الشمعة المضية
بنشر قراءات السَّبْعَة المرضية،
رب يسر.
الْحَمد لمن خص من شَاءَ بِمَعْرِفَة كَيْفيَّة نطقه بِأَلْفَاظ كِتَابه، كَمَا أنزلهُ - تَعَالَى - مَعَ أَمِين وحيه، من لوحه الْمَحْفُوظ، على أعز أحبابه.
وَأشْهد أَن لَا مسهل لسلوك مناهج هَذَا التَّحْقِيق، على من أمده بقصر قلبه على روم ربه من مناهل هَذَا التدقيق، إِلَّا من بطن عَمَّن أبدل بِهِ - تَعَالَى - سواهُ، واشم شُهُوده الْمَأْمُور بِعَدَمِ انفكاكه عَنهُ ميله لغيره - وَلَو سَهوا - وأخفاء.
واشهد أَن لَا فاتح لهَذِهِ الْأَبْوَاب، وَلَا مظهر لما كَانَ قصيًا عَن الفهوم بِمَا للْجَهْل من مروط وأثواب، إِلَّا من غمس فِي بحار أنوار
1 / 108
التَّوْحِيد، وأدغم جنان الْوِصَال أزلًا، وساد كل العبيد، سيدنَا ومولانا مُحَمَّد صلى الله وَسلم عَلَيْهِ، وعَلى كل من يحسن صدقه مَعَه، وانتمى إِلَيْهِ.
1 / 109
صفحة فارغة
1 / 110
صفحة فارغة
1 / 111
وَبعد:
فقد كنت سُئِلت فِي زمن الِاشْتِغَال أَن أفرد لكل إِمَام من أَئِمَّة الْقرَاءَات السَّبع [المتواترة] العوال مُقَدّمَة، تشْتَمل على قِرَاءَته أصلا، وفرشا،
1 / 112
من طَرِيق التَّيْسِير، والشاطبية، وَأَن أَزِيد عَلَيْهِمَا مِمَّا صَحَّ
1 / 113
عِنْد أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ، فَوَائِد سنية.
فأجبت ذَلِك السُّؤَال، وأنهلت سائليه من ذَلِك المنهل العذب الزلَال.
وَقد تلقي - بِحَمْد الله تَعَالَى - بِالْقبُولِ، وانتشر بَين الطّلبَة؛ لما فِيهِ لكل من الظفر بالمأمول.
ثمَّ بعد ذَلِك سَأَلَني من قصرت همته، وَلم ترق إِلَى الرتب الْعلية فطنته، أَن أفرد رِوَايَة الإِمَام حَفْص، من قِرَاءَة إِمَامه عَاصِم، فأجبته لذَلِك رومًا للخير، وخشية من أَن أكون - وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى - مِمَّن هُوَ للْعلم كاتم.
1 / 114
ثمَّ أَشَارَ - مَعَ التَّأْكِيد - بعض الأحباب من أجلاء الْفُضَلَاء، وأخص الْأَصْحَاب أَن أجمع هَذِه الْمُفْردَات مَعَ بَقَاء غالبها على وَضعه الأول، فِي مَجْمُوع لطيف؛ ليَكُون ذَلِك - صُورَة - كتابا مُسْتقِلّا، وَإِن لم يخرج - معنى - عَن ذَلِك الْوَضع المنيف؛ وَلِأَن فِي بَقَائِهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ نوع شتات، وَجمع الشمل أولى من تفرقه؛ إِذْ بِهِ تتمّ المسرات، فأجبته لما بِهِ أَشَارَ، وَجعلت ذَلِك - لإخلاصي النِّيَّة فِيهِ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وقايتي من النَّار، وسميته: (الشمعة المضية ... بنشر قراءات السَّبْعَة المرضية)، ورتبت - على مُقَدّمَة، وَثَمَانِية أَبْوَاب، وخاتمة - هَذَا الْكتاب، رَجَاء أَن يفتح - تَعَالَى - لي، بفضله وَرَحمته الواسعة، مَا للجنة ذَات الثَّوَاب، من أَبْوَاب.
وليكون مَجْمُوع ذَلِك عدَّة الْعشْرَة الْمَقْطُوع لَهُم بِالْجنَّةِ، من السَّادة الصَّحَابَة [البررة] .
1 / 115
الْمُقدمَة، فِي حد الْقرَاءَات، والمقرئ والقارئ، وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد الْمُهِمَّات.
الْبَاب الأول: فِي قِرَاءَة نَافِع.
الْبَاب الثَّانِي: فِي قِرَاءَة ابْن كثير.
الْبَاب الثَّالِث: فِي قِرَاءَة أبي عَمْرو.
الْبَاب الرَّابِع: فِي قِرَاءَة ابْن عَامر.
الْبَاب الْخَامِس: فِي قِرَاءَة عَاصِم.
الْبَاب السَّادِس: فِي قِرَاءَة حَمْزَة.
1 / 116
الْبَاب السَّابِع: فِي قِرَاءَة الْكسَائي.
الْبَاب الثَّامِن: فِي رِوَايَة حَفْص.
الخاتمة: فِي التَّكْبِير، وفوائد حَسَنَة، تستعذب قِرَاءَة مَا يدل عَلَيْهَا الْأَلْسِنَة.
وَاعْلَم أَن الْخلاف إِذا كَانَ للْإِمَام بِكَمَالِهِ أضمرت، وَإِلَّا فباسم من هُوَ لَهُ من رواييه: صرحت.
1 / 117
وَأَنِّي لم أحل على مَا تقدم، غَالِبا؛ تسهيلًا على من كَانَ لهَذَا الْفَنّ طَالبا.
