বিশ্ব ইসলামে নারী খ্যাতিমানদের
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
জনগুলি
لا جرم أنهم، إذا سلكوا هذه الجادة، يعيدون لنا تلك السيرة المجيدة التي امتاز بها الشرق في عصره الذهبي، ويكون من ورائها أكبر الخيرات وأعم البركات لذياكم الشرق في إبان نهضته الحاضرة.
نعم، فقد امتازت دول العرب والإسلام بطابع خاص، وهو أن الخلفاء والملوك وأركان بيوتاتهم وأمراء حكوماتهم كانوا أولا وقبل كل شيء من الشعراء المجيدين، وثانيا وعلى الأخص من العلماء المبرزين والفنانين المبدعين، ومنهم فوق ذلك من يزداد ارتفاعه في بعض الأحيان بتنازله لممارسة الصنائع اليدوية حتى يحذقها ويبرع فيها. هكذا ارتقت طبقات الأمم الإسلامية في مختلف الديار والبقاع حتى وصلت إلى المثل الأعلى الذي يحدثنا عنه التاريخ بما فيه من العجب العجاب، ولو شئت أن أسرد بعض الأسماء التي تتوارد على صدري وتتجارى في خاطري لطال المقال وضاق المجال ولرأيتم المطربات المرقصات مما طلبه لنا سادات الشرق في أيام عزه واستقلاله بأمره من مجالي المفاخر وغرر الآثار، بيد أن المقام لا يحتمل الجولان في هذا الميدان؛ لذلك سأثب أمامكم وثبة بعيدة المدى بحيث تترك ورائي تسعة قرون كوامل، وأقف بكم لحظة واحدة في دائرة مدينة واحدة هي هذه المدينة الجميلة التي ازدهرت فيها الحضارة العربية على عهد الفاطميين وبني أيوب والمماليك والخديويين، فأبعث بتحية ممزوجة بخالص الاحترام والإجلال إلى روح السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ تحية يرسلها أحد الأحياء الآن إلى رجل فارق الدنيا منذ نيف وأربعة قرون، تحية تحدوني إليها في هذا المقام ثلاثة عوامل من الاعتبارات، في كل منها عبرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فأما أولها: فلأن السلطان الغوري قد أحسن إلى القاهرة بإقامة أثر مجيد له مكانة فاخرة بين العمائر الأثرية الوطنية، بل هو بمثابة الدرة اليتيمة في فن العمارة العربية البديع، بل هو محراب لشتيت الفنون الجميلة في الإسلام، ذلك المحراب هي المدرسة المعروفة الآن بقبة الغوري، وهو الذي انتهت إلى القرار فيه خزانتي الزكية التي جمعت فيها طائفة كبيرة مما أنتجته العقول والقرائح في مضمار الآداب العربية وحضارة الإسلام، تلك الخزانة التي وفقني الله لوقفها على أبناء وطني وطلاب العلم أيا كانوا، وأصبحت لا نصيب لي فيها سوى ما يكون لأي فرد من أبناء الأمة المصرية وخادمي المعارف على الإطلاق، وكان الفضل في الوصول بها في خاتمة المطاف إلى هذا المحراب لصاحبي الدولة رشدي باشا وعدلي باشا، هنالك ألقت عصاها واستقر بها النوى، وأصبحت - والحمد لله - في أمان من عادية الزمان وعبث الإنسان.
جلالة الملك فؤاد الأول: صاحب الفضل الأكبر على النهضة العلمية الحديثة في مصر.
هذا، وقد كان الغوري الذي بلغ الثمانين من رجالات العلم والأدب، نعم، كان من أهل الدراية والعرفان بكل معنى الكلمة وبكل ما ينطوي تحت هذا الوصف من المرامي والمقاصد؛ ذلك أنني منذ عشر من السنين أسعدني الحظ فاكتشفت لهذا السلطان المصري تأليفا في النسب النبوي الشريف، مرتبا على أسلوب فني بديع ومرقوما بطريقة هي آية في حسن الصنعة والجمال، عثرت عليه في الخزانة الشاهانية العثمانية بسراي طوب قبو بالقسطنطينية، فسارعت لنقله بالتصوير الشمسي، ولا تزال زجاجاته السلبية محفوظة بخزانتي الزكية ومعها صورة السيف الذي كان يتقلده السلطان الشجاع وهو غير المحفوظ بدار الآثار العربية.
