বিশ্ব ইসলামে নারী খ্যাতিমানদের
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
জনগুলি
اكتسب ابن أبي عامر ثقة الجميع واستأنس به الكل حتى أصبح شخصا لا يمكن الاستغناء عنه، وفي الحقيقة كانت أهميته تزداد من يوم لآخر حتى بدأ الناس يتوددون إليه، وقد كان يتزلف إلى أصغرهم شأنا من قبل، وما كاد حاجب الخليفة جعفر المصحفي يستشيره ويعتمد عليه في بعض أموره حتى ازدادت منزلته رفعة بين أهل القصر الذين بدءوا يعقدون عليه الآمال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الخليفة نفسه لم يتمالك من الإعجاب به وقد رأى إخلاصه في العمل وأدرك مواهبه ومزاياه.
في هذه الفترة، وقد ابتسم له الدهر، عهدت إليه الأميرة إدارة ضياعها وممتلكاتها، فأصبح مديرا بعد أن كان كاتبا، وبعد مضي زمن قصير احتاج الخليفة إلى شخص أمين يعهد إليه إدارة الضياع الخاصة بولي العهد، ولما كان مترددا في انتخاب الشخص اللائق لهذه الوظيفة عرضت عليه الأميرة تعيين ابن أبي عامر لهذا الغرض، تردد الخليفة بادئ ذي بدء؛ لأنه صاحب الرأي الأول في قبول أو رفض المرشح لهذه الوظيفة، حيث ما زال له نصيب في حكم البلاد، ومع ذلك فقد كان يعلم قبل أي إنسان أن الرجل الذي يعهد إليه أملاك ابنه يجب أن تتوفر فيه مزايا جمة، وأن كل هذه المزايا مجموعة في شخص ابن أبي عامر، وإلا فهل هناك امرؤ أقدر منه على العمل وأشد منه إخلاصا؟
7
فكان لزاما على الخليفة أن يقبله بلا تردد؛ ولذا انتهى الأمر بنزوله عند رأي الأميرة وإصدار الأمر بتعيينه مديرا عاما على تلك الأملاك والضياع، ففي عام 356 من الهجرة اجتمعت لابن أبي عامر ثلاث وظائف بمعونة الأميرة وحمايتها جعلته يطأ الدرجة الثانية من عرش آماله وأمانيه وهو في السادسة والعشرين من عمره.
كان ابن أبي عامر سعيد الحظ فخورا بوظائفه الثلاثة، يصرف في سبيل القيام بأعبائها كل ما لديه من وقت وجهد، كان أفق المستقبل يبدو لناظره منيرا مشرقا وأحلامه زاهية زاهرة، فاطمأن ولم يقلق من المستقبل، أما كان يشعر بأن الحظ سيواليه بنعم أكثر ما دام ينسج على هذا المنوال؟ وإلا فمن ينكر رقيه السريع في زمن قصير؟ ألم يتقلد سلطة واسعة لا تخطر على البال وهو في مثل هذ السن، في عامه السادس والعشرين؟ وهل لم يكتسب ثقة المصحفي وصداقته؟ ألم يكن أهل القصر بما فيهم الأميرات يعجبون بظرفه ورقة شمائله؟ وفوق هذا ألم تكن الأميرة نفسها تظهر له ضعفا وميلا شديدين وتبذل ما في وسعها لرعايته وحمايته؟ أجل، كانت تفعل كل ذلك لدرجة اضطرته إلى طرق أبواب الحيل ولبس ثياب المداهنة؛ لأنه كان مضطرا في حالته تلك إلى ملاطفة أهل القصر ومراضاتهم جميعا، فكان يبسم لهذا ويلاطف ذاك ويعطف على تلك مراعاة للجميع حرصا على إبقاء الظواهر على حالتها، وهذه حالة أكسبته رضا الجميع وجعلته محبوبا منهم يتقبلون هداياه بسرور وابتهاج، وكان الخليفة يقول لأحد مقربيه: «إن كاتب صبيحة هذا رجل غريب الأطوار، قد استمال إليه جميع من في القصر، وإنني لأرى بعيني رأسي كيف يجلون هداياه