[وهأنذا] أشرع فِي الْمَقْصُود، فَأَقُول مستعيذًا مني بِالْملكِ المعبود.
1 / 118
الْمُقدمَة
1 / 119
صفحة فارغة
1 / 120
اعْلَم أَن الْقرَاءَات علم بكيفية أَدَاء [كَلِمَات] الْقُرْآن واختلافها معزوًا لناقله.
والمقرئ: من علم بهَا، وَرَوَاهَا مشافهة.
فَلَو حفظ كتابا فِي الْقرَاءَات، كالشاطبية - مثلا - امْتنع عَلَيْهِ إقراؤه بِمَا فِيهِ، إِن لم يشافهه من شوفه بِهِ.
وَهَكَذَا مسلسلًا.
والقارئ الْمُبْتَدِئ: من أفرد إِلَى ثَلَاث رِوَايَات.
والمنتهي: من نقل مِنْهَا أَكْثَرهَا.
1 / 121
قلت: وَيُمكن أَخذ حد الْمُتَوَسّط من حديهما، بِأَن يُقَال: هُوَ من أفرد إِلَى أَكثر من ثَلَاث رِوَايَات، وَلم يبلغ أَكْثَرهَا.
وَاعْلَم أَيْضا أَنه يجب على الْقَارئ أَن يُمَيّز بَين الْقرَاءَات وَالرِّوَايَات، والطرق، وَالْأَوْجه، ليسلم من التَّرْكِيب فِي الْقِرَاءَة.
1 / 122
فَإِن كَانَ الْخلاف لأحد الْأَئِمَّة بِكَمَالِهِ مِمَّا أجمع عَلَيْهِ رُوَاته: فَهُوَ قِرَاءَة، أَو للراوي: فَهُوَ رِوَايَة.
أَو لمن بعد الروَاة - وَإِن سفل - فَهُوَ طَرِيق.
وَإِن رَجَعَ إِلَى تَغْيِير الْقَارئ فَهُوَ وَجه.
فَنَقُول مثلا: إِثْبَات الْبَسْمَلَة بَين السورتين: قِرَاءَة ابْن كثير، وَعَاصِم، وَالْكسَائِيّ، وَرِوَايَة قالون عَن نَافِع، وَطَرِيق الْأَصْبَهَانِيّ عَن ورش.
1 / 123
ونقول أَيْضا: لَك فِي الْبَسْمَلَة بَين السورتين - لمن بسمل - ثَلَاثَة أوجه، وَفِي حرف الْمَدّ قبل المدغم لأبي عَمْرو، فِي نَحْو: ﴿الرَّحِيم ملك﴾، ثَلَاثَة أوجه، وَفِي الْوَقْف على نَحْو: ﴿نستعين﴾، لكل من الْقُرَّاء سَبْعَة أوجه.
وَلَا نقُول فِي شَيْء من ذَلِك: قراءات، وَلَا رِوَايَات، وَلَا طرق.
1 / 124
وَقد تطلق الْأَوْجه على الطّرق على سَبِيل الْعدَد، لَا على سَبِيل التَّخْيِير.
وَاعْلَم أَن الْفرق بَين الخلافين، أَن خلاف الْقرَاءَات، وَالرِّوَايَات، والطرق، خلاف النَّص وَرِوَايَة، وَطَرِيق.
فَلَو أخل الْقَارئ بِشَيْء مِنْهُ كَانَ نقصا فِي الْقِرَاءَة، أَو الرِّوَايَة، فَهُوَ وَمُقَابِله واجبان فِي إِكْمَال مَا ذكر.
وَخلاف الْأَوْجه خلاف تَخْيِير، فَبِأَي وَجه قَرَأَ الْقَارئ أَجزَأَهُ.
وَاعْلَم أَيْضا أَن كَلَام الله - تَعَالَى - يقْرَأ بِكُل من التَّحْقِيق، والحدر، والتدوير، والترتيل.
فالتحقيق: مصدر حقق.
وَمَعْنَاهُ عِنْد أهل الْأَدَاء: إشباع الْمَدّ، وَتَحْقِيق الْهمزَة، وإتمام الحركات، والإتيان بالإظهار وَالْوُقُوف الْجَائِزَة.
1 / 125
وَيكون لرياضة الألسن، وتقويم الْأَلْفَاظ، وَهُوَ الَّذِي يسْتَحبّ الْأَخْذ بِهِ على المتعلمين.
وليحترز فِيهِ عَن الإفراط فِي تَحْرِيك السواكن، وتوليد الْحُرُوف من الحركات، وتكرير الراءات، وتطنين النونات، بالمبالغة فِي الغنات.
فقد روينَا عَن حَمْزَة أَنه قَالَ لبَعض من سَمعه يُبَالغ فِي ذَلِك: أما علمت أَن مَا كَانَ فَوق الجعودة فَهُوَ قطط، وَمَا كَانَ فَوق الْبيَاض فَهُوَ برص، وَمَا كَانَ فَوق الْقِرَاءَة فَلَيْسَ بِقِرَاءَة.
1 / 126
وَهَذَا النَّوْع مَذْهَب أطول الْقُرَّاء مدا، كحمزة، وورش، من طَرِيق الْأَزْرَق.
وَأما الحدر، فَهُوَ مصدر: حدر - بِالْفَتْح - يحدر - بِالضَّمِّ - إِذا أسْرع.
وَمَعْنَاهُ عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ: سرعَة الْقِرَاءَة، بتخفيفها: بِالْقصرِ،
1 / 127