نعم، إن هذا التأليف الصغير لا يكفي للإشاعة بذكر الرجل وجعله في مصاف العلماء ولا للتنويه به وإطراء عمله في ندوة مثل المجمع العلمي المصري، لولا أنه أنشأ في القاهرة أيضا مجمعا علميا كان نسيج وحده وفريدا في نوعه، ولا يزال كذلك على ما أظن، لقد كان ذلك المجمع متنقلا؛ فيعقد جلساته تارة في القصر وتارات في المدينة، أعني في إحدى القاعات المفتخرة التي كانت تزدان بها القصور السلطانية في قلعة الجبل أو في الساحات المقصورة على مدارسة العلم بهذا المسجد أو بذياك الجامع بين أرجاء القاهرة، وكان الغوري - سقى الله عهده وطيب ثراه - يشترك في الجلسات بصفة عضو بسيط من أعضاء ذلك المجمع العلمي المصري البحت المحت المحض، ويساجل زملاءه من علماء الأمة ورجالاتها في المناقشات ويبادلهم الآراء في مختلف المسائل والمعضلات، إنني لا ألقي الكلام على عواهنه ولا أرسله جزافا، بل ها هي محاضر ذلك المجمع شاهد عدل على صدق ما أقول، فقد نقلتها بالتصوير الشمسي بالطريقة الإيجابية في جزأين ضخمين أحضرتهما إلى دار الكتب، وهي تحدث الباحث والمسترشد بما كان للبراعة المصرية من الخطر العظيم قبيل انطفاء نبراسها ودخولها في خبر كان.
محمد علي الكبير: مجدد مصر الحديثة ومعيد الحياة إليها.
ذلك أن الجد العاثر قضى بأن يكون السلطان الغوري - رحمه الله - آخر ممثل للاستقلال المصري؛ إذ بعد سقوط دولته «التي انقرضت معها تلك الإمبراطورية العظمى التي شادها المماليك الأمجاد» خيم الظلام على مصر وعلى ساكني مصر، فتوالى على بلادنا بحور مثلث من الجهالة والانحطاط والانحلال مدة ثلاثة قرون طوال، فقد خسرنا كل شيء: المكانة السياسية، والرخاء المتجري والوحدة القومية، انطمست معالم العلم ومعاهد الأدب ورسوم الفنون ودور الصناعات؛ فلقد سبى الفاتح العثماني جميع علمائنا وفنانينا وكتابنا وشعرائنا وصناعنا وأعياننا وكل من كانت حيثيته ظاهرة وشخصيته بارزة من بياض الناس، وقادهم وراءه إلى القسطنطينية في أغلال الأسر وقيود الاستعباد.
مصاب لو حل بأمة أخرى لبادت أو كادت، ولكن الروح المصرية، روح الفراعنة، روح العرب لم تمت ، وهي لن تموت! نعم قد تولاها فتور أعقبه همود فخمود فجمود؛ ففي ثنايا هذا السبات العميق الطويل، كانت السريرة القومية يعتريها شيء من التشنج فتنتفض حينا من الدهر فتتنبه ثم تتيقظ، يدب فيها شيء من عوامل الحياة أو شيء يقرب من مظاهر الحياة، ولكن إلى أمد قصير، ثم تعود إلى الرقود؛ فقد يتاح لمصر من الطواغيت - وهم لعمري قليل - من يمنحه الله شيئا من الفطانة والرصانة فيعملون على إذكاء القريحة المصرية، حينئذ نرى النيل وواديه يستنيران بشعلة ضئيلة من النور أو قبس خفاق من النار، ولكن هذا اللهيب لا يلبث أن يعتوره الانطفاء، وإن كان على كل حال يبعث وميضا من البوارق النورانية في تلك الليلة الليلاء التي دامت ثلاثة قرون، فنرى في خلالها مشاهد وقتية تتجلى فيها اليقظة القومية.
على هذا المنوال ازدانت القاهرة بالجامع البديع الذي شيده محمد بك أبو الذهب بالقرب من الأزهر ووضع فيه خزانة كتب حافلة قد أخنى عليها الدهر فتفرقت شذر مذر، وذهبت بها العوادي فلم يبق لها أثر، اللهم إلا مجموعة الخشيبات التي لم يكن في الإمكان اختلاسها إلا بعد تفكيكها بحيث لا تعود منها فائدة لغاصب أو مسترق. وبهذه المثابة تجلت اليقظة الوطنية في مصر مرة أخرى وأخيرة في أيام الأمير رضوان الكبير صاحب القصبة المعروفة باسمه إلى هذا العهد، وهي التي لا تزال الخيام والستور تصنع فيها على الطراز العربي الآخذ بالأبصار، ذلك الأمير - رضي الله عنه - كان ممن يجلون الأدب وأهله ويعرفون قيمة العلم ويغدقون النعم على أربابه؛ فقامت سوق المعارف في حكومته ثم انقضت بعد ذهابه إلى ربه موفور الحسنات، راضيا عنه.
অজানা পৃষ্ঠা