فهتف محتجا: لا تقل ذلك، لا تفقدني البقية الباقية من العزاء.
تحركت مخاوفه مرة أخرى، وشعر بأنه جثة منسية فوق سطح الأرض، وقال: مارسنا عملا، وتزوجنا وأنجبنا، ولكن يخيل إلي أنه ليس لي ما أحصده إلا الهباء، ولكن معذرة لا يحق لي أن أتكلم عن نفسي. - ولكننا نصفان متكاملان.
الماضي المنقضي، والحساب العسير. وقال بفخار في بدروم بيت مصطفى المنياوي: خليتنا قبضة من حديد لا يمكن أن تنكسر، ونحن نعمل للإنسانية جمعاء لا للوطن وحده. نحن نبشر بدولة الإنسان، نحن نخلق بالثورة والعلم عالم الغد المسحور.
ولما أصابته القرعة قال: أنا سعيد، مصطفى عصبي وأنت عريس، وغدا تلقى قنبلة على خنزير من المولعين بمص الدماء. - كان التدبير محكما، ولولا رصاصة طائشة أصابت ساقك لما قبضوا عليك. - أجل، وماذا فعلت أنت ومصطفى؟ - سهرنا حتى الصبح والحزن يقتلنا.
فضحك ضحكة قصيرة، وسأل: ألم تخافا أن أعترف؟ - فكر مصطفى في الهرب، ودعاني إلى ذلك، وفكرنا في الاختفاء، وذقنا أياما تعيسة، ولكنك كنت فوق مستوى الإنسان، وكنا وما زلنا لا شيء.
ويعتاد الإنسان الجحيم كما يعتاد التضحية بالغير. ومهما يكن من قذارة الفأر؛ فإن منظره في المصيدة يثير الرثاء.
وأشار عثمان إلى المساعدات التي تلقاها والداه - قبل وفاتهما - من عمر، ولكن عمر أبى أن يسمع بقية الإشارة. وعند ذلك قال عثمان: لا أريد أن آسف على ما فات؛ فقد اخترت مصيري بوعي كامل، والآن آن لك أن تحدثني عن أخبار الدنيا؟
فقال عمر بدهاء، وهو يرنو إلى النجاة من بعيد: ليكن المستقبل أهم ما يهمنا. - المستقبل؟ ... أجل ... سأنفض الغبار عن الليسانس. - وإليك مكتبي تحت أمرك. - عظيم، ولا اعتراض لأحد في الجهات الرسمية على أن أعمل. - إذن فلتبدأ من اليوم. - شكرا ... شكرا ... ولكن حدثني عن أخبار الدنيا!
لا يريد أن يتزحزح، يا للغرابة! كأنك لم ترتبط به يوما ما. وكأنك لم ترغب قط في هذا اللقاء، لا شيء مشترك بينكما إلا تاريخ ميت، ولا يوحى إليك إلا بمشاعر الذنب، والخوف، وازدراء النفس. ولم يدر بعد بأن كتب الغيب حلت محل الاشتراكية في مكتبك. وها هو يعترضك كقدر، وأنت تهرب من الأهل والدنيا.
وضاق عثمان بصمته، فسأله مستدرجا: حدثني عن أصحابنا. - أوه ... تفرقوا، لا أعرف منهم اليوم إلا مصطفى المنياوي. - وماذا فعلتم؟
অজানা পৃষ্ঠা