التافهة ويفضلونها على أثمن هدية تقدم مني إليهم، فلست أدري هل أعده من المخلصين إلينا أم أعتبره ساحرا محتالا؟» ومع ذلك فإن ابن أبي عامر استمر يتقدم حتى أصبح بمساعي الأميرة ناظرا لخزينة الدولة ثم عين بعدها المدير المطلق لإدارة «صك النقود»، وبذلك أصبح في مصاف كبار الموظفين في الأندلس، وكانت الأميرة تباركه في سرها وتهتم برقيه السريع، وكم كانت شاكرة لمحاسن الصدف التي وضعت في طريقها مثل هذا الكاتب الحائز لمزايا عديدة، فلشد ما انتفعت بمواهبه، وكثر ما اهتم هو بكل شأن من شئونها! فهو إليها الشخص الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو الركون إلى غيره، إنه ليعلم آداب المعاشرة أكثر من المتربين بين جدران القصور، ظريف لبق، تطربه النغمة الحلوة، ذو إلمام بالموسيقى قادر على مزاولة أي عمل يكلف به، أضف إلى ذلك علمه بحالة الأميرة الروحية وإدراكه للأشياء التي تبهجها وتقع من نفسها موقع الرضا والقبول، فلله دره من شخص رقيق الحس عالي الفكر!
كل هذه صفات كانت الأميرة تفكر فيها وتراجع نفسها عما إذا كانت متغالية في تقديرها، كلا كلا، إن ابن أبي عامر ليستحق منها هذا التقدير ... هنا يتساءل القارئ هل كان ذلك مجرد تقدير فحسب، أم أنها تميل إليه دون أن تعترف حتى لنفسها بهذا الميل؟ جوابا على ذلك نقول: إنها كانت تحبه
8
تحبه لدرجة أنها أصبحت تجد لذة سائغة في إعطاء الأوامر إليه وتكليفه بكتابة التحريرات المهمة وغير المهمة، إلى غير ذلك من الأسباب والمعاذير المؤدية إلى مقابلته والاحتكاك به، ولكن هل كان هو يشعر نحوها بمثل هذا الميل؟ ألم تكن في ريعان شبابها وعز جمالها ذات صوت رخيم وملاحة جاذبة؟ أليست هي الأميرة صبيحة ملكة قرطبة المحبوبة؟ فهل يمكن ألا تحب؟
نعم، إن ابن أبي عامر كان يطيعها لدرجة العبادة لا لجمالها أو لمحاسن نفسها، بل لوجاهتها ونفوذها، وكانت هي لا تميز فيه هذه الحالة؛ لأنها أحبته من أعماق نفسها حبا ناريا تغلب على كل ما لديها من إرادة وعقلية.
كانت تحبه محبة غير محدودة، كحب شجرة الدر لعز الدين بن أيبك، كلتاهما، صبيحة وشجرة الدر وقعتا بين براثن محبة قاسية، قوضت أركان شخصيتهما الممتازة وتركتهما تعانيان مرائر السلوى وآلام الهجران، كلتاهما بذلتا ما في وسعيهما لإرضاء حبيبيهما إلى حد أن أسقط ما لهما من كرامة وهوى بهما من سماء الرفعة والعز إلى حضيض الذل ليمتزجا بالشخصين العزيزين لديهما، فكل رغبة لهما أو كل أمل كان مقيدا بهواهما، كلتاهما كانتا شمسا تتألق في سماء دولتها تحيط بها نجوم وسيارات، ثم انعكست الآية بعد أن تجرعتا كأس الحب فتبدل الحال بغير الحال، وانحطتا إلى دركة السيارات بعد أن كانتا في دائرة الشموس والأقمار، وارتفع تبعا لذلك شأن حبيبيهما؛ محمد بن أبي عامر وعز الدين بن أيبك حتى أصبح كل منهما الشمس الساطعة في دولته، أجل، استفاد كل منهما من حالة حبيبته الروحية وجعلها ساعدا لأغراضه ومراميه، وتم لهما ما أرادا بخاتمة مؤلمة تكتنفها الدموع وتحيط بها الآلام.
অজানা পৃষ্ঠা