114

ومشكلة اللغات الحديثة أيسر من مشكلة اللغتين القديمتين؛ لأن الكلمات الفرنسية أو الإسبانية أو الإيطالية التي جاءت عرضا على ألسنة بعض شخوصه لا تزيد على ما يعلمه عامة أبناء عصره من تلك اللغات، وقد كانت رحلاتهم في السلم والحرب إلى فرنسا وإيطاليا تتصل في عهد الرحلات المتلاحقة بين بلاد القارة الغربية، وكان زوار إنجلترا من الفرنسيين والإسبانيين يتفاهمون على نحو من التفاهم بغير حاجة إلى التراجمة في محادثاتهم اليومية مع أبناء البلاد، وكانت إيطاليا في عصر النهضة قبلة المهذبين والظرفاء ينقلون عنها الأزياء، ويأخذون عنها الصحاف المختارة من الطعام ويتشبهون بسادتها في ألعاب البيوت وملاهي السهرات، ويذكرون أوراق اللعب بأسمائها الإيطالية التي بقي بعضها في اللغة الإنجليزية إلى الآن .

فإذا كان في أمرها في اللغات الحديثة وجه للغرابة، فالغريب في هذا الأمر أن يجهلها شكسبير ولا يعرف منها ذلك القدر الذي لا يستعصي على أحد يريده في وقت من الأوقات. •••

ويبدو أن المناظرة بين الفريقين عن أصالة شكسبير قد تحولت إلى سباق في البحث عن المحاسن والأخطاء ولكن على غير المنظور من المنكرين ومن المتشيعين؛ لأن المنكرين هم الذين يتحرون مواطن الإتقان والدراسة الرفيعة ليقولوا إن المنظوم والمنثور في المجموعة من عمل مؤلف غير شكسبير، ويقابلهم من الطرف الآخر من يخالفونهم من المتشيعين المعجبين أو المتعصبين، فيمعنون في تحري مواطن الخطأ والزلل ليقولوا إن المجموعة لا تكون من عمل مؤلف كأصحاب الدراسات الرفيعة الذين ترددت أسماؤهم في أقوال مخالفيهم؛ إذ هي أخطاء بينة لا تخفى على المتعلم الذي أصاب من العلم الرفيع ما أصابه أمثال أولئك الأقطاب.

ولهذا كشف المعجبون بالشاعر ما لم يكشفه منكروه من أخطائه وعيوبه، ولم يتركوا عملا واحدا من منظومه أو منثوره لم يأخذوا عليه خطأ في التاريخ أو في الجغرافية أو في العلم بأحوال الأمم وطبائع الأمور.

ونذكر في أمثلة ذلك إطلاق المدافع في عهد هملت، أي عهد الغارة الدنمركية على إنجلترا، مع أن الأسلحة النارية لم تستخدم في أوروبة قبل القرن الرابع عشر. ومن أمثلة هذه الأخطاء كلامه عن جامعة وتنبرج

Wittenberg

في ذلك العهد مع أنها تأسست في مفتتح القرن السادس عشر، وكلامه عن الحرس السويسري في العهد نفسه وهو نظام لم يعرف في الشمال، وعن شواطئ بوهيمية في رواية «نادرة الشتاء» وعن الساعة الدقاقة في عهد يوليوس قيصر، وعن الأزياء والنباتات والأحياء في غير أماكنها من القارات.

هذه المآخذ وعشرات من أمثالها قد جمعت من كل فطنة ولكنها لم تثبت شيئا مما أريد إثباته من أصالة شكسبير؛ لأنها نوقشت وغربلت فصارت إلى نتيجة من ثلاث ليس منها ما ينتفع به في هذا المبحث خاصة، وإن كان فيها منتفع للبحث في تاريخ الأدب وفي خصائص العبقرية وأخطاء العلماء والأدباء.

فبعضها ليس فيه خطأ تاريخي ولا جغرافي وإنما الخطأ فيه من النقاد أنفسهم؛ لأنهم نظروا إلى المواقع على ما كانت عليه في أزمنتهم أو في الماضي القريب ولم ينقبوا عن ماضيها المجهول، فبوهيمية كانت في القرن الثالث عشر تمتد من بحر أدريان إلى البحر البلطي ولم تكن خالية من الجداول والأقنية الصناعية، ولم تذكر في موضعها على البحر لأول مرة في مجموعة شكسبير، بل ذكرها جرين على هذا الموضع في روايته دوراستس وفونيه

Dorastus and Fawnia

অজানা পৃষ্ঠা