শাজারাত দুর
شجرة الدر: قصة تاريخية
জনগুলি
ومشت السيدة يسبقها شابان ويتبعها شابان، كأنما يقيس كل منهم خطوته حتى لا يتأخر عن موضعه من زملائه، على أن السيدة - فيما يبدو - لم تسلك ذلك الطريق من قبل منفردة ولا مصاحبة؛ فقد كانت حركة رأسها في ذلك الطريق تنبئ عن رغبتها في أن تحقق النظر في كل ما تقع عليه عينها من صور الطريق، أو لعل ذلك كان مظهرا من مظاهر القلق النفسي الذي يبدو في نظرة عينيها.
وظلوا يمشون حتى انتهوا إلى بناء قائم في طرف المدينة، قد انبسط بين يديه فناء واسع، وقام على بابه بواب غليظ العنق عريض الصدر، في عينيه جد وصرامة، وفي وسطه منطقة قد تدلى منها خنجر في جرابه لا يبدو منه إلا مقبض عاطل من التمويه والزخرف؛
3
فلم يكد يقترب منه هؤلاء النفر الخمسة حتى خلى مكانه إلى جانب الباب ليفسح لهم الطريق، فلما صاروا بإزاء الباب دفع أحد الشابين مصراعه بيده فانفتح، ثم وقف ووقف زميله، وانفرج بينهما طريق نفذت منه السيدة إلى الباب يتبعها الفارسان الشابان، ثم انصفق وراءهم الباب. •••
وكان لويس التاسع جالسا في جانب من الغرفة على حشية منصوصة على بساط ذي تصاوير، وقد أسند ظهره إلى وسادة على الحائط، حين سمع على الباب طرقا خفيفا، فقال في صوت خافت كالهمس: ادخل.
فدخلت السيدة وخلفت الشابين ينتظران خلف الباب، فلم تكد تتوسط الحجرة حتى رفعت عن وجهها اللثام، ونضت عن جسدها ذلك المعطف السابغ، فلم يكد يراها لويس حتى صاح في لهفة وقلق: مرجريت! ما جاء بك؟
وهب واقفا، ثم اندفع إلى زوجته مشوقا قلقا قد توزعته الخواطر واختلطت به مذاهب الفكر.
قالت مرجريت في هدوء: جئت لأقيم معك في هذا الأسر يا لويس، حتى يأذن الله بالفرج! - ماذا؟ أتبلغ الغلظة بهؤلاء الأوغاد أن يقودوا إلى الأسر «مرجريت دي بروڨانس» لأن زوجها قد كان معهم في حرب مشروعة؟
4 - رويدك يا لويس؛ فما قادني أحد إلى الأسر، وإنما استأسرت لهم طائعة لأونس وحشتك يا حبيبي! - أنت! تستأسرين لهؤلاء الكفار طائعة من أجلي يا مرجريت؟ - من أجلك يا لويس، فما تطيب لي الحرية وأنت في وحشة الأسر لا تجد من يؤنسك ويسري عنك؛ فهل يسوءك يا لويس أن تشاطرك زوجتك آلامك، لتنال معك من نعمة السماء أجر الجهاد والصبر؟! - الآلام والجهاد والصبر؛ ما أعظم ما تصفين يا مرجريت، وما أقل ما نستحق من الأجر؛ لو لم تكن هذه الخاتمة لأملت أن يكون ما تصفين من الأجر، أما وقد كان ما ترين فإنني لم أفعل شيئا إلا أن سفكت دم عشرات الآلاف من أهل الصليب، فعلى رأسي تلك الدماء جميعا يا مرجريت! - تلك إرادة السماء يا لويس! وماذا كنت تملك أن تفعل غير ما فعلت؟ - كنت أملك أن أموت على صهوة جوادي وفي يدي سيفي يقطر من دم هؤلاء الكفار! - ومن يثأر لك ولأولئك الآلاف إن كان ذلك يا لويس؟ - وهل تأملين يا مرجريت أن أعود إلى الحرية فأثأر لأولئك الآلاف؟ - ستعود إلى الحرية يا لويس، وتعتلي صهوة جوادك، وتروي ظمأ سيفك من هؤلاء الكفار، وتثأر لمن قتلوا من الشهداء! - هيهات يا مرجريت أن يطلق هؤلاء المسلمون لويس ملك فرنسا وقد حصل في أيديهم، إنهم ليعلمون ما يحمل لهم في صدره من البغضاء وما يتمنى لهم من أماني السوء. - بل سيطلقون سراحك يا لويس إذا أديت لهم ما يطلبون من مال؛ فهل جاءك أنهم قتلوا مليكهم، ولم يستقر على عرشه بضعة أسابيع؛ لأنه هم أن يسألهم فيم أنفقوا ما خلف أبوه من المال؟ المال يا لويس هو الذي أغراهم بمليكهم فقتلوه شابا في عنفوانه، وهو الذي يغريهم بأن يردوك إلى الحرية لتتهيأ للثأر! - يا ليت يا مرجريت! ولكن من ذا يدفع عني ما قد يطلبون من الفدية ويداي مغلولتان؟ - سيتبارى رعاياك من أبناء فرنسا، والمسيحيون في شتى بقاع الأرض، ليدفعوا فدية القديس لويس، ويردوا إليه حريته. - آه! ما أطيب قلبك يا زوجتي المحبوبة! إن المسيحيين وأبناء فرنسا على السواء يا مرجريت، لا يحبون لويس إلا حين يقودهم إلى المغانم، أما لويس الأسير في دار موحشة من بلاد الكفر، فليس يخطر على بال أحد أن يفتديه بدم أو مال. أم حسبت كل هؤلاء الآلاف الذين يقودهم لويس من مرسيليا إلى قبرص، فدمياط فالمنصورة، كانوا يتبعونه لشيء غير طلب الغنيمة والمجد؟ - أوه! أذلك قولك يا لويس؟
طأطأ الملك الأسير رأسه في انكسار وهو يقول في صوت خافت كأنه بين يدي قسيسه يعترف بما أسلف من خطايا: نعم يا مرجريت، لقد خرجنا باسم الصليب نطلب المجد في الأرض، فتحققت فينا مشيئة الرب وانتهينا إلى الأسر والهوان والمذلة!
অজানা পৃষ্ঠা