فتمهل مصطفى قليلا، ثم قال: لعله لو كنا من العلماء الذين ينفقون عشرين عاما من العمر في البحث عن معادلة؛ لما عرفت التعاسة إلى نفوسنا سبيلا.
فقال وهو يهز رأسه أسفا: لعل سر شقائي أنني أبحث عن معادلة بلا تأهيل علمي.
مصطفى وهو يضحك: ولأنه لا يوجد وحي في عصرنا، فلم يبق لأمثالك إلا التسول.
التسول! في الليل والنهار. في القراءة المجدبة والشعر العقيم. في الصلوات الوثنية، في باحات الملاهي الليلية. في تحريك القلب الأصم بأشواك المغامرات الجهنمية.
وتحدث مصطفى عن زينب، فقال: إنها تعاني مرارة الهجر ومتاعب الحمل معا. أجل كم أنها متوعكة، ولكن ما لقلبه قد تحجر. وهو مستعد أن يجود لها بكل غال تحت شرط أن تحرره من استغلال حب ميت. - أجل ... هناك امرأة ما دمت تصرين على أن تعرفي.
والكراهية نبتت في مستنقع آسن مكتظ بالحكم التقليدية والتدبير المنزلي، ولا عزاء فيما بلغناه من ثراء ونجاح؛ فالعفن قد دفن كل شيء. وحبست الروح في برطمان قذر، كأنها جنين مجهض. واختنق القلب بالبلادة والرواسب الدسمة. وذبلت أزهار الحياة فجفت وتهاوت على الأرض، ثم انتهت إلى مستقرها الأخير في مستودعات الزبالة. - ابكي ما شاء لك البكاء، ولكن عليك أن تسلمي بالأمر الواقع.
فقد قتل الضجر كل شيء، وانهارت قوائم الوجود بفعل بضعة أسئلة. وقلت له: تصور أن تكسب القضية اليوم وتمتلك الأرض، ثم تستولي عليها الحكومة غدا. فقال لي: ألسنا نعيش حياتنا، ونحن نعلم أن الله سيأخذها؟
وكان في مكتبه يراجع مذكرة في فتور عندما دخل الساعي ليستأذن للمسيو يازبك، ودخل الرجل يتقدمه كرشه فسلم وانحنى، ثم جلس وهو يقول: مررت بميدان الأزهار، فقلت أزور وأحيي.
فقال عمر بسخرية باسمة: قل إنك جئت من أقصى الأرض من أجل وردة. - عزيزي الأفوكاتو العظيم، أنت تعلم أن حديقتي ملأى بالورود. - حسن، وإذن لا تتكلم عن وردة كلمة واحدة.
فابتسم ابتسامة عريضة وقال: من الحمق أن أتصور أنه يمكن أن أغلبك، ولنتقدم في أقصر طريق بين نقطتين. - أفندم؟
অজানা পৃষ্ঠা