسي الداربجردي ... وسمع معه الشيخ أبو النجم عبد الصمد بن حيدر السرواتي بقراءة الشيخ الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي الدقاق، شرح الله صدره، وبارك في أنفاسه في آخر المحرم من سنة ثمانين وأربعمائة.
أما النسخة الظاهرية الثانية (ظ ٢) فهي أيضًا تصدرت في صفحة
المقدمة / 16
الغلاف بسماعات غنية، ولكنها صعبة القراءة، ولا يأمن الإنسان فيها العثار، ومع ذلك فإنني بذلت في قراءتها ما في وسعي، وسأذكر هذه السماعات فيما يلي، تاركًا المكان الفارغ للأسماء التي عزّ عليّ قراءتها.
وسأثبت راموزها بعد ذلك مع رواميز المخطوطات المعتمدة في التحقيق فلعله ينتفع منها من ينتفع.
سماعات النسخة (ظ ٢):
جاء على صفحة الغلاف ما يلي: سمع جميعه من أوله إلى آخره على سيدنا الشيخ الأجل، الإمام السيد، فخر الإسلام، ركن الشريعة: عماد الدين، شمس الهدى، إمام الأئمة، قدوة الأمة، تاج العالمين، أبي بكر محمد ابن أحمد بن الخير المالكي، أدام الله أيامه، ولده الشيخ الأجل الإمام، شرف الأئمة سيد العلماء أبو محمد عبد الله، والسادة القضاة الصُمُد؛ أبو علي بن الحسن بن عمار الموصلي، وأبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن عطاف الهَمْدَاني الموصلي، وأبو القاسم محمود بن علي بن الحسن بن بكري الهمذاني، والموفق أبو الحسن علي بن أحمد بن الخير بن (محمويه) أو محمود البردي وأبو المعالي عبد الصَمَد بن عبد الملك الدركي الجيلي الحنبلي، وأبو بكر محمد بن أحمد المعروف بكلى الفقهاء، وأبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن حكيم ... المعروف بابن برهان، وأبو صالح بن عبد الملك بن علي بن أحمد الأستهي، وأبو نصر نصير الدين بن ... البغدادي، وأبو سالم عبد الله بن أحمد بن علي ... موسى ... أبو علي الحسن بن محمد بن الفضل الشهرستاني، وأبو الحسن علي بن ... بن الدلال، وأبو القاسم أحمد بن ... البخاري، وعلي بن غالب بن مهلب بن ...
وسمع من قبل النصف العلماء السادة الشيخ .... الشيخ الأجل أبي المحامد سعد الدين ... الأنباري وقرأ للجميع عبد الله بن محمد بن أحمد ... قد ... سنة خمسمائة بخلوة ... نفسه.
المقدمة / 17
٨ - منهج التحقيق:
بعد أن نسخت الكتاب، قمت بمقابلة النسخ، وأثبت ما يوجد بينها من الاختلاف، وأثبت في النص عند الاختلاف ما ارتاحت نفسي إليه من حيث المعنى، والصحة في العربية، وعند تساوي المعاني أثبت أقربها للفهم، أو أتعمد إثبات ما أجد صحته، ويظنه بعضهم خلاف الأولى دون حجة مرجحة.
ثم بدأت بتفصيل الكتاب وترقيمه. وقمت بتخريج الآيات، ورقمت الأحاديث والآثار الواردة، ثم فزعت إلى دواوين السنة، وبدأت بتخريجها منها، ثم إنني لم أكتف بمصدر منها دون مصدر بل كنت باحثًا عن الأحاديث مستقصيًا ما أمكن الاستقصاء، فلم أكتف مثلًا بالبخاري ومسلم إن كان الحديث عندهما، بل ربما أذكر إلى جانبهما مسند الإمام أحمد أو النسائي أو الدارمي أو سنن أبي داوود ... إلى آخر ما هنالك من المراجع التي توفرت عندي، مما سيراه القارىء الكريم مثبتًا في التخريج، ويبدو ذلك واضحًا إذا كان للحديث أكثر من طريق في الرواية، ولكنني لم أدخل في تفاصيل الأسانيد، بل كنت أشير إلى الصحابي راوي الحديث، وأعدد الرواة عند تعددهم، فأقول مثلًا في الحديث رقم [٢٤] ص ٤٥: "أخرجه الحاكم من حديث واثلة بن الأسقع، وفي مسلم من حديث أبي هريرة ... "، ثم إنني بعد ذلك أورد ما قاله أئمة الحديث في الحكم على الحديث، إن كان في الحديث مقال، وليس لي من ذلك إلا نقل ما قالوه في الحديث دون أن أتدخل مباشرة في الحكم على الحديث؛ إذ أترك للقارىء الكريم أقوال العلماء بين يديه مثلما تمثلت أمامي.
ثم بعد ذلك خرجت ما ورد في الكتاب من الشعر، وعزوت ما استطعت من الأشعار إلى أصحابها، وذلك بعد البحث والتنقير عنها في مظانها المختلفة، بدءًا من الدواوين وانتهاءً بكتب اللغة، ثم خرجت ما ورد
المقدمة / 18
من الأمثال في كتب الأمثال، كما نوهت بتراجم بعض الأعلام الذين لا يحسن بالقاريء أن يجهلهم مراعيًا في ذلك جانب الاختصار ما أمكنني الاختصار، والاقتصار على القليل منهم. إذ لا أستطيع أن أزعم أنني ترجمت جميع من مرَّ منهم. ثم ألحقت الكتاب بفهارس مفصلة شاملة إكمالًا للفائدة.
٩ - طريقة الإخراج:
أول ما يلاحظه القارى الكريم في الكتاب تنوع الحواشي. إذ جعلت للحديث رقمًا محصورًا بين معقوفين هكذا []، والحواشي الأخرى محصورة بين هلالين هكذا ()، ثم فصلت بينهما في الترتيب، فجعلت الأحاديث تأتي تعليقاتها في الحاشية العليا مفصولة عن حواشي التعليقات الأخرى.
ثم إنني جعلت حرف الحواشي مختلفًا، فحرف حواشي الأحاديث أكبر من حواشي التعليقات الأخرى ليسهل تمييزها.
أمّا المتن فلا أرى ما يحتاج فيه القارىء إلى تنويه، وجماله ولله الحمد، لا يخفى.
هذا ما بذلته من الجهد في هذا الكتاب الجليل، فإن أصبت فذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء، وإن أخطأت فعذري قلة بضاعتي وضعف حيلتي، وأرجو من الله أن يتجاوز عني، ولكن الذي يشفع لي أنني أتوجه بهذا العمل إلى وجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
دمشق في ٥/ ٦/١٩٨٣
أحمد يوسف الدقاق
المقدمة / 19
راموز الصفحة الأولى من النسخة الظاهرية (ظ) رقم (١)
المقدمة / 20
راموز الصفحة الأخيرة من النسخة الظاهرية (ظ) رقم (٢)
المقدمة / 21