وانطلق جوني والأطفال الثلاثة يوم السبت إلى كارناسي، وكانت فرانسي في الحادية عشرة من عمرها ونيلي في العاشرة وتيلي الصغيرة قد جاوزت الثالثة، وارتدى جوني حلة السهرة الرسمية وقبعته الدربي وبنيقة نظيفة وصدرية، وارتدى نيلي وفرانسي ملابس كل يوم، أما تيلي الصغيرة فقد ألبستها أمها احتفاء بهذا اليوم رداء رخيصا، ولكنه جميل مزركش بالمخرمات، وقد زين بشريط لونه وردي داكن.
وجلسوا في المقاعد الأمامية في عربة التروللي، وتصادق جوني مع السائق، وأخذا يتكلمان في السياسة، وهبطوا من العربة عند المحطة الأخيرة، وكانت هي كانارسي، وشقوا طريقهم إلى رصيف مرفأ صغير حيث وجدوا كوخا صغيرا، ورأوا قاربين من قوارب التجديف المشيدة من كتل الخشب، يهتزان صاعدين هابطين على الحبال المتآكلة التي تربطهما برصيف المرفأ.
وكتب على لافتة فوق الكوخ: «أدوات صيد السمك وقوارب للإيجار».
وكتب على لافتة من تحتها أكبر حجما: «هنا يباع السمك الطازج».
وتفاوض جوني مع الرجل وتصادق معه كعادته، ودعاه الرجل إلى الكوخ ليشرب كأسا من الخمر، زاعما أنه لا يشربها إلا في المساء.
وخرج جوني ومعه سنارة لصيد السمك وعلبة صدئة من القصدير ملئت بدود يكمن في الطين، وفك الرجل الودود حبل أحسن قوارب التجديف حالا، ووضعه في يد جوني، وتمنى له حظا سعيدا، وعاد إلى كوخه.
ووضع جوني أدوات الصيد في قاع القارب، وساعد الأطفال على النزول إلى القارب، ثم ربض على رصيف المرفأ والحبل في يده، وأخذ يشرح ما يتصل بالقوارب قائلا، وهو لم يركب قاربا قط إلا مرة واحدة في رحلة للنزهة: إن هناك دائما طريقتين للنزول إلى القارب، إحداهما صحيحة والأخرى خاطئة، والطريقة الصحيحة هي أن تدفع القارب دفعة، ثم تقفز إليه قبل أن ينساب في البحر هكذا ...
ورفع قامته ودفع القارب بعيدا عنه وقفز ... فسقط في الماء، وحملق الأطفال المذعورون فيه، لقد كان أبوهم يقف أمامهم على الرصيف منذ لحظة، وهو الآن تحت أقدامهم في الماء، وغمرته المياه حتى رقبته، إلا أن شاربه الصغير المدهون وقبعته الدربي ظلا خارج الماء، وبقيت قبعته مستقيمة على جبهته، وحملق جوني في الأطفال لحظة، وقد دهش مثلهم ثم قال: فليحذر أي منكم أيها الأطفال الملاعين أن يعمد إلى الضحك.
وتسلق إلى القارب وأوشك أن يقلبه، ولم يجرؤ الأطفال على الضحك بصوت عال، لكن فرانسي كتمت الضحك بشدة في أعماقها، حتى إن ضلوعها آلمتها، وخشي نيلي أن ينظر إلى أخته وعرف أنه سوف ينفجر ضاحكا إذا التقت عيناه بعينيها، ولم تقل الصغيرة تيلي شيئا، وأصبحت بنيقة جوني وقبعته خليطا مبتلا كالورق المنقوع، فخلعهما وألقى بهما على سطح القارب، وجدف نحو البحر مترنحا ولكنه التزم الصمت في وقار، ولما وصل إلى بقعة ظن أنها المكان المناسب، أعلن أنه سيلقى المرساة، وشعر الأطفال بخيبة أمل حين اكتشفوا أن تلك العبارة الشاعرية، لم تكن تعني سوى إلقاء قطعة من الحديد ربطت على حبل القارب.
وراقب الأطفال الأب مذعورين وهو يسلك في اشمئزاز دودة مختلطة بالطين في الشص، وبدأ صيد السمك، وكان قوامه إطعام الشص ورميه في حركة مثيرة، ثم الصبر عليه لحظة وجذبه خاليا من الدودة والسمك، ثم استئناف العمل كله مرة أخرى.
অজানা পৃষ্ঠা