وكان يرفع رأسه إليه وهو يحادثه، فابتسم عمر في سرور وردد: حسبتك لن تذكرني! - أنا لا أنسى أحدا، فكيف أنساك أنت؟!
تحية كريمة من طبيب خطير. وكثيرون يسمعون عن الطبيب الناجح، ولكن هل يعرف المحامي الفذ إلا أصحاب القضايا؟
وضحك الطبيب وهو يتفحصه، وقال: لكنك سمنت جدا، كأنك مدير شركة من العهد الخالي، ولا ينقصك إلا السيجار.
ضحكت أسارير الوجه الأسمر المستطيل الممتلئ، وفي شيء من الارتباك ثبت نظارته فوق عينيه، وهو يرفع حاجبيه الكثيفين. - إني سعيد بلقياك يا دكتور. - وأنا كذلك، وإن تكن مناسبة رؤيتي ليست بالسارة عادة.
وتقهقر إلى مكتبه المختفي تحت أطلال من الكتب، والأوراق، والأدوات المكتبية النفيسة، ثم جلس وهو يشير إليه بالجلوس: فلنؤجل حديث الذكريات، حتى نطمئن عليك.
وفتح دفترا، وأمسك بالقلم: الاسم: عمر الحمزاوي، محام، والسن؟
وضحك الطبيب عاليا، وهو يقول مستدركا: لا تخف، الحال من بعضه. - 45 عاما. - على أيام المدرسة كان الشهر يعتبر فارقا في العمر له خطورته، أما الآن؛ فيا قلبي لا تحزن. هل من أمراض خاصة في الأسرة؟ - كلا، إلا إذا اعتبرت الضغط بعد الستين مرضا خاصا.
وشبك الطبيب ذراعيه، وقال بجدية: هات ما عندك.
مسح عمر على شعره الغزير الأسود الذي لا ترى شعيرات سوالفه البيضاء إلا بحد البصر، وقال: لا أعتقد أني مريض بالمعنى المألوف.
فازداد اهتمام الطبيب، وهو ينعم فيه النظر باستمرار: أعني أني لا أشكو عرضا من الأعراض المرضية المألوفة. - نعم. - ولكني أشعر بخمود غريب. - أهذا كل ما هنالك؟ - أظن هذا. - لعله من الإجهاد المستمر. - ربما، ولكني غير مقتنع تماما. - طبعا؛ وإلا ما شرفتني. - الحق أنه نتيجة لذلك الخمود؛ ماتت رغبتي في العمل بحال لا تصدق. - استمر. - ليس تعبا بالمعنى المألوف، يخيل إلي أني ما زلت قادرا على العمل، ولكني لا أرغب فيه، لم تعد لي رغبة فيه على الإطلاق، تركته للمحاسب المساعد في مكتبي، وكل القضايا تؤجل عندي منذ شهر. - ألم تفكر في القيام بإجازة؟
অজানা পৃষ্ঠা