قال جون هامبدن
John Hampden
في التعقيب على رواية الملك جون: «إن شكسبير لم يخترع موضوعات رواياته، بل كان يأخذ القصص والشخوص والحوادث حيثما اتفقت له وراقت لديه، ومنها - على سبيل المثل - روايات سابقة، وسير مشهورة، وتراجم من بلوتارك، وحكايات من الإيطالية يعلم أنها معروفة بين النظارة، ولكنها في عصرنا هذا تحسب في عداد السرقات التي لا تطاق، خلافا للعرف الذي كان يحسبها القاعدة المصطلح عليها.»
والمهم في هذه الحالة أن توجد الفكرة عن التأليف المسرحي بهذا المعنى، فإذا تعود الناس أن يشهدوا على المسرح حوادث وشخوصا يعرفونها ويترقبون عرضها في سياق التمثيل فهم لا يقصرون ذلك على التاريخ وحوادثه وشخوصه، بل يقبلونه ولا يستغربونه إذا تمثل لهم في حوادث القصص المطروقة والحكايات الشائعة والأخبار الحاضرة، وما إليها من المألوفات والمحفوظات، وكأنهم يتعودون أن يسألوا أنفسهم كلما خطرت على بالهم قصة من القصص النادرة أو المتداولة: ترى كيف تكون هذه القصة لو شهدناها على المسرح؟ وكيف تبدو لو كتبها ذلك المؤلف أو مثلها ذلك الفنان؟ وكيف تتراءى مناظرها وتقع كلماتها وراء الستار في هذا المسرح أو ذاك؟
وقد كان لفهم التأليف المسرحي بهذا المعنى أثره في تقدير الفن المسرحي وتقرير مكان المسرح في الحياة الفنية والحياة الاجتماعية، فكان من هذا الأثر استقلال الكتابة المسرحية وكفاية الفن المسرحي بذاته، فتعود الناس أن يروا ما يعرض على المسرح عملا مكتفيا بذاته مهما لأسلوب عرضه وأدائه، غير متوقف على القصة ولا على الحادثة ولا على التاريخ نفسه، وربما كان من أثره أيضا إباحة الخروج على التقاليد المرعية في توحيد الزمن والمكان والواقعة، فما صلح للعرض على المسرح بالغا من نفوس النظارة مبلغه المطلوب فلا حرج عليه أن تتفرق فيه المواقع والأوقات ما أمكن جمعه في نطاق المسرح ومناظره المستطاعة بحيلة من الحيل التي لم تكن ميسورة في تمثيل الروايات الإغريقية واللاتينية، بل ربما كان لكفاية الفن المسرحي بذاته أثره في إباحة التصرف بترتيب الحوادث التاريخية وترتيب أماكنها وأوقاتها، أو في إخضاع التاريخ على المسرح لمقتضيات التمثيل سواء نشأت هذه المقتضيات من ضرورات التوفيق بين الوقائع والمناظر أو من دواعي التحسين والتجميل؛ لاسترعاء النظر وإبلاغ الأثر المقصود واستثارة الشعور على الأسلوب المأثور، ولهذا أجاز شكسبير وغيره في رواياتهم التاريخية أن يخالفوا سرد الحوادث على علمهم بحقيقتها في كثير من الحالات، وفعلوا ذلك كما يفعل المصور الذي يظهر الإنسان المرسوم بجانب واحد على حسب الموقع أو حسب الوجهة التي ينظر إليه منها، وهو ولا شك يعلم أنه ينظر إلى إنسان ذي جانبين متقابلين، ومن المؤلفين من كان يستبيح هذا التصرف بحوادث التاريخ على تفاهم بينه وبين النظارة والقراء؛ لأن ما وقع من هذه المخالفات التاريخية لم يكن كله مجهول الحقيقة ولم يكن شيء منه عبثا لغير مزية فنية أو ضرورة عملية، ولا يمنع هذا أن يكون بعضه قد وقع فيه المؤلف والنظارة عن جهل بتفصيل حقائق التاريخ.
وقلما اتفق لشكسبير مصدر من مصادر التاريخ أو الخبر أو الحكاية، فاستغنى في إعداده للمسرح عن شيء من الصقل والتحوير أو عن شيء قليل من التبديل والتغيير، إلا أنه كان يقصد ما استطاع في المساس بما يعلمه من أصول الحوادث التاريخية ويستعين على اتقاء ذلك بامتداد الزمن واتساع الموضوع، فينقسم العهد الواحد أقساما مستقلة ويتحرز بذلك من المداخلة بين أنبائها والخلط بين أجزائها وأسمائها، أما ما اتفق له من حكاية أو أسطورة تصلح للمأساة أو للملهاة، فلم يكن يبالي أن يأخذ منها ما يشاء وينبذ منها ما يشاء، وأن ينقلها من موطن إلى موطن ويخرج بها من زمن إلى زمن ويفصل بين أطراف القصة الواحدة، ويجمع بين أطراف القصص المتعددة، ولا يرى لها حقا من الحفظ إلى جانب الاجتهاد في إبرازها للمسرح على الوجه الذي يرتضيه.
ومصادره من حيث الوضوح ورجاحة السند تنقسم أقساما ثلاثة: مصادر التاريخ، ومصادر المأساة، ومصادر الملهاة.
فمصادر الروايات المستمدة من تاريخ الجزر البريطانية تكاد تنحصر في مصدر واحد، وهو الموسوعة التاريخية التي شرع الناشر ريجنالد وولف
Reginald wolfe
في إعدادها وتبويبها للإحاطة بأخبار العالم القديم والحديث، ثم مات قبل إتمام العدة لها، فلم يظهر منها غير أجزاء خاصة بالجزر البريطانية، أهمها ما كتب بقلم هولنشد
অজানা পৃষ্ঠা